بالفيديو.. «أرطغرل 1890»: إنتاج تركي ـ ياباني يجسد تعدد الآباء الفنيين لعمل سينمائي مميز!

الخميس 18 مايو 2017 07:05 ص

بدعم معلن ومُباشر من رئيس الجمهورية التركية «رجب طيب أردوغان» تم إنتاج فيلم «أرطغرل 1890م»، من إخراج الياباني «ميتسوتوشي تاناكا»، عبر سيناريو تركي ـ ياباني مشترك، وبإنتاج ضخم هو الأول من نوعه في تاريخ السينما في البلدين؛ وبمشاركة عشرات المُمثلين من اليابان كما من تركيا.

بدأ عرض الفيلم في اليابان في 25 من ديسمبر/كانون الأول 2015م، ثم صدر في أكبر مركز ثقافي تركي بحضور رئيس الوزراء التركي السابق «أحمد داود أوغلو» وزوجته أمينة، بعدها بشهر، وعقب الفيلم وقف «داود أوغلو» ليقول والدموع ملء عينيه: «إن الفيلم وإن عبر عن شعبين متباعدين في رقعة آسيا إلا أنهما متقاربين قلبيًا»، (شاهد الفيديو).

فيلم الليلة حمل اسم« أرطغرل» ضمن سياقه الدرامي بطريقة مُوظفة فنيًا، وهو مُختلف تمامًا عن مسلسل «قيامة أرطغرل» ذي الأجزاء، إلا أن الروابط بينهما في السياق كثيرة، فكلاهما ينتمي إلى مؤسس الدولة العثمانية السُّلطان «الغازي فخرُ الدين قره عُثمان خان الأوَّل بن أرطُغرُل بن سُليمان شاه القايوي التُركماني»، وكلاهما مرحلة في عقد أو سلسلة توظيف الفن من أجل خدمة السياسة؛ توظيفًا يواكب مرحلة الوعي ويبهر في نتائجه!

أدرك صُناع السياسة الأتراك أن التأثير الحقيقي للدراما بشقيها السينمائي والتلفزيوني يبقى على مدار الأزمان؛ بالإضافة إلى انه يصنع الانتصار في المعركة الأم السابقة على جميع المعارك والمُمهدة والمؤدية إليها باقتدار معركة الوعي!

ومن مقتضيات «معركة الوعي» النجاح في سياق التحدي الفني باقتدار وصناعة فيلم ينتمي إلى عالم السينما شكلًا ومضمونًا، فكرة وفنًا؛ وليس من عينة الأفلام المُباشرة التي يُعهد فيها إلى الشؤون المعنوية أو المُخابرات الحربية وأتباعها في الدول العربية بإنتاجها لتتغنى بانتصارات الزعيم المغوار، ساحبة ظلال النسيان على سابقيه من الرؤساء..فيلم الليلة عُهد بها إلى صناع سينما حقيقية فجاء بنكهة فنية درامية تركية يابانية مميزة، ولو أنه اكتفى بأحدهما لكفته!

فيلمان في علبة سينمائية واحدة

أما الفيلم الأول فهو عن الفُرقاطة أطغرل 1890م، إذ إن السلطان «عبد الحميد الثاني» لاحظ أن الدول الأوروبية تحاول أن تجعل اليابان تأخذ موقفًا مُعاديًا من الدولة العثمانية فأمر بتجهيز هدايا مناسبة لأمبراطور اليابان «ميكادو».

 يترك النقيب البحري «مصطفى» بطل الفيلم عن الجانب العثماني زوجته الحامل «خديجة»، ويودع في المُقابل «طاهر» رئيس العمال المُشغلين للفرقاطة زوجته في قرية فقيرة، وهي حامل هي الأخرى، وفي قطع متوازٍ احترافي ينتقل الفيلم إلى الجانب الياباني حيث القرية البالغة الفقر المُسماة «كوشيموتو» المُطلة على المياه مباشرة، وهناك تبدو آلام الممرضة «هور»، البطلة من الجانب الياباني، بعد غرق خطيبها «تشان» إثر محاولته إنقاذ غريق حتى لتفقد النطق من تأثير الحادث، وتعمل مساعدة لطبيب إنجليزي غرقت سفينته على شاطئ المدينة منذ 40 عامًا فرفض مغادرتها.

الفرقاطة التركية «أرطغرل» كان على متنها 618 من عسكريين ومُشغلين، ولحظة ولادة زوجتي «مصطفى» القبطان، و«بكر» رئيس المُشغلين كانت زوجة «شينتاور» الياباني تلد هي الأخرى..في إشارة رائعة إلى أن آلام البشرية وأفراحها واحدة وإن اختلفت الخارطة، فأخبار زيارة الفرقاطة التركية تصل في جريدة إلى الطبيب الياباني عقب الولادة الأخيرة فيروي للممرضة موقع تركيا ويحكي لها عن تاريخها مع أوروبا وآسيا.

على متن الفرقاطة كان عالم الدين إلى جوار القائد البحري سواء بسواء، مثلما كان النقيب «مصطفى» إلى جوار كبير المُشغلين «طاهر»؛ ولكنهما يختلفان حتى يعفو النقيب عن رئيس العمال، وفي المقابل فيما كانت عاصفة حادة تُغرق السفينة كان الطبيب الثاني في المدينة اليابانية يلهو مع عاهرة من الدرجة الثالثة مترفعًا عن القرية.

وفي مشاهد انسيابية بجودة الإضاءة الخافتة، تضرب المياه سخان الفرقاطة فتوشك على الانفجار فيؤثر «طاهر» النقيب «مصطفى» على نفسه ليحذر طاقمها العسكري في الطابق الأعلى.. وقرابة سواحل المدينة تغرق السفينة فيهرع الجميع لنجدة الأتراك الغرقي لينقذوا 39 حيًّا، و250 جثة، ولا يتم الوقوف على الباقين، وفي الليل يترك طبيب القرية المرأة العاهرة ويأتي مع الإنجليزي، وتأتي عشيقته لتتخلى عن كامل ملابسها من أجل الأتراك الذين يكادون يموتون من البرد(!)، ويترك كل أهالي القرية ما لديهم من متاع الدنيا من طعام وشراب من أجل إنقاذهم.

ينجو «مصطفى» على يد «هور» المُمرضة..فتعرف فيها خطيبها، ولكنه يثور لأسباب تافهة ويتهم عمدة القرية بسرقة السيوف الذهبية حتى يُعلمه الطبيب الإنجليزي درسًا في نبل أهل القرية الذين رفضوا أن يعيدوا السيوف وعليها دماء الغرقى القتلى فكانوا ينظفونها، ليرفض «مصطفى» استلامها، ويلقي ببعض الذهب في المياه.. وينحني لأهل القرية قبل رحيله.

طائرة طهران

قلوب البشر ستحرك البلدان..يبدأ الفيلم الثاني في عام 1985م، وهو يدور في قرابة 56 دقيقة من إجمالي نحو 130 دقيقة؛ إذ يخرق الرئيس العراقي الراحل «صدام حسين» الهُدنة مع إيران ويقرر قصف طهران نفسها، ويتوقف مطار العاصمة عن العمل وتهرع دول العالم لنجدة مواطنيها في إيران عدا اليابان التي تخشى من تعريض أحد إلى الخطر بالإضافة إلى 215 فردًا هم عدد الجالية اليابانية في طهران، ومن جديد يلتقي بطلا الفيلم «مصطفى» (باسم مراد هذه المرة)، و«هور» (باسم هيرويكي ) في طهران يلتقيان، وبحسب الفيلم يعرض مراد على «هيروكي» خدمات بلاده، فيما ترفض بلادها التصرف، ويتم عرض الأمر دبلوماسيًا على رئيس الوزراء التركي آنذاك، رئيس البلاد فيما بعد «تورغت أوزال»؛ فيقر إخلاء طائرة لليابانيين على متن الخطوط التركية، وتسفير الأتراك إلى بلادهم بالسيارات.. ليرد اليابانيين على الأتراك بانحناء السفير لهم في المطار..فيما تخبر «هيرويكي» «مصطفى» أنه تعرفه منذ وقت بعيد..!

سينما النبل

أكثر من موقف في الفيلم ينضح بالخبرة السينمائية والمبادئ القائلة أن الشعوب لو أتيحت لها الفرصة لكان العالم تخفف من أكثر حروبه على مدار تاريخه الحديث على الأقل.

مدينة «كوشيموتو» ما تزال تحتفظ بمتعلقات الأتراك العائدة إلى 1890م حتى اليوم في متحف، فيما العلاقات اليابانية التركية تتمتع من يومها بإطار صداقة على مدار 115 عامًا، ويكفي أنها أفرزت فيلمًا يجعل المشاهد أكثر نبلًا بعد مشاهدته..!

المصدر | الـخليــــج الجــديــد

  كلمات مفتاحية

أرطغرل 1890 إنتاج تركي ياباني تعدد الآباء الفنيين عمل سينمائي ناجح