«ستراتفور»: تحالف أنقرة والدوحة يتحدى الهيمنة السعودية على الشرق الأوسط

الاثنين 19 يونيو 2017 10:06 ص

على الرغم من أنّ السعودية وحلفاءها العرب قطعوا علاقاتهم مع قطر، مشعلين أزمة دبلوماسية في الشرق الأوسط، رفض صديقٌ واحد التخلي عن البلد الصغير على الخليج العربي. وقد برز دعم تركيا الثابت لقطر منذ بدء النزاع في 5 يونيو/حزيران. ولم تقدم أنقرة المساعدة الدبلوماسية والتجارية إلى الدوحة فحسب، بل إنّها انتقلت أيضًا إلى الإسراع بنشر القوات التركية في قطر، وهو قرار من شأنه أن يعزز ترسيخ الأرض المشتركة بين البلدين.

بناء علاقات أمنية أقوى

وعلى الرغم من أنّ البرلمان التركي وافق على نشر القوات في الأسبوع الماضي، يعود قرار نشر القوات التركية في قطر إلى اتفاقٍ في عام 2014 بين الدولتين. وقد أرسلت تركيا بالفعل عددًا محدودًا من القوات إلى قطر, ووفقًا لعدة تقارير، يتمركز ما بين 100 و150 جنديًا في قاعدة عسكرية قطرية منذ أكتوبر/تشرين الأول عام 2016. لكنّ هذه القوات لم تكن سوى طليعة ما يقصد به أن يصبح انتشارًا دائمًا ذا مغزى. وقد أرسل الجيش التركي وفدًا من ثلاثة أشخاص في 12 يونيو/حزيران لتنسيق وصول قوات إضافية. غير أنّ آخر المعلومات المتاحة تشير إلى وجود مسائل عملية تتعلق بالمرفق الذي سيستضيف القوات التركية تحتاج إلى حل قبل وصول القوات.

وقبل أن يصادق البرلمان التركي والرئيس «رجب طيب أردوغان» رسميًا على قرار إرسال قوات إلى قطر، اتفقت الدولتان بالفعل على هيكل قيادة القاعدة التركية هناك. ومن هذا الاتفاق، يبدو أنّ تركيا لا تبحث ببساطة عن قاعدة لإدارة عملياتها الخاصة بها، بل تسعى بدلًا من ذلك إلى هيكلٍ مشترك يربط أنشطتها مع أنشطة الجيش القطري. وبينما سيكون للقوات التركية منشآتها الخاصة، ستكون تحت قيادة مشتركة مقرها في الدوحة، مع قائدٍ قطريٍ على رأسها يدعمه جنرالٌ تركي كقائدٍ ثانٍ في القيادة.

وفي البداية، خططت تركيا لإرسال حوالي 600 جندي إلى قطر. وفي حين يبدو أنّ هذا العدد يبقى حقيقيًا بالنسبة للمرحلة التالية، فقد أثار التصويت في البرلمان والعديد من التصريحات التي أدلى بها المسؤولون الأتراك الحديث عن نشرٍ أكبر بكثير قد يتبع ذلك، ليصل في نهاية المطاف إلى ما مجموعه نحو 3 آلاف جندي. كما تدرس تركيا إرسال طائرات مقاتلة وسفن حربية إلى قطر. ومن شأن مثل هذا الانتشار أن يعطي تركيا وجودًا كبيرًا في قطر، على الرغم من أنّه قد لا يبدو كبيرًا بالضرورة مقارنةً مع 11 ألفًا من القوات الأمريكية المتمركزة حاليًا هناك.

وستكون القوات التركية في قطر في المقام الأول بمساعدة وتدريب القوات القطرية، على الرغم من أنّها سوف تستخدم أيضًا القاعدة لإطلاق عملياتها العسكرية الخاصة. ومن الناحية النظرية، يمكن للجيش التركي أيضًا الدفاع عن الحكومة القطرية ضد التهديدات الداخلية أو الخارجية. وقد يعطي نشر 3 آلاف جندي تركي إلى جانب الطائرات المقاتلة والسفن الحربية دفعة كبيرة للجيش القطري، والذي يبلغ عدده نحو 11800 جندي نشط.

واعتمادًا على تطور الأزمة السياسية بين قطر ودول الخليج الأخرى، يمكن لتركيا أن تختار نشر قوات أكثر من 600 جندي تخطط لإرسالها في البداية دليلًا على دعمها لقطر، أو حتى لضمان أمن الحكومة القطرية إذا ظهرت مخاطر جديدة. وبينما تبقى عملية نشر القوات التركية جارية، لا يمكن استبعاد أن يصل الانتشار في نهاية المطاف إلى مستوىً يرفعه إلى ما هو أبعد من موقعه الحالي كرمز للتعاون العسكري والوحدة السياسية.

الأهداف المشتركة في الشرق الأوسط

ومن الناحية الاستراتيجية، شهدت الحكومتان التركية والقطرية تقاسمًا لبعض اهتماماتهما في الأعوام الأخيرة. وقد حدد كلاهما الفرص لتوسيع نفوذ كلٍ منهما داخل الشرق الأوسط من خلال دعم الجماعات الإسلامية. وازدادت هذه المساعدات بشكلٍ كبير بعد الربيع العربي، عندما وجد الإسلاميون السياسيون الذين تعرضوا للقمع لزمنٍ طويلٍ موطئ قدم في النظم السياسية المتدهورة. وتبرر الدوحة وأنقرة دعمهما لجماعة الإخوان المسلمين وغيرها من الجماعات من خلال الادعاء بأنّها تدعم القيم الديمقراطية وحرية تقرير المصير في المنطقة. في حين أنّ تركيا وقطر لديهما بعض المواءمة الأيديولوجية مع الجماعات الإسلامية السنية، يتجاوز دعمهم ما هو أكثر من ذلك، في محاولة لكسب النفوذ مع الحركات الشعبية التي لديها الملايين من الأتباع في جميع أنحاء المنطقة.

وقد هدفت جهود الدوحة على مر السنين لبناء علاقاتٍ أمنية وتجارية أقوى مع تركيا على نحوٍ مماثل، كوسيلة لتوسيع نفوذ قطر بما يتجاوز ما يسمح لها به حجمها الصغير، وهو ما يزودها بطبقة إضافية من الدعم لأمنها خارج نطاق السعودية والولايات المتحدة. وقد شهدت الدوحة محاولات من قبل الرياض لتقويض استقلالها على مر الأعوام، وتستاء قطر من التعامل معها كدولة تابعة للمملكة، الأمر الذي دفع الحكومة القطرية لتنويع تحالفاتها، حتى من خلال تطوير العلاقات مع منافسٍ للسعودية مثل تركيا.

ويسمح قطاع الغاز الطبيعي المسال في قطر، وهو أحد أكبر القطاعات في العالم، للدوحة بالحفاظ على اقتصادٍ مستقل. وبسبب ثروتها، لا تضطر قطر إلى التراجع وفقًا لسياسات السعودية للحفاظ على تدفق المساعدات الاقتصادية، كما هو الحال في البحرين. وتعتمد صحة واستقلالية قطاع الغاز الطبيعي المسال في قطر على الحفاظ على علاقة متوازنة مع إيران، مما يزعج المملكة. وهي علاقة لا تستطيع قطر التخلي عنها.

وتستفيد أنقرة من الوجود في قطر كوسيلة أخرى لتحدي الجهود السعودية للهيمنة على الشرق الأوسط وقيادة العالم السني. وتتمتع السعودية بعلاقة إيجابية مع تركيا، لكنّ الرياض ترى الوجود العسكري التركي في قطر تحديًا لسلطتها.

وفي الوقت نفسه، وعلى الرغم من خلافاتها مع السعودية وعلاقتها الأمنية المتزايدة مع تركيا، لا يزال التعاون العسكري القطري مع الولايات المتحدة قويًا. وبأي حال من الأحوال، يعطي الوجود العسكري التركي في قطر الدوحة خيار التحول من الضامن الأمني ​​الأمريكي إلى الداعم الأمني التركي. وبعد كل شيء، تعود الشراكة العسكرية الأمريكية القطرية إلى أعوامٍ عديدة. لذا، حتى في ظل حصولها على مزيد من الدعم من القوات التركية، من غير المرجح أن تتجاهل الدوحة القوة الأمنية والدبلوماسية التي يوفرها الوجود الأمريكي في البلاد.

المصدر | ستراتفور

  كلمات مفتاحية

تركيا قطر حصار قطر أردوغان