«نيويورك تايمز»: السعودية.. أن تحارب «الإرهاب» وتموله في نفس الوقت

الجمعة 23 يونيو 2017 08:06 ص

يعترف المراقبون المتقدمون حتى بالارتباك والقلق حول الشرق الأوسط، حيث وصلت الخصومات والغيرة بين الدول إلى مستوياتٍ جديدة. وقد قررت المملكة العربية السعودية وبعض جيرانها معاقبة قطر وبعض مواطنيها، بزعم تعزيزها وتمويلها للإرهاب الإسلامي. لكنّ السعودية نفسها قد اتُهمت بتأمين المتطرفين. لكن لا يهم ذلك، فالرئيس «ترامب» معجب بملوك السعودية، على الرغم من أنّ الولايات المتحدة لديها اثنتين من القواعد الهامة في قطر.

الأمر محير، أليس كذلك؟ لكنّ الواضح من كل هذا هو أنّ أكبر خاسر في كل هذا قد تكون المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية. فلا أحد يحب تنظيم الدولة. ومع ذلك، فإنّ فكرة وجود جبهة موحدة بين دول الخليج ضد الجماعة الإرهابية قد تبخر. وقد تحولت المعركة لتكون بين بعض اللاعبين الرئيسيين.

ولدى قطر، هذا البلد الصغير لكن الغني جدًا، سجلٌ مربك بالتأكيد. لكن هل هي تعبر عن تهديدٍ هائل؟ في الأسبوع الماضي، وافقت الولايات المتحدة على صفقة بقيمة 12 مليار دولار لبيع طائرات «إف- 15» إلى الدوحة، ووصلت سفينتين من البحرية الأمريكية إلى هناك لعمل مناورات عسكرية مشتركة. وإذا كانت قطر تعتبر تهديدًا إرهابيًا خطيرًا، لم يكن ذلك ليحدث.

وصحيح أنّ قطر قد اتُهمت منذ وقتٍ طويل بتوجيه الأموال إلى جماعة الإخوان المسلمين، وهي شبكة سياسية فضفاضة ومؤثرة. لكنّ جماعة الإخوان رفضت العنف رسميًا. ومع ذلك، لا تزال السعودية، التي يخشى حكامها الملكيون الشعبوية الإسلامية، تصنفها كجماعة إرهابية.

وقد دعمت قطر أيضًا الراديكاليين في سوريا، مثل تنظيم القاعدة، وجماعات في ليبيا وغيرها من الدول العربية. لكنّ السعوديين ساعدوا منذ فترة طويلة جماعات المتمردين المتنافسة في تلك البلدان، ومن بينهم المتطرفون. وبغية القيام بدور الوساطة الإقليمي، أثارت قطر غضب السعوديين من خلال تعزيز الروابط مع الجماعات العدائية الأخرى، بما في ذلك طالبان الأفغانية وحزب الله في لبنان وحماس في قطاع غزة، ووفرت لقادة بعضها حرية البث على شبكة التلفزيون المستقلة، الجزيرة.

كما يشعر السعوديون بانزعاجٍ من محادثات قطر مع إيران، منافستهم الإقليمية الرئيسية، بيد أنّه لا تعد تلك العلاقة محل استغراب، حيث تدير الدولتان احتياطيًا طبيعيًا كبيرًا مشتركًا من الغاز الطبيعى.

وكانت الأحكام الأمريكية حول أنشطة قطر متناقضة مثل سجل قطر تمامًا. وفي عام 2014، وصفت وزارة الخارجية قطر بأنّها «متسامحة» مع تمويل الإرهاب، لكنّها أشادت منذ ذلك الحين بجهودها لمنع هذا التمويل ووقف الإرهابيين من عبور حدودها كدليل على «الشراكة القوية». وفي فبراير/شباط، أشاد «دانيال غلاسر»، بقطر لقيامها بعملٍ جيد في محاولات منع تمويل الإرهاب من خلال الرقابة على القطاع المالي والجمعيات الخيرية المحلية ومقاضاة الأشخاص بسبب المعاملات غير المشروعة. وعلى الرغم من ذلك، اشتكى من أنّ ممولي الإرهابيين «يعملون بشكلٍ مفتوح وصريح» في قطر والكويت، وحث الحكومتين على إغلاق هذه الأنشطة.

السعودية تغذي التطرف

وأصبحت السعودية منذ هجمات 11 سبتمبر/أيلول وسلسلة من الهجمات التي شنها تنظيم القاعدة والدولة ضد المملكة، أكثر تشدًدا إزاء التطرف، ويعتبرها بعض الخبراء أكبر شريكٍ لمكافحة الإرهاب في المنطقة. واتخذت نهج عدم التسامح مطلقًا مع تنظيم الدولة، وانضمت إلى التحالف بقيادة الولايات المتحدة الذي يقاتل التنظيم. ومع ذلك، تقول تقارير الحكومة الأمريكية أنّ الدعم المالي للإرهاب من السعوديين «لا يزال يشكل تهديدًا للمملكة وللمجتمع الدولي». وعلى الرغم من تجاهل ترامب، تقوض السعودية أي عملٍ جيدٍ تقوم به من خلال الاستمرار في إنفاق المليارات من الدولارات في نشر الوهابية، وهو وصف للمنهج الذي يلهم بدوره تنظيم الدولة والقاعدة وغيرهم من المتطرفين السنة من خلال شبكة من الأئمة والمساجد في بلدان مثل كوسوفو وإندونيسيا وباكستان.

وباعتمادها على رجال الدين الوهابيين من أجل إضفاء الشرعية على النظام، كانت الأسرة المالكة بطيئة في إصلاح المنهج الديني الذي يشير إلى أنّ غير المؤمنين وغير المسلمين هم أناسٌ ضالون يجب أن يحاربوا إذا رفضوا رسالة الإسلام الصارمة. ويقول الخبراء أنّ بعض النصوص المدرسية السعودية تبدو وكأنّها تحض على كراهية الآخرين. وقد يكون السعوديون، بمساعدة من المخابرات والأسلحة الأمريكية، قد خلقوا مزيدًا من المتطرفين بحربهم الوحشية في اليمن.

لكنّ إيران، على عكس قطر السعودية، دولة شيعية. وهي بالتالي عدوٌ طبيعي للجماعات الإرهابية السنية مثل تنظيم الدولة، التي تقاتلها في العراق. وكانت إيران هدفًا لهجومين مدمرين مؤخرًا على طهران، أعلنت فيه تنظيم الدولة مسؤوليتها. وفي الوقت نفسه، إذا تمّ عد المجموعات الإرهابية الأخرى، تصبح إيران إحدى الجهات الفاعلة السيئة. وقد صنفتها وزارة الخارجية عام 1984 كدولة راعية للإرهاب، بعد خمس سنوات من الثورة الإيرانية، وهي واحدة من ثلاث دول، إلى جانب السودان وسوريا، لا تزال مدرجة في القائمة.

ويقول خبراء أمريكيون أنّه بغض النظر عن الإخفاقات السعودية أو القطرية، تعد إيران الأسوأ، لأنّ دعمها للجماعات المتطرفة ترعاه الحكومة. ووفقًا لتقارير وزارة الخارجية، تمول إيران وتدير وتسلح حزب الله وغيره من القوات الشيعية في سوريا، وقد تأكد ارتكابهم لانتهاكاتٍ لحقوق الإنسان في قتالهم الدائر من أجل دعم السفاح السوري «بشار الأسد».

ومن الخطير ألا يهتم الأميركيون بروسيا، حليف إيران، ولا يصفونها بالإرهاب باستخدامها قواتها النشيطة لإبقاء حكومة «الأسد» في السلطة. ولم يتم إدراج الإيرانيين في قائمة المسؤولين في قائمة تضم 78 هجومًا إرهابيًا كبيرًا نشرتها الإدارة في فبراير/شباط. وجدير بالذكر أنّ بعض أنشطة إيران، ولاسيما حربها على تنظيم الدولة، تتفق مع الطموحات الغربية.

ولكل واحدٍ من هؤلاء اللاعبين الرئيسيين الثلاثة دورٌ يلعبه في الجهد الأكبر لهزيمة الإرهابيين وقطع إمدادات التمويل الواصلة إليهم. لكن هناك حاجة إلى الوضوح والصدق بشأن مختلف مصادر المشكلة، والمساهمات المختلفة التي يمكن لكل دولة أن تقدمها في هذا الكفاح. ولن تفيد المبالغة أو تشويه الأفعال الخاطئة لقطر وإيران، مع منح السعوديين حرية التصرف، إلا جهود المملكة السعودية لتوسيع نفوذها الإقليمي.

المصدر | نيويورك تايمز

  كلمات مفتاحية

الوهابية السعودية تمويل الإرهاب إيران روسيا