استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

في ملابسات "انتحار" القارة العجوز

الأحد 26 يونيو 2016 07:06 ص

قد يكون من المفارقات التاريخية أن يكون اسم "أوروبا" مستوردًا من سوريا منذ زمنٍ طويل. فالاسم، وفق أساطير ومرويات أوروبية، هو أصلًا اسمُ أميرةٍ سورية كانت ابنة أحد الملوك الفينيقيين. أما وجه المفارقة فيكمن في أن وصول القارة إلى الفوضى التي بدأت رسميًا منذ يومين فيها، مع قرار خروج بريطانيا منها باستفتاءٍ شعبي، يمكن أن يرجع في جزءٍ كبير منه إلى مسألة اللجوء. وهي مسألةٌ فاقَمها لجوء السوريين إليه خلال العامين الماضيين، ولو نفسيًا.

نستخدم كلمة (نفسيًا) لأن ثمة نفاقًا كبيرًا يتعلق بالموضوع حين ننظر إليه بلغة الأرقام. فحسب الأرقام الأوروبية نفسها، هناك قرابة 150 ألف لاجئ سوري فيها بين من حصل على اللجوء ومَن ينتظره. وإذا قارنّا هذا الرقم بعدد اللاجئين السوريين في الخارج (أكثر من 5 ملايين) من ناحية، وبعدد سكان دول الاتحاد الأوروبي فقط، والبالغ أكثر من 508 ملايين إنسان، من ناحيةٍ أخرى، يمكن إدراك حجم النفاق وخلط الأوراق فيما يتعلق بهذه القضية.

كان اللجوء أزمةً تخاف منها دول الاتحاد الأوروبي على الدوام، وقد بات شماعةً يتم تعليق مشكلاتها الاقتصادية والسياسية عليها. بدأ الأمر مع الشكوى من مهاجري شمال إفريقية، ثم تصاعد بشكلٍ حقيقي مع الأعداد الكبيرة التي لجأت إليه من أوروبا الشرقية، لكن لجوء السوريين أخيرًا، ومعهم عراقيون وعربٌ آخرون، كان العذر الذي ينتظره متطرفو أوروبا لتهييج شعوبهم.

في تحقيقٍ لها منذ شهر من مدينة بيتيربورو شمال لندن، والتي تُعتبرُ أقل مدينة فيها شعبية تجاه الاتحاد الأوروبي في بريطانيا، نقلت صحيفة الواشنطن بوست تصريحًا لأحد مواطنيها يعبر عن حالهم قال فيه مشيرًا إلى شارع المدينة الرئيسي: "كان هذا عادةً هو الجزء الراقي من بيتيربورو. انظر إليه الآن، الرومانيون يبولون في الحديقة، والليثوانيون يقارعون الكحول ويتعاطون المخدرات في الشارع. حتى الفئران هنا باتت مدمنةً على الهيروين".

يجب الانتباه هنا إلى أن من يُسمَّون "متطرفين" يخدمون في الحقيقة أجندة الساسة الفاشلين في أوروبا، لأنهم يلفتون الانتباه عن المشكلات الحقيقية التي لا ينجح أولئك الساسة في حلها.

هكذا، تبدو تصريحات رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، تعليقًا على الاستفتاء البريطاني، في سياقها حين قال إن تأييد البريطانيين للخروج من الاتحاد الأوروبي يُظهر أن على بروكسيل أن تستمع لصوت الشعوب وتقدم حلولًا ملائمة للقضايا المهمة مثل قضية الهجرة، مضيفًا أن مسألة الهجرة لعبت دورًا أساسيًا في النقاش البريطاني قبل الاستفتاء الذي أجري أمس.

ويختم قائلًا: "على بروكسيل أن تستمع لصوت الشعوب. هذا هو أهم درس يمكن استخلاصه من هذا القرار". المعروفُ طبعًا أن الرجل وحكومته من أشد الناس تعصبًا ضد المهاجرين، وهما من تعامل معهم بوحشيةٍ غير مسبوقة.

لم تفكر أوروبا يومًا، منذ بداية الثورة السورية قبل أكثر من خمس سنوات، بشكلٍ استراتيجي حقيقي في مآلات ما يحدث في سوريا. لم تتأمل في معطيات الجغرافيا السياسية والتاريخ المشترك بينها وبين الجوار العربي بشكلٍ عام. بقيت تتفرج على ما يجب أن يكون في نظرها، في أقل الأحوال، أكبر مأساةٍ إنسانية يشهدها العالم في التاريخ المعاصر، بكل تفاعلاتها الأمنية والديموغرافية والاقتصادية والثقافية، دون أن تقوم بجهدٍ حقيقي ينسجم مع تاريخها وثقافتها وإمكاناتها ومبادئها المعلنة لتتعامل مع قضيةٍ، بدا باضطراد، أن تأثيرها سيصل إليها.

لا يحب السوريون محاصرة قضيتهم في كونها (مأساةً إنسانية)، وقد رأوا كيف تم تحويلها من ثورةٍ تبحث عن الكرامة والحرية إلى ما باتت عليه تحت أنظار (عالَمٍ متحضر) يُفترض فيه أن يُعلي من شأن تلك القيم، وأن يدعم الشعوب التي تضحي في سبيلها، ولو على سبيل (التورية) وادعاء الانسجام مع مبادئها وشعاراتها الكبيرة فيما يتعلق بتلك القيم. لكن أوروبا لم تقم بما يجب القيام به حتى على الصعيد الإنساني.

الأسوأ من هذا، أن أوروبا فوضت أمر التعامل مع الوضع السوري بشكلٍ كامل للولايات المتحدة، وهي تعلم تمامًا أن هذه الأخيرة تعمل لمصالحها فقط نهايةَ المطاف. وحين يتعلق الأمر بالتبعات السلبية لمثل هذا الوضع المتفجر على كل مستوىً، فإن أمريكا ستلملم أوراقها وتنسحب إلى موقعها الآمن على بعد أكثر من عشرة آلاف كيلومتر من سوريا.

وعلى سبيل التلاعب بالأفكار والكلمات، يُشاعُ القول بأن التهديد الأمني الذي تشهده أوروبا وأمريكا متشابه، ففي حين ينحصر ذلك التهديد في عمليات فردية عشوائية في أمريكا، تدخل أوروبا في خضم فوضى عارمة اقتصاديًا واجتماعيًا وأمنيًا وسياسيًا.

وها هي الدعوات تتصاعد في فرنسا وهولندا وغيرها من دول الاتحاد الأوروبي للاستفتاء على مغادرته كما فعل البريطانيون. وها هو اليورو، ومعه الجنيه الإسترليني، يهويان إلى قرابة دولار أمريكي بعد أن كانا يتشاوفان عليه منذ سنوات..

ربما تكون كلمة (انتحار) دراميةً شيئًا ما، لكن مقارنة الوضع في أوروبا اليوم بالأحلام التي عاشها أهلها عندما بدأت مسيرة الاتحاد عام 1957، واحتمال ضياع الجهود والإنجازات التي حصلت على مدى عقود يبدو قويًا أكثر من أي يومٍ مضى، وهذا في حسابات قوانين الاجتماع البشري أقرب ما يكون للانتحار.

* د. وائل مرزا أكاديمي وإعلامي سوري. 

  كلمات مفتاحية

أوروبا الاتحاد الأوروبي الخروج البريطاني الأمن التعصب اللاجئين السوريين

هل «الطلاق البريطاني الأوروبي» نعمة أم نقمة على الاقتصاد الخليجي؟

بريطانيا... من التقسيم إلى الانقسام

ما يعنينا من يوم أوروبا الجديد بعد استفتاء بريطانيا

المفوض البريطاني بالاتحاد الأوروبي يعلن عزمه الاستقالة خلال أسابيع

مليون بريطاني يوقعون على عريضة تطالب باستفتاء ثان حول الاتحاد الأوروبي