الموظفون في غزة تتنازعهم حكومتان 

الخميس 8 يناير 2015 09:01 ص

غزة - ليس خافياً أن استقواء حركة «حماس» في غزة، خلال سنوات حكمها، كان يعتمد على ما توفره لنفسها من أموال عبر الدعم الخارجي، أو «كنز الأنفاق» الذي كانت تحصل منه على ضرائب بعشرات ملايين الدولارات شهرياً. ومنذ انقطع ذلك المدد، أعادت «حماس» رفع شعار المصالحة مع «فتح» التي تلقفت الفرصة لتحصيل شرعية أكبر بضم غزة تحت جناحها، ولو شكلياً.

اتفق الطرفان على تشكيل حكومة ألقت «حماس» إليها بنحو 45 ألف موظف مدني وعسكري لم يتقاضوا رواتبهم لعدة أشهر، وفوقهم مستحقات سابقة لهؤلاء، بجانب وزارات متعطشة للموازنات. 

منذ ذلك الحين، وتحديداً منذ يونيو/حزيران الماضي، تطالب «حماس»، التي لا تزال تسيطر أمنياً وعسكرياً على غزة، حكومة التوافق ورئيسها رامي الحمدالله، بتحمل المسؤولية تجاه القطاع، وخاصة بعد حرب مدمرة لـ51 يوماً، بل لا يكاد يمر يوم دون «صراخ ومناشدة» بتسيير أمور الحياة للغزيين كتوفير الرواتب والكهرباء وإعادة الإعمار.

في المقابل، تقول «حكومة التوافق» إنها لم تتسلم أي سلطة حقيقية في غزة حتى توفي المطلوب منها، فترد «حماس» بأنها لم توقع المصالحة على مبدأ «الإحلال»، بل وفق المحاصصة والمشاركة.

دائرة مفرغة يعيش فيها الغزيون في وقت تتفاقم فيه معاناتهم، ولم تسجل خلال الأشهر الماضية سوى زيارتين للحكومة إلى غزة، والثانية انتهت قبل أيام دون حل أي عقبة. ومنذ بداية تشكيل «التوافق» سلمت أربع وزارات إليها لوجود وزرائها في غزة، كما جرى في الزيارة الأخيرة تسليم مقارّ أخرى مع حضور ثمانية وزراء.

وبينما يعتبر الصف الأول في الوزارات (الوكلاء والمديرون العامون) محسوبين على «حماس»، فإن جزءاً كبيراً من الموظفين، لا ينتمون إلى الحركة، وهو ما بدأت آثاره تطفو عقب صرف دفعة مالية (1200 دولار) للموظفين المدنيين.

الإشكالية نفسها بدأت الانتقال إلى صفوف العسكريين، الذين لم يتقاضوا سوى نصفي راتب على مدار شهرين. الضابط محمد (35 عاماً)، مثلاً، انضم إلى حكومة «حماس» اضطرارياً بعدما قطعت رام الله راتبه إثر «تقرير كيدي» ضده رغم أنه ينفي انتماءه إلى الحركة. تنفس هذا الضابط الصعداء بعدما سمع خبر قرب عودة السلطة إلى حكم غزة من جديد.

لكن آماله تحطمت عند أول صخرة، هي قضية الولاء، فهل عليه تنفيذ أوامر رامي الحمدالله (أيضاً وزير الداخلية)، أو «حماس» التي تسيطر على الوضع تماماً. يقول محمد: «في سنوات حكم حماس كنا نعاني بسبب تنفيذ قرارات حركية وإسقاطها على الحكومة، وتحديداً التي يقرها المجلس الشوري التابع لها وفق معتقداته ورؤيته الخاصة».

خلال سبع سنوات كان يردد العقداء والعمداء للضباط والجنود أن هذه الحكومة ليست من أجل السلطة، يقول الضابط، بل لاستكمال المشروع الإسلامي في بناء خلافة حقيقية تكون غزة بدايتها، وأن القرارات المطلوب تنفيذها نابعة من الشريعة وليست من الدستور الوضعي الذي تحتكم به سلطة رام الله «العلمانية ـ العميلة».

الآن تقف على الأبواب حكومة جديدة تختلف تماماً عن منظومة «حماس»، ما يهدد بخلق ازدواجية في الولاء لدى منتسبي الأجهزة الأمنية. فبين شعور كثيرين بالانتماء إلى مشروع المقاومة، فإن نظراءهم لا ينكرون أن الأحقية لمن يمنحهم الراتب، بل يقولون إنهم ينتظرون حتى تولي الحمدلله الحكم كاملاً وصرف رواتبهم، وحتى وقتها هم مضطرون إلى العمل تحت إمرة «حماس».

الضباط «الحمساويون» يصرون، في المقابل، على ولائهم لحركتهم، ويؤكدون أنهم سينفذون أي قرار لقيادة «حماس» حتى في حال استكمال المصالحة. يقول عقيد في أحد الأجهزة، إن ما يعزز ثقتهم بـ«حماس» أن «رام الله هي التي تعرقل عملنا في غزة، فهم لم يجتمعوا بأي أحد منا برغم دعواتنا المتكررة لهم»، مضيفاً: «كل ردهم أنه لا يوجد لديهم قرار سياسي بالجلوس معنا، بل يصرون على أننا غير شرعيين».

لا يخفي هذا المسؤول أن «حماس» استفادت من حالة الفراغ لإنهاء عقود كثيرين، لم تكن قادرة على إيفاء وعودها لهم، بحجة خروج دائرة القرار من بين أيديهم. ويذكر أنه كان حاضراً في «اتفاق الشاطئ»، في نيسان الماضي، مؤكداً أنه فهم من الاتفاق أن «التوافق» لن تكون إلا لتسيير تفاصيل الحياة اليومية، لذلك ظلت قضية رواتب الموظفين وتفاصيل كثيرة غير واضحة.

ويمضي قائلاً: «الاتفاق لا لبس فيه، ولكن كل ما يجري هو التحايل على هذا الاتفاق... أبو مازن (محمود عباس) يسعى إلى أن تكون حكومته في غزة شبيهة بالضفة، وأن يكون التنسيق الأمني مع إسرائيل هو أساس نجاحها... هذا مستحيل في غزة».

هنا يرى الباحث في الإسلام السياسي، محمد حجازي، أنّ من الصعب تكوّن «ازدواجية في ولاء العاملين لدى حكومة حماس لأن من يمسكون المناصب فيها يتبعون لها، وتربوا في المساجد على الأصولية الدينية». ويدق حجازي ناقوس الخطر من أنه في حال استمرار الضغط على الحركة من جهة السلطة ومصر وإسرائيل، فإن ذلك قد يكون سبباً رئيسياً لاندفاع عدد كبير من عناصرها إلى التطرف والاقتراب من السلفية الجهادية.

داخل جهاز «الأمن الداخلي» توجد حكايات أخرى. بصعوبة استطعنا الحديث مع أحد الضباط الخارجين من ذلك الجهاز ويعمل حالياً في «المباحث». يقول إن تجربته «داخل حكومة حماس الربانية» أكدت له أنه لا «خير في فصيل يتسلم السلطة، لأنه تكثر فيه السرقات والنهب».

ويضيف: «أكثر من مرة ألقينا القبض على نصابين كثر، ولكن لعلاقاتهم بمسؤولين أُفرج عنهم»، متابعاً: «حينما حاولت فضح القضية وتحويلها للرأي العام خيرت بين الاستقالة أو تحويلي إلى جهاز آخر». لذلك يؤكد الضابط أن لدى كثيرين قناعة بموالاة حكومة الحمدالله في حال تسلمها الحكم فعلياً، لأنه «لا خير في حكومة تترك موظفيها بلا رواتب وتستخدم معاناتهم أداءة للمناكفة السياسية».

 

المصدر | هاني إبراهيم | الأخبار اللبنانية

  كلمات مفتاحية

«داخلية غزة» «حكومة التوافق» «حماس» مشكلة غزة استقواء وتصفيات حكم بمنظومة أمنية حماية المقاومة خنقت المعارضة