استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

أمريكا.. رئيس محاصر وإدارة في وضع لا يسـر

الأربعاء 16 أغسطس 2017 10:08 ص

أقرت غرفتا «الكونغرس» الأمريكي عقوبات جديدة على روسيا وإيران وكوريا الشمالية، في نهاية تموز/يوليو الماضي، بأغلبية كبيرة، أغلبية كفيلة بالحيلولة بين الرئيس وصلاحيات الاعتراض على قرارات «الكونغرس»، وفي 2 آب/أغسطس، صدق الرئيس «دونالد ترامب» على العقوبات، وإن على مضض.

في التقاليد الرئاسية الأمريكية، يحاط التوقيع على القوانين بمشهد احتفالي، يحاط فيه الرئيس بكبار المسؤولين والمهتمين، وتسجله وسائل الإعلام، هذه المرة، لم يكن هناك من احتفال، ولا شهود، ولا وسائل إعلام، بكلمة أخرى، وجد الرئيس نفسه مجبراً على التوقيع، فوقع، وكعادته، لم يستطع «ترامب»، في عدد من التصريحات اللاحقة، إخفاء امتعاضه وشعوره بالحصار والإهانة. 

لم يكن لدى الرئيس الأمريكي من اعتراض على العقوبات التي فرضها «الكونغرس» على إيران وكوريا الشمالية، والحقيقة، أن إدراة «ترامب» اتخذت من البداية موقفاً معادياً لإيران، ومشككاً بالاتفاق الذي توصلت إليه إدارة «أوباما» حول المشروع النووي الإيراني، كما أن «ترامب» يجد نفسه في مواجهة أزمة كورية، لا يعرف على وجه اليقين كيف يمكنه إدارتها بنجاح.

بمعنى، أن العقوبات على إيران وكوريا الشمالية صبت في المجرى العام للإدارة؛ وربما حتى وفر إقرارها فرصة لأن يقول «ترامب» أنه يقوم بالفعل بعمل ما في هذا المجال.

مشكلة «ترامب» هي في العقوبات التي فرضت على روسيا، ليس فقط لأنها تخالف سياسة الإدراة المعلنة وتعهداتها بالسعي إلى تحسين العلاقات بين واشنطن وموسكو، وتعزيز التعاون بين الدولتين في الساحة الدولية، ولكن أيضاً لأن المسوغ الذي استخدمه «الكونغرس» لفرض العقوبات يتصل بالتدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية.

ولأن «ترامب» يواجه اتهامات بأنه أفاد من التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية، وأن هناك أكثر من لجنة أمريكية (محقق خاص في وزارة العدل، ولجنتان في غرفتي الكونغرس)، تحقق في ما إن كانت حملة «ترامب» الانتخابية قامت باتصالات غير قانونية مع جهات روسية، تتعلق بالعملية الانتخابية، يبدو توقيع الرئيس على العقوبات شأناً مهيناً بلا شك.

فكيف يصر الرئيس على تبرئة الروس من التدخل في العملية الانتخابية، وعلى أن فوزه (الحرج) في الانتخابات كان فوزاً مستحقاً، ويصدق في الآن نفسه على عقوبات فرضت على خلفية من التدخل الروسي في العملية الانتخابية التي جاءت به رئيساً؟

بيد أن هناك ما هو أهم من ذلك؛ إذ إن هذه واحدة من الحالات النادرة منذ الحرب العالمية الثانية، وولادة ما يعرف بدولة الأمن القومي، التي يقرر فيها «الكونغرس» مسألة هامة في حقل السياسة الخارجية، بمعزل عن الرئيس وإدارته، ففي التقاليد الأمريكية الدستورية، يتمتع الرئيس بما يشبه الصلاحيات الحصرية لإدارة السياسة الخارجية، بحيث يمكنه اتخاذ قرارات كبرى بدون العودة إلى «الكونغرس»، بما في ذلك تعهد عملية عسكرية كبرى، طالما أنه لم يلجأ إلى الإعلان القانوني للحرب.

وربما كانت لجنة «بيكر ـ هاملتون»، التي شكلت بقرار من «الكونغرس» لبحث حروب إدارة «بوش» الشرق أوسطية، المرة الأخيرة التي حاول فيها «الكونغرس» تدخلاً فعلياً في السياسة الخارجية. ولكن حتى لجنة «بيكر ـ هاملتون» لم تذهب أبعد من وضع توصيات، وقد تجنب «الكونغرس» صياغة تلك التوصيات بقوانين تفرض على الإدراة.

وكان أخذ «بوش» الابن بتوصيات اللجنة نابعاً من السلطة المعنوية لرئيسيها والتوافق الجمهوري ـ الديمقراطي الكبير عليها؛ إضافة إلى أن إدراة «بوش» كانت تشعر آنذاك بالمأزق الكبير الذي وصلته في العراق وضرورة البحث عن مخرج. 

هذه المرة، أقرت العقوبات على روسيا، التي يعرف أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب أن الرئيس لا يرغب فيها، بقانون، وأقرت بأغلبية هائلة في المجلسين، وكأن «الكونغرس» يقول إنه يتدخل في حقل السياسة الخارجية عن سبق تصور وتصميم، وأن لا مجال أمام الرئيس سوى التصديق على قانون العقوبات، وهذا ما لم يستطع «ترامب» إخفاءه، عندما قال بحسرة لا تخفى أن «الكونغرس» أعطى لنفسه حق التدخل في حقل هو في الأصل من صلاحيات الرئيس.

تتفق وكالات ودوائر الدولة الأمريكية على أن جهة ما، أو جهات، في روسيا تدخلت في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، بصورة أو أخرى،

لكن أحداً لا يمكنه القول بعد لماذا قرر الروس التدخل.

هل وقع التدخل لإنجاح «ترامب» وإسقاط «هيلاري كلينتون»، نظراً لمخاوف موسكو من السياسات التي يمكن لـ«هيلاري» اتباعها، سيما بعد أن ساءت علاقاتها بالرئاسة الروسية خلال الفترة الأخيرة من توليها وزارة الخارجية في إدارة «أوباما» الأولى؟

أو أن الروس تدخلوا لمجرد خلق مناخ من عدم اليقين وفقدان الثقة في الديمقراطية الأمريكية؟

هل كانت قيادات حملة «ترامب» الانتخابية على دراية بجهود التدخل الروسية، أو شجعوا عليها؟

وهل أثر هذا التدخل بالفعل على نتائج الانتخابات أو لم يؤثر؟

ليست ثمة إجابات يقينية على هذه الأسئلة، وسيكون على لجان التحقيق في مجلسي «الكونغرس»، وعلى المحقق الخاص الذي أوكلت له القضية برمتها في وزارة العدل، تقديم الإجابات. ما هو يقيني، أن لا فكاك لترامب من الشبهات التي تثيرها هذه القضية، وأنها ستستمر في ملاحقته لفترة طويلة بالتأكيد.

أطاحت قضية التدخلات الروسية في الانتخابات بأول سكرتير لمجلس الأمن القومي في إدارة «ترامب»، وتدفع دوائر اليمين القومي المحيطة بالرئيس لإقالة الجنرال ماكماستر، الذي تولى مجلس الأمن القومي بعد استقالة فالين. وبعد أن كان الرئيس، في مطلع ولايته، كال المديح لجيمس كومي، مدير الإف بي أي، فاجأ ترامب الرأي العام بإقالة كومي.

لكن هاجس قضية التدخل الروسي في الانتخابات ليس الوحيد الذي يثقل كاهل رئاسة ترامب.

في الأسابيع الأولى لتوليه مقاليد البيت الأبيض، كان الاعتقاد السائد أن الرئيس يعاني من عوارض عدم الخبرة، كونه لم يسبق أن تولى منصباً تشريعياً أو تنفيذياً، ولم تتح له قبل فوزه في الانتخابات التعرف على آلية عمل الدولة الأمريكية.

لكن، وبعد مرور أكثر من نصف العام على ولايته، تبدو مشكلة الرئيس أكبر بكثير من عدم الخبرة. يستخدم ترامب لغة سوقية لا تليق بمنصب الرئاسة؛ ورغم أن السياسيين جميعهم يكذبون، فإن الرئيس يكذب بصورة مرضية، وبطريقة ساذجة ومكشوفة في بعض الأحيان. 

وإلى جانب فقدان القدرة على التحكم بمظاهر الهوس غير المعهود بالذات، ثمة شواهد على أن الرئيس يتخذ قرارته بدون تأمل أو تشاور أو حسابات كافية.

في أسبوع واحد فقط، أقال الرئيس كبير موظفي البيت الأبيض، الذي يقوم بمقام رئيس الحكومة في الدول الأخرى؛ كما أقال مدير الاتصالات العامة، ثم أقال خليفته.

وإلى جانب تقدير الرئيس غير الصحيح للدور الذي ظن أن الصين ستلعبه في الأزمة الكورية الشمالية، والخلاف الواضح بين الرئيس وكبار مسؤولي إدارته حول اللغة التي ينبغي استخدامها في التعامل مع الأزمة، يبدو أن الرئيس عقد اتفاقاً مع السعوديين والإماراتيين حول قطر بدون معرفة وزيري الدفاع والخارجية أو مدير مجلس الأمن القومي.

هذا ليس رئيساً في وضع جيد؛ ورغم صعوبة التنبؤ بمصيره، فالمؤكد أن وضعه الداخلي يزداد ضعفاً. وسيكون من السذاجة أن يعول بعض العرب، وبعض الفلسطينيين، على هكذا رئيس.

٭ د. بشير موسى نافع مؤرخ وأكاديمي

  كلمات مفتاحية

الولايات المتحدة رئاسة ترامب الكونغرس الأميركي عقوبات أميركية جديدة روسيا إيران كوريا الشمالية إدراة ترامب اتفاق النووي الإيراني أزمة كورية حصار قطر