فيلم «عصر الظلال»..إنسانية المقاومة بين بطش الطغاة وعنصرية «الأوسكار»

الخميس 20 أبريل 2017 08:04 ص

باختصار لمثل هذا الفيلم الكوري الجنوبي تم اختراع السينما؛ ورغم بعض أخطائه التي يمررها الناقد له لفرط جمال مضمونه، إلا أنه يبقى أحد أبرز أفلام المقاومة في هذا القرن، رغم فشله في الحصول على «أوسكار» لأفضل فيلم أجنبي لهذا العام رغم قبول ترشحه للجائزة.

كانت أخطاء الفيلم، في رأينا في محاولة من مخرجه ومؤلفه وكاتب السيناريو والحوار «جي وون كيم» محاولة لجذب الانتباه الأمريكي إلى نسق العمل الدرامي التشويقي وجودته؛ ولكن «أوسكار» الجائزة التي ما تكف عن إعلان انحيازها ما كانت لتغفر أن الفيلم يدعو إلى تحرر الشعوب من ظلم الاحتلال والأنظمة الفاشية فيما ترى القوى الأعظم في العالم التحرر إرهابًا!

عداوة المُقاومة

من هنا آثرت «الأوسكار» الأمريكية بامتياز التغاضي عن جماليات فيلمنا الليلة «عصر الظلال» ومنح الجائزة لدورة هذا العام لـ «أصغر فرهادي»؛ رغم ادعائه معاداة الولايات المتحدة لحظر «ترامب» سفر مواطني دول إسلامية إلى الولايات المتحدة ومنها إيران، لتحقق الجائزة المُسيسية ضرب عدة عصافير بحجر واحد: فضح المجتمع الإيراني؛ لا على إنه مجتمع شيعي بعيد عن روح الإسلام الحقيقية بل على إنه مُمثل للدين الحنيف؛ ثم ادعاء المُسامحة مع المسلمين بمنح «أوسكار» أفضل فيلم أجنبي لمرتين لمخرج مسلم (عن فيلم انفصام 2012، وفيلم البائع 2017م)؛ وفي النهاية نأت الجائزة عن أجواء المقاومة .

ملحمة إنسانية

فيلم «عصر الظلال» انتزاع لورقة تاريخية من سياق الاحتلال الياباني لمملكة جوسون قبل أن تتم إعادة تسميتها باسم كوريا ومن ثم نقل عاصمتها إلى سيول؛ وهي الفترة الواقعة بين عامي 1910 و1945م، وفي أواخر عقد العشرينيات من القرن الماضي تدور أحداث الفيلم عبر مواطنيين فرنسيين وكوريين (جوسونين بحسب الفيلم) يحاولون جلب أسلحة متفجرة من شانغهاي في الصين لتدمير منشآت حربية يابانية في سيول؛ وبين عنف المتصدي الياباني لهم.

بدأ عرض الفيلم في 7 من سبتمبر/أيلول الماضي في 45 دولة من دول العالم؛ وحقق إيرادات مالية ضخمة، وهو يدور في قرابة ساعتين وثلث الساعة في لإطار ملحمة إنسانية عن المقاومة رغم الصعوبات الحديدية لرحيل المُستبد الياباني؛ حتى إن المقاومين أنفسهم كانوا يخونون بعضهم أحيانًا يأسًا من الوصول إلى حل؛ في حين كان اليانيين يقولون: «لا حل لكل (جونسوني) سوى بطاعة الإمبراطور الياباني أو الموت»!

يبدأ الفيلم برجاء المُقاوم «كيم سانغ أونغ» المُمثل «هي - سون بارك» الإمبراطور الياباني بجلاء قواته عن بلاده؛ ورفض الأخير لطلبه مما يدفعه لمُقاومة القوات اليابانية وحيدًا حتى انتحاره؛ وكان الإمبراطور يأمل في القبض عليه حيًا لمعرفة بقية خلية المقاومة.

وفي المقابل فإن قائد الشرطة اليابانية في جوسون «لي جونغ سون» (سونغ كانغ هو) يشعر بتأنيب الضمير لما يجري في المُقاومين من أهل بلده؛ وهو طرف الخيط الذي يلتقطه قائد المقاومة الجديد «سونغ كانغ هو» (لي بيونغ هون) فيُكلف أبرز أفراد خليته «كيم سونغ هو (هي سون بارك) بتجنيد قائد الشرطة.

وعبر ملحمة إنسانية من محاولة محاكاة وتقليد جوسون القديمة تبدأ مشاهد الفيلم تتوالى من العربات الخاصة بنقل البشر من الأغنياء اليابانيين والسياح عبر مركبات يجرها بشر؛ بالإضافة إلى المباني القديمة ذات السلالم العالية؛ والنوافذ الزجاجية؛ والأعمدة المُنتشرة هنا وهناك؛ والسيارات ذات الطراز القديم؛ وأدوات المائدة وملابس النساء والمكياج وقصات شعر الرجل؛ والأسلحة المُستخدمة في القتال؛ بالإضافة إلى السجون والقنابل؛ ودخان وقود تزويد خطوط السكك الحديدية؛ عصر كامل حرص مخرج الفيلم على محاكاته بحرفية أضاعت مضمون الفيلم أو خطه الدرامي أحيانًا في مزيد من الأمور الشكلية في محاولة لإثبات المخرج لذاته رغبة في نيل الجائزة؛ وهو ما أظهر أخطاء في المونتاج من ظهور ثوان قبل التمثيل وكأن الأبطال يستعدون للدخول في الحالة..!

كان على المقاومة نقل المتفجرات تحت غطاء من حماية «جونغ سون»؛ قائد الشرطة المُكلف بالقضاء عليهم..

النفس البشرية والغابة

نشأ «جونغ سون» في أجواء المقاومة قبل أن ينقلب عليها تاركة سكرتيرته «كيم ساهي» أو (جي مين هان) لتكمل من بعده؛ لتصبح سكرتيرة قائد المقاومة؛ ولكن الأخير بدرايته بالنفس البشرية يصدر حكمه: «الجاسوس المشترك له وطن واحد؛ فقط نساعده في فتح أبواب قلبه»؛ وعبر توالي مشاهد اللقاءات في الغابة تستوي الترجمة السينمائية للنفس البشرية بتناقضاتها وحبها للمصلحة الخاصة المؤدي بها إلى الانهيار..مع فتيل مشاعر الخير القابل للازدهار إن وجد الذي يحسن المحافظة عليه.

تنجح الخطة، ويتخلص قائد الشرطة من رجل المخابرات المُكلف بالعمل معه على إيجاد الفريق المقاوم الياباني الأصل «هاشيموتو» (تاي غو إيوم) لكن أفرادًا من المقاومة مؤثرين يفقدون حياتهم؛ وتفشل الخطة ويصير لزامًا على قائد الشرطة «جونغ سون» المشاركة في تعذيبهم حتى الموت إن أمكن في مشاهد مكررة من أفلام «سيرينا» (الأمريكي)، « 1948» البريطاني، «الكرنك» (المصري) وغيرها.

وتماديًا في الحبو نحو دهاليز النفس البشرية يخدعنا المخرج نفسه بالغوص خلف تقليد أجواء السينما الأمريكية (طمعًا في الجائزة) فيوهمنا بفشل المقاومة خلال قرابة ثلاث أرباع الساعة مخفيًا جزء من الحوار حول مطلب المقاومين من قائد الشرطة إنكار علاقته بهم بشرط أن يكمل الكفاح وهو ما يقوم في نهاية الفيلم بفعله لينام أبرز المقاومين الأحياء مرتاحًا في زنزانته فيما يقوم قائد الشرطة باغتيال الإمبراطور الياباني (!).

إنسانية وانحياز

إننا أمام عمل سينمائي يشعر المشاهد بعد الفراغ منه بأنه أكثر نبلًا في مواجهة الحياة ومحاولة التحرر من أسر الظلمة؛ وقد فهمت اللجنة الموكلة بجائزة «الأوسكار» الرسالة التي أراد الفيلم إيصالها لكل الشعوب المقهورة في العالم أن الضوء مهما ظهر ضعيفًا في إمكانية تحررها فإن الصباح قادم لذا منعت نيله الجائزة ومنحتها إلى عمل «فرهادي» الفضائحي!

لعبت الموسيقى التصويرية دورًا رئيسيًا بالإضافة إلى الإضاءة، وكان يفضل أن يتم اختصار الفيلم لمعالجة أخطاء المونتاج وإن لم تؤثر على جودة مضمونه بشكل عام.

المصدر | الـخليــــج الجــديــد

  كلمات مفتاحية

كوريا الجنوبية إنسانية المقاومة بطش الطغاة أوسكار