«التوطين الوهمي» أو «التوظيف الوهمي» يعد من أبرز التحديات التي يواجهها برنامج «نطاقات» الحكومي الذي يهدف إلى «سعودة» عشرة ملايين وظيفة يشغلها وافدون أجانب .
وفي خطوة منها للتصدي لعمليات «التوطين الوهمي» التي أصبحت تجارة غير مشروعة تمارسها شركات عديدة بحثا عن حصة من دعم الدولة للموظفين السعوديين في القطاع الخاص، أوقفت وزارة العمل خدماتها عن 14 شركة ومؤسسة لمدد تتراوح من عام إلى عامين بعد قيام هذه الشركات باستغلال هويات مواطنين دون علمهم من أجل رفع نسبة التوطين، والحصول على حوافز نقل الخدمات وتجديد رخص العمل وتأشيرات الاستقدام، وذلك في إطار سعي وزير العمل الدكتور «مفرج بن سعد الحقباني» لمنع إجراءات الممارسات الخاطئة وعمليات الاحتيال على أنظمة وقرارات التوطين من قبل مُنّشآت القطاع الخاص، وإيقاع العقوبات والجزاءات لهذه التجاوزات، بحسب صحيفة «الرياض» السعودية الالكترونية في 13 يونيو/حزيران الجاري.
عقود صورية وخداع
لم تكن هذه أول مرة تقوم فيها وزارة العمل السعودية بوقف خدماتها عن الشركات التي تمارس التوطين الوهمي، ففي 4 أغسطس/آب الماضي، أوقفت وزارة العمل خدماتها عن إحدى شركات التوظيف بشكل نهائي «بعد ثبوت مخالفتها قرارات التوطين والتحايل عليها»، بحسب بيان صدر عن الوزارة.
وأوضحت الوزارة أن الشركة استقطبت بعض المواطنين غير المسجلين في قاعدة بيانات المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية وأغرتهم بدورات تدريبية مع منحهم مكافآت مالية متفاوتة ثم أدرجت أسماءهم لدى الشركات والمُنشآت المتعاقدة معها بقصد رفع نسبة «السعودة» بصورة وهمية دون علم المواطنين أو موافقتهم على تسجيلهم في سجلات تلك المُنشآت التجارية.
واتهمت الوزارة الشركة باستقطاب موظفين سعوديين لصالح شركات متعاقدة معها من خلال بعض عقود التدريب المنتهية بالتوظيف بشكل صوري، بحسب ما ذكرته وكالة الأنباء السعودية (واس).
عقوبات رادعة بالسجن والغرامة
وكشف بيان وزارة العمل أن «الشركة سعت إلى التسويق لحلول التوطين ورفع وتثبيت نسبة التوطين على مدار السنة، وادّعت تغطية النسبة 100% بصورة وهمية وغير حقيقية، كما استخدمت شعارات وزارة العمل وبرنامج نطاقات وصندوق تنمية الموارد البشرية، دون الحصول على تصريح من الجهات المعنية، بهدف تضليل المُنشآت بتوافق برامجها مع الأنظمة والتعليمات، وغيرها من المُخالفات».
وفي تحذير واضح للشركات والمنشآت المخالفة والتي تمارس النصب والتحايل، أكدت وزارة العمل السعودية أنه في حال تم اكتشاف منشأة تقوم بـ «التوطين الوهمي» فإن العقوبات تصل إلى السجن من سنة إلى خمس سنوات وغرامات مالية قد تصل إلى 10 ملايين ريال (حوالي 266 ألف دولار).
ونقلت صحيفة «الوطن» السعودية في 6 أبريل/نيسان الماضي عن مدير المركز الإعلامي لوزارة العمل «تيسير المفرج» إنه سيتم تطبيق العقوبات الواردة في نظام العمل، وكذلك العقوبات الواردة في نظام التأمينات الاجتماعية.
وقال «المفرج» إنه أحيل للجنة التوطين التي تم إنشاؤها بناء على قرار مجلس الوزراء أعداد كبيرة من المخالفات منها تسجيل مواطن ضمن نسب «السعودة» لديها دون علمه، أو الاستمرار في تسجيل مشترك سعودي أو إحدى الفئات المحسوبة ضمن نسب السعودة لدى المنشأة بعد تركه العمل وانتهاء العلاقة التعاقدية.
مشاركة شعبية في التصدي للظاهرة
وفي سعي منها لتعزيز دورها بالجهود والمشاركة الشعبية في مواجهة الظاهرة والقضاء عليها، سمحت وزارة العمل لعموم المواطنين السعوديين، في ديسمبر/كانون الأول من عام 2013، بالإبلاغ عن صور «التوطين الوهمي» التي تمارسها منشآت القطاع الخاص، وشددت الوزارة وقتها لأول مرة اعتزامها فرض عقوبات على صاحب العمل الذي يقوم بالتوطين الوهمي تصل حتى 10 ملايين ريال، بتهم من بينها التزوير.
وأكدت الوزارة أنه يمكن لأي شخص التبليغ عن أي توطين وهمي من خلال تعبئة النموذج المرفق وإرساله إلى الوزارة، أو تعبئة ذات النموذج آليا من خلال البوابة الإلكترونية للوزارة، ورأت أن الإجراءات المتبعة من قبل الوزارة تجاه البلاغات هو التأكد من البلاغ المقدم من خلال الاتصال على صاحب العمل، أو من ينوب عنه، أو بزيارة تفتيشية لصاحب العمل، ويتم تحديد نوعية التوطين الوهمي المرتكب عند القيام بالزيارة التفتيشية، بحسب صحيفة «الرياض» السعودية.
ورأت الوزارة أن هذه السلوكيات تتسبب بضرر كبير على سوق العمل من عدة نواح، منها ما هو مرتبط باتباع أسلوب التحايل لتحقيق مميزات ومنافع غير مستحقة لصاحب العمل، أو بالجوانب السلوكية التي من الممكن أن يتركها مثل هذا التوظيف على سلوكيات العامل المواطن ويساهم في تعليمه عدم الانضباطية والتسيب، بالإضافة إلى إمضاء فترات من عمره دون تعليم مهارات جديدة تخدمه في حياته العملية.
فهم خاطئ للسعودة غير المبررة
خبراء الموارد البشرية وجهوا انتقادات إلى برنامج توطين الوظائف عند الشركات والمؤسسات في القطاع الخاص، وأكدوا قصوره فيها على الرغم من زيادة عدد الخريجين والخريجات، وبالتالي تنامي أرقام القوى العاملة الوطنية المؤهلة بشكل سنوي، وعابوا بحسب تحقيق نشرته صحيفة «الرياض» في 13 مايو/أيار 2013 على الشركات والمؤسسات فهمها الخاطئ للسعودة والذي يقتصر لديهم على إحلال العمالة السعودية مكان العمالة الأجنبية دون الاهتمام بتوطين الفرص الوظيفية فيها من خلال تهميش المهام الوظيفية للوظائف التي يشغلها السعوديون، واستثنوا من ذلك بعض الوظائف التي لا مجال لسعودتها لعدم وجود الثقة.
وبرر خبراء الموارد البشرية، في الإطار نفسه، للشركات الكبرى بالإضافة للشركات صاحبة الجنسيتين المزدوجة استبعادها للسعوديين عن المراكز القيادية فيها وتسليمها للعمالة الأجنبية وإن أسفر عن تسرب الموظفين السعوديين فيها نتيجة حصرهم في وظائف متدنية لا تتناسب مع مؤهلاتهم الجامعية.
وطالب الخبراء بضرورة إجراء تصحيحات تنظيميه يأتي من أهمها القضاء على وجود التوطين الوهمي وإعادة تصنيف الوظائف لإيجاد وظائف مناسبة تساهم في توطين الوظائف للسعوديين إلى جانب رفع مستوى الكوادر الوطنية من خلال التدريب والتأهيل المستمر على رأس العمل.