الإعلام المصري بعد «25 يناير»: امتداد لعهد مبارك

الأحد 25 يناير 2015 05:01 ص

في الذكرى الرابعة لـ «25 يناير» التي تصادف غداً، استعادة للمراحل التي مرّ بها الإعلام المصري منذ نزول شباب الثورة إلى الميدان، وصولاً إلى اليوم.

لم يعد بالإمكان النظر للإعلام وأدائه كمجرد مراقب للأحداث. فقد أصبح واضحاً مع «ثورة يناير» أنّ الإعلام طرف فاعل ومؤثر في سير الأحداث، أكثر حتى من بعض القوى السياسية. والمتابع للإعلام المصري من هذه الزاوية سيرى كيف تبدل أداء الإعلام، سواء كمراقب أو كفاعل في الأحداث أكثر من مرة.

المشهد الأشهر للإعلام المصري خلال «ثورة يناير» كان مجرى النيل الذي ثبتت عليه كاميرا التلفزيون الرسمي لإثبات أنّ كل شيء هادئ. كان هذا موقف الإعلام الرسمي. أما الإعلام الخاص فقد كان أكثر إدراكاً للمتغيرات، وأقلّ التزاماً بمشهد مجرى النيل.

في البداية بدأ الإعلام الخاص سواء الفضائيات أو الصحف يواكب الأحداث. بعضها باشر التغيير بالفعل، واعتبر ما يجري مقدِّمةً لأحداث هامة، والبعض بدأ بالهجوم على المظاهرات وحذر من مخاطرها. كان الانقسام في الإعلام واضحاً لحظتها. ثم جاء خطاب مبارك العاطفي قبيل موقعة الجمل والذي تعهَّد فيه بعدم الترشح للرئاسة وعدم ترشيح ابنه.

تحوّلت وسائل الإعلام إلى تبنّي خطاب مبارك وتسويقه على أنّه الحلّ للأزمة، وبدأت تروّج لانصراف الثوار من الميادين وأنّ المتبقين مغرضون. توحّد وسائل الإعلام وراء خطاب مبارك لم يستمرّ طويلاً، إذ قطعته موقعة الجمل، والتي ساهمت في إعادة تبرئة الميادين، وعاد الانقسام لوسائل الإعلام مرة أخرى، فرأى قطاع منها أنّ ما يجري مؤامرة، وأنّ الباقين في التحرير مخرّبون وأجانب وجواسيس، والبعض الآخر نقل ما يجري من أحداث الثورة مع درجات متفاوتة من الانحياز لها.

تبنّي الثورة
مع سقوط مبارك تحول الإعلام كليّاً لتبنّي الثورة. أصبح شباب الثورة ورموزها ضيوفاً دائمين على البرامج التلفزيونيّة والصحف. وأصبح بعضهم لاحقاً مقدّمي برامج وكتاب. بدأ إعلاميّون يعتذرون علناً للشعب وللثوّار عن أدائهم قبل وخلال الثورة، متذرّعين إمّا بإجبارهم على المواد التي قدَّموها، أو لعدم إدراكهم حقيقة ما كان يجري.

ولكنّ محاولة التحاق وسائل الإعلام بقطار الثورة لم يمنع بعضها، وخصوصاً الحكوميّة منها، من إعطاء المجلس العسكري الحاكم آنذاك، ورئيسه المشير طنطاوي نفس المكانة التي أعطتها لمبارك، سواء في تصدّره للأخبار أو في تجنُّب تقديم أيّ نقد له.

حاول الإعلام ساعتها الالتحاق بالثورة باعتبار أنّ التواجد في ركب الثورة هو الطريقة الأمثل للتأثير فيها. «الثوري الحقّ هو من يثور ليهدم ثم يهدأ ليبني»، هذا ما تبنته أغلب وسائل الإعلام خلال تلك الفترة في محاولة لوقف المطالبات الثوريّة ساعتها باستكمال إسقاط نظام مبارك في كافة مؤسسات الدولة ووقف تطبيق سياساته. لكن إلى جانب ذلك زادت المساحة النقدية في الإعلام تحت ضغط الثورة ولم يشهد الإعلام اصطفافاً كاملاً.

الهامش اتسع أيضاً ليشمل عدداً من القنوات الدينية التي عبرت عن تيار الإسلام السياسي بفصائله، وما تبنته من خطاب طائفي ورجعي ولعبت دوراً هاماً في الحشد والتعبئة للحركة الإسلامية.

ما بعد «يوليو»
شهدت فترة حكم مرسي القصيرة انقساماً واضحاً، ظهر في الإعلام الخاص. فوسائل الإعلام التي تعد مدنية أو علمانية، شنت هجوماً ضارياً ضدّ مرسي وجماعة الإخوان المسلمين وتبنت معارضيه. وسائل الإعلام الإسلاميَّة دافعت بحماسة عن مرسي وهاجمت معارضيه. الإعلام الرسمي قاوم بدرجة واضحة هيمنة جماعة الإخوان عليه، لكنه لم يبدُ كطرف أساسي في هذا الانقسام ساعتها.

بعد الثالث من يوليو عاد التوحد بين وسائل الإعلام الخاصة والرسمية، خصوصاً بعد قرار إغلاق القنوات الدينية المدافعة عن الإخوان. التوحّد تلك المرة كان خلف خارطة الطريق. سيطر على الإعلام الصوت الواحد واختفت أي لهجة نقدية. البرامج التي لم تكن متوحّدة بالكامل مع صوت السلطة اختفت واحداً تلو الآخر، كذلك الكتاب.

لم يقتصر الأمر على المعارضين لسلطة الثالث من يوليو، بل امتد حتى للمؤيدين ولكن بهامش نقدي.

الذين ناصبوا الإخوان العداء وشاركوا في الحشد والتعبئة لمظاهرات 30 يونيو لم يشفع لهم موقفهم، إذا ما بدر منهم أي نقد ولو غير مباشر للسلطة. مثّل إعلام ما بعد الثالث من يوليو عودة قوية لإعلام السلطة ـ وبدا ذلك في تصاعد الهجوم بقوة في بعض وسائل الإعلام الخاص ضدّ «ثورة يناير» ورموزها واعتبارها مؤامرة خارجية. شباب الثورة الذي احتفى به الإعلام في أعقاب سقوط مبارك، شهّر به، وارتفعت أصوات تطالب بملاحقته.

بنية من عهد مبارك
يقول الإعلامي حسين عبد الغني معلّقاً على تحوّلات الإعلام المصري مع الأحداث قائلاً: «أداء الإعلام أثناء وبعد الثورة وإلى الآن هو نتيجة البنية التي وضعها مبارك. اعتمد مبارك على سيطرة الدولة على الإعلام بشقّيه، إعلام الدولة وإعلام رجال الأعمال. إعلام الدولة كان تحت سيطرة الدولة مباشرة. والإعلام الخاص أيضاً خاضع لمصالح رجال الأعمال المرتبطة بالدولة. عبَّر عن ذلك أنس الفقي عندما قال انّ الإعلام الخاص هو جناح آخر للإعلام المصري. وبعد فقدان الثقة بالإعلام الحكومي من قبل المشاهد والقارئ، الإعلام الخاص قدَّم نفسه كذراع إعلاميّة للدولة، لكن بشرط الحفاظ على مصالح رجال الأعمال. وأتيح نمط معين من تسريب المعلومات للقنوات الخاصة، والاعتماد عليها من قبل الدولة».

يضيف عبد الغني: «الإخوان فتحوا الباب للقنوات الإسلاميّة بهدف تفكيك الإعلام الرسمي وإحلال إعلامهم محله، ولكنّ «30 يونيو» قطع الطريق على ذلك، وظهرت هيمنة رؤوس الأموال والتي جاء بعضها من قوى إقليميَّة لمحاولة الهيمنة على الإعلام، هناك دول وضعت نصف مليار دولار للاستثمار في وسائل إعلام. بعد «30 يونيو» أصبح الاعتماد أكثر على القنوات الخاصة، وهناك قناة خاصة مثلاً أصبحت تحل محل التلفزيون الرسمي، الإعلام الخاص أصبح هو بالفعل إعلام النظام. هذا ما يفسّر احتفاء وسائل الإعلام الخاصة ببراءة مبارك. في كل الأحوال يمكن القول ان ما يجري في الإعلام اليوم هو بالفعل حصاد ما زرعه نظام مبارك».

الإعلام غير التقليدي
إذا كان الإعلام التقليدي سواء الحكومي أو الخاص أصبح معبّراً عن إرادة السلطة، فإن وسائل الإعلام الحديثة، مثل المدونات ووسائل التواصل الاجتماعي أصبحت تمثّل نافذة هامة لم تتم السيطرة عليها بعد. وقد ظهر منذ العام 2008 تأثير تلك الشبكات، وقدرتها على الحشد والتعبئة، وهو ما يعلق عليه حسين عبد الغني قائلاً: «المستقبل بالفعل لهذا النوع من الإعلام ولكن بشروط.

أولها أن تستمر معدلات الزيادة في المستخدمين في الارتفاع كما هي الآن. وأن تظلّ وسائل الإعلام تلك بعيدة عن هيمنة الدولة وتحافظ على استقلالها، لأنَّ الدول ستحاول بالطبع السيطرة عليها بشتّى السبل. وأيضاَ أن تلتزم بالقواعد المهنيّة والأخلاقيّة المتعارف عليها إعلامياً. إذا تمّ ذلك سيكون المستقبل بالتأكيد لوسائل الإعلام غير التقليديّة، والتي كان لها بالفعل تأثير هام في الأحداث في السنوات السابقة».

على مدار أربع سنوات حوَّلت الكاميرات وجهتها عدّة مرات، من مجرى النيل لميدان التحرير للقصر الجمهوري، وتبدل الضيوف ومقدّمو البرامج عدّة مرات على الشاشات، كما تبدلت الأسماء في الصحف. لكنّ جوهر ارتباط وسائل الإعلام بالدولة لم يختلف طوال تلك الفترة وخلال تلك التحوّلات.

 

المصدر | مصطفى بسيوني | السفير

  كلمات مفتاحية

الإعلام المصري ثورة يناير «الإخوان المسلمين» التلفزيون القنوات الخاصة نظام مبارك

الذكري الرابعة لثورة 25 يناير .. عادوا إلى «مقاعدهم» عودوا إلى «ميادينكم»

في الذكرى الرابعة لـ«ثورة 25 يناير»: رموز النظام يغادرون السجون بينما يرزح الثوار داخلها!

مصر.. قتلى وجرحى في انتهاكات للجيش والشرطة ضد المتظاهرين في ذكرى ثورة 25 يناير

مصر .. مقتل وجرح عشرات المتظاهرين في ذكرى ثورة 25 يناير الرابعة

خليجيون يغردون تضامنا مع ثوار مصر في الذكرى الرابعة لثورة 25 يناير

مجزرة جديدة للألتراس .. ونشطاء: الداخلية تواصل سيناريو الانتقام من فرقاء ثورة يناير

نظام مبارك في ذكرى خلعه… «عودة المنتقم»

مصر: بلاغ للنائب العام يتهم إعلاميين بتلقي مليار دولار من الإمارات و(إسرائيل)

المخلوع «مبارك» يشيد بـ«قيادة السيسي الحكيمة» ويطالب المصريين بدعمه

التحريض والإرهاب... حول نظريات التأثير الإعلامي

كاتب مصري: مليار دولار من السعودية للسيطرة على عقولنا

مصر: أمين سياسات حزب «مبارك» يقدم أوراق ترشحه للانتخابات البرلمانية

كلمة سر الثورة «الاصطفاف»

فضائية مصرية تصف قتلى إسرائيليين بـ«الشهداء»

بالفيديو.. «البشير»: الإعلام المصرى «ردىء» و«مؤجج للصراعات»

سنوات الاستثناء الثقيلة.. الطوارئ كقانون وإيديولوجيا للحكم بعصر «مبارك»