الحروب الثقافية في السعودية.. قنبلة جيوسياسية موقوتة

الأحد 18 يونيو 2017 12:06 م

الصورة النمطية السعودية قاتمة. خراب بيئي وثقافة صحراوية، والشرطة الدينية تتجول بين المباني، وتبحث عن الضحايا. والنساء يتم الوصاية عليهن من قبل الذكور. ويهيمن التفسير النجدي الصارم للإسلام تقريبا على كل جانب من جوانب الحياة. إنه مكان قاتم هادئ، مع وجود المشاركة المدنية الوحيدة في المساجد، التي تعتبر مكبرات الصوت فيها هي الموسيقى الوحيدة التي تسمعها المملكة . وبطبيعة الحال،هذا ليس صحيحا تماما.

يعيش في المملكة العربية السعودية ما يقرب من 20 مليون مواطن من الذين قد لا يرغبون في أن تبدو المملكة أن بهذا الشكل. أولئك الذين في السلطة يسيطرون على صورة المملكة. ولكن تحت السطح، يوجد الكثير من السخط.

ووفقا لتقارير «رويترز»: «عندما قال رجل الدين السعودي الكبير عبد العزيز الطريفي لحوالي مليون متابع على تويتر أن الآلات الموسيقية محرمة، فإنه ساعد على إثارة وسم بين السعوديين على تويتر بأن: الشعب يرفض أكاديميات الموسيقى». كان ذلك امتدادا لموجة العداء لإصلاحات مثل إدخال أحداث ترفيهية من قبيل حفلات موسيقى الروك والعروض الكوميدية و الملاكمة في المملكة المحافظة. حتى وجود هذا الجدل يغذي الصورة النمطية بأن السعودية متجانسة: فما زال رجال الدين الملتحين يرون بخداع الحداثة وأن طرقها غير حميدة.

ولكن مجرد إجراء النقاش هو دليل على وجود مراحل في المملكة فقد شرعت السعودية في برنامج طموح للتحديث على العديد من المستويات التي يمكنها التعامل معها. وقد حدد الموعد النهائي في عام 2030 للحصول على معظم هذه التحديثات. وبسبب البطء في الدولة السعودية والكادر العنيد من المحافظين الكتابيين الذين يسيطرون على جزء كبير منها، فهذه مهمة ضخمة.

الشقوق الآخذة في الاتساع

السعودية هي دولة من القرن التاسع عشر مع مؤسسات من القرن العشرين ترتكز على مجتمع مقسم. عندما تأسست السعودية لأول مرة خلال فترة ما بعد الدولة العثمانية من القرن العشرين، خاض مؤسسها «عبد العزيز بن عبد الرحمن» حربا قبلية في القرن التاسع عشر، كما كان الشيوخ لعدة قرون في جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية. كانوا هم الدولة؛ مع زملائهم الشيوخ الذين قادوا أجزاء مختلفة من مملكته المغتصبة.

واستمر ذلك حتى الخمسينيات، عندما بدأت الأموال النفطية تتدفق بعد الحرب العالمية الثانية، وتزامن ذلك مع التكنولوجيا الغربية، وخاصة الأمريكية. لدعم كل هذا، بني السعوديون دولة القرن العشرين مع تأثيرات من الغرب ما بعد الحرب. وقد نشأت الوزارات، ونظمت القبائل في كتائب، وظهرت جوازات السفر إلا أن الشيوخ والأمراء ظلوا يهيمنون على أعلى مستويات السلطة، ويحشون الوزارات بأفراد من العائلة ومن الأصدقاء. وكثيرون منهم، ليسوا مختصين جدا ولا متحمسين.

عندما كانت التنمية مجرد مسألة كتابة شيكات للحصول على خبرة الأجانب لبناء الأشياء، فهذا لم ينتج تعقيدات علنية، ولكن الحصول على الناس يعملون في هذا البرج لتشغيل الشركات بطرق مربحة؟ فهذه مهمة أصعب بكثير.

إن حصول السعوديين على العمل - والعمل بشكل هادف - يشكل بالفعل تحديا هائلا للدولة الأكثر رخاء في التاريخ. ولكن هناك أيضا صراعات أجيال وصراعات إقليمية وطائفية وسياسية.

هناك أعداد ضخمة من الشباب في البلاد، وعادة ما تكون هذه فرصة لأي بلد. ولكن المملكة العربية السعودية التي يوجد فيها ندرة في كل الموارد ما عدا النفط تعيش عصر النفط الرخيص حيث صار توفير فرص العمل أكثر صعوية؛ والأهم من ذلك أن الطابع الرعائي الثقيل للدولة في القرن التاسع عشر يعني أن معظم السعوديين يتوقعون من حكومتهم أن تخلق لهم وظائف وأنه ليس على المواطنين خلق فرص عمل لأنفسهم.

ويميل الشباب العاطلون عن العمل إلى توجيه طاقتهم بشكل لا يهدأ إلى الجريمة والإرهاب والاحتجاجات، والأنشطة المناهضة للدولة.

يمكن للتحويلات النقدية المباشرة من احتياطيات الثروة السيادية التي لا تزال كبيرة في السعودية شراء الكثير من هذه الطاقات في الوقت الراهن، ولكن هذا الصندوق سيجف إذا ظلت أسعار النفط منخفضة لفترة أطول.

تركيبة متنوعة

ثم هناك المسألة الإقليمية. إن المنطقة الثقافية في السعودية هي محافظة نجد، وهي النواة المحافظة التي غزت البقية. ومع ذلك فإن الحجازيين الغربيين ومواطني المنطقة الشرقية، وأقاليمها الجنوبية على طول الحدود اليمنية لا يشتركون كليا في رؤيتهم لأصحابها. الناس من جدة، بالقرب من مكة المكرمة، يسارعون إلى الإشارة إلى حداثتهم؛ والناس من القطيف، في المنطقة الشرقية، يدعو علنا للإطاحة بالملك.

وفي الوقت نفسه، اضطرت المقاطعات الجنوبية للبقاء تحت القصف الحوثي، مما يؤدي بالتأكيد إلى الاستياء.

يعيش الشيعة في المنطقة الشرقية، وهم مثل نظرائهم في البحرين يخضعون لحكم السنة. إلا أن التركيز على الانقسام بين الشيعة والسنة يبرز تنوع السنة، الذين يظن أنهم جميعا دين واحد ولكن لديهم تنوع واسع في الرأي الديني. لكن التنوع يخضع لرقابة صارمة من قبل ملوك أقوياء.

وفي الوقت نفسه، يتم اختبار العقد السياسي الهش في المملكة العربية السعودية من خلال المستنقع في اليمن، وركود النمو الاقتصادي، والفساد الواضح بشكل واضح.

يمكن للسعوديين أن يتحملوا الفساد ما دامت لهم دولة تؤمن الرفاهية . ولكن السعودية تعاني من أزمة سكنية، وتخفض المكافآت لموظفي الدولة، وتعاني من ركود في الناتج المحلي الإجمالي. إذا كانت الدولة لا يمكنها رشوة الناس، فإنهم لا يمكن أن يتحملوا. السعودية وحلفاؤها لا يفوزون بالحرب في اليمن، والجثث تتراكم. الجنود الميتون يعودون إلى ديارهم من حرب ليست ضرورية.

في الديمقراطيات أو الجمهوريات، يتم توجيه الغضب إلى السياسة الانتخابية؛ والنخب الجديدة تقوم بالمبادلة مع النخب القديمة سلميا. لكن دولة مثل المملكة العربية السعودية من القرن التاسع عشر ليس لديها مثل هذه الآلية.

إن الحروب الثقافية هي مجرد علامة علنية على القنبلة الجيوسياسية السعودية الجاهزة للانفجار. ويمكن الرهان على الأزمة في العقد المقبل.

المصدر | إنترناشيونال بوليسي دايجست

  كلمات مفتاحية

السعودية الترفيه في السعودية المرأة السعودية الحوب الثقافية