7 أسباب تدفع السعودية للتمسك بسياستها النفطية الحالية

الثلاثاء 17 فبراير 2015 07:02 ص

في يونيو/حزيران الماضي، تم بيع النفط عند حوالي 115 دولار للبرميل. والآن يُباع بين 45 و50 دولار. ويكشف السعر الحالي أن هناك انهيار بلغ حوالي 60%. لم يدع المحللون والخبراء والمعنيون تكهنا إلا وتكهنوه بشأن إصرار المملكة العربية السعودية على فعل ذلك. لقد عبروا عن شكوكهم بشأن الغاية من وراء عدد من السياسات الخارجية الحالية للمملكة العربية السعودية.

لكن نهج المملكة الخاص بسوق النفط يعطيي انطباعا بأنه أسلوب ذكي يهدف إلى خدمة مصالحها الاقتصادية على المدى الطويل، بينما الفوائد الجيوسياسية التي تجنيها المملكة تأتي بدون أي تكلفة سياسية حقيقية.

بيئة السوق الذي تعمل فيه السعودية

الطلب العالمي على النفط الآن حوالي 92 مليون برميل يوميا. ويمكن لمنظمة «أوبك» أن توفر نحو 40% من هذا الطلب. وبنفسها دون مساعدة من أحد يمكن للسعودية أن توفر حوالي 13 - 14% منه. المملكة العربية السعودية هي الدولة الوحيدة المنتجة للنفط التي يمكنها تكثيف الإنتاج لسد أي نقص في المعروض على الفور. وفي فترة وجيزة جدا؛ يمكنها إضافة بضعة ملايين برميل يوميا - حوالي 2 % - لإمدادات النفط العالمية.

النفط سلعة عالمية. ويتم تحديد أسعار تلك السلعة جزئيا عن طريق التوازن الحالي بين العرض والطلب، وعن طريق الآمال والمخاوف حول التحولات المستقبلية في هذا التوازن. تقديرات الاتجاهات في التوازن بين العرض والطلب من قبل التجار، والتخمينات من قبل المضاربين حول الأسعار المستقبلية تحدد الأسعار الحالية للنفط والسلع الأخرى. وغالبا ما تبالغ توقعات المضاربين وتطالب بتصحيحات حادة من شأنها أن تخلق تقلبات في السوق. وشهد عام 2008 وحده أسعار نفط حلقت إلى 147 دولار للبرميل وانهارت ثانية لتصل إلى 47 دولار.

وعلى المدى القصير نسبيا؛ يمكن للإمدادات النفطية أن تتأثر بالأحداث الجيوسياسية، مثل الحرب والصراعات الأهلية. سوء الأحوال الجوية والاضطرابات العمالية يمكن أن تمنع الناقلات من التحميل، ما يؤدي إلى حدوث مشكلات وأزمات. لكن العوامل الرئيسية التي تحدد ما إذا كان العرض قادرا على مجاراة الطلب على المدى الطويل تتمثل في الاستثمار في مجالات جديدة للتنقيب والإنتاج والتكنولوجيات الجديدة لإيجاد واستخراج النفط وطرق جديدة لإطالة أمد الإنتاج في المخزونات التي على وشك أن تنضب.

ويرتبط الطلب على الطاقة ارتباطا وثيقا بمعدل النمو في الاقتصاد العالمي الذي يتأثر بعوامل موسمية. ويمكن للكوارث الطبيعية أن يكون لها تأثير على الطلب، فضلا عن العرض. (على سبيل المثال؛ أجبر تسونامي ياباني على إغلاق الطاقة النووية في اليابان وألمانيا ودفع كليهما للعودة إلى سوق الوقود الأحفوري). 

وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، كانت الأسعار والتوقعات بشأن الأسعار في المستقبل عالية. وأسعار الفائدة - على النقيض من ذلك - كانت منخفضة جدا. وشجع هذا الوضع الكثير من المشاريع الاستثمارية، وخاصة في المصادر غير التقليدية للنفط مثل تطوير الصخر الزيتي والنفط الرملي، البعض منها كان مُربحًا للغاية في ظل الأسعار الأخيرة. وفي الولايات المتحدة، فإنه على مدى السنوات الأربع الماضية، ارتفع إنتاج النفط بمقدار الثلثين ما أثر على الواردات، وجعل هناك ما بين خمسة إلى ستة ملايين برميل يومي متوفرة في الأسواق في الخارج. وفي الوقت نفسه عاد العراق وليبيا ليواصلوا إنتاجهم ليصل المجموع الكلي حوالي أربعة ملايين برميل يوميا.

وكان جزء كبير من العالم في حالة ركود منذ عام 2008. واستمر الطلب على النفط في النمو لكن ببطء أكثر من العرض وأقل بكثير من توقعات المستثمرين. وبحلول أواخر عام 2014م، فإن إمدادات النفط العالمية من حوالي 93 مليون برميل يوميا تجاوزت الطلب بنحو مليون برميل، أو أكثر قليلا من 1%. وفي الوقت ذاته كانت مخزونات النفط غير المُباعة تنمو بسرعة.

وبالنسبة للتجار؛ فإن وفرة المعروض والنمو في المخزونات يشير إلى اتجاه واضح نحو انخفاض الأسعار في المستقبل. مخاوفهم إزاء وفرة المعروض من النفط تآمرت لإحداث انهيار في السعر مشابهٍ لذلك الذي كان في دورات مضاربة سابقة.

وتُوجه الانتقادات واللوم للمملكة العربية السعودية عندما تبدأ الأسعار في الارتفاع لمستويات عالية. ويجري الآن توجيه اللوم والانتقادات لها أيضا بسبب انخفاض الأسعار لمستوياتها الحالية. لكن المملكة لا تملك ما تقوم به حيال الزيادة في المعروض أو الانخفاض الناجم عن الركود في الطلب على النفط. كما أنها لم تكن السبب في انهيار الأسعار. لكن مكانتها باعتبارها المورد المرجح في العالم يُعطيها تأثيرا على التوقعات.

ويمكن للمملكة أن تقود «أوبك» في محاولة لقلب بعض أو كل الانخفاض الحاصل في أسعار النفط عن طريق الحد من الإنتاج وحتى الحد من العرض. لكن دعم الأسعار سيُمكن المنتجين الآخرين من مواصلة الاستثمار المربح في توسيع الإنتاج من الصخر الزيتي والرمال النفطية، فضلاً عن الحفر في أعماق البحار. وذلك يسمح للمنتجين أصحاب التكلفة المرتفعة بمواصلة كسب حصة في السوق على المدى الطويل على حساب المملكة العربية السعودية وأعضاء منظمة «أوبك» الآخرين. وإذا قطع أعضاء «أوبك» الإنتاج، فإن الأسعار قد ترتفع إلى حد ما، ولكنها من المرجح أن تستقر عند المستويات التي لا تزال تؤدي إلى أقل دخل للمملكة كما تبطئ أيضا - إن لم تُنهي - المدخرات اللازمة لتمويل الانتقال إلى مرحلة ما بعد الاقتصاد السعودي المعتمد على النفط في نهاية المطاف.

والأكثر ضررا من ذلك؛ فإن فقدان حصتها في السوق سيؤدي إلى خفض إيرادات المملكة المستقبلية من النفط فضلا عن نفوذها العالمي. ومما يزيد الطين بلّة، أن المستفيد الرئيسي من خفض إنتاج «أوبك» واستقرار أسعار النفط المترتب على ذلك سيكون الحكومتين الإيرانية والروسية والمستهلكين الأمريكيين والصينيين، وليس السعودية أو منتجي النفط العرب الآخرين.

وبدلا من ذلك؛ قد لا تفعل المملكة العربية السعودية شيئا، مُتقبلة فقدان إيرادات حالية كبيرة، ولكن السماح للأسعار بالانخفاض إلى المستويات التي معها يصبح منافسوها غير قادرين على إنتاج مُربح أو الاستثمار مع الاعتماد على قدرة جديدة تلبي الطلب على النفط في المستقبل.

إنه ”توجهٌ واضح“ بالنسبة للرياض. ومن الذكاء البالغ القضاء على المنافسة الحالية والمستقبلية، والتأكيد على حصتها السوقية في المستقبل أكثر من مساعدة المنافسين للبقاء في حالة من جني الأرباح على حساب إرث منتجي النفط السعودي والعربي والرفاهية في عقود قادمة.

7 أسباب تبرر استراتيجية السعودية النفطية

(1)  انخفاض الأسعار لا يؤذي شركة النفط الوطنية السعودية - آرامكو السعودية - كثيرا.

ولا تكشف أكبر شركة نفط في العالم عن تكاليف إنتاجها، ولكنه يُقدر بحوالي 5 - 6 دولار للبرميل الواحد. وبشكل عام، يبدو أن إنتاج برميل من النفط الصخري في الولايات المتحدة يتكلف حوالي 70 دولار. (بعض عمليات التكسير في الولايات المتحدة مُربحة عند 40 دولار للبرميل لكن البعض يتطلب سعر 90 دولار أو أكثر للتعادل). ويأتي الإنتاج المعتمد على النفط الرملي بحوالي 80 - 90 دولار للبرميل، بالإضافة إلى النقل الذي يمكن أن يكون مُكلفا.

«آرامكو» السعودية وغيرها من الشركات النفطية في مجلس التعاون الخليجي تجني الكثير من المال مع سعر نفط عند 50 دولار للبرميل. ولا يمكن للعديد من المنتجين الآخرين جني الأرباح في ظل هذا السعر.

(2)  احتياطيات النقد الأجنبي في المملكة العربية السعودية البالغة حوالي 900 مليار دولار أمريكي تُعدّ أكبر من الناتج المحلي الإجمالي بمقدار الخمس، وتقريبا أربعة أضعاف ميزانيتها السنوية. وتستطيع المملكة العربية السعودية أن تتحمل هزة في الإيرادات لبضع سنوات؛ بمعنى كونها فترة كافية لإخراج الآخرين من السوق.

(3)  لقد كان تأثير انهيار السعر دليلا على أن شائعات عدم الاتساق بين السعودية و«أوبك» مبالغ فيها إلى حد كبير. وما حدث هو أنه تم تعزيز مكانة المملكة.

(4)  يتسبب انخفاض أسعار النفط في توقف الاستثمار من قبل المنتجين أصحاب التكلفة العالية، كما تمنع أي تحول إلى مصادر أخرى للطاقة غير النفط. إنه يؤثر ليس فقط على التكسير ولكن على الحفر في المياه العميقة، واستكشاف القطب الشمالي، والاعتماد بشكل موسّع على الغاز الطبيعي، وتطوير بدائل للنفط، بما في ذلك مصادر الطاقة المتجددة (التي أصبحت أقل تنافسية بشكل كبير من ذي قبل).

كما يساعد انخفاض أسعار النفط أيضا على إجبار حقول النفط القديمة المستنفذة على الخروج مُبكرا من الخدمة، وكذلك الحد من العرض الحالي والمستقبلي. ولن تستمر الاستثمارات في المشروعات الكبيرة. وسوف تفقد عملية التكسير وإعادة التكسير الوصول إلى القروض المصرفية التي تعتمد عليها. كل هذا يمهد الطريق لانتعاش سعر محدود يبلغ حوالي 65 دولار أو نحو ذلك في غضون سنة أو أقل، وارتفاع أكبر بكثير في السعر خلال بضع سنوات لاحقة. وذلك أفضل لتعظيم الدخل على المدى الطويل من الذهاب لجني عائدات قصيرة الأجل.

(5)  الدول الأشد تضررا من انخفاض الأسعار هم أعداء المملكة العربية السعودية ومنافسيها. ولا تملك المملكة المساعدة، لكن من دواعي سرورها أن الأسعار المنخفضة تُؤذي مؤيدي نظام الأسد الرئيسيين: روسيا وإيران؛ حيث تعتمدان بشكل كبير على العائدات من صادرات النفط. السعودية ليست قريبة من فنزويلا. وقد برزت نيجيريا كمنافس على السوق الصيني. والسؤال الآن: ماذا لو وصلت هذه الحكومات إلى مرحلة المعاناة؟ وفي الوقت نفسه؛ يفيد انخفاض الأسعار المستهلكين الصينيين والهنود والأمريكيين ويعمق إدمانهم للنفط، ما يضمن سوقا لصادرات السعودية بمجرد أن تعود الأسعار إلى مستويات عالية، في الوقت الذي سيتفوق فيه الطلب مُجددا على العرض.

(6)  يساعد النفط الرخيص في بناء أسواق داخل القوى الصاعدة مثل الصين والهند؛ حيث يتركز الطلب على الطاقة في المستقبل. (تشتري آسيا بالفعل أكثر من ثلثي صادرات النفط السعودية، في حين تأخذ الأمريكتين الآن أقل من الخمس). وتوطد المملكة الآن علاقاتها مع الدول الآسيوية لتخفيف اعتمادها على الولايات المتحدة. وتساعد الأسعار الحالية في هذا الصدد.

(7)  ساعدت احتمالية استمرار انخفاض الأسعار لعدة سنوات، بالإضافة إلى التذكير في الوقت المناسب بتقلبات السوق التي ساهمت في انهيار الأسعار في عرقلة الخطط الصينية والهندية لتطوير التكسير المحلي، كما أعاقت التقدم نحو الاكتفاء الذاتي من إمدادات النفط في الأسواق الواعدة في المملكة العربية السعودية.

ويمكن القول بأن موقف المملكة العربية السعودية داخل منظمة «أوبك» والسياسات الخاصة بتسعير النفط تقيّد نمو المعروض في المستقبل، وتمنع تطوير بدائل للنفط، وتحافظ على حصتها في السوق وحصة غيرها من منتجي النفط منخفضي التكلفة. وذكّرت الرياض العالم والمنطقة بقوتها، وأظهرت استقلالها، وخدمت مصالحها الجغرافية السياسية.

ويمكن للرياض أن تواصل استراتيجيتها وسياساتها حتى يضطر المستثمرون في الدول المنتجة للنفط أصحاب التكلفة العالية للخروج من السوق. وفي الوقت المناسب فإن أسعار النفط سترتفع معززة إيرادات المملكة. ومن وجهة نظر السعودية فإن هذا مقبول حتى من دون الإشارة إلى المكاسب الجيوسياسية التي تتحقق. ويبدو أن كلا من الملك الجديد «سلمان بن عبدالعزيز» وولي عهده «مقرن بن عبدالعزيز» وولي ولي العهد «محمد بن نايف» قد شاركوا في صياغة السياسات الحالية. ولا يوجد أي سبب لنتوقع منهم أن يغيروا حساباتهم حول ما هو في مصلحة المملكة في أي وقت قريب.

المصدر | سنتر فور ناشيونال انترست

  كلمات مفتاحية

السعودية السياسة النفطية النفط أسعار النفط حرب أسعار النفط أوبك النفط الصخري

«النعيمي» ... ”رجل الأزمات“ باق للحفاظ على ثبات السياسة النفطية السعودية

الرابحون والخاسرون من هبوط أسعار النفط

كيف أثرت منافسات الجغرافيا السياسية على أسعار النفط؟

«أوباما» يعترف: خفض أسعار النفط «قرار سياسي» لإضعاف روسيا

«جون ماكين»: علينا شكر السعودية التي سمحت بانهيار الاقتصاد الروسي

«علي النعيمي»: «من المستحيل» أن تخفض السعودية حصتها في السوق .. ولا أهداف سياسية

الرابحون والخاسرون في حرب أسعار النفط حول العالم

في أسباب وتجليات انخفاض سعر النفط

«أوبك» تتوقع تعافي أسعار النفط خلال أشهر وترفض ”دعم سعر“ النفط الصخري