وسط تواصل الجدل .. المغرب يسعى إلى «تقنين الإجهاض»

الأحد 5 أبريل 2015 06:04 ص

واصلت قضية الإجهاض في المملكة المغربية الجدل خلال الأسابيع الأخيرة، خاصة فيما يدور حول تحديد سقف وصيغة تقنين اللجوء إلى تلك العملية في حالات معينة، وذلك من أجل وضع حد لعمليات الإجهاض السري التي تجري في مؤسسات طبية أو غير طبية بعيدا عن أنظار القانون. 

وجاء تدخل العاهل المغربي، في ذروة الاستقطاب بين الأصوات المحافظة من جهة والمشهد الحقوقي والنسائي من جهة ثانية، ليطرح إشكالية تقنين الاجهاض على أجندة السلطات العمومية لكن على أساس استشارات موسعة مع الفاعلين والهيئات العلمية، وفي إطار «احترام تعاليم الدين الإسلامي الحنيف والتحلي بفضائل الاجتهاد، وبما يتماشى مع التطورات التي يعرفها المجتمع المغربي وتطلعاته، وبما يراعي وحدته وتماسكه وخصوصياته»، حسب بلاغ سابق للديوان الملكي.

وفي انتظار توصل الملك إلى مقترحات ملموسة في غضون الأيام المقبلة، يقول تقرير على شبكة «سي إن إن بالعربية» تناول هذه القضية الشائكة، فإنه سيتواصل الجدل بين الفرقاء حول مرجعية التقنين وحدود الاجتهاد في الحالات الاستثنائية للجوء الى الاجهاض.

ليؤكد التقرير أن مهمة بناء توافق حول هذا المشروع «لن تكون مهمة سهلة في ظل مطالبة جمعيات حقوقية ونسائية، مجسدة في تحالف «ربيع الكرامة»، بجعل أمر الإجهاض، مقرونا بإرادة المرأة الحامل لوحدها دون سواها، وهو ما لا يجد ترحيبا لدى المرجعيات المحافظة».

من ناحيته، طالب التحالف الحقوقي النسائي في ندوة له، انعقدت أول أمس الجمعة بالرباط، بإخراج الإجهاض الطبي من دائرة التجريم الجنائي، في أفق تجاوز التداعيات المترتبة عن ممارسات إيقاف الحمل خارج نطاق الإشراف الطبي، والتي تودي بحياة العديد من النساء، مشددا على ضرورة الاحتكام إلى القوانين والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، وتوصيات منظمة الصحة العالمية.

واعتبرت الناشطات في إطار التحالف أن تجريم الإجهاض هو «شكل من أشكال التمييز ضد المرأة واعتداء على حقها في صيانة حرمة جسدها»، مطالبات بتعديل القانون الجنائي المغربي في هذا الاتجاه، علما أن القانون الحالي يفرض عقوبات سجنية على المرأة المجهضة إراديا وكذلك على من يساعدها.

وقد خاضت القضية الطريق السياسي، حينما دعا الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي، (معارضة)، إلى مراجعة مقتضيات القانون الجنائي حول الإجهاض السري، من أجل إرساء «تشريع عقلاني في معالجة موضوع الإجهاض السري، وعدم الانصياع وراء الخطاب المحافظ الجاف، القائم على الاجترار السطحي للمرجعية الإسلامية، في اختلاف تام مع الاجتهادات الرائدة لفقهائنا وعلمائنا المتنورين في ميادين ومجالات مختلفة».

وخلال لقاء دراسي نظمه الفريق الاشتراكي بمجلس النواب، الخميس الماضي، طالب الحزب بالخروج من عباءة «الوصايا الثقافية والمزايدات السياسية التي لا فائدة منها»، محذّرا من «عواقب الاستمرار في ممارسة الإجهاض السري الذي يودي بـ 44 ألف امرأة سنويا في مختلف أنحاء العالم، حسب منظمة الصحة العالمية، بينما يعرف المغرب إجراء أكثر من 800 حالة إجهاض سري يوميا، حسب بعض الإحصائيات غير الرسمية»

وجدير بالذكر أن رفع النقاب عن هذا الموضوع يرجع الى حد كبير للناشط شفيق الشرايبي، وهو طبيب مختص في التوليد وأمراض النساء، ورئيس الجمعية المغربية لمكافحة الاجهاض السري، الذي عرف بنضاله من أجل التقنين منذ سنوات، ونبه الشرايبي خلال ذات اللقاء إلى عواقب الاجهاض السري على صحة المرأة، ومستعرضا جملة من الحالات التي تستوجب إجراء عمليات إجهاض آمنة، ومؤطرة طبيا، على غرار الحمل الناجم عن الاغتصاب، وزنى المحارم، وحمل القاصرات، والمسنات أكثر من 45 سنة، وحمل المصابات بأمراض عقلية خارج مؤسسة الزواج، والأجنة المصابة بتشوهات خلقية، إضافة إلى العديد من الحالات الاجتماعية المأساوية.

وكان البروفيسور «شفيق بوهالي الشرايبي» قد أُعفي من منصبه في مؤسسة طبية عمومية كرئيس مصلحة النساء والتوليد بمستشفى الولادة الليمون، إثر تصريحات له في برنامج تحقيق تلفزيوني فرنسي تناول ظاهرة الاجهاض السري في المغرب، خصوصا من خلال عينات فتيات وقعن في حمل غير مرغوب فيه نتيجة علاقات خارج الزواج أو التعرض لاغتصاب، وأطلق المجتمع المدني النسائي، «بجناحه الحداثي»، حملة تضامن واسعة مع هذا الناشط.

في المقابل، نشر الفقيه «أحمد الريسوني»، أحد أشهر المراجع الشرعية في المغرب، مقالا على صفحته عبر الفيسبوك بعنوان «الإجهاضيون الجنسانيون..إلى أين هم ذاهبون؟»، ينتقد فيه دعاة الإجهاض ومن وصفهم بـ«جهادييه»، وذلك من منطلق أنه «لا يشكل الإجهاض عندهم إلا حلقة ومحطة من مسلسل طويل عريض، ضمن رؤية تستهدف تحرير الإنسان وطاقاته الجنسية من سلطان الدين؛ أي الوصول في النهاية إلى إنسان بلا دين، وممارسة جنسية بلا حدود ولا قيود».

وقال «الريسوني» إن هؤلاء تتركز معركتهم على حذف الفصل 449 والفصول التفصيلية التابعة له من القانون الجنائي، حيث ينص الفصل على أن «من أجهض أو حاول إجهاض امرأة حبلى، أو يظن أنها كذلك، برضاها أو بدونه.. يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات، وإذا نتج عن ذلك موتها، فعقوبته السجن من عشر إلى عشرين سنة».

وحذر من أن الناشطين المطالبين برفع التجريم إذا نجحوا كليا أو جزئيا في معركتهم ضد الفصل 449، فإنهم «سيحولون نيرانهم صوب عدو أكبر منه، سبق لهم معه عدة مناوشات، وأصدروا في حقه عدة تهديدات. وهو الفصل 490 الذي ينص على أن كل علاقة جنسية بين رجل وامرأة لا تربط بينهما علاقة الزوجية تكون جريمة الفساد، ويعاقب عليها بالحبس من شهر واحد إلى سنة، فهذا الفصل 'المتطرف' لا معنى له ولا مكان له في منظومتهم الحقوقية الحداثية».

وخلص «الريسوني» إلى أن «فلسفة الإجهاضيين الجنسانيين التي يعلنونها دوما هي: أن كل علاقة جنسية رضائية فهي مشروعة، ولا ينبغي لأحد أن يعكرها أو يضيق عليها، لأن كل واحد حر التصرف في جسده».

وكان وزير الصحة المغربي، قد أعلن في لقاء ضم فعاليات جمعوية ورسمية وطبية وفقهية، عن خطة قومية يجري إعدادها، تتمحور حول عناصر، من بينها «تطوير سبل الوقاية من الحمل غير المرغوب فيه بتطوير برامج التربية الجنسية والإنجابية، وولوج النساء ضحايا الإجهاض السري لخدمات الصحة الإنجابية دون أي خوف من الملاحقة القانونية مع تحسين جودة التكفل بالمضاعفات الناتجة عنه، ثم مراجعة الإطار القانوني والتنظيمي الخاص بالإجهاض الطبي في المغرب، مع الاحترام الكامل للقيم الدينية والأخلاقية والخلفيات الثقافية للبلاد ووفقا لحقوق الإنسان المتعارف عليها دوليا».

ويعتبر التقرير أنها مهمة صعبة بالنظر الى موقف شرائح من النخبة العلمية والفقهية، فقد أكد العلامة المغربي البارز «مصطفى بنحمزة» خلال نفس اللقاء أنه «لا يجوز التصرف في حياة الجنين الا اذا كان يشكل خطرا حقيقيا على صحة الأم و يحرم إجهاضه لمجرد الرغبة في إخفاء الحمل أو تحت ذريعة وجود تشوهات خلقية قد تكون في بعض الأحيان بسيطة أو لكون الحمل ناتج عن زنا المحارم، لأنه لا يحق تحميل الجنين أثر فعل لا يد له فيه».

وذلك فيما يجمع المراقبون على أن البحث عن التوافق حول مسألة ذات حساسية قصوى اجتماعيا وثقافيا هو «أمر محمود»، لكنهم يجمعون أيضا على أن «الطريق إليه لن تكون مفروشة بالورود».

  كلمات مفتاحية

المغرب التمييز ضد المرأة

العمالة وخلل التركيبة السكانية .. قضايا قديمة تتجدد

السعودية: مخاوف شرعنة الإباحية والمثلية والإجهاض تجدد الجدل حول وثيقة «السياسة السكانية»

نواب الشورى السعودي: «الوثيقة السكانية» تمهد لـ«الإباحية»

في الإمارات: خطط الزيادة السكانية تصطدم بتراجع معدلات الزواج وزيادة معدل الطلاق

خلل التركيبة السكانية يهدد بزوال الإمارات من خريطة العالم

المغرب.. رفض ديني لتعديل قانون الإجهاض