«فاينانشيال تايمز» تشبه حصار قطر بالغزو العراقي للكويت

الأحد 25 يونيو 2017 06:06 ص

قبل شهرين، في محادثة حول السعودية، حذرني دبلوماسي عربي من تكرار «ذكرى غلاسبي». وكان «غلاسبي» هو السفير الأمريكي في العراق الذي قال لـ«صدام حسين» أنّ واشنطن لم تنحز إلى جانبٍ بشأن ما يحدث في الشؤون العربية الداخلية. وقد فسر ذلك الدكتاتور العراقي على أنّه ضوءٌ أخضر لغزو الكويت. ومن ثمّ توالت الكوارث بعد أن شنت الولايات المتحدة حرب الخليج الأولى لإخراج «صدام» من الكويت.

والسعودية ليست «صدام حسين». لكنّ حجة الدبلوماسي العربي هي أنّ علاقة الحب بين «دونالد ترامب» وقيادة المملكة تخاطر بإرسال إشارة خاطئة تشجع المملكة على المضي قدمًا في سياساتها، وقد تؤدي إلى عواقب تتعارض مع المصالح الأمريكية. وفي ذهنه، لم تكن شخصية «غلاسبي» تشير إلى الدبلوماسية الأمريكية، بل إلى الرئيس الأمريكي نفسه.

وتشير الأحداث في الأسابيع القليلة الماضية إلى أنّه كان محقًا إلى حدٍ ما. فبعد فترةٍ وجيزة من مغادرة «ترامب» للمملكة، البلد الذي اختارها كأول رحلةٍ خارجيةٍ له، أطلقت الرياض حملةً لعزل قطر، جارتها المستقلة الصغيرة.

ونادرًا ما كان السعوديون والقطريون على وفاق، لكنّ التوترات لم تتصاعد أبدًا على هذا النحو. وقطعت السعودية مع الإمارات ومصر والبحرين علاقاتها الدبلوماسية وقطعت العلاقات الجوية والبحرية والبرية مع الدوحة، مدعيةً أنّها تدعم الإرهاب وتخفي علاقة ودية مع منافستها إيران.

وقد حيا السيد «ترامب» السعوديين وانضم إلى مهاجمة قطر، على الرغم من أنّها تستضيف أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة، ويعد استقرارها أمرٌ بالغ الأهمية بالنسبة للولايات المتحدة. كما تجاهل النصائح التي قدمتها إدارته في وقت سابق.

وبحلول هذا الأسبوع، كانت الجرأة السعودية قد ظهرت مرة أخرى. فقد أطاح الملك «سلمان» بابن شقيقه وولي العهد «محمد بن نايف»، ورفع مكانه ابنه المفضل «محمد بن سلمان»، الذي أصبح واضحًا أنّه الملك القادم. وكانت مثل تلك الخطوة الكبيرة داخل آل سعود ستحتاج على الأقل إلى موافقة من البيت الأبيض، أكبر حليف للسعوديين وحاميهم. لكن يمكن للمرء أن يفترض فقط أنّ «ترامب» قد وضع أمام الأمر الواقع.

ومع ذلك، وحتى وقتٍ قريب، داخل مجتمع الاستخبارات والدفاع في واشنطن، كان لـ «محمد بن نايف»، الفضل في حملته الناجحة للقضاء على تنظيم القاعدة في المملكة، وكان يعتبر الأمير السعودي الأكثر موثوقية. واعتبرت تلك الأجهزة «محمد بن سلمان» صغيرًا جدًا ومتهورا.

لكنّ «محمد بن سلمان» كان يغازل إدارة «ترامب». وكان من بين أول القادة العرب الذين التقوا الرئيس الأمريكي. وقد قامت حكومته بالثناء على السيد «ترامب» وتعهدت بتقديم صفقاتٍ ضخمة بمليارات الدولارات. كما استفاد من علاقة واشنطن الوثيقة بولي عهد أبوظبي «محمد بن زايد»، الذي يشاركه وجهات النظر المتشددة حول إيران والإسلام السياسي، وقد يكون الزعيم العربي الأكثر نفوذًا في البيت الأبيض.

وكان صعود «محمد بن سلمان»، البالغ من العمر 31 عامًا، قد مهد له خلال العامين الأخيرين. ومنذ صعوده إلى العرش عام 2015، أوضح الملك «سلمان» أنّه يعتبر ابنه أهم مساعديه والرجل الذي يقود المملكة نحو الحداثة.

وقد أطلق برنامجًا إصلاحيًا جذريًا، وأعلن البدء في إجراءات إنهاء إدمان المملكة على النفط، كما تم تصويره كحامي للبلاد، من خلال دوره كوزيرٍ للدفاع، والذي سلط الضوء عليه من خلال الحملة العسكرية ضد المتمردين المدعومين من إيران في اليمن. ولم يظهر الملك أي علامة على التشكيك في ابنه، حتى مع فشل حملة اليمن، أو عندما أثارت الإصلاحات الاقتصادية السخط الشعبي.

سوف تكون هناك تكهنات حول ما دفع «محمد بن نايف» للتنحي جانبًا (نتوقع مناقشة حول مبالغ كبيرة من المال قد دُفعت)، وحول ما إذا كان الملك سيتخلى قريبًا عن العرش لصالح «محمد بن سلمان»، وإلى أي مدى سيؤثر ذلك على وحدة وتماسك الأسرة المالكة.

وما لن يكون موضع شك، هو أنّ هناك مملكة عربية سعودية جديدة آخذة في الظهور، أقل تقييدًا من قبل المراقب الأمريكي، وأكثر حرية في استعراض عضلاتها. وبالنظر إلى ميل «محمد بن سلمان» للسياسات المتشددة والتهور في صنع القرار، يأمل الجيران والحلفاء الغربيين ألا يسيء تقييم سلطاته الواسعة.

المصدر | فاينانشيال تايمز

  كلمات مفتاحية

السعودية قطر ترامب حصار قطر

حمد بن جاسم يتحدث عن كواليس القمة العربية في أعقاب الغزو العراقي