«الإندبندنت»: حلم السعودية في الهيمنة الإقليمية ذهب أدراج الرياح

الأحد 8 يناير 2017 11:01 ص

بدت السعودية مؤخرًا خلال العامين الأخيرين كما لو أنّها في طريقها للنجاح في هدفها الذي تسعى له منذ نصف قرن، في أن تضع نفسها كقوّة رئيسية بين الدول العربية والإسلامية. وفي ورقة أرسلتها وزيرة الخارجية السابقة «هيلاري كلينتون» عام 2014، نشرت عن طريق ويكيليكس، تحدّثت عن السعودية وقطر كمتنافسين على «الهيمنة على العالم السنّي». وبعد ذلك بعام في ديسمبر/ كانون الأول عام 2015، كان جهاز المخابرات الألمانية الأجنبية قلقًا للغاية من تنامي نفوذ السعودية التي بدأت تتّخذ خطوات غير عادية تستدعي الانتباه، مشيرا إلى أن «الموقف الدبلوماسي الحذر السابق للقيادة كبيرة السن من الأسرة المالكة قد حلّ محلّه سياسة تدخّل متهوّرة».

وأجبرت الحكومة الألمانية جهاز الاستخبارات على التراجع، لكن خلال العام الأخير تجاوز الأمر مخاوفها من الآثار المزعزعة للاستقرار الناتجة عن السياسات الأكثر عدوانية من المملكة. وما لم تتوقعه هو سرعة رؤية المملكة لطموحاتها العالية تهزم وتحبط على كل جبهة تقريبًا.

خسائر على جميع الجبهات

خلال العام الماضي، شهدت المملكة حلفاءها في الحرب الأهلية السورية يفقدون آخر معاقلهم الحضرية في شرق حلب. وهنا على الأقل كان تدخل السعودية غير مباشر. لكن في اليمن، كان التدّخل مباشرًا من الآلة العسكرية السعودية المكلّفة والتي فشلت فشلًا ذريعًا في تحقيق انتصار. وبدلًا من تقليص النفوذ الإيراني من خلال السياسات السعودية، فإن العكس تمامًا هو ما حدث. وفي آخر اجتماع لأوبك، وافق السعوديون على تخفيض الإنتاج بينما رفعت إيران من إنتاجها، الأمر الذي طالما قالت الرياض أنّها سترفضه.

وفي الولايات المتّحدة، الضامن الأخير لاستمرار حكم آل سعود، سمح الرئيس «أوباما» لنفسه بأن ينقل عنه شكواه من التزام واشنطن بمعاملة السعودية كحليف وصديق. وعلى مستوى شعبي، يوجد عداء متنام تجاه السعودية ينعكس في تصويت الكونغرس بشبه إجماع على السماح لضحايا أحداث سبتمبر/أيلول بمقاضاة الحكومة السعودية عن مسؤوليتها التحريضية في الهجوم.

وتحت إشراف ولي ولي العهد وزير الدفاع الأمير «محمد بن سلمان»، أقوى شخصية في صنع القرار السعودي، أصبحت السياسة الخارجية للسعودية أكثر عسكرية وقومية بعد أن أصبح والده البالغ من العمر 80 عامًا ملكًا في 23 يناير/ كانون الثاني عام 2015. وتبع ذلك التدخل العسكري السعودي في اليمن، مع زيادة الدعم السعودي لحلفائها من الثوّار في سوريا ومن بينها القوّة المقاتلة الأقوى جبهة النصرة، التي كانت تابعة سابقًا للقاعدة في سوريا.

لم يسر أي أمر على ما يرام بالنسبة للسعودية في اليمن أو سوريا. وتوقّع السعوديون على ما يبدو أن يهزم الحوثيون على يد القوات الموالية للسعودية سريعًا، لكن بعد 15 شهرًا من القصف عن طريقهم وعن طريق حلفائهم، لا يزال الرئيس السابق «علي عبد الله صالح» مستحوذًا على العاصمة صنعاء وشمال اليمن. وقد قاد القصف المستمر لأفقر دولة عربية على يد الدولة الأغنى إلى كارثة إنسانية جعلت على الأقل 60 بالمائة من بين 25 مليون يمني لا يجدون ما يكفي لطعامهم وشرابهم

وكان للتدخل الشامل من السعودية في سوريا عام 2015 في صف المتمرّدين عواقب غير متوقّعة مماثلة في الدمار. وخلف السعوديون قطر كأكبر داعم للثوّار في سوريا في عام 2013 بناءً على الاعتقاد بأنّ حلفاءهم في سوريا قادرون على هزيمة الرئيس «بشّار الأسد» أو استدراج الولايات المتّحدة للقيام بهذه المهمّة عنهم. وفي هذا الحدث، تسبّب الضغط العسكري بشكل أكبر على «الأسد» في سعيه لطلب مزيد من المساعدة من روسيا وإيران ومشاركة روسيا عسكريًا في سبتمبر/ أيلول عام 2015، الأمر الذي لم تكن الولايات المتّحدة على استعداد لمواجهته.

ويلقى باللوم على الأمير «محمد بن سلمان» داخل وخارج المملكة على سوء التقدير والتسرّع الذي تسبّب في الفشل أو في هذا الطريق المسدود. وفي الجانب الاقتصادي، فإنّ رؤية 2030، مشروعه لجعل المملكة أقل اعتمادًا على النفط ولتشبه أكثر الدول غير النفطية، اكتسبت الشك والسخرية منذ البداية. وتمّ التشكيك في مدى المصداقية في نية تغيير نظام المحسوبية، الذي يتسبب في إنفاق جزء كبير من العائدات على توظيف السعوديين بغض النظر عن مؤهلاتهم أو رغبتهم في العمل.

واندلعت احتجاجات بين 10 مليون عامل أجنبي يمثّلون ثلث سكّان المملكة البالغ عددهم 30 مليونًا، بسبب عدم حصولهم على أجورهم، وهم معرّضون للتجاهل إن لم يكن للجلد أو السجن.

آثار عكسية

والخطر بالنسبة لحكام السعودية وقطر وغيرها من دول الخليج هو أنّ التفكير بغطرسة وتمنّ قد أغراهم لمحاولة فعل أشياء تفوق قوّتهم. ولا يوجد شيء من هذا جديد بالمرّة، وكانت دول الخليج النفطية تعمل على تعزيز قوّتها في العالم العربي والإسلامي منذ هزيمة الأنظمة القومية في مصر وسوريا والأردن من قبل (إسرائيل) عام 1967. ولقد وجدوا، وهو ما تجده السعودية الآن، أنّ القومية العسكرية تعمل بشكل جيد لتعزيز الحكّام طالما يعدون بالنصر، لكنّها تفقدهم شرعيتهم عند الهزيمة.

ولقد عملت السعودية ودول الخليج سابقًا من خلال الحلفاء والوكلاء لكنّ هذا انتهى مع الانتفاضات الشعبية التي اندلعت عام 2011. وتحوّلت قطر وفي وقت لاحق السعودية باتّجاه دعم تغيير النظام. وواجهت الثورات ثورات مضادة مع طليعة طائفية قوية في بلدان مثل العراق وسوريا واليمن والبحرين، حيث يوجد سكان سنّة وغير سنّة.

يعطي منتقدو السعودية وقطر غالبًا صورة عنهم كدول ذات مكر وفعالية، لكنّ السمة الأكثر لفتًا هنا هي الفوضى والجهل الشديد بالظروف الحقيقية على الأرض. وفي عام 2011، اعتقدت قطر أنّ «الأسد» سيتم الإطاحة به سريعًا مثلما حدث مع «معمّر القذافي» في ليبيا. وعندما لم يحدث ذلك، سارعت بضخ الأموال والأسلحة طواعيةً على أمل الضغط على الولايات المتّحدة للتدخّل العسكري للإطاحة بـ«الأسد» كما فعل الناتو في ليبيا.

ويقول الخبراء في سوريا أنّ الأمر وصل بالسعودية وقطر لتمويل «الدولة الإسلامية» ووكلاء القاعدة. وتأتي الإجابة بأنّهم لا يعلمون، وغالبًا لا يهتمّون، وفي الواقع تكون هذه التمويلات عن طريق أفراد أثرياء، وليس عن طريق الحكومات أو أجهزة الاستخبارات.

وتمّ تفسير الآلية التي تموّل بها السعودية الجماعات الجهادية المتطرّفة في مقال بقلم «كارلوتا غال» الصحفية في نيويورك تايمز في ديسمبر/ كانون الأول، وتحدثت فيه عن كيفية تمويل السعودية لحركة طالبان بعد هزيمتها عام 2001. وتستشهد المقالة بوزير مالية طالبان السابق، «آغا جان معتصم»، والذي وضّح في مقابلة صحفية كيف كان ينتقل إلى السعودية لجمع المال من أثرياء سعوديين ثم ينقلها سرًّا إلى أفغانستان. ونقل عن مسؤولين أفغان أنّ هجومًا أخيرًا من قبل 40 ألف من طالبان قد كلّف متبرّعًا أجنبيًا مليار دولار.

وأثبتت محاولة السعودية ودول الخليج النفطية لتحقيق الهيمنة على العالم العربي والعالم الإسلامي السنّي أنّها كانت محاولة كارثية على الجميع. فالاستيلاء على شرق حلب من قبل الجيش السوري والسقوط المرجّح للموصل في أيدي الجيش العراقي يعني هزيمة للعرب السنّة في مناطق شاسعة من الأراضي الممتدة من إيران إلى البحر المتوسط. وبفضل المتبرّعين الخليجيين إلى حدٍّ كبير، فإنّ هذه الأراضي تواجه شبح الخضوع الدائم لحكومات معادية لدول الخليج.

  كلمات مفتاحية

السعودية سوريا حلب قطر حرب اليمن المعارضة السورية

السعودية في اليمن: القتال من أجل الهيمنة الإقليمية