شهد الأسبوعان الماضيان حدثاً خليجياً بارزاً تمثل في استئناف اجتماعات اللجنة العليا الإماراتية القطرية المشتركة. وقد مهدت لذلك زيارة قام بها وزير الخارجية القطري محمد عبد الرحمن آل ثاني إلى أبوظبي يوم 27 إبريل/نيسان الماضي، والتقى خلالها بالشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي وقد تبع الزيارة بأيام التئام اللجنة في الدوحة برئاسة وزيري خارجية البلدين.

وشارك في اجتماعات اللجنة العليا ممثلون لعدد كبير من القطاعات، شملت مجالات الطاقة والصناعة والمالية والاقتصاد والتجارة والشباب والرياضة والمواصلات والنقل والطيران المدني والأرصاد الجوية والتعليم والبحث العلمي والصحة والبلدية والزراعة والخدمة المدنية والإسكان وغيرها من المجالات، في حضور يعد الأكبر منذ انطلاق اللجنة المشتركة بين البلدين عام 1998، التي دأبت على عقد اجتماعاتها بين أبوظبي والدوحة حتى عام 2007.

توقف اللجنة عن الاجتماع طوال تسع سنوات، أنسى كثيراً من المراقبين وحتى المعنيين أمر اللجنة، فيما الإعلان عن استئناف الاجتماع وهو السادس هذه المرة في تاريخ اجتماعات اللجنة، شكل مفاجأة سارة لمن لا يعرفون بأمر وجود هذه اللجنة العليا.

في واقع الأمر إن الفترة الماضية التي توقفت فيها اجتماعات اللجنة العليا المشتركة، قد شهدت في الوقت ذاته تنامياً في العلاقات الاقتصادية بين البلدين الشقيقين، وزيادة في حجم الاستثمارات.. علماً أن هناك 988 شركة إماراتية قطرية مشتركة يزيد رأسمالها على 16 مليار درهم إماراتي. عدد هذه الشركات وتنوعها يكشفان حجم التعاون بين البلدين.

أما حجم التبادل التجاري بين البلدين للعام الماضي 2015 فقد زاد على 26 مليار درهم قطري، وهي أرقام تكشف عن متانة العلاقات التجارية الاقتصادية وحيويتها، حتى في الفترة التي شاب فيها علاقات البلدين في السنوات القليلة الماضية فتور وتباينات. لقد أسهمت العلاقات الاقتصادية النشطة، إلى جانب العلاقات الثقافية والرياضية والاجتماعية بين البلدين في إدامة العلاقات بينهما في جميع الظروف.

وبما يتعدى التعاون التجاري والاستثماري، فقد أكد البلدان الإمارات وقطر، أن اجتماعات اللجنة العليا في الدوحة كانت مثمرة وناجحة، كما تم خلالها تأكيد حرص البلدين على تعزيز علاقتهما واستمرار التنسيق بينهما في كل القضايا الدولية ذات الاهتمام المشترك.

والراجح أن التعاون بين دولتي قطر والإمارات في مجال السياسة الخارجية، سوف ينعكس إيجاباً على ملفات إقليمية عديدة تشمل ليبيا وسوريا واليمن والعراق وملفات أخرى. علماً أن وجهات النظر كانت متقاربة من قبل في المجمل حول عديد الملفات، خلافاً لما كانت تصوره بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما كان يتجلى في اجتماعات مجلس التعاون الخليجي، وما يتخللها من مباحثات ومشاورات، وما يصدر عنها من قرارات في مختلف المجالات، بما فيها المجال السياسي، وذلك بقبول وتوافق الجميع.

أياً كان الأمر فإن المستقبل هو ما يستحق التطلع إليه، لقد جاء التلاقي الإماراتي القطري المتجدد في ظرف حساس يشهد تراجع الواردات من ثروة النفط، ما يتطلب السعي إلى بناء اقتصادات ليست ذات اعتماد على هذه الثروة الطبيعية، ولا ريب أن الاستثمارات المشتركة وتبادل الخبرات بين البلدين، وكذلك بين سائر دول المنظومة الخليجية، هو شأن بالغ الحيوية في هذا الظرف. ويمكن الاستفادة من التجربة الإماراتية التي تهيأت لهذا التحول في وقت مبكر.

أما الوضع في المنطقة فإنه في مجمله لا يبشر للأسف بانفراجات قريبة، رغم أن بعض الملفات أخذت تتجه إلى الحل كما في ليبيا، وبدرجة أقل في اليمن. غير أن الاختلالات ما زالت تفعل فعلها. فالاحتلال الصهيوني يغلق أبواب التسويات العادلة، وبلغ به التغول إلى درجة استباحة المسجد الأقصى ثاني الحرمين الشريفين، وتهديد سلامة المسجد المبارك الذي أسرى إليه الرسول الكريم.

وبموازاة ذلك فإن الجوار الإقليمي ما زال محتفظاً بأجندته التدخلية والتوسعية على حساب العالم العربي وبالضد من إرادة شعوبه وبما يمس سيادة الدول ويهدد مصالحها. إزاء ذلك فإنه من الأهمية بمكان تنسيق السياسات والمواقف، لمنع أي اختراق من أي نوع للجبهات الداخلية، مع تقوية الأوضاع الدفاعية بكل الوسائل المتاحة، وهوما يتم العمل بموجبه في إطار مجلس التعاون الخليجي، وضمن مفهوم الأمن الجماعي وتكامل القدرات الدفاعية وتعظيم العامل الذاتي في دعم صمود البلدان والمجتمعات.