«تيران وصنافير» ومستقبل الحراك الشعبي في مصر.. الفرص والاحتمالات

الأحد 18 يونيو 2017 05:06 ص

آمال كبيرة تحدو المعارضة المصرية، في أن يتسبب تمرير البرلمان المصري، اتفاقية إعادة ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية والتي تتضمن نقل تبعية جزيرتي «تيران وصنافير» للمملكة، في إحداث حراك قوي في الشارع المصري، ربما يتحول لاحقا إلى موجة ثورية تطيح بنظام حكم الرئيس المصري «عبدالفتاح السيسي».

المظاهرات التي شهدتها العاصمة المصرية، وعدد من المحافظات في أنحاء البلاد، خلال الأيام الماضية، قوبلت بردة فعل عنيفة من السلطات الأمنية، والتي شنت حملة اعتقالات واسعة طالت العشرات من نشطاء المعارضة في عدة محافظات.

واعتقل أكثر من 40 ناشطا خلال عمليات دهم، الجمعة الماضي في القاهرة وعشر محافظات أخرى على الأقل.

وعلى وقع دعوات النزول للتظاهر في «جمعة الأرض»، عقب صلاة الجمعة، للاحتجاج على موافقة البرلمان على اتفاقية «تيران وصنافير»، شهدت شوارع وميادين القاهرة، تواجدا أمنيا مكثفا، ودفعت وزارة الداخلية المصرية، بالعشرات من عربات الأمن المركزي ومدرعات الشرطة لحصار ميدان التحرير، وسط القاهرة.

وأغلقت السلطات المصرية محطة مترو الأنفاق المعروفة باسم «السادات»، المؤدية لميدان التحرير، مبررة قرار الإغلاق بـ«دواع أمنية».

وبلغ الهوس الأمني، إلى تدخل وزير الأوقاف المصري «محمد مختار جمعة»، لوقف الشيخ «محمد قاعود»، إمام وخطيب مسجد «عمرو بن العاص» عن الخطابة، بعد تأكيده مصرية جزيرتي «تيران وصنافير».

وأوقفت السلطات المصرية، الجمعة، طباعة صحيفة «الصباح» (خاصة)، لدفاعها عن مصرية الجزيرتين.

وتداول نشطاء، الصفحة الأولى للصحيفة الممنوعة من الطباعة، وظهر فيها مشهد من فيلم «الأرض»، يتقدمه الفنان الراحل «محمود المليجي» بزيه الفلاحي، وقد كتب بجواره كلمة «مصرية».

سبق ذلك قرصنة أمنية استهدفت أكثر من 50 موقعا إخباريا في مصر، تم حجبها داخل البلاد، دون مبرر واضح أو حكم قضائي، فيما قالت تقارير حقوقية إن الحجب للتعتيم على صفقة بيع الجزيرتين للسعودية.

وكانت جماعة الإخوان، وأحزاب المعارضة المتمثلة في التيار الديمقراطي، الذي يضم الدستور وتيار الكرامة والتحالف الشعبي، إضافة إلى حزب «العيش والحرية» تحت التأسيس، وجهت دعوة، للمواطنين للتظاهر في ميادين القاهرة والمحافظات؛ للاحتجاج على موافقة البرلمان على اتفاقية «تيران وصنافير».

احتجاجات نادرة

بدا واضحا في تظاهرات «جمعة الأرض»، التي كبلتها الإجراءات الأمنية، أن السلطات نجحت في تحجيمها إلى حد كبير، لاسيما عند النظر إلى أن أغلب كوادر القوى السياسية البارزة على الساحة المصرية، خلف القضبان، أو يتعرضون لملاحقات مستمرة، فضلا عن لجوء العديد منهم للإقامة في الخارج.

ويقبع أكثر من 50 ألف من رافضي الانقلاب العسكري في سجون «السيسي» منذ إطاحة المؤسسة العسكرية بالرئيس «محمد مرسي» المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين في 3 يوليو/تموز 2013.

وأشعلت اتفاقية «تيران وصنافير» فتيل احتجاجات نادرة في مصر، وفق تعبير صحيفة «ميدل إيست آي» البريطانية، حيث اتهم معارضون، ومؤيدون سابقون لـ«السيسي»، رئيس البلاد بـ«بيع الجزيرتين» إلى السعودية، مطالبين بمحاكمته وإعدامه، بتهمة الخيانة والتفريط في أرض الوطن، وهي الإشارة الأولى من نوعها، التي تصدر ممن كانوا في السابق من مؤيدي الانقلاب.

وتنص المادة 77 من قانون العقوبات المصري، على: «يعاقب بالإعدام كل من ارتكب عمدا فعلا يؤدي إلى المساس باستقلال البلاد أو وحدتها أو سلامة أراضيها».

المحامي الحقوقي، والمرشح الرئاسي المحمل «خالد علي»، صاحب دعوى بطلان اتفاقية الجزيرتين، قال إن «السيسى سيقوم بتسليم الجزيرتين، ويرتكب هذا الفعل الذي أعتبره خيانة في حق الوطن وتنازلاً عن أراضي الدولة، وهو يلقي المسؤولية على البرلمان؛ حتى يستتر خلف موافقته ويقول: لست وحدي من وافق».

ويؤكد «علي»، أن «الغضب الشعبي هو الشيء الوحيد الذي يوقف التنازل عنها»، مضيفا في تصريحات صحفية، نقلها موقع «هاف بوست عربي»، أن «السيناريوهات المتوقعة، مرتبطة بالشارع وبالناس؛ هل الناس عندها قدرة على أنها توقف هذا أم لا؟!».

وقال المحامي المصري «طارق العوضي»، في تدوينة على صفحته بموقع التواصل «فيسبوك»: إن «التصويت على التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير في البرلمان جريمة متكاملة الأركان، وخيانة عظمى تستوجب الإعدام»، على حد تعبيره.

دلالات نوعية

دلالات الحراك الذي شهدته الساحة المصرية، خلال الأيام الماضية، كانت لافتة، كونه جاء من رموز وفئات كانت معادية لحكم جماعة الإخوان، ومؤيدة للانقلاب العسكري، وهو تحول كبير، يخشى من تطوره لاحقا، حال وصوله إلى لحظة اصطفاف مع القوى الإسلامية، وبالأخص منها جماعة الإخوان.

ويمكن القول، إن الحراك الحادث، ورغم محدوديته، مقارنة بـ«مليونيات يناير»، أو حشود 30 يونيو، واعتصامي «رابعة والنهضة»، يشكل صداعا للنظام الحاكم، وقد يتسع نطاقه في ظل تدهور حاد في الأوضاع المعيشية والاقتصادية، وصولا إلى موجة ثورية جديدة، قد تنطلق على يد الفئات المهمشة والطبقات الفقيرة، التي أرهقها بشدة قرار تعويم العملة المحلية نوفمبر/تشرين ثان الماضي، ما سبب انهيارا حادا في قيمة الجنيه.  

ووفقا لدراسة مسحية حديثة أجراها مركز «بصيرة» المصري، يقر 11% فقط من المصريين أن «تيران وصنافير» تابعتين للسعودية، ويقول 47 من المشاركين إنهما مصريتان، في حين  يذكر 42% أنهم ليسوا متأكدين من الأمر.

يؤخذ في الاعتبار، ما تم تداوله، عن قيام السلطات المصرية، بممارسة ضغوط كبيرة، وإجراءات عقابية، ضد قيادات عسكرية وسيطة، وضباط رافضين اتفاقية السيادة على جزيرتي «تيران وصنافير» إلى السعودية، التي تم توقيعها العام الماضي في القاهرة بحضور العاهل السعودي الملك «سلمان بن عبد العزيز».

ويثير تمرير الاتفاقية على عجل، وفي أقل من 48 ساعة تحت قبة البرلمان، غضب الأوساط القضائية، ففي حكم نهائي، قضت المحكمة الإدارية العليا (أعلى محكمة للطعون في البلاد)، في 16 يناير/ كانون ثان الماضي، ببطلان الاتفاقية، واستمرار الجزيرتين تحت السيادة المصرية، وهو الحكم الذي قال عنه قانونيون إنهم أعفى البرلمان من مناقشة الاتفاقية لأنه جعلها كأن لم تكن، لكن رئيس المجلس «على عبدالعال»، ضرب بعرض الحائط حكم القضاء، قائلا إن «الأحكام القضائية لا تخص إلا القضاء وأي حكم صدر هو والعدم سواء، ومجلس النواب مستقل ولا حجية لحكم مع مجلس النواب».

إذن تتوافر معطيات جدية، حراك «محدود» على أرضية وطنية وسياسية (تيران وصنافير) قد يتسع لاحقا، وغضب شعبي واسع جراء الغلاء وارتفاع الأسعار وفشل سياسات «السيسي» الاقتصادية، واحتقان في أوساط المؤسسة العسكرية، وشعور بالإهانة لدى منصة القضاء، بالإضافة إلى غضب مكتوم داخل الصف القبطي جراء تكرار استهدافهم، وفشل أمني ذريع في عدة ملفات، وهي معطيات يمكن أن تترجم إلى فعل ثوري حاشد يحدث حراكا في المشهد، لكن بشروط.

الآمال فقط لا تكفي، وذاكرة المصريين لم تستعد بعد مليونيات ثورة 25 يناير/كانون ثان 2011، وحشود الميادين في المحافظات المصرية؛ لإسقاط نظام الرئيس المخلوع «حسني مبارك» في 11 فبراير/شباط من العام ذاته.

المعطيات، ما زالت في حاجة إلى لحظة اصطفاف حقيقية، وانتفاضة شعبية قد تتحرك ليس من أجل «تيران وصنافير»ن فحسب، بل بحثا عن لقمة العيش، فيما يعرف بـ«ثورة جياع»، ومليونيات حاشدة، وقتها يمكن أن تتغير الكفة، وتنقلب الموازين، بشكل من المؤكد أنه سيغير من حسابات المؤسسة العسكرية في البلاد، والقوى الإقليمية والدولية الداعمة للنظام الحالي، الأمر الذي قد يدفع بقوة إلى تغيير يطال الجالس على عرش مصر.

 

  كلمات مفتاحية

تيران وصنافير عبدالفتاح السيسي ثورة جياع الجيش المصري الإخوان