«واشنطن بوست»: أربع خرائط تفسر الفوضى في الشرق الأوسط

الخميس 20 أكتوبر 2016 08:10 ص

في النقاش المستمر في واشنطن حول أسباب الفوضى المستمرة في الشرق الأوسط، يتم استنكار دور الرئيس «جورج بوش» بالتدخل عام 2003 الذي أدى إلى حرب أهلية في العراق، ويتم استنكار عدم تدخل الرئيس «أوباما» الذي ترك الحرب الأهلية تتفاقم في سوريا. وفي ليبيا، فشل التدخل الجزئي لواشنطن أيضًا في إحلال السلام، بينما لا يهتم الكثير من الأميركيين بالدور الذي تلعبه بلادهم في اليمن.

وبدون محاولة الدفاع عن سياسة الولايات المتحدة أو تبريرها، فمن المهم التراجع خطوات للخلف للسؤال حول التجارب التاريخية المشتركة التي تركت تلك الدول الأربعة، العراق وسوريا وليبيا واليمن، بالذات في خطر العنف والانهيار. من الممكن أن تلقي الخرائط التالية الضوء على تساؤل كيف تآمرت الظروف التاريخية في نقاط مختلفة على مدى القرن الماضي في تعزيز استقرار بلاد وزعزعته في بلاد أخرى.

الدول بعمر قرن أكثر استقرارًا اليوم

تتمتع الدول التي تواجدت سياسيًا وجغرافيًا لأكثر من قرن بمزيد من الاستقرار اليوم. تركيا ومصر وإيران، وإلى حد ما السلالات الحاكمة والتي تمثل اليوم الكويت وقطر والبحرين وعمان والإمارات، كلها بشكل أو بآخر، يرجع هيكلها السياسي الحالي إلى أواخر القرن الـ 19، قبل أن يتجذر الاستعمار الأوروبي في المنطقة. نتيجة لذلك، تتمتع تلك الدول بالحفاظ على الموارد والاستقرار والحفاظ على بعض الاستقلال في مواجهة الإمبريالية الأوروبية، أو على الأقل التفاوض على شكل أقل فجاجة من أشكال الاستعمار.

تجنبت تركيا الاستعمار في بداية القرن الـ 20 لأن الإمبراطورية العثمانية كانت قد هزمت بالفعل دولًا استعمارية محتملة، خلال الحرب العالمية الأولى وبعد حل الإمبراطورية في حرب تركيا من أجل الاستقلال.

في الوقت نفسه، تم تقسيم إيران لعدة دوائر نفوذ من قبل البريطانيين والروس في أواخر القرن الـ 19، لكنها تجنبت الاستعمار بشكله المعروف وحافظت على سلالة قاجار في الحكم.

ومصر، التي كانت محمية بريطانية لعدة عقود، أصبحت الدولة الأولى التي تحصل على استقلالها عام 1922، تحت حكم نفس السلالة التي أنشأت الدولة المصرية قبل قرن من ذلك الوقت.

حكم الاستعمار أدى إلى دول هشة

على النقيض من تلك الدول الموجودة مسبقًا، جاءت دول مثل سوريا والعراق وليبيا ولبنان إلى حيز الوجود في أوائل القرن العشرين بشكل كامل بحدود جديدة وحكومات شكلها الاستعمار. ومنذ البداية، افتقرت تلك الحكومات للشرعية والدعم الشعبي الذي حظي به الحكام الأصليون لبلاد أخرى. وبشكل غير مفاجئ، شهدت كل تلك الدول بجانب لبنان في وقت مبكر ثورات عنيفة وواسعة ضد الاستعمار.

واستمرت عواقب تلك الصراعات خلال القرن التالي. فبعد احتلال ليبيا عام 1911، قمعت إيطاليا مقاومة من مقاتلين محليين فقط بعد عقود من حملة عسكرية أدت إلى انتشار الجوع والترحيل الجماعي. في الوقت نفسه، أخمدت بريطانيا ثورة بالعراق عام 1920 بمساعدة ضربة جوية واسعة، وأطلقت الغاز السام على القوات الكردية التي استمرت بالمقاومة. وفي سوريا، انتهت ثورتها عام 1925 بالقصف المدفعي الفرنسي لدمشق.

في كل حالة، انتصرت القوى الاستعمارية عن طريق تجنيد حلفاء محليين على أساس عرقي أو قبلي للقتال بجانبهم ضد الثوار. في سوريا، استعانت فرنسا بالمسيحيين والعلويين. وفي العراق، تعاونت القبائل السنية الرئيسية مع بريطانيا ضد الثوار مقابل مكافآت سياسية واقتصادية. وكتوابع لذلك، تعمقت الانقسامات المجتمعية في تلك البلاد. ولم تظهر تلك التبعات العميقة، إلا بعد تحقيق الاستقلال. ونصبت بريطانيا الملك «فيصل» على العراق وظلت تدعم أسرته حتى عام 1958 حينما تم الإطاحة بحفيد «فيصل» وإعدامه بعد انقلاب عسكري.

عدم الاستقرار وتغير الأنظمة

وقد لاحظ المراقبون أن الممالك في الشرق الأوسط استطاعت الحفاظ على استقرارها طويلًا، على عكس الجمهوريات. لكنّ هذه القراءة تهمل سبب التأثير. فليبيا والعراق وإيران ومصر وتركيا، كلها كانت ممالك من قبل، على الأقل حتى أثبتت هذه الممالك أنها لم يعد لديها القوة على البقاء. لذا فمن الأدق أن نقول أنّ الممالك الضعيفة قد سقطت، وبقيت الممالك المستقرة والقوية.

في الأربعينات والخمسينات، لم يكن هناك إمكانية لفصل قوة الممالك عن الحرب الباردة. وحاولت الولايات المتحدة مع بريطانيا الحفاظ على النفوذ البريطاني في الشرق الأوسط لمواجهة الطموحات التوسعية للاتحاد السوفييتي، وكان وجود حكام مثل الملف «فاروق» في مصر و«فيصل» في العراق وشاه إيران، جزءًا من الجهود الأنجلو أمريكية لاحتواء النفوذ السوفييتي في المنطقة.

وعندما سقطت تلك الأنظمة، تحولت الدول من ولائها للغرب إلى التحالف مع السوفييت لكن الممالك المستقرة قد حافظت على دائرة التعاون مع الغرب خلال الحرب الباردة.

ظلال الحرب الباردة

واحدة من الارتباطات التاريخية الأكثر إثارة للدهشة تأتي بين الدول التي تعاني اليوم من الحروب الأهلية، أنها جميعًا قد مالت نحو التحالف مع الاتحاد السوفييتي وقت الحرب الباردة. ولكن ما هي العلاقة بين العراق وسوريا وليبيا وجزء على الأقل من اليمن.

أولًا، التحديات السياسية التي واجهت بعض الدول قد تركتها عرضة لعدم الاستقرار والاتجاه نحو السوفييت. بينما ظلت الملكيات في المنطقة والتي استفادت من علاقتها ببريطانيا محافظة على علاقتها بالغرب، بينما تركيا التي اعتبرها الغرب مفتاحًا رئيسيًا لمواجهة التوسع السوفييتي، أصبحت بدورها حليفًا قويًا للغرب. وبينما ظلت تلك الدول محافظة على حالة الرضا الشعبي بالوضع الراهن، لم يكن الأمر كذلك في الدول الأخرى مثل العراق وسوريا ومصر، والتي ظلت شعوبها ساخطة على الأوضاع والأنظمة التي اصطفت جانب الاتحاد السوفييتي.

في الوقت نفسه، حصلت العديد من الدول التي ظلت في المعسكر الغربي على كثير من الفوائد، على عكس الدول التي اتخذت جانب السوفييت. فالولايات المتحدة قد قدمت الكثير من المساعدات المالية والعسكرية لحلفائها أكثر مما استطاع الاتحاد السوفييتي تقديمه، كما تم دمج الدول في المعسكر الغربي داخل الاقتصاد العالمي، بينما انتهى المطاف بالدول الموالية للسوفييت بتوقيع العقوبات عليها من المجتمع الدولي.

لعب الدعم العسكري الغربي دورًا هامًا كذلك. أرسلت بريطانيا قوات لدعم النظام الملكي الأردني عام 1958، بينما ساعد التدخل البريطاني الكويت ضد محاولات العراق لاحتلالها عام 1961. ومن الملاحظ، أن الولايات المتحدة قد ساعدت في نجاح الانقلابات على النظام السوري والإيراني بعدما خشيت واشنطن أنّهم يأخذون بلادهم نحو التحالف مع السوفييت.

ويوجد أيضًا بعدًا أيدلوجيًا لكل هذا. أرادت واشنطن دائمًا غض الطرف عن السلوك السلطوي للأنظمة التي تدعمها في الشرق الأوسط. ومع ذلك، أظهر النظام البعثي في سوريا والعراق بجانب نظام «القذافي» طموحات شمولية ووحشية ممنهجة والتي فصلتهم عن أنظمة المنطقة. وأثبت «صدام حسين»، كونه مصدرًا للإلهام، أنّ (الستالينية) لا تساعد على الاستقرار.

مع بداية القرن الـ 20، لم تكن العراق ولا سوريا ولا ليبيا ولا اليمن، قد وجدت بعد كدول أو حكومات كموجودة الآن. وظلت تلك الدول الأربعة تتأرجح بين الحكومات الاستعمارية ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، ثم انتهت أخيرًا كدولٍ في الجانب الخاسر من الحرب الباردة.

لكن إلى جانب تلك الأنماط، ربما لاحظ القراء على الأرجح أنّ هناك استثناءات في كل مرحلة على طول الطريق. لذا، بينما من السهل توقع أنّ العنف الذي يضرب العراق وسوريا وليبيا واليمن سيترك إرثًا من عدم الاستقرار لفترة طويلة، فإنّ الاستمرار في استكشاف التاريخ ربما يكون الخطوة الأولى للهروب من ذلك المصير.

المصدر | واشنطن بوست

  كلمات مفتاحية

الشرق الأوسط الحرب الباردة الاستعمار سايكس بيكو الأنظمة الملكية