فيلم «الحصاد المر»: سنابل القمح الأوكرانية تكافح رصاص «ستالين»!

الاثنين 14 أغسطس 2017 01:08 ص

الفيلم الكندي «الحصاد المر» أو «Bitter Harvest» وإن شابته أخطاء فنية ودرامية إلا أنه يمثل استرجاعًا لفترة بالغة المرارة والثورية في حياة أوكرانيا، ويصب في صالح ازدهار الآمال للشعوب التي تعاني من شدة الظلم والقهر في مختلف أرجاء العالم اليوم.

ورغم المشاهد البالغة القسوة التي حفل الفيلم بها مصورًا المعاناة الأوكرانية تحت نير الثورة البلشفية الروسية، أو ثورة شباط من عام 1917م؛ إلا أن الفيلم إلا قليلًا لا يبخل بالأمل على المقهورين والمظلومين.

بدأ عرض الفيلم في 3 من مارس/أذار الماضي عن قصة وسيناريو وحوار لـ«ريتشارد باتشينسكي هوفر»، وإخراج ومشاركة في السيناريو لـ«جورج مينديلوك»، وتم تصويره بين بريطانيا لتمثل المناطق المَعمورة في الفيلم، وأوكرانيا لتجسيد القرية والمشاهد الطبيعية.

سينما الرومانسية الذاتية

خلط المخرج بين سينما المعاناة بخاصة لمّا تعانق أحداثًا تاريخية بالغة المرارة، لا تخلو من مبالغة؛ وبين سينما الربح التجارية المعروفة بمشاهدها الخارجة، وإن لم تكن الأخيرة كثيرة في العمل الدرامي الجدير بالانتباه إلا قليلًا كما أشرنا سابقًا، إذ طغت محاولة إكساب الفيلم نزعة رومانسية على الأحداث في أهم مشاهد الفيلم حتى كادت تفسد مشهد النهاية، إن لم تكن حققت ذلك في فيلم الظهيرة.

وسقطة النهاية التي جعلت من العمل أشبه ما يكون بتجسيد للقصة الدائرية أو التي تنتهي من خط البداية أو من حدثها، وهو ليس بعيب لكن في سياق مختلف عن فيلم الظهيرة وتفاصيل النهاية، جسدت الأخيرة قصة الحب بين البطل الأسطوري المفترض في الوجدان الأوكراني «ياري» أو المُمثل (ماكس إيرون) منذ نعومة أظفاره مع «ناتالكا أو (سامانثا باركس)، دون مبرر درامي واضح؛ سوى أنهما أبناء قرية واحدة، ولذلك فمشهد سباحتهما في النهر هو من مشاهد البداية وعليه يغلق الفيلم في أهم جزء من أحداثه، إذ صار البطلان كبيران يحملان رسالة أوكرانيا التي تموت جوعًا إلى العالم، فيما «ياري» مصاب لا يستطيع السباحة أساسًا، فإذا أضفنا إلى ذلك أن الثوري المنتحر وهو في سن الشباب «ميكولا»، أو (أنيورن بارنارد) كان يحب حبيبة بطل الفيلم «ياري»، أيضًا، دون مبرر درامي جديد، علمنا أن الامر يعود إلى قصة شخصية في حياة المخرج أراد تجسيدها على حساب الفيلم، وهو أمر نادر في مثل هذه النوعية من الأفلام!

سينما المعاناة

يتم التعريف بالفيلم على أنه حربي درامي رومانسي، وهي خلطة لم يحسن المخرج، المتدخل في السيناريو تقديمها، ولكن هذا لا يمنع أننا عمل توافرت له مقومات النجاح وإن اختل القليل منها.

 أصل الأحداث التي جسدها الفيلم أن أوكرانيا التي كان الاتحاد السوفيتي يعتبرها جزء لا ينفصل عنه، لما قامت ثورة 1917م عانت بخاصة في الفترة بين الحربين العالميتين بين 3 تيارات سياسية، الأول:تيار الحكومة المؤيدة وإن كانت مؤقتة للروس البيض، والثاني: تيار الحزب الاشتراكي الثوري الذي يضم بين صفوفه عددًا كبيرًا من البلاشفة، والأخير تيار الحوزب البرجوازي الوطني المتبني لفكرة الحرب وقيام أوكرانيا المستقلة، وفي ثنايا أو خلال هذه المرحلة التاريخية يبدأ فيلم الظهيرة.

ومع الحرب الأهلية الأوكرانية ينحاز الفيلم للفريق الأخير المطالب بتحرير البلاد، وازدهار الآمال من خلال قرية أوكرانية بسيطة ضمن مدينة «كييف»، عاصمة أوكرانيا وأكبر مدنها، وهناك يُفاجأ «ياري» البطل ألا مكان له في الحياة كرسام، كما أحب أن يكون، وأن والد حبيبته «إيفان» أو (تيرنس آستان) يحتقر موهبته وإن كان لا يمنع زواجه بابنته.

وبمجئ «ستالين» مكان «لينين» كقائد للاتحاد السوفيتي تصبح الرؤية الغالبة هي تحويل المجتمع السوفيتي من زراعي إلى صناعي، مع ضرورة نشر الفكر الشيوعي وما يصاحبه ويعززه من إلحاد، وهنا تبرز معاناى القرية وأوكرانيا كلها، فالعلامات والرموز المسيحية كلها يتم دفنها في قاع الأرض وتخبئتها في الجدران، مشاهد متكررة مع كل طغيان تذكر بواقع الإخوان في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي.

ويرحل بطل الفيلم «ياري» إلى «كييف» مع توغل «ستالين» في فرض الشيوعية على أوكرانيا وتأميم المحصولات الزراعية وقتل القساوسة ونهب البيوت؛ وهي السياسة التي ساوت الانتصار السوفيتي على المحور في الحرب العالمية الثانية، وجعلت «ياري» يرى الجثث المتوفاة جوعًا في جميع أرجاء «كييف، وكذلك يمعن القائد العسكري للمنطقة الريفية «سيرجي» (تامر حسن) في إذلال اهله.

ومع سريان الخطة الخمسية الشاملة للاتحاد السوفيتي وأوكرانيا وصل الجوع لبيت زوجة «ياري» وأمه وجميع المناطق الزراعية في أوكرانيا، وتبدل حلم تصديق وعود «ستالين» إلى كوابيس، مما جعل مزيد من الشباب يقتلون أنفسهم، وجعل «ياري» يقتل أحد الجنود الروس الحمر أو الغزاة، ويُسجن .. وينجو بمعجزة من الرمي بالرصاص العشوائي بلا محاكمة لما يتوسل لقائد الفرقة، ومن وراء القتلة كان يقف القناص الروسي لمن يرفض قتل مواطنيه، وبنجاة «ياري» الأسطورية من السجن وقتله القائد وهروبه، واضطراره لأكل الحيوانات القارضة بعد شيها، وفور انتشار رائحة الشواء تهل الأطفال الجائعة..!

قسوة مفرطة

أوغل الفيلم في مشاهد بالغة القسوة متخففًا من الموسيقى التصويرية ليكثف أجواء الميلودراما القاتلة فالأبطال يتساقطون بالرصاص أو الجوع، فيما محصول سنابل القمح يسافر للاتحاد السوفيتي، وزوجة البطل تذهب لمنزل «سيرجي» القائد الروسي المختص بالقرية لكنها لا تسممه ولا تقتله؛ رغم أن ذهابها مدبر بعلم الثوار وأبيها، وفور عودتها يعمدون إلى الجهر بالعصيان ليتمكن «سيرجي» من «الإيقونة المقدسة» التي تجلب لهم الحظ، ثم يعود «ياري» ليؤكد أن النسخة الحقيقة معه، وهي أحداث وإن أضرت بتصاعد الفيلم دراميًا إلا أنها أبرزت الظلم الأوكراني على نحو غير مسبوق، فزوجة «ياري» تجفف أقدام «سيرجي» الطاغية العسكري بشعرها، وأبوها يموت على يديه قبل قتله من جانب الثوار.

اعتمد بناء الفيلم الرئيسي على افتراض «ستالين» بعدم معرفة العالم بموت الأوكرانيين بالملايين لانعدام الإعلام في الثلاثينيات من القرن الماضي، وقام «ياري» بمحاولة تسريب ما يحدث في بلاده إلى العالم، وفي لحظة إصابته ونزيفه ينزل النهر المؤدي إلى بولندا محاولًا الوصول إلى كندا فالولايات المتحدة.. حينها يعود الفيلم أدراجه إلى صباه ومحبته لزوجته ربما في افتراض لموته وصعود روحه ..

فيلم الظهيرة «الحصاد المرير» .. عمل درامي ثوري جيد إلا قليلا!

المصدر | الـخليــــج الجــديــد

  كلمات مفتاحية

كندا أوكرانيا كييف الاتحاد السوفيتي الثورة البلشفية ستالين