كيف ترسم إيران مستقبل الطاقة في العراق على أسس طائفية؟

الثلاثاء 2 فبراير 2016 12:02 ص

أنتج قيام المملكة العربية السعودية بإعدام رجل الدين الشيعي «نمر النمر»، وما تبعه من قيام بعض الإيرانيين باقتحام السفارة السعودية في طهران طوفانا من المقالات حول الأبعاد العسكرية والطائفية للصراع بين إيران والمملكة العربية السعودية. بل إن البعض قد ذهب إلى حد إعلان وجود حرب باردة جديدة بين إيران والمملكة العربية السعودية. وبطبيعة الحال، كان واحدا من أهم المعالم البارزة للحرب الباردة الأصلية هي الفوائد الاقتصادية التي حصلها كلا البلدين في شكل المنافسة على المساعدات الخارجية بين موسكو وواشنطن. هذا الأسلوب من الحرب الباردة يبدو أنه قد عاد إلى الظهور، باستثناء أن المستفيدين هذه المرة هم البلدان المجاورة لإيران والمملكة العربية السعودية.

أحد الجيران الذين يحملون أهمية خاصة بالنسبة إلى إيران هي العراق. تدعم إيران ماليا مشروعات الطاقة العراقية، وبالتحديد بناء محطات توليد كهرباء على نطاق واسع في المناطق ذات الأغلبية الشيعية في جنوب البلاد باعتبارها وسيلة لسحب بغداد بشكل أكبر نحو المدار الإيراني عبر السيطرة على قطاع الكهرباء في البلاد. هذه الوسيلة تجعل العراق أكثر عرضة للنفوذ الإيراني، في الوقت الذي تسمح فيه لطهران بتجنب المشاحنات المكلفة الناجمة عن التدخل العسكري. في الواقع، فإن بناء محطات الطاقة الإيرانية يتم النظر إليه في هذا السياق على أنه أحد مكونات المشروع الإيراني طويل الأجل الذي يهدف إلى بناء المجال الشيعي من النفوذ الذي يمتد من العراق وسوريا إلى البحر المتوسط، والذي يعمل باعتباره حصنا للنفوذ ضد القوة العظمى السنية، المملكة العربية السعودية. ولكن تطوير هذه المشروعات من قبل إيران سوف يكون له عواقب على المدى الطويل بالنسبة إلى العراق. وعلى العموم، فإن هذه المشاريع هي علامة على أن الحرب الباردة في الشرق الأوسط لن تبرح مكانها.

إطفاء الأنوار

وقد تم إلحاق أضرار بالغة بقطاع الكهرباء العراقي، الذي كان مزدهرا يوما ما، بفعل لضربات الجوية التحالف في حرب الخليج وحرب الخليج. انخفض إنتاج القطاع من 10 آلاف ميغاوات في بداية عام 1990 إلى 2500 ميغاوات فقط بحلول عام 1991. ونتيجة لذلك، فقد واجهت العراق نقصا مزمنا في الطاقة، على الرغم من الجهود المبذولة لإعادة بناء وترميم القطاع. وحتى خلال أسوأ سنوات التمرد السني، خلال عامي 2005 و2006، فقد أعرب العراقيون عن عدم الرضا بسبب عدم قدرتهم على تشغيل مكيفات الهواء بدرجة أكبر من عدم رضاهم عن حالة الانفلات الأمني.

وعلى الرغم من مشكلة إمدادات الكهرباء قد تم الشعور بها في جميع أنحاء البلاد عبر عدة سنوات، فإن المشكلة خلال هذه الأيام تصبح أكثر سوءا بشكل خاص داخل المناطق السنية. ووفقا للتقرير السنوي الأخير لوزارة الكهرباء العراقية، فإن هناك ما يقرب من 66 من محطات الطاقة في جميع أنحاء البلاد (باستثناء المناطق التي تسيطر عليها حكومة إقليم كردستان). وعلى الرغم من أن إنتاج الكهرباء قد شهد تحسنا مقارنة بعام 1991، فإن البلاد لا تزال تنتج فقط ما يصل إلى 7700 ميغاوات من الكهرباء.

ولكن الأمر مختلف بشكل ما في المساحات السنية الواسعة من البلاد والواقعة تحت سيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية»، حيث تم تعليق مشاريع الطاقة الجديدة. لا يزال هناك ما يقرب من سبع محطات لتوليد الكهرباء في هذه المناطق، قادرة على توليد ما بين 1200 إلى 1700 ميجاوات من الكهرباء. تتطلب ذروة الطلب في المنطقة ما بين 18.700 إلى 22.000 ميغاوات. هذا يعني أن هناك عجز يتراوح ما بين 11 ألفا إلى 14 ألف ميغاوات من الطاقة التي تحتاجها المنطقة من أجل أن تعتبر مستقرة.

وفي الوقت نفسه، فإن المناطق التي تخضع لسيطرة حكومة إقليم كردستان تشهد استثمارات أجنبية ضخمة، ما يجعل الوصول إلى الطاقة متاحا في الإقليم على مدار الساعة. وقد شجع الاستقرار النسبي للمناطق الكردية في العراق على الاستثمار في البنية التحتية كجزء من مشروع بناء الدولة في حكومة إقليم كردستان على عكس الأماكن الأخرى المضطربة.

 في المناطق الشيعية، هناك ما يقرب من 45 محطة من محطات الطاقة توفر ما بين 6000 و6500 ميغاوات من الكهرباء تخضع لإشراف الحكومة المركزية العراقية. هذا بالطبع أقل من المستهدف بحوالي 13500 ميغاوات لذلك فقد كثفت شركات إيرانية خاصة جهودها من أجل إنشاء محطات طاقة جديدة مع المزيد من الخطط التي تهدف لإنشاء منطقة للتجارة الحرة التي يمكن أن تكون بمثابة قناة للصادرات الإيرانية، وموقعا لمشاريع الطاقة المتجددة المخطط لها، إضافة إلى مشاريع ومصانع الصلب.

كلما بقى «الدولة الإسلامية» في السلطة لفترة أطول، فإن ذلك سوف يظل يعني أن العراق سوف تشهد تطويرا متفاوتا في بنية الطاقة. هذا لا يبشر بالخير بالنسبة إلى بلد يعاني بالفعل من وجود انقسامات على أسس طائفية. في الواقع، فإن القرارات التي يتم اتخاذها الآن تبشر بالفعل بمستقبل خطير. في يونيو/حزيران الماضي، وقعت شركة البناء الإيرانية الخاصة «مبنى» صفقة بقيمة 2.5 مليارات دولار (أكبر عقد لطهران في البلاد حتى الآن) لبناء منشأة بقدرة 3 آلاف ميغاوات في البصرة. حينما تدخل المنشأة إلى الخدمة في عام 2017، فإنها ستعزز قدرة توليد الكهرباء الإجمالية في البلاد بنسبة 20 في المائة. تمول طهران بشكل كامل بناء المشروع. وفي مؤشر على مزيد من الاعتماد على إيران، فقد وقع العراق اتفاقا لاستيراد الغاز الطبيعي الإيراني لتشغيل محطة البصرة. ويقول «حميد رضا أراغي»، العضو المنتدب لشركة الغاز الوطنية الإيرانية، إن صادرات الغاز الإيراني إلى البصرة تتطلب بناء خط أنابيب تقدر تكلفته بـ2.3 مليار دولار.

ليست هذه هي المرة الأولى التي تدعو فيها العراق إيران من أجل تلبية احتياجاتها من الطاقة. توفر شركات الطاقة في طهران حاليا ما بين 1000 إلى 1400 ميغاوات من الطاقة إلى محافظة واسط في شرق العراق. وقد شيدت «مبنى» أيضا محطات لتوليد الكهرباء في كل من بغداد والنجف والمنصورية ويفترض أن تتلقى جميع هذه المحطات الغاز الإيراني عبر خطوط أنابيب سوف يتم بناؤها من قبل الجمهورية الإسلامية. ليس من المستغرب أن هذه المشاريع الإنشائية تقتصر على المناطق الشيعية، في حين تترك المناطق السنية، مجازيا أو حرفيا، لتعيش في الظلام.

أما الآن، فإن الحكومة المركزية العراقية ببساطة تفتقر إلى القوة اللازمة للسيطرة على المناطق الواقعة تحت سيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية»، ناهيك عن متابعة مشاريع البناء داخل هذه المدن والبلدات. تحصل المناطق الكردية على احتياجاتها من الطاقة وهو ما يرسم مستقبل الطاقة في العراق على أسس طائفية. إذا لم تستطع بغداد إدارة البنية التحتية في المناطق السنية، فإنها لن تستطع كسب السنة حتى إذا نجحت في استعادة الأراضي. وسوف تترك المنطقة مفتوحة لدعوات راديكالية لفترة طويلة قادمة.

فيما وراء المشاكل في العراق، فإن المنافسة بين إيران والمملكة العربية السعودية في المنطقة تساعد على خلق فترة من عدم اليقين. هذا يجعل من المنطق الاستراتيجي بالنسبة إلى طهران أن تسعى إلى إدخال العنصر الاقتصادي ضمن هذه الحرب الأوسع نطاقا ضد الرياض من خلال الاستثمار في المناطق الشيعية في العراق. في خضم ذلك، لا يبدو أن طهران تولي اهتماما كبيرا لاستقرار العراق على المدى الطويل أو حتى لاستقرار المنطقة ككل. وبالتالي، قد يكون ناء محطات جديدة لتوليد الكهرباء يمثل أخبارا سارة لسكان جنوب العراق، لكنه لا يبشر بالخير عموما بالنسبة إلى المستقبل. نفوذ إيران المتنامي في البلاد، إضافة إلى السياسة المتصلبة من قبل الحكومة المركزية في العراق قد عمقت الانقسامات الطائفية التي تضر بالفعل بمستقبل المنطقة. ما لم تعمل طهران والرياض وبغداد معا على وضع خطة شاملة لمحو «الدولة الإسلامية» من المنطقة، وجلب المناطق الكردية إلى الحظيرة العراقية من جديد، والتأكد من التعامل مع جميع الفئات على قدم المساواة، فإن فرصة التئام العراق الممزق ببعضه البعض مرة أخرى سوف تكون أقل من أي وقت مضى.

المصدر | فورين أفيرز

  كلمات مفتاحية

إيران العراق السعودية الطاقة أزمة الكهرباء العلاقات العراقية الإيرانية روحاني العبادي

وزير الخارجية العراقي: الأزمة بين السعودية وإيران تؤثر على المنطقة

سيادة العراق الإيرانية

المرجعية والدين والسياسة وسطوة إيران في العراق

من النقط إلى التعليم والسلع الغذائية: كيف تهيمن إيران على اقتصاد العراق؟

«كيري» يلتقي الملك «سلمان» ... و«الفيصل» يؤكد: إيران تستولي على العراق

أسطورة التشدد والبراغماتية في إيران

عن الطائفية والنص .. والطائفية كأقلياتية

إصلاح ما لا يمكن إصلاحه في دولة أمراء الحرب العراقية

حكومة إيرانية في بغداد!