استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

تأرجح السياسات السعودية الإقليمية

الاثنين 14 أغسطس 2017 03:08 ص

تأرجح السياسات السعودية الاقليميةتصاعد الحرب الكلامية بين الولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الشمالية تثير قلقا كبيرا في اروقة السياسة العالمية. فلو اندلع النزاع المسلح فلن يكون عاديا بل قد يستخدم السلاح النووي فيه، الامر الذي يهدد بكارثة انسانية واسعة. كما لن يقتصر النزاع على الطرفين المذكورين بل قد يجر دولا اخرى خصوصا الصين التي تربطها علاقات وثيقة مع كوريا الشمالية، والتي هي الاخرى اصبحت تمثل هما استراتيجيا لأمريكا. 

المشكلة التي تتضح من النزاعات المسلحة ان اندلاعها يحدث بقرار من احد اطراف النزاع، ولكن وقفها ليس بايدي احد. فما ان تندلع اتون الحرب حتى يخرج مسارها عن ايدي المشاركين فيها. 

هذا ما حدث في الحربين العالميتين، وكذلك في الحرب الكورية في بداية خمسينيات القرن الماضي، وحرب فيتنام لاحقا. وعندما لا يكون هناك توازن في القوة العسكرية ويمنى الطرف الاضعف بهزيمة عسكرية حاسمة كما هو الحال مع الحربين اللتين شنتهما الولايات المتحدة وحلفاؤها على العراق في 1991 و 2003، فان النزاع لا يتوقف بتوقف الحرب.

فقد مضى حتى الآن اكثر من 14 عاما على الحرب الانكلو أمريكية على العراق، ولكن أمريكا ما تزال تشارك في اعمال عسكرية داخل العراق. ولكن اغلب الحروب ليس من هذا النوع، بل من النوع الذي يتواصل النزاع فيه بدون ان يتمكن اي من الاطراف تحقيق غلبة كاملة. وهذا ما تواجهه السعودية في اليمن. فقد مضى ثلاثون شهرا على الحرب التي بداتها السعودية على ذلك البلد، وما تزال نيرانها ملتهبة. 

فرغم التفوق العسكري النوعي للقوات السعودية ودعم دول عديدة لها ومن بينها الولايات المتحدة وبريطانيا، فقد عجزت حتى الآن عن كسر شوكة اليمنيين الذين يدافعون عن بلادهم. بل ان السعودية نفسها تشعر بالحرج الشديد لاستمرار سقوط الضحايا من جنودها ومواطنيها في المناطق الحدودية. 

ومع استمرار الحرب تتصاعد الضحايا وتنتشر الامراض، وشيئا فشيئا تخترق اصوات الضحايا جدران الصمت، فترتفع الاصوات المطالبة بوقف الحرب وتوجه الاتهامات للطرف «الاقوى» بانه المسؤول عن الكوارث الإنسانية وانتشار الاوبئة.

وحتى النزاع السياسي الذي يحدث بين الدول كثيرا ما يطول فتخرج المبادرة من ايدي الذين بدأوه. وهذا ما يحدث الآن مع الازمة التي افتعلتها السعودية وحليفاتها الثلاث مع قطر. 

فمن كان يعتقد ان هذه الدولة الخليجية الصغيرة ستستطيع مقاومة الهجمة السياسية الشرسة التي فاجأت العالم. ربما اعتقد الكثيرون ان قطر سوف تستسلم بدون شرط خصوصا عندما اعلن فرض الحظر البري والجوي والبحري عليها، وحوصر شعبها بوحشية تشبه في بعض جوانبها ما يتعرض الفلسطينيون له على ايدي قوات الاحتلال الاسرائيلية. 

مع ذلك لم يستطع الذين استهدفوا قطر ايصال مشروعهم إلى نتيجة مرضية، بل ان المؤشرات توحي بهزيمة غير متوقعة للتحالف الذي تشارك فيه مع السعودية كل من مصر ودولة الامارات وحكومة البحرين. وتجدر الاشارة إلى بضعة تطورات تؤكد ذلك:

الاول: في الاسبوع الماضي اعلنت السعودية رغبتها ان تستلم الامم المتحدة مطار صنعاء، لكي تعيد فتحه وتسمح بوصول الغذاء والدواء لشعب حوصر ثلاثين شهرا وانتشرت فيه الاوبئة خصوصا الكوليرا. ووفقا لآخر الاحصاءات تؤكد منظمة «يونيسيف» ان عدد المصابين بهذا المرض يقترب من نصف مليون انسان، وان عدد ضحاياه بلغ 1961 منذ 27 نيسان/ابريل الماضي. وهذا يمثل ضغطا هائلا على السعودية التي تعتبر المتسبب الاساسي في انتشار الوباء بسبب الحصار الذي فرضته على اليمن. هنا كان لصمود اليمنيين ومقاومتهم دور اساسي في تحريك الضمير العالمي ليضغط على الفرقاء الخارجيين.

ويوما بعد آخر تتصاعد الضغوط السياسية والإنسانية على كل من الولايات المتحدة وبريطانيا لوقف تزويد السعودية بالسلاح الذي يستخدم لقصف المدنيين في حرب غير مشروعة. مشكلة واشنطن ولندن انهما تخلتا تماما عن الاعتبارات الإنسانية واصبحتا اكثر اهتماما بالمال النفطي السعودي. هذا المال هو الذي أسال لعاب الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ودفعه لزيارة السعودية وباع الموقف السياسي الأمريكي في مقابل مئات المليارات السعودية.

وثمة ادراك واسع بان تلك الزيارة كانت غير مسبوقة من حيث النتائج السيئة. فما ان غادر ترامب الجزيرة العربية بعد ان قدم للرياض دعما سياسيا غير مشروط للرياض حتى قررت حكومة البحرين الهجوم على منطقة الدراز وقتل العديد من المواطنين وفك الاعتصام امام منزل الشيخ عيسى قاسم.

وفي الوقت نفسه استهدفت السعودية دولة قطر بشكل مفاجئ بعد ان جرت معها ثلاث حكومات اخرى. واخيرا شنت القوات السعودية هجوما على المنطقة الشرقية واستهدفت منطقة العوامية بشكل مباشر، واحدثت مشكلة انسانية خطيرة بالدمار الشامل الذي احدثته لسكان المنطقة. هذا ما حصدته السعودية من نصف تريليون من الدورلارات التي تعهدت بدفعها لأمريكا.

الثاني: تأكيد مصر لمبعوثي وزير الخارجية الأمريكي ان قطر لم تتراجع عن موقفها الرافض للشروط الثلاثة عشر والمبادئ الستة التي فرضها التحالف الذي يستهدفها بقيادة السعودية. وزير الخارجية المصري، سامح شكري ناقش خلال الاجتماع مع مبعوث وزير الخارجية الأمريكي لأزمة قطر الجنرال المتقاعد أنتوني زيني ونائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الخليج تيموثي ليندركينغ القلق «حيال الدور السلبي الذي تقوم به قطر. بينما قال ليندركينغ ان بلاده تأمل بانفراج الازمة.

الامر الواضح ان صمود قطر اصبح قضية محرجة لكل من الأمريكيين والتحالف الذي تقوده السعودية، خصوصا ان المطالب المفروضة عليها ليست منطقية. السعودية فقدت المبادرة، في الوقت الذي تعاني فيه من ازمة داخل البيت السعودي نفسه بعد الانقلاب الابيض الذي قام به محمد بن سلمان على ابن عمه محمد بن نايف. اما مصر فهي الاخرى اصبحت محل انتقادات واسعة بسبب سجلها الاسود في مجال حقوق الانسان ومصادرة الحريات المدنية العامة، وعجز العسكر عن ادارة البلاد بمنطق عصري يلتزم بالديمقراطية ويحترم حقوق الانسان.

الثالث: فاجأت السعودية الكثيرين بتوجهها نحو العراق وإيران. وفيما التزمت إيران قدرا من الحذر في الموقف من السعودية، بادرت بغداد لمد الجسور مع الرياض وتم تبادل الزيارات بين الطرفين شملت كلا من رئيس الوزراء العراقي والسيد مقتدى الصدر. وقد احدث ذلك التقارب ازمة عراقية صامتة، تتجلى مصاديقها في سياسات الحكومة المتأرجحة. وللدبلوماسية العراقية ديناميكيتها الخاصة الخاضعة للضغوط الداخلية والخارجية.

وهناك ضغوط شعبية على الحكومة للتريث في التوجه نحو الرياض. وثمة تغير في التوجه السعودي في الاسابيع الاخيرة، اي بعد افتعال الازمة مع قطر. فجأة شعرت الرياض بالقلق من التقارب القطري مع إيران بالاضافة لتحالفها مع تركيا فسعت للالتفاف على ذلك بالهرولة نحو العراق وإيران.

وجاء موسم الحج ليوفر فرصة لاظهار «حسن النوايا»، فاذا بمسؤولي الحج يستقبلون حجاج البلدين في مطار جدة بالورود، وهو امر لم يحدث من قبل. فالفترة الزمنية التي تفصل بين فتاوى علماء السعودية بتكفير الإيرانيين والعراقيين واستقبالهم بمطار جدة لا تتجاوز بضعة شهور، فماذا يعني ذلك؟

الرابع: انه في خضم لعبة شد الحبل بين أمريكا وكوريا الشمالية، والعلاقات غير المستقرة بين ضفتي الاطلسي، اصبحت الادارة الأمريكية هي الاخرى أمام خيارات صعبة في علاقاتها الخارجية وأولوياتها. فهناك حالة من القلق والرعب في أرجاء العالم خشية اندلاع نزاع مسلح بين الطرفين. المشكلة ان هذا الصراع قد يجر دولا اخرى لذلك النزاع الذي لن تنحصر حدوده بالبلدين.

فثمة ضغوط على أمريكا لضبط النفس، ولكن ادارة ترامب التي حوصرت في الداخل بالرفض المتكرر لسياسات ترامب ومواقفه، قد تسعى لصنع نصر عسكري في الخارج يساهم في تقوية رئاسة ترامب المتأرجحة. في ضوء الحقائق المذكورة يتضح مدى الخطر المحدق بالإنسانية.

وكان حريا بحكام العرب والمسلمين تجنيب المنطقة وشعوبها مخاطر الخلاف والنزاع، وتوجيهها نحو المزيد من الانتاج والعطاء.

مطلوب إعادة صياغة العقل العربي خصوصا لدى الشباب بعيدا عن الرغبة في تحقيق هدف سياسي هنا او هناك، مع التركيز على قضايا جمع الامة واعادة تأهيلها بعيدا عن اطماع الحكام وسياساتهم.

٭ د. سعيد الشهابي كاتب بحريني

  كلمات مفتاحية

السياسات السعودية الاقليمية حرب اليمن الولايات المتحدة كوريا الشمالية السلاح النووي النزاعات المسلحة توازن القوة العسكرية الغزو الانكلو مريكي للعراق الأزمة الخليجية حصار قطر