بيع «اليورو».. اسـتراتيجـية غير مجدية

الاثنين 20 مارس 2017 12:03 م

نطق مايكل هازينستاب، المستثمر الشهير في السندات، بعبارة تستحق التوقف عندها حيث أشار إلى أنه قد أصبح يراهن ضدّ اليورو، لأن ذلك يمثل بالنسبة له «سياسة تحوّط ضدّ الشعبوية»، وهذا في رأيي يندرج في إطار الخطاب الخارج عن المألوف لأنه لا يعكس الأداء الفعلي لليورو لهذا العام، ففي صيف 2014، دافع هازينستاب عن فكرة الاستثمار بصندوق «تيمبلينون» العالمي للسندات الذي تصدره أوكرانيا. 

وقال: «نعتقد أن الاستثمار في هذه السندات على المدى الطويل يمثل فرصة طيبة». وفي العام التالي، أجبرت أوكرانيا المستثمرين على القبول باقتطاع نسبة 20 في المئة من قيمة السندات التي اشتروها. وبغض النظر عن موقف هازينتساب من هذا القرار، فقد كان من الواضح أنه لم يستقرئ الحالة الاقتصادية والسياسية في أوكرانيا، ولم يسمع شيئاً عن عزم روسيا على إشاعة الفوضى في ذلك البلد الجار بغض النظر عن التكاليف المترتبة على الأمر. وقد أثبتت الصحافة التي حذرت من هذا الخطأ الذي وقع فيه هازينستاب، أنها كانت صادقة.

والآن، جاء تحذير آخر عبر الصحافة الناطقة بالإنجليزية يفيد بأن الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي وانتخاب دونالد ترامب، وتداعيات كل ذلك، ما هي إلا مقدمات لانتصار مزيد من الشعبويين في العالم. ويضاف إلى ذلك أن هازينتساب الذي استثمر أيضاً في سندات المجر وبولندا، ربما يكون قد سمع بما تفعله الحكومتان الشعبويتان في هذين البلدين الأوروبيين. 

إلا أن استثماراته تلك أصبحت وراء كل الاستثمارات الأوروبية. وربما تقدم هذه التجربة درساً لكل من يعتقد أن عصر الاتحاد الأوروبي واليورو قد بدأ في الأفول، أو أنه معرض لصدمات كبرى، وخلافاً للاعتقاد الذي حملوه خلال السنوات الثلاث الماضية، فقد اختار أرباب الاستثمار في الأسهم وجهة أخرى.

وقد أظهرت انتخابات هولندا التي جرت يوم الأربعاء الماضي، أن استطلاعات الرأي الأوروبية يمكن أن تكون دقيقة حتى لو بالغت أحياناً في تقدير احتمالات انتصار الشعبويين. وإذا أثبتت استطلاعات الرأي الفرنسية ما عرف عنها من دقة، وواجهت مارين لوبن هزيمتها المدوِّية في الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة، فإن قيمة العملة الأوروبية الموحدة سترتفع أكثر، بالنظر إلى الأهمية النسبية العالية لدور فرنسا في نجاح اليورو.

ويضاف إلى ذلك أن الأداء الضعيف المحتمل للأحزاب والحركات الشعبوية الألمانية وعلى رأسها حزب «البديل من أجل ألمانيا» في انتخابات سبتمبر المقبل، يمكن أن يتوَّج أيضاً سنة سياسية ناجحة للاتحاد الأوروبي ولمنطقة اليورو كلها. كما أن التوقعات برفع أسعار الفائدة في أوروبا تزداد، وهو ما تسعى إليه ألمانيا من أجل تهدئة خواطر المدَّخرين الذين تعبوا من أسعار الفائدة المنخفضة التي تتراوح بين الصفر والقيم السالبة، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى ارتفاع قيمة اليورو أيضاً.

وفي سوق تتحكم فيه الطروحات السياسية، لن تكون هناك مفاجآت معاكسة مهمة لتوجه اليورو خلال هذا العام، وخاصة لو أخذنا في الاعتبار احتمال خسارة مارين لوبن وفقاً لما تتوقعه استطلاعات الرأي. وحتى لو شهدت اليونان المزيد من المتاعب المالية، التي يمكنها أن تؤدي إلى انتخابات مبكرة، فسيكون هذا تطوراً إيجابياً أيضاً لأن حزب «الديمقراطية الجديدة» الذي اشتهر بتأييده للوحدة الأوروبية، أحرز تقدماً كبيراً في استطلاعات الرأي التي أجريت مؤخراً فيما سجلت الأحزاب الراديكالية تراجعاً ملحوظاً.

ومن الأمور المهمة التي تجدر الإشارة إليها أيضاً أن منطقة اليورو ليست على درجة الهشاشة التي تحدَّث عنها المعلقون الناطقون بالإنجليزية. ودليل ذلك أن المواقف المؤيدة لليورو لا زالت على ثباتها في أكبر دول العملة الموحدة. وحتى في إيطاليا المثقلة بالمشاكل المالية، والتي تعاني من ركود اقتصادي صعب، لا يزال معظم الاقتصاديين متمسكين بالعملة الموحدة، وحتى لو فازت لوبن في فرنسا ودعت لتنظيم استفتاء للانسحاب من الاتحاد الأوروبي فإن من المرجح أن لا يؤيدها الناخبون.

كما أن التوقعات المتعلقة باقتصاد أوروبا ليست سيئة أيضاً. ويجمع خبراء مؤسسة «بلومبيرغ» على تقدير معدل النمو في منطقة اليورو بـ1.6 في المئة، أو ما يعادل معدل العام الماضي، بالإضافة إلى انخفاض جديد في معدل البطالة الذي تراجع بالفعل إلى أقل قيمة له منذ عام 2009.

وبدأت أيضاً أزمة الهجرة إلى أوروبا في التراجع. وحتى لو اختلفت دول شمال أوروبا مع تركيا حول تنفيذ بنود الصفقة التي كثر الحديث عنها لصدّ المهاجرين، فإن معظم الدول المعنية حصنت حدودها بالفعل ضد زحف المهاجرين الجدد. وكذلك، صحيح أن خطر الهجمات الإرهابية لا يزال ماثلاً، إلا أن الدول الأوروبية عززت من إجراءاتها الأمنية وجنَّدت أعداداً كبيرة من رجال الشرطة المؤهلين لمواجهة الخطر.

وعلى رغم كل ما يقال عن الأزمات التي تعاني منها أوروبا، فإن الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو أثبتا قدرة فائقة على التماسك والصمود في وجه الضغوط، وسيكون في وسعهما تحقيق أداء أفضل لو تمكنت الدول الأعضاء من صيغة استراتيجية جديدة لعمل الاتحاد.

  كلمات مفتاحية

«اليورو» الخروج البريطاني صعود الشعبويين الاتحاد الأوروبي فرنسا أوكرانيا