المطر وأوراق الأشجار.. ماء وغداء السكان في غرب الموصل

الخميس 26 يناير 2017 12:01 م

تفاقمت الأوضاع الإنسانية بشدة في الجانب الغربي من مدينة الموصل (شمالي العراق)، على خلفية الحملة العسكرية التي تشنها السلطات العراقية منذ أكثر من 3 أشهر في محاولة لاستعادة المدينة من قبضة تنظيم «التنظيم الإسلامية».

فـ100  يوم من المعارك العنيفة والحصار في المدينة، شمالي العراق، كانت كفيلة بأن تجعل من الوضع الإنساني لسكان نصفها الغربي على شفا الانهيار بعد توقف المشاريع الخدمية عن العمل بشكل تام، وقطع خطوط إمدادهم بالمستلزمات الحياتية الأساسية؛ ما حدا بكثير من السكان إلى الاعتماد على المطر وأوراق الشجر كمصدر للماء والغذاء، حسب تقرير لوكالة «الأناضول» للأنباء.

«الخوف من الحياة يفوق الخوف من الموت».. هكذا لخصت «أم كرم»، السيدة الأربعينية وأحد سكان الجانب الأيمن من الموصل، معاناتها وغيرها من الأوضاع السائدة هناك الآن.

السيدة العراقية التي نجحت «الأناضول» بصعوبة في الوصول إليها هاتفيا نظرا لرداءة شبكات الاتصال بالمدينة، قالت إن «الوضع الإنساني منهار بنحو تام، فلا ماء أو غذاء أو دواء، والسكان يموتون جوعا ويضطرون لأكل أوراق الأشجار والاعتماد على الأمطار في الحصول على المياه من أجل العيش وهو ما لم تشهده المدينة طيلة تاريخها الحديث».

وأضافت السيدة العراقية أن «أغلب أسعار المواد الغذائية المتوفرة في الأسواق التجارية قفزت إلى أربعة أضعاف سعرها الحقيقي، وأن السلع اللازمة لديمومة الحياة لا توجد بشكل نهائي».

وأشارت إلى أن «3 أشهر من الحصار الخانق وتحول المدينة إلى ساحة مواجهة جعل من الحياة صعب للغاية بل مستحيلة، وأن الجميع يرغب في الخلاص بأية طريقة كانت بعد أن بات الخوف من الحياة يفوق الخوف من الموت».

«أم كرم»، المسؤولة عن إعالة أولادها وبناتها الست بعد موت زوجها بقصف جوي على المدينة مطلع عام 2015، أكدت أنها ليست الوحيدة التي تواجه هذه الظروف بل «هناك آلاف المدنيين ممن حالتهم أسوأ منها بكثير ويعانون الفقر والحرمان ولا يجدون ما يسد رمق قوتهم اليومي».

ومنذ 50 يوما تضطر «أم كرم» إلى تقديم وجبة واحدة لأبنائها خلال اليوم تتألف من التمر وخبز الشعير فقط وبعض الأحيان من الطماطم المشوية على نار الخشب لعدم وجود الوقود وزيت الطهي.

وبعبارة «على المعنيين تحريرنا أو قتلنا».. اختتمت السيدة العراقية حديثها.

البحث عن الطعام بأكوام النفايات

«محمد خليل»، هو اسم مستعار لشاب موصلي في عقده الثالث يمتهن بيع المواد الغذائية في منطقة «باب السراي» التجارية بالنصف الغربي من الموصل، تحدث عبر الهاتف مفضلا إطلاق هذا الاسم عليه لمنع تنظيم «الدولة الإسلامية» من إيجاده.

«خليل» كشف عن «نفاد البقوليات ومستلزمات الطهي والدقيق والسكر والرز من الأسواق بشكل تام بعد قطع الطرق التي تربط الموصل بكل من تركيا وسوريا من جهة والمحافظة الشمالية العراقية من جهة أخرى، ورفض سائقي السيارات الكبيرة من سلك الطرق الصحراوية لجلب البضائع وإدخالها إلى المدينة لخطورتها واستهداف المركبات من قبل الطيران الحربي في الكثير من الأحيان».

تأمين لقمة العيش اليومية للعائلات الموصلية - حسب «خليل»- أصبح صعب جدا، وفي الكثير من الأحيان مستحيل، «الكثير من الرجال يخرجون إلى الشوارع وهم يضعون اللثام على وجوههم كي لا يعرفهم أحد من أجل البحث عن الطعام حتى في أكوام النفايات والعودة به إلى عوائلهم واستخراج الصالح منه ثم أكله لكبح جماح وحش الجوع المدمر».

المشافي عاجزة عن استقبال المرضى

قطع الماء وخط الطاقة الكهربائية عن المشافي والمراكز الصحية والمشاريع الخدمية في الجانب الغربي للموصل يفوق خطر شح المواد الغذائية، هذا ما أكده الناشط والمراقب للشأن الموصلي «فاضل عباس الجبوري»، مبدياً استغرابه الشديد من «محاربة أكثر من 900 ألف مدني يقطنون الجانب الغربي للموصل بحجة القضاء على مجموعة مسلحة (الدولة الإسلامية)».

وبين أن «انعدام المياه دفع بالسكان للذهاب نحو النهر وجلب ما يستطيعون حمله واستخدامه في الأمور اليومية؛ ولأنه غير معقم تسبب ذلك في إصابتهم بأمراض خطيرة للغاية كأمراض الكلى».

وتابع: «وما فاقم معاناتهم أن المشافي والمراكز الصحية اليوم أعلنت عجزها عن استقبال المرضى مهما كانت حالتهم الصحية بعد أن قطعت عنها الطاقة الكهربائية وتوقفت الأجهزة عن العمل ونفدت الأدوية من المخازن».

«الجبوري» أوضح أنه «خلال الشهرين الآخرين تم تسجيل عشرات الحالات المأساوية بين أهالي الجانب الغربي للموصل التي تسبب بها العوز، وهي حالات تقشعر لها الأبدان كإقدام العائلات على صيد القطط وأكلها، والبحث في النفايات للتزود بلقمة العيش، وعمل الحساء من أغصان الأشجار».

من جهته، اتهم المحلل السياسي، «عبد الرؤوف طلال العقاد»، الحكومة المركزية في بغداد والتحالف الدولي بـ«إبادة آلاف المدنيين العزل دون مراعاة لأوضاعهم الإنساني والتفهم أنهم لا حول لهم ولا قوة في مواجهة التنظيم وأنهم ضحية لمؤامرة ومخطط بشع يفوق التصور».

وقال إن «من واجب الحكومات مراعاة شعوبها وحمايتهم والحفاظ عليهم من الأزمات قدر الإمكان لا التسبب بزيادة معاناتهم وتجويعهم والدفع بهم نحو ارتكاب الجرائم المختلفة».

«العقاد» حذر من تفاقم الأزمة الإنسانية في الموصل وتحولها إلى كارثة لضررها على الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي ليس لمحافظة نينوى (مركزها الموصل) والعراق فحسب إنما المنطقة بصورة عامة.

وفي السياق ذاته، طالب الناشط في مجال حقوق الإنسان، «دريد يزن الأحمدي» أطراف النزاع المسلح على أرض الموصل باحترام الحياة المدنية ومراعاة أوضاع السكان وتحييدهم الحرب وأضرارها قدر الإمكان، رافضا أن يكون المواطن وقود لحرب «لا ناقة له بها ولا جمل».

وفي الـ17 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، انطلقت معركة استعادة مدينة الموصل من أربعة محاور بمشاركة أكثر من 100 ألف عنصر أمن من الجيش وقوات مكافحة الإرهاب وقوات البيشمركة (جيش إقليم كردستان العراق) وقوات الحشد الشعبي (فصائل شيعية مسلحة) وبإسناد من التحالف الدولي. وبعد معارك شرسة تمكنت القوات من استعادة الجانب الأيسر (شرق) المدينة قبل يومين.

  كلمات مفتاحية

العراق الموصل النازحون الوضع الإنساني أوراق الشجر المطر النفايات

«الأمم المتحدة» تحذر من عواقب كارثية على المدنيين في الموصل

الموصل.. انتشال 500 جثة ومطالبات بإعلانها منكوبة