استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

فتوق العراق أكبر من الترقيعات الجارية !

الجمعة 13 فبراير 2015 05:02 ص

بعد اتمام انسحاب القوات الامريكية المحتلة من العراق نهاية عام 2011، وتوقيع المالكي على معاهدة التعاون الاستراتيجي مع ممثلي الاحتلال، واعلانه استعداد قواته المسلحة على تسلم الملف الامني وقدرتها على ضبط الاوضاع في العراق، اعتبر الكثير من المعنيين هذا الانسحاب نصرا بينا لايران، في حين اعتبره آخرون بانه نصر حصري للمقاومة العراقية التي اذاقت الامريكان الامرين، وكان بين هؤلاء وهؤلاء من يقول بان الانسحاب الامريكي هو براءة ذمة امريكية من الاحتضار القادم لا محال للعراق نتيجة ما حقنه به المحتلون انفسهم من سموم قاتلة وبطيئة المفعول!

مهما يكن من امر فان امريكا تسعى بوضوح الى ان تكون ايران وليست هي المسؤولة ولو ظاهريا عن تداعيات الحالة العراقية وما سينجم عنها من تمزق وتشظي، وهي لا تريد مبارحة الاستثمار حثيثا في هذا الى جانب عمليات الاستنزاف تصاعديا وعلى اكثر من ساحة خارجية وداخلية، كما في التعامل مع الاذرع الايرانية في سوريا واليمن ولبنان، وكما في السهام الموجهة مباشرة للداخل الايراني، كالعقوبات الاقتصادية، ودعم المعارضة الايرانية ومن ثم الدفع باسعار النفط للانخفاض الملموس، والذي سيؤدي في حالة نجاحه الى افلاس فوضوي للعراق الايراني، وعلى عجز حكم ولاية الفقيه على تغطية نفقات توسعه، بل عجزه عن معالجة مظاهر التراجع الاقتصادي داخليا، خاصة وان الانخفاض الكبير في اسعار النفط سيكون شاملا بشره لها ولحليفها الروسي اضافة للملحق النفطي المتعلق بالعراق، صحيح ان دول الخليج وخاصة السعودية ستتأثر هي الاخرى بهذا الانخفاض لكنها قادرة بما لديها من مرونة في الانتاج والتوفير من امتصاص المضاعفات عكس الحالة في ايران والعراق!

أمريكا سلمت للاحزاب الطائفية المرتبطة بايران حكم بغداد ضمن مسلسل التفاهمات غير المباشرة بين الطرفين، للتعاون وتقاسم النفوذ وبشكل ارقى مما جرى بين الجانبين في افغانستان، بنفس الوقت الذي ارست فيه لحكام كردستان بشقيهم السوراني والباديني حلفا مطواعا، ومتطلعا ليكون بمستوى الحلف الامريكي الاسرائيلي، ومن هذا المنطلق يطالب حكام كردستان بقواعد امريكية ثابتة تدافع عن تطلعاتهم وتثبت استقلالهم عن حكم بغداد، اما في المناطق الغربية التي انطلقت منها شعلة المقاومة لقوات الاحتلال الامريكي في العراق فان امريكا جعلتها كبش الفداء في ترتيبات الدولة الجديدة التي اقامتها وبتخريجات براغماتية تبدو ظاهريا منطقية، لكنها باطنيا تحمل في الثنايا الغاما يمكن الاستثمار في انفجاراتها بعد الانسحاب، لحمل اهلها على القبول بالحل الفدرالي الذي يعني عمليا تحقيق مفردات مشروع بايدن، ويعني ظاهريا انتباهة امريكية لتصحيح الخلل الذي ساهموا بايجاده في معادلة الحكم الجديد في العراق، وكل هذا لان امريكا باتت مدركة تماما بان اهل المناطق الغربية هم الاكثر مقاومة للمشروع الفدرالي والاكثر مقاومة بالتالي لمشروع تقسيم العراق والاكثر اصرارا على تكوين جيش وطني لا طائفي، منتسبوه يلتحقون فيه بناء على نظام الخدمة الاجبارية التي لا تستثني احدا بمن فيهم الكرد!

امريكا جعلت من الجيش صورة للحكم القائم صورة للحالة القائمة، المتحكمين في الجيش من المتحكمين في حكم بغداد من الشيعة، والسنة فيه بينهم وجود رمزي كما هو الوجود الكردي، لان للكرد جيشهم الذي يمنع اي دخول للجيش الحكومي في اي منطقة من مناطق كردستان، حتى انه يحرم على الجيش الحكومي دخول ما يسمى بالمناطق المتنازع عليها، ولقد اراد الامريكان ان تكون الصحوات السنية التي اقيمت اصلا لسحب البساط من تحت اقدام المقاومة العراقية نواة مستقبلية لجيش سني يكون درعا للفدرالية السنية القادمة!

السنة رفضوا الفدرلة وطالبوا بتغيير صورة الحكم الطائفي والجيش الطائفي والاجتثاث الطائفي والسجن الطائفي والتوظيف الطائفي، لكن ايران رفضت وامريكا رفضت وعليه رفض المالكي، لكن المقاومة استمرت والفلوجة قبل داعش كانت تقاوم وكذا الرمادي وكذا ديالى وصلاح الدين وكذا الموصل، ولم يقتصر الامر على السنة فالشيعة من غير منتسبي الاحزاب الطائفية يطالبون بما يطالب به السنة لأن المطالب الوطنية لا تتجزأ، الصوت الشيعي الطائفي لا يمثل غير اصحابه من الفسدة ومتسلقي السلطة، اما الاغلبية بينهم فهم لا يؤمنون بغير العراق الواحد الذي لا فرق فيه بين حاكم سني او كردي او فيلي اوشيعي او تركماني ان كان وطنيا مخلصا نزيها وكفوءا وليست له ولاءات لغير العراق، ونجد هذا الشعور حتى بين الكبار من رجال الدين الشيعة والذين هم اعلام بوجه التغلغل الايراني، كالخالصي والصرخي.

المالكي وميليشياته واجهت المطالب المشروعة للمناطق الغربية بالحديد والنار، فاشتعلت المدن وازداد الاحتقان، ومعها ازدادت عجرفة المالكي معتمدا على الدعم الطائفي الايراني، وبرغم من فشله الصارخ في كل المجالات الخدمية والامنية ناهيك عن الازمات المزمنة الاخرى كالبطالة والفساد وفقدان الامن، راح يصعد من وتيرة الخلافات مع الاكراد بل حتى مع الاحزاب الشيعية الاخرى، لقد اعتقد نفسه فوق الجميع وراح يلوح ويهدد من دون ان يتذكر بانه وحكمة صنيعة لتوافق امريكي ايراني!

لم تحقق داعش ما حققت لولا سياسات المالكي المدعومة امريكيا وايرانيا، فارهابها هو وجه آخر للارهاب الذي تغذيه سياسات الروم والعجم في عراق اليوم . وهو ينحدر من ذات المنبع الذي ينحدر منه ارهاب المالكي وميليشيات حكمه الطائفي التي عاثت بالارض فسادا، وهكذا التهمت الموصل وصلاح الدين وغيرهما من المناطق، ولم يتعظ حكام بغداد الطائفيون مما جرى بل راحوا يحشدون الحشود الطائفية ليس نصرة للعراق وانما نصرة للحكم الشيعي من بطش جماعات بربرية لا تختلف اساليبها عن اساليب اي حشد طائفي، هنا ايضا تدخلت امريكا وضغطت لتغيير المالكي واستبداله بشخص آخر يمكن ان يخفف من زخم الازمات المتوالدة ويقلل من النفوذ الايراني الذي ساهم المالكي باطلاق عنانه من اجل الولاية الثالثة !

العبادي حتى لو توفرت لديه شخصيا نوايا طيبة لكنه لا يستطيع ان يخرج عن السكة التي اوصلته الى ما هو عليه، نعم انه يمكن ان يصلح بعض المظاهر الصارخة بفسادها وعجرفتها، كرفضه لاستخدام لقب دولة رئيس الوزراء، ومنع تعليق صوره، والغاء مكتب القائد العام وغيرها من الاجراءات الشكلية او توجيه اللوم للمالكي وبعض مفاسد حكمه لكنه غير قادر على الخروج من عباءة المشروع الامريكي الايراني، انه لا يملك ما يعطيه لاجراء مصالحة وطنية حقيقية، تتطلب قرارات واجراءات مسؤولة يدفع البرلمان لتبنيها، كالغاء قانون الاجتثات واعادة العمل بنظام مجلس الخدمة، واصدار قانون العفو العام، واعادة هيكلة الجيش وفق القواعد الوطنية، وتجريم اي جماعة تحمل السلاح خارج اطار الدولة، ورفض التواجد الميليشياوي الايراني في العراق والذي يحفز لتواجد طائفي مقابل وايقاف اي اعمال عسكرية ضد المدن والمدنيين، ومحاسبة المالكي على جرائمه بحق معارضيه السلميين!

لا هزيمة للخراب في العراق الا بهزيمة الحكم الطائفي والاثني فيه، وهذا يعني خروج العراق كحلبة للصراع الطائفي بين امريكا وإيران، وتغييرا لنهج التقاسم المكوناتي، فلا هزيمة حقيقية لداعش الطائفية الا بسلاح الوطنية العراقية الذي يستنهض همم الجميع لانقاذ العراق كل العراق من شرورهم وشرور اي تطرف طائفي جديد، ولا يتحقق هذا الا اذا احس الجميع بانهم مواطنون لهم دولة تحترمهم وتعامل الجميع بدرجة واحدة، وهنا نذكر بان ميليشيات البيشمركة لم تدخل المعركة ضد داعش الا عندما هاجمت داعش اربيل وان القائمين على ميليشيات الحشد الشعبي الشيعية لم يهرعوا لحمل السلاح إلا بعد أن ايقنوا بان داعش عازمة على احتلال المقامات الشيعية في سامراء وحتى الكاظمية، وهذا يدل على غياب الجامع الوطني واستفحال نزعة الاقلمة الطائفية والاثنية، وأيضا يدل على الرغبة بتعطيل مفاعيل المقاومة الوطنية في المناطق الغربية من خلال تسهيل مهمة داعش للسيطرة على تلك المناطق وجعلها فريسة للانشغال الطائفي!

تكاثرت الفتوق في العراق الممدد على سدية المحتضرين، ليتناوب على نهشه المحتلون القدامى والجدد، الامل معقود على تغيير حقيقي ليس بالوجوه ومناصبها، الأمل معقود على تغيير جذري في السياسات النافذة في العراق منذ 2003 وحتى الآن.

* جمال محمد تقي كاتب من العراق

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

العراق الترقيعات الحكم الطائفي الطائفية الإثنية الإقليمية أمريكا إيران المالكي

العراق: «قتل المجتمع» ـ الأمير الاتحادي