«السديس» يدعو لـ«ترامب».. ماذا تبقى من عقيدة «الولاء والبراء»؟

الثلاثاء 19 سبتمبر 2017 09:09 ص

«اليوم.. المملكة العربية السعودية، والولايات المتحدة هما قطبا هذا العالم للتأثير، يقودان بقيادة خادم الحرمين الشريفين والرئيس الأمريكي العالمَ والإنسانية إلى مرافئ الأمن والسلام والاستقرار والرخاء، أسأل الله أن يسدد الخطى وأن يبارك في الجهود».

لم يكد الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي «عبدالرحمن السديس»، ينطق بكلماته السالفة عبر فضائية «الإخبارية» السعودية (حكومية)، حتى اندلع جدال حامٍ بين مؤيدين ومعارضين لكلماته التي اعتبرها البعض هدما لعقيدة «الولاء والبراء» في البلد الذي يعتبر علماؤه هذه العقيدة «أوثق عرى الإيمان».

ودأب علماء السعودية، منذ نشأتها على اعتماد المنهج السلفي، وتوجيه النقد لمعظم ما عداه، وقد روجوا لـ«الولاء والبراء»، باعتبارهما ركنا أساسيا لعقيدة المسلم، واعتبروا أن من بين نطاق المكفرات في الموالاة «مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين».

ودلل العلماء على ذلك بقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}، وذلك بحسب ما كتبه «محمد بن عبد الوهاب» المرجع الشرعي للمملكة ومؤسس الدعوة الوهابية، في «نواقض التوحيد العشرة».

الولاء والبراء

وفي شرحه لمعنى «الولاء والبراء»، قال المفتي العام الأسبق للمملكة الشيخ «عبدالعزيز بن باز»، في فتواه المنشورة على موقعه الرسمي: «الولاء والبراء معناه محبة المؤمنين وموالاتهم، وبغض الكافرين ومعاداتهم، والبراءة منهم ومن دينهم، هذا هو الولاء والبراء كما قال الله سبحانه في سورة الممتحنة: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَه}، وليس معنى بغضهم وعداوتهم أن تظلمهم أو تتعدى عليهم إذا لم يكونوا محاربين».

لكن «السديس» لم يكتف بمدح «ترامب» أو الثناء عليه فقط، بل دعا الله له بـ«البركة في الجهد والسداد في الخطى»، على الرغم من دخول القوات الأمريكية في عدد من الحروب مع الدول والجماعات المسلمة، وعادة ما تشن قواتها غارات يسقط فيها ضحايا من المدنيين.

مسألة الثناء والدعاء على «المحارب» من المسائل التي اعتبرها علماء كثيرون في المملكة من مسائل «الولاء والبراء»، واستشهدوا على حرمة الدعاء للكافر بنص صريح في القرآن: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَىٰ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ * وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ}.

والاستغفار داخل في جملة الدعاء، وقد بينت الآية أن الدعاء موالاة لأن «إبراهيم» عليه السلام، توقف عن الدعاء وتبرأ منه.

إفراط وتفريط

حديث «السديس» طرح تساؤلا عما آلت إليه الأمور في المملكة، فيما يتعلق بالمبادئ السلفية التي تأسست عليها المملكة.

حيث تخطى حديث «السديس»، الاصطدام بالثقافة والأعراف المجتمعية السائدة في المملكة منذ عقود، لتمس بصورة مباشرة دور رجال الدين الرسميين والمستقلين في المجال العام.

وبحسب مراقبين، فإذا كان البعض يوجه انتقادات للعلماء التاريخيين للمملكة، باعتبارهم تشددوا في فتاواهم وتوسعوا في المنع، فإن آخرين يرون أن «السديس» يسير الآن على نقيض طريقهم تماما بالتفريط والتساهل وإهمال النصوص.

كما يأتي هذا الحديث، بعد تصريحات لسفير الإمارات بالولايات المتحدة الأمريكية «يوسف العتيبة»، خلال مقابلة على قناة «بي بي إس» الأمريكية، قال فيها متحدثا عن السعودية: «إذا سألت الإمارات والسعودية والأردن ومصر والبحرين أي شرق أوسط يريدون رؤيته في السنوات العشر المقبلة، فسيكون شرق أوسط مختلفا بشكل أساسي عما تريده قطر خلال الفترة نفسها، نحن نريد شرق أوسط أكثر علمانية».

تصريحات متزامنة، تتحدث عن «علمانية الدولة»، وهي أكبر بلد إسلامي، في ظل انفتاح كبير وانتقادات على استحياء لهيئة الترفيه، التي أنشئت العام الماضي، ونفذت تحولا كبيرا في المجتمع السعودي، يراه البعض بعدا كبيرا عن الثوابت.

حديث «السديس»، جاء أيضا، متزامنا مع اعتقال عدد من العلماء والدعاة البارزين، أمثال «سلمان العودة» و«عوض القرني»، وما يزيد على 35 آخرين، يمثلون علماء المملكة وأستاذة في الفقه والحديث، وسط أنباء متداولة عن قرب الإعلان عن خلية استخبارية، بعد رفضهم التعاطي مع الأزمة الخليجية أو عدم تأييدهم ما ينوي له الأمير «محمد بن سلمان» بتنصيب نفسه ملكا.

الدعاء للعدو

المواقف المعارضة لـ«السديس»، كانت كبيرة، واتهمه البعض بـ«التطبيل والنفاق» للحاكم.

فأستاذ التفسير والحديث بجامعة الكويت «حاكم المطيري»، تساءل عما إذا لم يكن «السديس» يعلم أن «ترامب» من «المحاربين» حتى يجوز الدعاء له، على الرغم من الاحتلال الأمريكي لأفغانستان والعراق وشنها غارات على سوريا واليمن بين الحين والآخر، وغرد منتقدا موقف «السديس».

وفي تغريدته، قال «المطيري»: «لا يعلم أنها تحتل العراق وأفغانستان وتدك مدن الشام!.. السديس يدعو الله أن يبارك خطى أمريكا التي تقود العالم والإنسانية لتحقيق السلام والأمن!».

وبدوره انتقد «عبدالله الشمري» الباحث السياسي والتاريخي، ثناء «السديس» على «ترامب» وتأكيده أن أمريكا تقود العالم للسلام، فسخر من ذلك بقوله: «وأكبر دلالة ما فعلته في العراق وأفغانستان من قتل وتدمير وهتك للأعراض ودعمها للصهاينة في احتلال مقدساتنا».

أما أستاذ العلوم السياسية والفقه «كساب العتيبي»، فتبرأ من حديث «السديس»، وغرد على «تويتر» قائلا: «أمريكا تقود العالم والإنسانية لمرافئ الأمن والسلام والاستقرار، اللهم إنَّا نبرأ إليك من كل ما نشهد ونسمع».

كما انتقد الكاتب والمحلل السياسي السعودي ومدير مركز دراسات الشرق بإسطنبول «مهنا الحبيل» تصريحات «السديس»، باعتبارها «شهادة زور» باسم البيت الحرام: «ثناء بلغة صريحة تعظم ترامب، بعد أن أعلن موقفه المناهض للمسلمين.. القوى الإنسانية تعلن أنه معتدٍ جهول ثم يزكى باسم البيت الحرام! شهادة الزور».

يشار إلى أن زيارة «ترامب» للسعودية في مايو/آيار الماضي، شهدت توقيع اتفاقيات تعاون بلغت قيمتها 460 مليار دولار.

وبادرت المملكة بفتح أبواب خزائنها أمام «ترامب»، وضخت أو بصدد ضخ مئات المليارات من الدولارات في الاقتصاد الأمريكي، في صورة صفقات لشراء السلاح، واستثمارات في أذون وسندات الخزانة الأمريكية، وفي مشاريع تنموية أمريكية.

لكن على ما يبدو فإن المصالح أكبر لدى السعوديين من تلك الأموال التي يضخونها في الاقتصاد الأمريكي، حيث يعول ولي العهد السعودي «محمد بن سلمان» (31 عاما) كثيرا على دعم إدارة «ترامب» لخطوة اعتلائه عرش المملكة خلفا لوالده، خاصة أن ذلك المخطط يواجه بمعارضة شديدة من أطياف داخل العائلة الحاكمة السعودية التي تضمر عدم رضا على تجاوز كبار العائلة ومنح المنصب الأرفع بالمملكة لشاب لا يزال في سن صغيرة وحديث عهد بمسائل الحكم.

كذلك، من شأن الدعم المالي السعودي الكبير لإدارة «ترامب» تخفيف ضغوط الكونغرس الأمريكي فيما يتعلق بقانون «جاستا»، أو على الأقل هكذا تتوقع الرياض.

ويقول مراقبون، إن الرياض تحتاج إلى مزيد من الدعم الأمريكي في اليمن سواء سياسيا أو عسكريا، وتأمل في أن تبادر إدارة «ترامب» إلى ذلك.

وهناك سبب أخير، وهو إيران؛ فما تفعله المملكة الآن هو أنها تدفع فدية مقابل الحماية الأمريكية من تهديدات طهران لها، بحسب المراقبين.

  كلمات مفتاحية

الولاء والبراء السديس الترفيه بن سلمان ترامب أمريكا

مغردون عن «تطبيل السديس» لـ«ترامب»: شهادة زور

«كبار العلماء» السعودية: الولاءات السياسية الخارجية خارج البيعة