أسباب ارتفاع أسعار النفط

الاثنين 23 فبراير 2015 04:02 ص

يستمر ازدياد سعر النفط الخام للأسبوع الثالث على التوالي. فقد استقر سعر نفط «برنت» المرجعي على نحو 61 دولاراً للبرميل، ما يعني ان سعره ارتفع نحو ثمانية في المئة منذ منتصف كانون الثاني (يناير) الماضي. لكن على رغم هذا التغير المهم في اتجاه الأسعار، لا يمكن غض النظر عن احتمالات تذبذب في الأسعار تغير الاتجاه أو تخفض الأسعار.

الاحتمالات الأكثر توقعاً هي استمرار ارتفاع الأسعار خلال النصف الثاني من العام. لكن هذا التوقع يشوبه خوف من الفائض النفطي الحالي المقدر بما بين 1.8 مليون برميل يومياً ومليونين، ما يعني استمرار الضغوط على الأسواق، ان لم يكن انخفاض آخر، لكن على الأقل ستحصل تذبذبات في الأسعار. إلا أنه يتضح إمكان التعامل مع هذا الفائض النفطي لأنه ضئيل الحجم نسبياً، من دون اضطراب الأسواق.

وهناك عوامل أساسية تؤثر في الأسواق، مثل التقليص الضخم للموازنات الاستثمارية للشركات النفطية الكبرى لهذا العام، الأمر الذي سيؤدي إما إلى توقف أو تأجيل عدد مهم من المشاريع الإنتاجية التي هي قيد التطوير أو في مرحلة التخطيط. وهناك انخفاض عدد الحفارات العاملة في الولايات المتحدة، إذ أعلنت شركة «بايكر هيوز» للخدمات البترولية الأسبوع الماضي انخفاضاً للأسبوع الحادي عشر على التوالي وذلك بنحو 190 حفارة ما أدى إلى خفض مجمل عدد الحفارات العاملة إلى 1056، وكان معظم الحفارات المتوقفة يعمل في حقول النفط الصخري والمحصور، الأمر الذي سيؤدي إلى تقليص إنتاج هذا النفط غير التقليدي أو خفض الزيادة في معدلات إنتاجه قريباً.

وبالفعل تشير تقديرات المنظمات النفطية المتخصصة («أوبك» ووكالة الطاقة الدولية) إلى ان الإنتاج الإضافي المتوقع من الدول غير الأعضاء في المنظمة خلال هذا العام سيبلغ 800 ألف برميل يومياً، بدلاً من مليون برميل يومياً كانت متوقعة سابقاً. ويرجح المراقبون ان يسجل إنتاج النفط الخفيف الصخري الأميركي أعلى معدلاته خلال النصف الأول من هذا العام، لكن من المتوقع، بسبب انهيار الأسعار في الفترة الماضية وآثارها على هذه الصناعة، ان ينخفض الإنتاج في النصف الثاني. ويعتبر المؤشران - تقلص عدد الحفارات العاملة في الولايات المتحدة، وخفض الموازنات الاستثمارية للشركات النفطية الكبرى هذا العام - أهم الدلائل على احتمال زيادة الأسعار خلال النصف الثاني من هذا العام.

ومما يعزز حجة توقعات زيادة الأسعار هو تدهور الوضع الأمني في ليبيا أخيراً. فقد سجل معدل الإنتاج الليبي عند اجتماع المجلس الوزاري لمنظمة «أوبك» نحو مليون برميل يومياً وكان في طريقه إلى الارتفاع إلى مستوى أعلى. إلا ان الإمدادات من حقل «سرير»، أضخم حقل نفطي ليبي، تعطلت بعد نسف أنبوب النفط الممتد من الحقل إلى ميناء مرسى البريقة للتصدير في شرق البلاد، ما أدى إلى عودة مستوى إنتاج ليبيا إلى مستوياته الدنيا، أي اقل من 400 ألف برميل يومياً. ويترك حجب نحو 600 ألف برميل يومياً من النفط الليبي آثاراً مهمة على الأسعار العالمية، خصوصاً ان المسؤولين الليبيين يحذرون علناً من إمكانية إغلاق كافة الإنتاج في حال استمرار تدهور الوضع الأمني.

وثمة أسئلة لا تزال تواجه المراقبين، تتعلق أولاً بسرعة ردود فعل النفط غير التقليدي بتقليص الإنتاج اثر تدهور الأسعار، وثانياً بسرعة ردود فعل المستهلكين على صعيد زيادة الطلب خلال هذه الفترة، وثالثاً بردود فعل الدولتين المنتجتين الكبيرتين (روسيا وأميركا). فمن الملاحظ ان أسعار النفط تتدهور مرة كل 10 سنوات تقريباً، إلا ان الانخفاض كان مختلفاً هذه المرة. فقد اتخذت «أوبك» قراراً تاريخياً بضرورة مشاركة الدول غير الأعضاء في المنظمة في تحمل مسؤولية استقرار الأسواق، بما في ذلك خفض الإنتاج عند حصول تخمة. ويعني هذا القرار تغييراً مهماً في سياسات الصناعة النفطية العالمية منذ أوائل عقد السبعينات للقرن الماضي، عندما تحملت «أوبك» وحدها هذه المسؤولية.

لقد اتخذ القرار هذه المرة في وقت بدأ النفط الخفيف الصخري الأميركي يؤدي دوراً مهماً في الصناعة النفطية العالمية يتمثل في تلبية الطلب المحلي الأميركي والاكتفاء الذاتي من دون الحاجة إلى الاستيراد بالكميات الضخمة المعهودة سابقاً، والسوق الأميركية - كما هو معروف - اكبر سوق مستهلكة للطاقة عالمياً، كما كانت تشكل اكبر سوق مستوردة للطاقة. واتخذ هذا القرار في وقت تتجه الاستثمارات إلى النفوط الباهظة الكلفة. وهذا يعني أهمية مشاركة الدول ذات النفط غير التقليدي في عملية استقرار الأسواق نظراً إلى أهمية ذلك لصناعتها.

لقد تأثرت الدولتان المنتجتان الكبيرتان، الولايات المتحدة وروسيا، بهذه القرارات والتطورات. وتأثرت روسيا في شكل اكبر بكثير من الولايات المتحدة نظراً إلى مركزية الصناعة النفطية في اقتصادها، وللحصار والمقاطعة الغربية ضد اقتصادها وصناعتها البترولية مع تصاعد أزمة أوكرانيا وعدم توقع تدشين مشاريع بترولية ضخمة في المستقبل المنظور. وعلى رغم هذه الصعوبات، تشير التوقعات إلى استمرار إنتاج روسيا عند ما يزيد على 10 ملايين برميل يومياً في السنوات المقبلة، كما ترجح التوقعات ان ينخفض الإنتاج نحو 70 ألف برميل يومياً.

ويبقى السؤال الأكثر إلحاحاً: ما هو المستوى السعري الجديد الذي ستستقر عليه الأسعار؟ هل ستتفادى الدول المنتجة الكبرى التجربة السابقة في دعم المستوى السعري إلى ما فوق 100 دولار والى متى؟

بلغ معدل سعر سلة نفوط «أوبك» نحو 96.29 دولار للبرميل خلال 2014. أما المعدل حتى الآن لعام 2015، فهو نحو 46.97 دولار. معنى هذا ان إمكانية تفادي أقطار «أوبك» عجزاً كبيراً في موازناتها العامة لا يزال صعباً، فموازنات الدول المنتجة لعام 2015 تعتمد سعراً للبرميل يتراوح بين 55 و65 دولاراً.

* كاتب عراقي متخصص بشؤون الطاقة

 

  كلمات مفتاحية

النفط أوبك فائض المعروض الأسعار النفط الصخري عدد الحفارات

«أوبك»: تأثير هبوط النفط على المنتجين الآخرين أسرع من المتوقع

«التليجراف»: الملك «سلمان» يقيد يد «النعيمي» في «النفط» بتعيين نجله نائبا له

الأمين العام لـ«أوبك» يتوقع تعافي أسواق النفط قريبا

«المزروعي»: تعافي أسعار النفط يتوقف على المنتجين خارج «أوبك»

النعيمي: «أوبك» لن تخفض إنتاجها ولو بلغ سعر البرميل 20 دولارا

وزير النفط الكويتي: الأسعار قد تتحسن في النصف الثاني لعام 2015

«النعيمي»: السعودية تريد استقرار أسواق النفط ولا ترى حرب أسعار

استمرار انخفاض أسعار النفط مع مخاوف زيادة تخمة المعروض

النفط يصعد لأعلى مستوى في 2015 مع تباطؤ إنتاج ليبيا وارتفاع أسعار الخام السعودي