انهيار الإخوان: هل تستطيع الجماعة البقاء في ظل الضربات الأخيرة؟

الثلاثاء 19 يناير 2016 09:01 ص

يلقب الإخوان المسلمون «محمود عزت» بالرجل الحديدي. وقد حصد نائب المرشد العام البالغ من العمر 71 عاما هذا اللقب إثر نضال استمر على مدار حياته ضمن صفوف جماعة الإخوان المسلمين في مصر، بما في ذلك أكثر من عشر سنوات قضاها في السجون المصرية، صقل خلالها سمعته بالصرامة، وبكونه واحدا من أشد المتمسكين بالانضباط الهرمي التنظيمي الجامد داخل الجماعة.

بعد الإطاحة بالرئيس المصري المنتخب لأول مرة «محمد مرسي» في يوليو/تموز 2013، نما نفوذ «عزت» داخل الجماعة نظرا لكونه واحدا من قليل من قادة الصف الأول الذين نجحوا في الفرار من الحملة الأمنية، حيث اختبأ في مصر في الفترة التي اختار فيها معظم الإخوان الرحيل إلى المنفى. «كانت لديه القدرة على الاختباء نظرا لأنه تعرض للسجن قبل ذلك لمدة 10 سنوات»، وفقا لما قاله «عمرو فراج»، أحد الناشطين الشباب في جماعة الإخوان خلال مقابلة معه في أكتوبر/تشرين الأول عام 2014 في إسطنبول. وقال «فراج»: «إنه، أي عزت، يستطيع الجلوس في غرفة مغلقة لمدة خمس سنوات دون أن يتحدث إلى أي شخص»، مضيفا أن «عزت» قد طلب من الإخوان عدم الاتصال به تجنبا لكشفه داخل مصر.

ويبدو أن استراتيجية «عزت» في الحفاظ على الذات قد عملت في نهاية المطاف، حيث لم تستطع قوات الأمن المصرية القبض عليه. ولكن في غيابه، فقد انهار الانضباط الداخلي لجماعة الإخوان المسلمين وانفجر الخلاف الداخلي الحاد إلى العلن في ربيع عام 2015. وبعد أن حاول في البداية حل هذه الانقسامات من داخل مصر، فقد ظهر «عزت» بشكل مفاجيء في تركيا في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني (ملاحظة المترجم: أعلنت مصادر صحفية عن نيته حضورا اجتماعا لمجلس شورى الإخوان لكن لم يتم تأكيد ذلك فيما بعد ولم يظهر في أي من وسائل الإعلام أو يجري أية حوارات علنية)، وأعلن نفسه قائما بأعمال المرشد العام. ومع ذلك، فإن الرجل الحديدي قد فقد لمسته المميزة، حيث رفض معظم الإخوان لعبته للسلطة، والتي عمقت الشرخ داخل الجماعة بشكل كبير خلال الأشهر الماضية.

فرض الانضباط

ويعكس فشل «عزت» في إحكام سيطرته تغييرا كبيرا في ثقافة المنظمة.

على مدار العقدين الماضيين، تمت الهيمنة على الإخوان من قبل فصيل من المتشددين المعروفين باسم «القطبيين»، نسبة إلى المنظر الإخواني «سيد قطب» الذي ألهمت دعوته إلى الجهاد العالمي في وقت لاحق تنظيم القاعدة وعدد من التنظيمات المسلحة الأخرى. مثل العديد من أبناء جيله من قادة الإخوان، سجن «عزت» بصحبة «قطب» قبل إعدامه بتهمة التآمر للإطاحة بحكومة «جمال عبد الناصر» في عام 1966. وعلى الرغم من أن «عزت» يهون من دور العناصر الأكثر تشددا في كتابات «قطب»، فإنه وزملاءه القطبيين يتبنون دعوة سيد قطب من أجل إنشاء «الطليعة» التي من شأنها أن «تحافظ على نفسها بمعزل إلى حد ما» من المجتمع الأوسع حتى تتمكن من إقامة حكم إسلامي.

حتى يناير/كانون الثاني عام 2011، الانتفاضة التي أطاحت بنظام «حسني مبارك» بعد حكم 30 عاما، كان القطبيون ينظرون إلى وصول الإخوان إلى السلطة كهدف طويل الأجل، وقد عملوا في هذه الأثناء على بناء مؤسسة متماسكة فكريا من خلال تجنيد أتباع أكثر تشبثا وإعدادهم للوقت المناسب. وقف القطبيون عادة ضد التعاون السياسي مع غير الإسلاميين خوفا من أن ذلك من شأنه أن يجبر الإخوان على التنازل عن مبادئهم الإسلامية.

وضع هذا النهج الانعزالي القطبيين في خلاف مع جناح ما يسمى بالإصلاحيين داخل الجماعة. على الرغم من أن الإصلاحيين يتقاسمون نفس أهداف القطبيين بإقامة دولة إسلامية عالمية على المدى الطويل، ولكنهم يعتقدون أنه من الأفضل أن تقوم المنظمة بالسعي إلى أهدافها من خلال التوعية بمبادئها على نطاق واسع بما في ذلك التنسيق مع الجماعات غير الإسلامية بشأن الأهداف السياسية المشتركة. قاد الإصلاحيون جهود الإخوان للتنظيم والفوز بالسلطة داخل النقابات المهنية خلال التسعينيات، وشارك شباب الإخوان من الإصلاحيين في تحالفات المعارضة التي شملت قوى غير إسلامية. كما قادوا جهود الإخوان للتوعية المنظمة في صفوف المجتمع الدولي، وتعزيز سردية الاعتدال لدى جماعة الإخوان في الأوساط الأكاديمية والسياسية الغربية.

ومع ذلك، فإن الإصلاحيين يمثلون أقلية صغيرة داخل جماعة الإخوان المسلمين وغالبا ما يقوم القطبيون أمثال «عزت» بتهميشهم كلما ظهر خلاف كبير. على سبيل المثال، عندما حاول الإصلاحيون الشباب إنشاء حزب سياسي يحمل توجهات الإخوان في عام 1996 ضد رغبات مكتب الإرشاد، فقد تم استبعادهم «فصلهم» من المنظمة. وبالمثل، عندما انتقد اثنان من القادة الإصلاحيين البارزين لجماعة الإخوان وثيقة التي تطالب باستبعاد غير المسلمين من الترشح لرئاسة مصر في عام 2007، فقد تم التصويت ضدهما للخروج من مكتب الإرشاد في الانتخابات اللاحقة. وقد قام الإخوان باستبعادهما تماما في وقت لاحق بسبب العصيان في أعقاب انتفاضة 2011. وعندما رفضت مجموعة من الكوادر الشابة مرسوما من مكتب الإرشاد يطالب جميع الإخوان المسلمين بدعم حزب الحرية والعدالة (الحزب الوليد للمنظمة) في مارس/أذار 2011، فقد تم إقصاؤهم من الجماعة كذلك.

في مثل هذه الحالات، فإن القطبيين يبذلون قصارى جهدهم من أجل فرض الانضباط ومنع الخلافات الداخلية من أن تتحول إلى شقوق كبيرة. وفي الواقع، فقد بقى العديد من الإصلاحيين في صفوف الجماعة حتى مع قيام القطبيين برسم استراتيجية سياسية عدوانية على نحو متزايد في السنوات التي تلت سقوط «مبارك». ظلت جماعة الإخوان موحدة بإحكام من خلال مختلف الانتخابات والاستفتاءات خلال عامي 2011، و2012، حيث فاز حزب الحرية والعدالة بأغلبية المجلسين البرلمانيين بينما فاز محمد مرسي بمقعد الرئاسة.

صعود الشباب

في منتصف رئاسة «مرسي» التي استمرت لمدة عام ظهرت توترات جديدة داخل جماعة الإخوان المسلمين. في نوفمبر/تشرين الأول عام 2012، أصدر «مرسي» إعلانا دستوريا أعطى لنفسه بموجبه صلاحيات تنفيذية مطلقة، قبل أن يتم دفع مشروع الدستور الإسلامي للاستفتاء. تجمع احتجاجات حاشدة خارج القصر الرئاسي للمطالبة بالإطاحة بـ«مرسي»، هددت الكوادر البارزة من شباب الإخوان باستجابة عدوانية. وقد قام «جهاد الحداد»، نجل مستشار السياسة الخارجية لـ«مرسي» في ذلك التوقيت، بالتغريد بالقول: «عندما يكون مستقبل مصر على المحك فليس هناك أي أعذار .. نحن على استعداد لدفع ثمن ذلك من حياتنا وليس أصواتنا».

حاولت قيادة الإخوان في البداية تهدئة العناصر الشبابية من خلال دعوتهم إلى التظاهر لدعم «مرسي» في مكان منفصل عن المحتجين المناهضين. وقد حاول القطبيون احتواء الضغوط نحو استجابة أكثر مباشرة.

بعد كل شيء، فقد كانت دعوة الشباب لمواجهة المعارضة ضد «مرسي» ثمرة مباشرة للرفض الأيدولوجي للقطبيين للتفهمات المباشرة مع غير الإسلاميين، وبالتالي فإن مكتب الإرشاد قد رضخ في نهاية المطاف وقام بحشد أنصاره لحماية شرعية «مرسي» خارج القصر الرئاسي في5  ديسمبر/كانون الثاني 2012. كان ذلك واحدا من القرارات الأكثر ضررا لجماعة الإخوان المسلمين، وقد حفز اشتباكات عنيفة بين الإخوان وبين المتظاهرين المناهضين لـ«مرسي» أسفرت عن وقوع 10 قتلى. أصبح هجوم الإخوان على المتظاهرين صرخة لحشد المعارضة ضد «مرسي». وانتهى الأمر إلى قيام الجيش بالإطاحة بـ«مرسي» في 3 يوليو/ تموز من عام 2013، وشنت الحكومة المدعومة من الجيش حملة شديدة على جماعة الإخوان المسلمين نجحت في تحطيمها على نحو فعال.

مع وجود معظم قادة الإخوان المسلمين قيد السجن أو في المنفى أو مختبئين، فقد ارتفع تأثير الكوادر الشبابية فجأة بشكل كبير. عندما عقدت جماعة الإخوان انتخابات القيادة الجديدة في فبراير/شباط من العام 2014، فقد تم استبدال 65% من قادتها السابقين، وجاء أكثر من 90% من القادة الجدد من جيل الشباب. وعلى النقيض من القطبيين، الذين عادوا إلى توصيف نضال الإخوان باعتباره كفاحا طويل الأمد، فقد دعا هؤلاء الشباب إلى موقف ثوري بهدف زعزعة النظام الجديد للرئيس «عبد الفتاح السيسي» في أقرب وقت ممكن. تحت قيادتهم، تبني الإخوان مفاهيم «الجهاد» و«الشهادة» في بيان رسمي صدر في يناير/كانون الثاني عام 2015، وقاموا بدعم الهجمات على قوات الأمن والبنية التحتية على صفحات وسائل الإعلام الاجتماعي.

وفي الوقت نفسه، قام الشباب بتهميش قدامى القادة القطبيين مثل الأمين العام للجماعة لفترة طويلة «محمود حسين»، الذي تولى مهام إدارة التنظيم في الخارج خلال السنة التالية للإطاحة بـ«مرسي».

انقلاب القطبيين

حذر القطبيون الشباب الجدد أن مثل هذا النوع من العنف الثوري يمكن أن يضفي الشرعية على قمع النظام للجماعة. وبعدما تم تجاهل نصيحتهم، قام القطبيون بمحاولة استعادة السيطرة على زمام الأمور في أيديهم: في بيان أصدره في مايو/أيار من العام 2015، حاول «حسين» أن يعيد تعيين نفسه في منصب الأمين العام. رفضت القيادة الشبابية مناورته وامتدت أنباء الانشقاق إلى العلن، وأطلق شباب الإخوان وسما على وسال الإعلام الاجتماعي تحت شعار «لا عودة إلى الوراء»، نددوا خلاله بما أسموه الانقلاب الناعم للقطبيين. لحل الأزمة، قامت اللجنة الإدارية العليا لجماعة الإخوان المسلمين، التي أنشئت لإدارة شؤون التنظيم داخل مصر، بالإعلان أنها سوف تحقق في أسباب الصدع وتقوم بمحاسبة المسؤولين عنه. ولكن في أواخر مايو/أيار، وأوائل يونيو/حزيران، قامت الحكومة المصرية بالقبض على الكوادر الثلاثة المتبقية من كبار قادة الإخوان في إحدى ضواحي القاهرة، ما تسبب في إيقاف التحقيق.

وفي الوقت نفسه، فقد برز خلاف جديد بين مكاتب الإخوان في لندن وإسطنبول. وقد منح مكتب إسطنبول السيطرة على أنشطة الإخوان في المنفى بعد الإطاحة بالرئيس «مرسي». ولكن تبني أعضاءه الشباب لدعوات الثورة العنيفة في مصر قد وضع ضغوطا على مكتب لجماعة الإخوان المسلمين في لندن، الذي كانت الحكومة البريطانية تقوم بالتحقيق في أنشطته. لذا فقد حاول مكتب لندن أن ينأى بنفسه عن مكتب إسطنبول من خلال الطلب من أعضائه وقف الاتصال مع مكتب إسطنبول. حاولت اللجنة الإدارية العليا في القاهرة تهدئة هذه الأزمة الجديدة من خلال تشجيع المكتبين على التعاون، ولكن مكتب لندن قد رفض الأمر وقام بإحالة أمر مكتب إسطنبول إلى الرجل الحديدي، «محمود عزت»، من أجل تحقيق ثان.

عادت التوترات إلى العلن مرة أخرى في منتصف ديسمبر/كانون الأول، عندما دعا المتحدث الإعلامي الشاب باسم الجماعة «محمد منتصر» (على الأرجح اسم مستعار) إلى احتجاجات في مصر بهدف إسقاط حكم الجيش في 25 يناير/كانون الثاني، في الذكرى السنوية الخامسة لانتفاضة عام 2011. رد القطبيون بغضب واتهموا «منتصر» وزملاءه الشبان داخل جماعة الإخوان المسلمين بانتهاك عمليات صنع القرار داخل الجماعة وأعلن «عزت» أن «منتصر» سيتم استبداله بمتحدث آخر. عمقت هذه التحركات من وتيرة الانقسام داخل الجماعة. وعلى الرغم من أن أكبر قادة الإخوان في مصر، «محمد عبد الرحمن المرسي»، قد أيد تحرك القطبيين واتهم الشباب بمحاولة احتكار السلطة داخل المنظمة، فقد رفض 16 مكتبا على الأقل من مكاتب الإخوان داخل المحافظات موقف القطبيين، وقام مكتب الإسكندرية بتحويل المتحدث الإعلامي المعين من قبل «عزت» للتحقيق.

أعلن الفصيلان مواقع إلكترونية منفصلة لكل منهما، ففي حين حافظ الشباب على سيطرتهم على الموقع الأصلي للجماعة «إخوان أون لاين»، فقد أنشأ القطبيون موقعا جديدا تحت اسم «إخوان سايت».

في الأسابيع الأخيرة، حاول الداعية «يوسف القرضاوي»، الذي يتخذ من قطر مقرا له، التوسط في حل الأزمة، وقد اقترح نائبه مؤخرا أن يقوم الإخوان بإنشاء نظام جديد لإدارة الجماعة. ولكن سيكون من الصعب وضع همتي ودمتي (شخصيات كرتونية) معا مرة أخرى.

على الرغم من أن الانقسام داخل الإخوان يمكن تفسيره جزئيا على أنه انقسام داخل الأجيال، إلا أنه يعكس أيضا اختلافات حادة بشأن أهداف المنظمة واستراتيجياتها وإذا ما كان ينبغي أن تسعى لاستعادة السلطة الآن كما يقول الشباب، أو في المستقبل البعيد وفقا لنظرة القطبيين، وكذلك ما هي الأدوات التي ينبغي استخدامها للوصول إلى الحكم الإسلامي. تفرض هذه الأسئلة النظرية نفسها على نحو متزايد.

قيام السلطات المصرية بمحاولة طمس المنظمة داخل مصر يعني أن الإخوان ليس لديهم فرصة واقعية للسيطرة على السلطة في وقت قريب وبالتالي فإن فصائلها ربما لا يزال لديها حوافز قوية للتوحد من أجل السعي لتحقيق الطموحات المشتركة. ولكن الانضباط الداخلي الصارم الذي ميز طريقتها في اتخاذ القرارات والتعبئة قد صار الآن شيئا من الماضي. ونتيجة ذلك، فإنه يبدو أن أسطورة الرجل الحديدي لم تعد أكثر من مجرد بقايا.

 

  كلمات مفتاحية

الإخوان المسلمين مصر خلافات الإخوان محمود عزت مكتب لندن

التقرير البريطاني حول الإخوان: طبقة أخرى في تاريخ طويل من سوء الفهم

«الإخوان»: أجرينا تغييرات داخلية .. لا نعادي السعودية ولن نتصالح مع الانقلاب

«الإخوان» تشترط رحيل «السيسي» وعودة «مرسي» كأساس لأي حوار

«الإخوان المسلمون» ظالمون ومظلومون

مصادر: ضغوط خليجية ودولية على «السيسي» لـ«التهدئة» مع الإخوان

وزير العدل المصري يطالب بقتل مئات الآلاف من «الإخوان» و«من يحبهم»

حظر كتب «الإخوان» في معرض القاهرة الدولي للكتاب

الداخلية المصرية تلغي عزاء نجل مؤسس «الإخوان»

«هيومن رايتس» تطالب «السيسي» بإدانة تصريحات وزير تدعو لقتل الإخوان

أزمة «الإخوان المسلمين» في الأردن

هل تضطر تركيا إلى الاختيار بين جماعة الإخوان وحلفائها الإقليميين؟