«تايمز أوف إسرائيل»: نقص السكر يلقي الضوء على الأزمة المالية المتفاقمة في مصر

الأحد 6 نوفمبر 2016 01:11 ص

مع انهيار الجنيه المصري ونفاذ كميات الأغذية الأساسية، يجد «السيسي» نفسه في مأزق اقتصادي.

تحولت مياه النيل إلى اللون الأصفر هذا الأسبوع. والبعض قال أنّه تحول حتى إلى اللون البني. وقد تسببت الأمطار الغزيرة بسيول قوية حملت معها أطنان من الطين والوحل ومواد أخرى إلى النيل، الأمر الذي حول لون النيل وعطل إمدادات المياه لبعض المناطق السكنية.

وبالنسبة للبعض، كان هذا نذير للأخبار السيئة، أو ربما إشارة على الوضع الحالي في الدولة العربية الأكبر من حيث عدد السكان.

مشكلة المياه هي واحدة من قائمة طويلة من المشاكل التي واجهت المصريين في الأسابيع الأخيرة، القائمة التي شملت نقصًا حادًا في السكر. أول فلنقل ببساطة، اختفاء السكر. وأدى نقص المواد التموينية إلى ارتفاع سعر السكر من 3 جنيهات قبل 3 سنوات وحتى وقت قريب منذ عدة أسابيع، ليصل إلى 10 و12 جنيهًا في الأيام الأخيرة. وقد قررت الحكومة هذا الأسبوع تثبيت سعر السكر المدعم عند 7 جنيهات للكيلوجرام، بزيادة قدرها 40% عن أسعار ما قبل الأزمة.

ما الذي سبب المشكلة؟ يبدو أنّ المشكلة كانت نتيجة نقص في إنتاج السكر عالميًا مصحوبًا بتراجع في واردات السكر من الخارج وتوقف العديد من مزارع إنتاج السكر عن العمل في مصر.

السكر هو مثال قوي على العديد المشاكل التي تعاني منها مصر. مؤخرًا، انهارت قيمة الجنيه بشكل كبير ومتسارع، الأمر الذي كان له آثار استراتيجية قوية. ويتم تداول الدولار عند 17 إلى 18 جنيه، ومنذ أسبوع كان بين 15 و16، وقبل شهر كان عند 13 جنيه، قبل أن تقرر الحكومة تعويمه نهاية الأسبوع الماضي.

وتسبب انخفاض قيمة الجنيه في دفع عدد من رجال الأعمال والمصانع لإيقاف الأعمال وغلقها. وأعلن مسؤولون باثنتين من أكبر شركات السجائر والمشروبات الغازية هذا الأسبوع أنّهم يدرسون إغلاق الشركات نظرًا لصعوبات في الميزانية.

تسبب كل ذلك بنوع من الذعر في شوارع مصر. وعبر التجار لـ«رويترز» هذا الأسبوع عن تخوفهم من انهيار الاقتصاد. وقالوا أنّهم قد توقفوا عن أي نشاط مالي، فلم يعودوا يشترون أو يبيعون، بسبب الخوف العام من المجهول.

ووفق مؤشرات اجتماعية وظيفتها تتبع مثل تلك الأرقام، فإنّ النشاطات الاقتصادية في مصر في الصناعات الأخرى غير الوقود قد غرقت إلى مستوى منخفض لم تصل إليه خلال الـ 3 سنوات الماضية.

تهاوي الاحتياطيات وعجز الموازنة

الاحتياطات النقدية المصرية تعاني أيضًا من الانخفاض، من 36 مليار دولار عام 2011، إلى أقل من 20 مليار دولار الآن.

وأدّى عجز الموازنة المتزايد، الذي وصل إلى 12%، بجانب الانخفاض في المؤشرات الأخرى، إلى موافقة صندوق النقد الدولي على قرض لمصر يبلغ قيمته 12 مليار دولار على 3 سنوات.

المشكلة هنا أنّ صندوق النقد الدولي جعل القرض مشروطًا بعدد من الإجراءات التي يمكن أن تكلف الرئيس «عبد الفتاح السيسي» منصبه. وتضمنت تلك الإجراءات طلب إصلاح سوق العملة، أو بعبارة أخرى، أن ترفع مصر يدها عن التحكم في قيمة الجنيه وتتركه ليدار من قبل السوق الحرة والعرض والطلب، وهو ما فعلته مصر مؤخرا. ولكنّ هذه الخطوة من المتوقع أن تدفع إلى المزيد من هبوط الجنيه وتدفع العديد من الشركات إلى حافة الهاوية. ويطلب صندوق النقد أيضًا تقليص واسع للدعم، الأمر الذي سيتسبب في ارتفاع أسعار المنتجات الأساسية وقد يؤدي إلى احتجاجات شعبية عارمة.

وإدراكًا للوضع المتأزم وخطورته، قرر السيسي وحكومته خفض قيمة الجنيه بنحو 50% من قيمته ليصل الدولار إلى 13 جنيه، قبل أن يترك للبنوك حرية تسعير العملة أملًا في انخفاض الطلب على الدولار في السوق السوداء، الأمر الذي قد يؤدي إلى قدر معين من الاستقرار في السوق.

من الصعب أن نحدد إذا كانت مصر ستتغلب على تلك الأزمة. إنّها في حاجة بائسة لقرض صندوق النقد، وإحياء الثقة العامة في الاقتصاد. ومع نقص السكر، ومشاكل المياه، والإرهاب، ومعاناة السياحة، والمعدل المذهل من الزيادة الطبيعية في مصر (يولد طفل مصري كل 15 ثانية) التي يبلغ عدد سكانها 93 مليون نسمة، فإن كل ذلك يمثل تهديدًا لاستقرار حكم «السيسي».

يحاول الرئيس فعل كل شيء لعلاج أمراض مصر، ولكن بدون مساعدة دولية سواء من صندوق النقد الدولي أو من دول الخليج الغنية، ستتفاقم الأزمات بشكل أسوأ، وربما تؤدي إلى إفلاس مصر، ومن ثمَّ الهياج والشغب. وفي اجتماع مع الشباب المصري الأسبوع الماضي، قال «السيسي» أن ثلاجة منزله كانت فارغة لمدة 10 سنوات. وتسبب تعليقه بموجة من الردود الغاضبة على مواقع التواصل الاجتماعي، جاء في إحداها: «نحن لانملك ثلاجة أصلا».

علاقات متوترة مع المانحين

وبطبيعة الحال، لا يمكن فصل الساحة السياسية عن الوضع الاقتصادي. واحدة من أكبر الدول المانحة لمصر هي المملكة العربية السعودية. حولت الرياض وحلفاؤها السنة في دول الخليج ما يقارب 25 مليار دولار إلى مصر في العامين الماضيين. لكنّ خلافًا حادًا بين مصر والسعودية قد نشب مؤخرًا على خلفية الاختلاف حول الحل الروسي للأزمة في سوريا، الذي يتضمن بقاء «الأسد» في السلطة. أوقفت السعودية نقل النفط الخام إلى مصر، مؤقتًا على الأقل، منذ بدايات أكتوبر/ تشرين الأول، عندما صوتت مصر لصالح القرار الروسي في مجلس الأمن.

شعر السعوديون بأنّ «السيسي» قد بصق على وجوههم، وهذا الشعور مفهوم في هذا السياق. يقول «يورام ميتال»، الخبير في الشؤون المصرية بجامعة بن غوريون بالنقب، أنّ السعوديين اندهشوا من رؤية «السيسي» يقف ضد مواقف الرياض في سوريا بالرغم من المساعدات السخية التي أغدقتها المملكة عليه، وما أغضب السعوديين أكثر، هو أنّ مصر لم تكن في عجلة للوقوف معها ضد إيران، العدو الأول للسعودية، في قضايا مثل القتال في اليمن.

في الوقت نفسه، على السيسي مواجهة التهديد الخطير للإسلام المتطرف الذي حرم مصر من عائدات السياحة. ويتم تسجيل هجمات إرهابية ضد عسكريين ومدنيين بشكل يومي. وبينما تنفذ غالبية الهجمات داخل شبه جزيرة سيناء، تم القبض على خلية إرهابية في القاهرة الأسبوع الماضي. وأدّى هذا الوضع إلى امتناع الاستثمار الأجنبي عن القدوم لمصر، وبالتالي فخزينة مصر من النقد الأجنبي مستمرة في النزيف.

ويقول «ميتال»: «على الرغم من أنني لا أعرف أين تتجه الأمور، أعرف أنّ هذه الأزمات تهز الحكومة. هذه عملية متقلبة للغاية. وهناك انتقادات لاذعة للسيسي في الشارع. والمجتمع المصري منقسم. وتم سجن الآلاف من الناس. ولا يوجد سكر أو أرز على الأرفف منذ أسابيع. ويقوم الجيش بتوزيع المواد الغذائية على مداخل الأسواق لمحاربة زيادات الأسعار، إلى الحد الذي جعله حتى يبدأ في توزيع لبن الأطفال للرضع بسبب النقص».

ويضيف: «يبلغ سكان مصر ما يقارب 94 مليون نسمة، يعيش أكثر من 40 مليون منهم تحت خط الفقر. وينمو التعداد السكاني بنسبة 2.5% سنويًا. وهذا يعني 2.5 مليون شخص إضافي ينضمون لسكان البلاد كل عام، مع عدم وجود بنية تحتية كافية للتعامل مع هذه الزيادة. فلا عجب من وجود مثل تلك الأزمة الاقتصادية الحادة».

المصدر | تايمز أوف إسرائيل

  كلمات مفتاحية

مصر السيسي أزمة مالية أزمة السكر انهيار اقتصادي