الإمارات تتلمس آثار قطر وتركيا في أفريقيا.. هل تنجح بمحوها؟

الاثنين 19 مارس 2018 10:03 ص

الميدان أفريقيا.. هذا هو ما باتت تعنيه التحركات الأخيرة للقوى الإقليمية الكبرى في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي مؤخرا، لاستمالة مراكز القوى الأفريقية الصاعدة بقوة، والتي باتت تشكل مناطق نفوذ اقتصادي شديد الأهمية، ومن المعروف أن السياسي قد يتبع الاقتصادي في أحيان كثيرة.

الجولة الأخيرة، التي اختتمها وزير الخارجية الإماراتي «عبدالله بن زايد»، في عدد من الدول الأفريقية مؤخرا، عكست جانبا من هذا الأمر، وهي جولة كان عنوانها «مجاراة الأمر الواقع».

وبحسب مراقبين، وجدت الإمارات نفسها، وبشكل مفاجئ، في مكان متأخر كثيرا بقلب أفريقيا الذي شهد على مدار الأسابيع والشهور الماضية جراحات دقيقة من خصوم أبوظبي، وأبرزها قطر وتركيا، التي أنهى قادتها جولات ناجحة على أعلى المستويات، مؤخرا، تكللت بتمتين الروابط بين كل من الدوحة وأنقرة، بأبرز مراكز القوى في القارة السمراء.

الجولة الإماراتية اختلفت كثيرا في الأسلوب، وإن اتفقت في الاستراتيجية، فالأسلوب كان شبيها بمحاولة للحاق بالركب، مستلهمة الشعار «أن تصل متأخرا أفضل من ألا تصل إطلاقا»، حيث لم يجر الجولة رأس الدولة أو أبرز شخصياتها، كما فعلت تركيا، بإرسال رئيسها «رجب طيب أردوغان»، وقطر بأميرها «تميم بن حمد آل ثاني».

الإمارات اكتفت هذه المرة بإرسال وزير خارجيتها، وأعلنت، قبيل الزيارة، أن الوزير سيطير إلى إثيوبيا، ولم تتطرق إلى أماكن أخرى، إلا أن الجميع فوجئ بالوزير الإماراتي يبدأ جولته بالعاصمة السنغالية داكار، ثم جاءت «الزيارة المعلنة» إلى إثيوبيا، قبل أن يختم «بن زايد» جولته، بدولتي مالي ورواندا.

وبنظرة سريعة على خريطة الجولة الإماراتية الأخيرة نخرج بالملاحظات التالية:       

أولا: السنغال

تحاول الإمارات لملمة آثار الضربة التي تلقتها، هي ودول الحصار، من السنغال، عندما قررت إعادة العلاقات كاملة مع قطر، بعد نحو شهرين فقط من إعلان قطعها وسحب السفير السنغالي من الدوحة، بالتوازي مع اندلاع الأزمة الخليجية، وهو التطور الذي قرأ على أنه نتاج ضغط هائل من السعودية والإمارات على السنغال بأوراق اقتصادية وسياسية مهمة.

ومثلت زيارة أمير قطر «تميم بن حمد» إلى السنغال، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، ذروة انتصار سياسة النفس الطويل القطري حيال ما فعلته دول الحصار على الجبهة الأفريقية، لذلك كان مهما أن يبدأ «بن زايد» جولته بالسنغال لمحاولة استكشاف ما جرى، وإعادة توجيه البوصلة السنغالية نحو وجهات نظر دول الحصار مجددا، وقد يكون الإغراء باتفاقيات اقتصادية بابا مهما.

زيارة «بن زايد» إلى السنغال، كما أعلن بعد ذلك، جاءت في الأساس لإعادة افتتاح سفارة أبوظبي في داكار، وهي خطوة مهمة قد تتبعها الإمارات بخطوات لمحاولة إعادة استمالة السودان إلى صف دول الحصار، باعتبارها إحدى أبرز قوى غرب أفريقيا المهمة.

ليس قطر فقط، هي المستهدفة بزيارة الوزير الإماراتي إلى السنغال، ولكن تركيا أيضا، والتي كان رئيسها «رجب طيب أردوغان» على موعد مع استقبال مميز في داكار، مطلع مارس/آذار الجاري، في زيارة خصصت لها القنوات التليفزيونية الرسمية في السنغال قسما كبيرا من بثها وعلى رأسها قناة RTS الرسمية.

ثانيا: إثيوبيا

تعد إثيوبيا أحد أكثر الدول تأثيرا في القارة السمراء، فهي تحتضن مقر الاتحاد الأفريقي، وتتبوأ مكانة رفعية في معدل النمو الاقتصادي والاستثماري خلال الفترة الأخيرة.

التعاطي الإماراتي مع إثيوبيا يتوقع أن يكون مختلفا بعض الشئ عن السنغال، فالأمر لن يقتصر على محاولة استمالة أديس أبابا إلى وجهات نظر دول الحصار ضد قطر فقط، بل قد يتجاوزه إلى محاولة التدخل في الأزمة السياسية الحالية التي تشهدها البلاد، بعد الاستقالة المفاجئة لرئيس الوزراء الإثيوبي «هايلي مريام ديسالين» والأزمة التي سببتها للحزب الحاكم هناك.

وكان لافتا أن «عبدالله بن زايد» حرص على مقابلة «ديسالين»، رغم استقالته.

لكن احتمالية التأثر الإثيوبي بأية محاولة للتدخل السياسي من الإمارات في نظامها تظل مستبعدة، نظرا لرفض التدخل الخارجي، حتى بين أوساط قادة المعارضة الإثيوبية.

تبقى احتمالية أخرى، وهي محاولة الإمارات إدخال إثيوبيا بقوة في الاتفاقية المشبوهة بين شركة مواني دبي العالمية، وحكومة «أرض الصومال»، غير المعترف بها في مقديشو، للاستحواذ على ميناء بربرة الصومالي، وهي الاتفاقية التي أثارت غضب مقديشو ودفعتها إلى الاحتجاج رسميا أمام الجامعة العربية، والتي اعتبرتها باطلة، وتضر بالسيادة الصومالية.

ومن المعروف أن هناك رغبة من دول الحصار في معاقبة الصومال، بسبب رفضها الضغوط الهائلة التي مورست عليها، لا سيما من السعودية والإمارات، لمقاطعة قطر، لكن هل ستستجيب إثيوبيا للضغوط الإماراتية وتكون طرفا في تلك الاتفاقية بشكل رسمي لتكسب عداء الصومال الذي ترتبط معه باتفاقيات أمنية واقتصادية مهمة؟.. هذا هو السؤال.

من جهة أخرى، ستحاول الإمارات النفاذ إلى أية فجوة في العلاقات الإثيوبية مع قطر وتركيا ومحاولة توتيرها، في ضوء تميزها مؤخرا، حيث زار «أردوغان» إثيوبيا في 2015، واستضاف أمير قطر رئيس الوزراء الإثيوبي في الدوحة، في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي.

ثالثا: مالي ورواندا

باعتبارهما من القوى الاقتصادية الأفريقية الصاعدة، تهتم الإمارات بمحاولة التواجد في مالي ورواندا، خصوصا أن الأولى شهت زيارة من الرئيس التركي، منذ أسابيع، وقبله أمير قطر.

لا يجب إغفال أيضا لقطة الاهتمام السعودي المفاجئ بالقارة السمراء، وهو الأمر الذي تمثل في تعيين الرياض، الدبلوماسي المخضرم «أحمد قطان»، وزيرا خاصا للشؤون الأفريقية، بخبرته الطويلة في استمالة مراكز القوى والشخصيات المؤثرة بالمال السعودي، ومهارته في إدارة العلاقات مع القيادات السياسية والاقتصادية داخل الدول الأخرى.

ويبدو بالفعل أن ثمة استراتيجية وضعت داخليا بين دول الحصار تقضي بأهمية مجاراة التحرك القطري التركي الطموح في أفريقيا، والذي وصل ذروته في الأسابيع والشهور الماضية، وهو ما انتبهت إليه دول الحصار، حيث باتت أفريقيا، بخيراتها الاستراتيجية ملعبا مفتوحا أمام الحلف القطري التركي.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الامارات افريقيا جولة اثيوبيا دول الحصار قطر الصومال السنغال تركيا