كتاب «عشر خرافات حول (إسرائيل)» .. المؤرخ «إيلان بابي» يفضح ضلالات الصهيونية

الأربعاء 17 مايو 2017 01:05 ص

التاريخ يكمن في قلب كل صراع، والفهم الحقيقي وغير المتحيز للماضي يمكن أن يوفر السلام، وعلى النقيض من ذلك؛ فإن تشويه التاريخ أو التلاعب به لن يؤدي إلا إلى غرس الفتنة وحصد الكارثة.

والصراع الفلسطيني (الإسرائيلي) مثال حي على ذلك، فالتضليل التاريخي والتشويه المتعمد حتى لما حدث في الماضي القريب؛ لا يمكن أن يقود إلا إلى تعزيز القمع وحماية الاحتلال والنظام الاستعماري، ولعب الدور المهم في إدامة الصراع، بحسب «الجزيرة».

عبر ثلاثة أجزاء -خرافات الماضي وخرافات الحاضر ثم التطلع للمستقبل-  تحوي عشرة فصول وخاتمة عن دولة (إسرائيل) الاستيطانية الاستعمارية في القرن الواحد والعشرين؛ يقدم المؤرخ (الإسرائيلي) «إيلان بابي» في كتابه «عشر خرافات حول (إسرائيل) » ردًا ودحضًا لتلك الأساطير.

أباطيل الماضي

ست خرافات من الماضي، أولاها أن «فلسطين كانت أرضًا بلا شعب». إذ يؤكد المؤلف في الفصل الأول أن الفضاء الجيوسياسي الذي يطلق عليه اليوم فلسطين أو محتلتها (إسرائيل)؛ هو بلد معترف به منذ العصر الروماني، مضيفاً أنه منذ القرن السابع فصاعدًا كان تاريخ فلسطين مُرتبطًا ارتباطًا وثيقا بالعالم العربي والإسلامي.

وتوضح السجلات العثمانية للتعداد السكاني لفلسطين عام 1878 أن اليهود لم يشكلوا سوى نسبة 3% فقط من سكان بلغوا نحو نصف مليون شخص، 87% منهم مسلمون و10% مسيحيون.

كانت فلسطين بلدًا ريفيًا على وشك الدخول إلى القرن العشرين كمجتمع حديث، وقد أدى احتلال الحركة الصهيونية لأرضها إلى تحوّل هذه العملية إلى كارثة بالنسبة لغالبية السكان الأصليين الذين يعيشون هناك.

الخرافة الثانية تكمّل الأولى؛ فـ«أرض بلا شعب» تحتاج إلى «شعبٍ بلا أرض». ويأتي الفصل الثاني حيث يعالج المؤلف سؤالاً ينبني عليه الكثير: هل كان اليهود بالفعل هم السكان الأصليين لفلسطين، وعليه ينبغي منحهم كل الدعم الذي يستحقونه للعودة إلى وطنهم؟!

تدعي الأساطير أن اليهود الذين وصلوا فلسطين عام 1882 هم أحفاد أولئك الذين طردهم الرومان منها عام 70م، لكن المؤلف يدحض ذلك قائلا إن ما قبل عهد الصهيونية كانت الرابطة بين المجتمعات اليهودية في العالم -بما فيه فلسطين- علاقة روحية ودينية وليست سياسية.

ويؤكد «بابي» أن ترتيب عودة اليهود إلى فلسطين كان مشروعًا مسيحيًا بروتستانتيًا في الأصل حتى القرن السادس عشر، ثم أكملته الصهيونية.

الفصل الثالث يتناول المؤلف فيه التقييم التاريخي لمواقف اليهود تجاه الصهيونية، ويحلل الخداع الصهيوني للديانة اليهودية لأسباب استعمارية أولًا وإستراتيجية لاحقًا.

ويفضح «بابي» الصهيونية في زعمها أنها تمثل الديانة اليهودية، وأن من يعاديها عدو للسامية. وفي هذا السياق يعرض للكتب المدرسية في (إسرائيل) التي تنقل نفس الرسالة حول الحق الديني في الأرض، وتوفر لذلك «الأدلة من التوراة».

ويضيف الكاتب أن «ديفيد بن غوريون» -الزعيم الصهيوني وأول رئيس وزراء (إسرائيلي)- لوّح بالتوراة في وجوه أعضاء لجنة «بيل» الملكية البريطانية (التي كانت تحاول تقسيم فلسطين بين الانتداب واليهود والعرب)، صائحًا: «إن هذه التوراة تؤسس لحق اليهود في فلسطين وليس الانتداب البريطاني، و(التوراة هي ميثاق دولتنا).

تدعي الصهيونية أنها حركة تحرر وطنية وليست استعمارية، لكن المؤلف في الفصل الرابع يشبهها بالمشروع الاستعماري الذي جرى في جنوب أفريقيا وأستراليا والولايات المتحدة ضد السكان الأصليين.

وأهمية دحض هذه الخرافة تكمن في الموقف من المقاومة الفلسطينية وأيضًا من (إسرائيل)، فإذا كانت (إسرائيل) دولة ديمقراطية أو الصهيونية حركة تحرر وطنية؛ فإن الهيئات الفلسطينية مثل منظمة التحرير ستكون كيانات (إرهابية).

بحلول عام 1945، اجتذبت الصهيونية أكثر من نصف مليون استيطاني إلى بلد يبلغ عدد سكانه مليونيْ نسمة، ورغم كل محاولاتهم فإنهم لم يستطيعوا شراء سوى 7% فقط من أرض فلسطين، وكان الحل في الإبادة وإزالة المواطنين من وطنهم.

«غادر الفلسطينيون أرضهم طوعًا»؛ هذه خرافة الفصل الخامس. يقول المؤلف إن القيادة الصهيونية والأيديولوجيين لم يتمكنوا من تصور التنفيذ الناجح لمشروعهم دون التخلص من السكان الأصليين، إما عن طريق الاتفاق أو بالقوة. ويرى أنه لم يكن مطروحًا في فكر هؤلاء القادة سوى الطرد إلى خارج فلسطين، وإقامة وطن آخر لهم في سوريا أو العراق مثلًا.

وحتى عندما ألمحت بريطانيا لإمكانية نقل الفلسطينيين إلى نابلس وتوطينهم هناك، لم يوافق القادة الصهاينة وأصروا على أن يكون ذلك إلى الخارج وبالقوة، وعلى دعم بريطانيا لخطة التهجير القسري، وربطوا بين حتمية ذلك وبناء الدولة اليهودية واستقلالها وتماسكها.

لا يزال الإعلام (الإسرائيلي) يصر على أن حرب 1967 كانت «مفروضة» وهذه هي الخرافة السادسة، ووفقا لهذه الرواية فقد «أجبِرت» (إسرائيل) بعد الحرب على الاحتفاظ بغزة والضفة تحت سيطرتها رهًنا، حتى يكون العرب على استعداد للسلام معها.

لكن «بابي» يؤكد أن الاستيلاء على الضفة الغربية وقطاع غزة يمثل إنجازًا للعمل الذي بدأ في عام 1948، ثم أتمه «قرار مصري متهور» في يونيو/حزيران 1967. ولم تكن مفروضة بل «فرصة» جرى انتظارها واستغلالها حين سنحت.

أباطيل الحاضر

يجلبنا الفصل السابع إلى الحاضر وخرافة أن (إسرائيل) هي الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، ويطرح المؤلف فكرة الرد على هذه الأكذوبة عبر دراسة وضع الفلسطينيين داخل (إسرائيل) والأراضي المحتلة، وهم يشكلون نصف السكان تقريبًا.

يحاول الإعلام (الإسرائيلي) الترويج للدولة الديمقراطية الوادعة التي اضطرتها حرب يونيو/حزيران 1967 إلى اتخاذ إجراءات استثنائية. ولكن الحقيقة هي أن (إسرائيل) منذ البداية تُخضع الفلسطينيين للحكم العسكري على أساس لوائح الطوارئ الصارخة التي تحرمهم من أي حقوق إنسانية أو مدنية أساسية.

والقادة العسكريون المحليون هم الحكام المطلقون لحياة هؤلاء المُواطنين، إذ يمكنهم وضع قوانين خاصة بهم، وتدمير منازلهم وسبل عيشهم، وإرسالهم إلى السجن متى شاؤوا.

أساطير أوسلو في الفصل الثامن، تتناول اتفاق أوسلو من منظور يقيّم نحو ربع قرن مر عليه، وهل كان اتفاق سلام فشل أم مجرد حيلة (إسرائيلية) جديدة لتعميق الاحتلال؟

وبعد آمال عريضة وحصول «ياسر عرفات» و«إسحق رابين» و«شمعون بيريز» على جائزة «نوبل للسلام»؛ اكتشف الفلسطينيون -في عام 2000- أن التفسير (الإسرائيلي) لأوسلو يعني نهاية أي أمل في الحياة الفلسطينية الطبيعية، ويحمل في طياته المزيد من المعاناة في المستقبل.

ويرى المؤلف أن هذا السيناريو كان خطيئة أخلاقية، وعزز موقف من يرون أن الكفاح المسلح ضد (إسرائيل) هو السبيل الوحيد لتحرير فلسطين، وأن السلام حلم فاشل.

الفصل الأطول في الكتاب هو الفصل التاسع «أكاذيب حول غزة»، دلالة على أهمية وإلحاح هذه المأساة المتواصلة. وبنفس المنظور السابق؛ يعرض المؤلف للدعاية (الإسرائيلية) التي تُروّج حتى اللحظة لثلاث أساطير تضلل الرأي العام بشأن أسباب «العنف» المستمر في غزة.

وهذه الأساطير الثلاث -التي تفسر العجز الذي يشعر به أي شخص يرغب في إنهاء بؤس البشر المحاصرين في إحدى أكثر قطع الأراضي المكتظة بالسكان في العالم- تقول إن «حماس منظمة (إرهابية) »، و«فك الارتباط (الإسرائيلي) مع غزة كان عملا للسلام»، و«الحرب على غزة هي دفاع عن النفس».

ويبدو أن (إسرائيل) على وشك شن سلسلة أخرى من الهجمات على القطاع، الذي توقعت الأمم المتحدة أن يُصبح غير قابل للسكنى بحلول 2020 وفقا للمعدل الحالي للتدمير اللاحق به.

وهذا الأمر -الذي يسميه المؤلف «حكم الإعدام»- أصبح أكثر احتمالًا منذ أن أغلقت مصر معبر رفح المنفذ الوحيد للقطاع إلى الخارج. ويؤكد «إيلان أن الأمر يتطلب أكثر من مجرد خطوات سلمية لإقناع (الإسرائيليين) بالرجوع عن سياستهم تلك.

التطلع للمستقبل

يتناول الفصل العاشر ما يراه المؤلف حلّا خرافيًا يجري الترويج له من آلة الدعاية (الإسرائيلية) ومؤيديها في الغرب، وهو أن «حل الدولتين» هو الطريق الوحيد للمضي إلى الأمام.

ويشبّه الكاتب هذا الحل بجثة ترقد في المشرحة، وبين الحين والآخر يجري إخراجها وتزيينها وتقديمها على أنها شيء حي، ثم عندما يكتشف الجميع زيف ذلك يعاد إدخالها إلى المشرحة لتعاد الكرة.

يقول «بابي» إن هذه الجثة يجب أن تدفن مع باقي قاموس الوهم والخداع بمدخلاته الشهيرة، مثل «عملية السلام» و«الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط»، و«الدولة المحبة للسلام»، و«التكافؤ والمعاملة بالمثل»، و«حل إنساني لمشكلة اللاجئين». وإعادة تعريف الصهيونية باعتبارها استعمارًا، و(إسرائيل) بوصفها دولة فصل عنصري، والنكبة بأنها تطهير عرقي.

وفي الختام؛ يؤكد المؤلف آماله بأن يوضح هذا الكتاب بعض أوجه التشوهات الموروثة في قلب المشكلة (الإسرائيلية) الفلسطينية في الماضي والحاضر، مضيفًا أن الشعب الواقع تحت الاحتلال له كل الحق في الكفاح من أجل حريته، حتى ولو كوّن لذلك جيشا مقاتلًا، وأن النجاح في إقامة دولة ديمقراطية تضم الجميع هو الضمانة الوحيدة لإنهاء هذا الكفاح.

وأن التحرر من الأساطير الكاذبة العشر حول (إسرائيل) هو الذي سيساعد على إحلال السلام، وإغلاق ملف عصر الاحتلال المُظلم، وإنهاء الأهوال المستمرة منذ الحرب العالمية الثانية.

  كلمات مفتاحية

كتاب خرافات إسرائيل ضلالات الصهيونية

«أزمة اللاجئين والدين»..كتاب يناقش قصور العلمانية الغربية في التعامل مع المهاجرين