استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

النكسة في زمن البربرية!

السبت 4 يونيو 2016 06:06 ص

لخّص مواطن تونسي خمسيني فترة الانتظار الطويلة لبزوغ موجة الربيع العربي بعبارة: "قد هرمنا في انتظار هذه اللحظة التاريخية". وجرت تلك العبارة، منذ خريف 2010، مجرى المثل، لشدة اختزانها دلالة الانتظار المرير الذي ذبلت معه زهرة العمر. والآن، ماذا في وسع مواطن فلسطيني القول، وهو يستحضر ذكرى تلو أخرى للنكبة، ويستقبل ذكرى عقب ذكرى للنكسة؟

ستضيق العبارة لا بد، ليس لاتساع المعنى، بل لهول الفقدان وتقادم العهد عليه، ولانصراف الشعوب الشقيقة إلى مداواة جروحها الوطنية، ومواجهة أشكالٍ شتى من العسف البدائي، تجعل من مجرد البقاء على قيد الحياة هدفاً ومغنماً، بما يجعل الانشغال بقضايا قومية ترفاً، وربما عبئاً جسيماً، أو ملهاة تصرف صاحبها عن تحديات الحاضر والمعيش.

وأبعد من ذلك، فقد باتت الكلمات فاقدةً معانيها القديمة، فكلمة نكسة التي أطلقها جمال عبدالناصر على هزيمة حزيران 1967 تبدو، هذه الأيام، لطيفة رقيقة، مقارنة بكوارث تعصف بعرب وفلسطينيين كثر، من قبيل كارثة تشظي الأوطان والمجتمعات إلى حُزم أهلية مناطقية وطائفية وعرقية وعائلية، ومن قبيل التدافع نحو ركوب البحار للنجاة من حرائق البيت. 

وليس السوريون وحدهم من يأتمنون المياه العميقة على مصيرهم الشخصي والعائلي، بل هناك عراقيون وليبيون وأكراد ومصريون وسودانيون وتوانسة ومغاربة. منذ عقود، كانت موجات الهجرة غير الشرعية، ثم بدأت موجات المحاولات المشروعة للنجاة الفردية والجماعية. أما كم حصيلة عدد الغرقى مقارنة بعدد من استقبلتهم الشواطئ أحياء، خلال السنوات الخمس الماضية مثلاً، فإحصاء ذلك يستعصي على المراسلين ومنظمات الإغاثة، وليس للهالكين بواكٍ عليهم، ويصعب العثور على أسمائهم وسجلاتهم الشخصية.

في العراق، كان اللاجئون الفلسطينيون يوصفون بأنهم من أقل تجمعات اللجوء عدداً، غير أن التغييرات العاصفة في بلد النخيل، منذ العام 2003، غّيبت حضور هؤلاء، فمع تقهقر سلطة القانون، حتى لو كان متعسفاً، أصبح مصيرهم بيد التسونامي الطائفي والمناطقي والميليشياوي.

في سورية، كان اللاجئ الفلسطيني يوصف بأنه يتمتّع بما يتمتع به أخوه المواطن السوري. وقد تمتع هناك بالفعل بما تمتع به شقيقه، من اقتلاع وتطهير عرقي وطائفي، وحيل بين اللاجئ واللجوء الى دول مجاورة إلا بالتهريب والتستر. لم يعد هناك من مخيماتٍ للجوء في سورية، فقد ظلت عرضةً للقصف الدائم، خصوصاً حين تستقبل نازحين سوريين.

إنها مقتلة عامة شنيعة، وقد جرى استخدام كلمة المقاومة في اقترافها. وكذلك الحال في لبنان، مع من تجرّأ من اللاجئين ونزح إلى هذا البلد المجاور، فالمقاومة تقضي باستئصال هؤلاء، جنباً إلى جنب، مع النازحين السوريين. الهرب إلى المنافي الكندية والأميركية لمن يتوفر له أهل وذوو قربى هناك، هو غاية المنى، فالحدود العربية مغلقة أمامهم، حالهم حال غالبية السوريين الذين تحولوا، في العالم العربي السعيد، إلى شعب فائض عن الحاجة.

نكبة تستولد نكبات. في كنف عالمٍ عربيٍ يكتشف عدم حاجته إلى الدول الحديثة، وإلى حكم القانون. ويكتشف، خلال ذلك، أن اللاجئين الفلسطينيين ليسوا أشقاء عرب أو جيران، بل هم أبناء طائفة غير مرغوبة، طائفة لا تنتسب إلى طائفة "المقاومة الإيرانية" النافذة في سورية ولبنان والعراق واليمن، ولدى فريق من يساريين وقوميين عرب صرعى الشعارات الجوفاء.

يُقابل ذلك الانتفاخ اليميني المتطرّف في دولة الاحتلال الذي يُعلي من شأن سرقة الأرض والمياه، ويستبيح دور العبادة لغير اليهود، ويشكّك بأهلية هؤلاء للتمتع بحق البقاء على قيد الحياة، فأقلّ موجةٍ من الاحتجاج تستحق إطلاق النار على النساء وتلاميذ المدارس.

الصهيوني الطليعي هو المستوطن الذي يستولي على أرض الفلسطينيين، وجدار الضم والاستيلاء يرتفع شاهقاً وصفيقاً، ويشق البلدات والأحياء (الحارات)، ويحرم تلاميذ من مدارسهم ومزارعين من حقولهم، وربات بيوت من جاراتهن. إنها حفلة الجنون العرقي والديني نفسها. بدأت في فلسطين، وتعاظمت فيها، على أيدي العصابات الصهيونية، غير أن الروح العنصرية شاعت، بعدئذ، في المنطقة. الفلسطينيون ضحايا في وطنهم، وضحايا خارجه أسوة بأشقاء عرب.

وليست داعش البربرية سوى مكوّن واحد وفصيل واحد من منظومةٍ طويلةٍ وحاشدةٍ من دواعش تنصّب نفسها وريثة للأوطان، وآلهة بشرية تقرر مصير البشر، ومدى أحقيتهم في الحياة، فنمط التفكير والسلوك متماثل، والنظرة الى الآخرين هي نفسها، والمقولة المستترة "في البدء كانت الكراهية" هي الشائعة والنافذة، حتى لو لم يتلفظ بها أحد ممن يزعمون مكافحة هذا التنظيم، إذ يكشف السلوك عن اعتناقها والعمل بموجبها.

وجرائم بلا عدد يجري ارتكابها على مدى الساعة، بعيداً عن أية مساءلة، وحتى عن أية إدانة، فالتعايش مع البربرية يتوطد، ولم يعد لدى كثيرين (ليس باراك أوباما وحده!) من دعاة التنوير وحقوق الإنسان ما يقولونه، وأخذوا يعتصمون بالصمت، ويكتشفون محاسن السلبية واللامبالاة.

لا يعود مستغرباً أمام هذا الانحطاط الأخلاقي المريع، وإزاء انهيار قيم العدالة والمساواة والكرامة البشرية، أن يلحق مزيدٌ من الضرر بالقضية الفلسطينية، فالتمييز العنصري، على سبيل المثال، يبدو أخف وطأة من مجازر يومية ترتكب ضد المدنيين، أياً كانوا. ويبدو النظر بالاحتلال البغيض قابلاً للتأجيل، في عالمٍ تسوده منوعاتٌ من الحروب الأهلية، على الرغم من أن الأوضاع في الأراضي المحتلة تفوق في سوئها التمييز العنصري "التقليدي".

يدرك الفلسطيني المتعلق بوطنه الأم، والذي يؤمن، في الوقت نفسه، بقيم كونية، أن المشروع الصهيوني أسّس لموجة الإرهاب والاقتلاع والتطهير العرقي والديني في المشرق العربي.

وأن الخطيئة الأولى ارتكبت هناك في الأراضي الفلسطينية المقدسة قبل 68 عاماً، قبل أن تتولد عنها نكباتٌ ونكساتٌ تأخذ بخناق بعضها، وأن التغاضي الدولي عن ذلك الإثم الكبير، الذي بذر بذوراً سامة في الأرض والأجواء، قد وفّر بيئةً ازدهرت فيها، في منطقتنا بعدئذ، موجات السوقية المتوحشة، وحُكم الغاب، واحتقار حق الحياة في البشر، وليس المساس فقط بحقوق النساء.

أجل.. في ذكرى هزيمة 1967، تبدو كلمة نكسة رقيقة. لكن، كم تبدو الكلمة خادعة، فتلك النكسة لم تكن قائمةً بذاتها، بل مضافةً إلى النكبة. إنها الإضافة التي فاض معها الكاس المُرّ، ولم يتوقف بعدئذ عن الفيضان.

* محمود الريماوي كاتب ومعلق سياسي وروائي أردني/ فلسطيني.

المصدر | العربي الجديد

  كلمات مفتاحية

النكسة التمييز العنصري إيران التطهير الصهيونية المساواة النكبة النكسة البربرية

في ذكرى الهزيمة.. سنظل في بلادنا ولها

استدامة النكسات والنكبات والهزائم العربية..!

أنكون على موعد مع الهزيمة؟