خمس أساطير حول تركيا: الرئيس ليس ديكتاتورا.. والبلاد ليست علمانية

الاثنين 20 مارس 2017 08:03 ص

دخلت العلاقة بين تركيا وهولندا في أزمة الأسبوع الماضي وتم طرد ومنع الدبلوماسيين وذلك بعد تقييد حرية المسؤولين الأتراك الذين أرادوا المشاركة في الحملة الانتخابية بين الأتراك المغتربين لحثهم على تبني الدستور الجديد. لطالما اعتبرت تركيا حليفا مهما للغرب، ولكن على الرغم من كل العلاقات الدبلوماسية والسياسية والعسكرية، فإن الأميركيين لا يفهمون سوى القليل جدا عن تركيا. وما يعرفونه لا يبدو أنه يستند إلى مفاهيم دقيقة أو أنه أصبح غير صحيح مع مرور الوقت. ونورد هنا 5 أشياء خاطئة شائعة في الغرب حيال تركيا.

الخرافة الأولى: تركيا كانت دول ديمقراطية

من الشائع الاعتقاد بأن تركيا أصبحت سلطوية في عهد الرئيس «رجب طيب أردوغان». في عام 2015، عبر الكاتب التركي «مصطفى أكيول» عن أسفه بسبب «الانجراف السلطوي» في بلاده في افتتاحية صحيفة نيويورك تايمز. وبعد بضعة أشهر، كتب عالم الاجتماع «جيسون براونلي» هو الآخر حول «انحدار تركيا السلطوي».

ولكن الحقيقة هي أن البلاد لم تكن ديمقراطية، على الرغم من وجود انتخابات تعددية حرة ونزيهة مستمرة منذ عام 1946. وبين عامي 1960 و 1997، تخلصت القيادة العسكرية العليا في تركيا من أربع حكومات لم ترغب بها. وأشرفت هيئة الأركان العامة على التغييرات الدستورية المعادية للديمقراطية، بما في ذلك دستور 1982 الموجه أكثر نحو حماية الدولة أكثر من ضمان الحقوق السياسية والمدنية. وفي عام 1997، أطاح الجيش بأول حكومة تركية يتزعمها إسلاميون لأن رئيس الوزراء رفض تنفيذ القواعد التي تقوض حرية التعبير، وتضعف استقلال الصحافة وتجرم الفكر.

وعندما جاء «أردوغان» وحزب العدالة والتنمية إلى السلطة في عام 2002، قلل من دور الجيش في الحياة السياسية، ووعد الأتراك بالحريات الشخصية، وجعل من الصعب إغلاق الأحزاب السياسية وحظر السياسيين. لكن القادة الأتراك سرعان ما بدئوا بالتخلي عن الإصلاحات، وعلى مدى العقد الماضي استخدم «أردوغان» البيروقراطية لتقويض خصومه السياسيين.

الخرافة الثانية: الرئيس التركي دكتاتور

منذ فشل انقلاب يوليو/تموز الماضي، أشرف «أردوغان» على تطهير لم يسبق له مثيل شمل حوالي مائتي ألف شخص، من ضباط الشرطة والأكاديميين إلى البيروقراطيين. وقد وصفت جميع وكالات الأنباء مثل دير شبيجل، والانبدبندنت، والجارديان، والديلي تلغراف، نيوزويك، وهافينغتون بوست ونيويوركر «أردوغان» بالديكتاتور. حتى إنه تقبل التسمية: «إذا كان الغرب يصفني بالدكتاتور فهذا من وجهة نظري أمر جيد».

لا يزال «أردوغان»، الذي شغل منصب رئيس الوزراء في الفترة من 2003 حتى عام 2014، والذي أصبح رئيسا للدولة، لديه علاقة أكثر تعقيدا مع المواطنين الأتراك. وتختلف هذه العلاقة عن علاقة شعوب أخرى برؤسائها. وقد تصدر حزب العدالة والتنمية في 10 انتخابات على التوالي والأتراك اليوم هم أكثر ثراء وأكثر صحة وأكثر قدرة على الحركة من أي وقت مضى. وصرح «أردوغان» أنه من الممكن للأتراك استكشاف هوياتهم الدينية بالطرق التي لم يكن مسموحا بها في ظل الحكومات السابقة. بالنسبة لأنصاره، فإن «أردوغان» في منصبه كان يمثل ثورة في الحقوق والحريات الشخصية. والمرأة التركية هي الآن حرة في ارتداء الحجاب في الأماكن التي تم حظرها من قبل؛ ويمكنها المشاركة في الحياة السياسية. وإذا كان لنتائج الانتخابات أي إشارة، فإن نحو نصف الناخبين الأتراك ربما يكرهون «أردوغان»، في حين أن النصف الآخر يقدسه للحريات التي أعطاها لهم.

الخرافة الثالثة: تركيا دولة علمانية

غالبا ما يستخدم المعلقون في وول ستريت جورنال وصف تركيا بأنها دولة علمانية أو علمانية عسكرية ويتم نقل مجموعة من الأفكار المضللة.

لم تكن تركيا يوما علمانية بذات الطريقة التي يفكر بها الأمريكيون في العلمانية، والتي تتجسد في بند تأسيس التعديل الأول، الذي يحظر على الكونغرس سن قوانين لإقامة دين للدولة أو الحد من حرية ممارسة العقيدة. في تركيا، تسيطر الحكومة على حرية التعبير عن المعتقدات الدينية في المجال العام. هناك جهاز حكومي بأكمله مخصص لإنتاج التفسير الديني الذي تقره الدولة. حتى القادة الأتراك يستخدمون الدين لصالح أجنداتهم السياسية. وحزب العدالة والتنمية الحاكم، هو حزب إسلامي. عندما حاولت جماعات المعارضة الالتفاف عليه من خلال تجنيد الرئيس السابق لمنظمة التعاون الإسلامي لخوض الانتخابات ضد «أردوغان» في عام 2014، باءت المحاولة بالفشل، ويرجع ذلك جزئيا لأن «أردوغان» بالفعل متدين حقا.

حتى الجيش التركي، معقل العلمانية المفترض، مرتبط بعمق بالإسلام. بعد انقلاب عام 1980، انغمس المجلس العسكري الذي حكم البلاد في بناء المساجد وأدرج الدين في مناهج التعليم الحكومي. وغالبا ما تفاخر الجنرال «كنعان أفرين»، بأنه قد حفظ القرآن الكريم. وقد تم ذلك على أساس الاعتقاد بأن الدين لن يسيس المجتمع بعد عقد من الاستقطاب السياسي المكثف.

الخرافة الرابعة: تركيا لديها مشكلة كردية

من الصعب أن تقرأ شيئا عن تركيا دون الإشارة إلى «المشكلة الكردية»، التي تصور أن الأكراد هم أقلية لا تشارك الأساطير القومية العرقية مع المجموعة العرقية التركية المهيمنة. وتعزز الحرب المستمرة منذ عقود بين الحكومة وحزب العمال الكردستاني (PKK) فكرة أن هناك مشكلة مع الأكراد.

ولكن في حين أن 20% من سكان البلاد هم أكراد عرقيا، فإن الغالبية الساحقة منهم يعتبرون أنفسهم أتراكا. ومشكلة أنقرة هي فقط مع حزب العمال الكردستاني وفرع من هذه المجموعة يسمى صقور حرية كردستان (TAK). وكان حزب العمال الكردستاني في الأصل مجموعة ماركسية انفصالية تنتمي للاتحاد السوفيتي بدأت بشن حرب ضد تركيا في عام 1984. وخلال 33 عاما من الحرب قتل ما بين ثلاثين إلى أربعين ألف شخص. وفي الآونة الأخيرة تعد صقور حرية كردستان مسؤولة عن مجموعة متنوعة من الهجمات في أنقرة وإسطنبول. وردا على ذلك، استخدمت الحكومة التركية القوة الكاملة للجيش والشرطة لسحق التمرد على مستوى منخفض في جنوب شرق البلاد. ولم يتم استخدام العنف مع السكان الأكراد بشكل أوسع في تركيا.

مما لا شك فيه، أن الأكراد عانوا لسنوات، وحرموا من حقوقهم العرقية واللغوية والثقافية. وحتى مع ذلك، فإن العديد من 15 مليون كردي في تركيا مندمجون بشكل جيد في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية للبلد. كان «تورغوت أوزال»، رئيس وزراء تركيا في الثمانينيات و الرئيس في التسعينيات من أصل كردي، كما أن نائب رئيس الوزراء الحالي، «محمد شيمشك» هو كردي. ويعد الناخبون الأكراد في البلاد دائرة انتخابية موثوقة لحزب العدالة والتنمية، وقد استثمر حزب العدالة والتنمية في جنوب شرق البلاد ذي الأغلبية الكردية، وساعد تركيز الحزب على القيم الدينية والتضامن الإسلامي على استنزاف حزب العمال الكردستاني. لا يمكن القول أن هذه المجموعة، بطريقة مفرطة في التبسيط، تمثل الأكراد.

الخرافة الخامسة: تركيا هي قوة قديمة

عندما يكتب المحللون حول الشرق الأوسط، فإنهم غالبا ما يشملون تركيا إلى جانب مصر وإيران وهي الدول التي لها تاريخ ما قبل الاستعمار. و هذه الدول هي وارثة الحضارات الكبرى، خلافا لبعض الدول المخترعة في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى مثل الأردن أو سوريا أو العراق.

لكن هذه البلاد هي نتاج خيال رجل واحد: «مصطفى كمال»، المعروف أكثر باسم أتاتورك، أو أبو الترك. وقال أنه خلق دولة عرقية وطنية لم تكن موجودة أبدا في الجزء الأوسط مما كان إمبراطورية عثمانية متعددة الأعراق والثقافات. وسعى أتاتورك ورفاقه إلى تغيير القيم والولاءات لسكان الأناضول. وأراد تحويل مجتمع غالبية سكانه من المسلمين الموالين للقادة الذين يملكون الشرعية السياسية والدينية المستمدة من الإسلام.

ومنذ وقت تأسيس الجمهورية في عام 1923، أصبح الناس في الأناضول أتراكا، عليهم تكريس وجود الأمة التركية وتمسكها بالمثل العليا التقدمية والعلوم، مما دفع لإصلاحات في السلطة أوائل العهد الجمهوري، بما في ذلك إلغاء الأبجدية العثمانية، وفرض طريقة الأتراك اللباس وتقويض الدين كمصدر للسلطة. إلا أن العديد من هذه التدابير فشلت في ترسيخ نفسها في أذهان جميع الأتراك، لذلك اعتمد نجاحها على استخدام القوة والإكراه.

وعلى مدى العقود التسعة الماضية، صنع الأتراك الشعور التركي لكن هذا المعنى أيضا عرضة لزعزعة الاستقرار والتفتيت بطرق أكثر شيوعا في أجزاء أخرى من الشرق الأوسط. هذا هو بالضبط السبب في أن كل من فكرة الحكم الذاتي الثقافي الكردي أو المشكلة الأرمينية هي أمور حساسة جدا في الخطاب السياسي في تركيا.

المصدر | ستيفن كوك - واشنطن بوست

  كلمات مفتاحية

تركيا أردوغان أتاتورك المشكلة الكردية العلمانية التركية