«التعذيب» في مصر.. سلاح الدولة الذي ينقلب عليها

الجمعة 26 يونيو 2015 09:06 ص

رأي مراقبون محليون ودوليون لشؤون مناهضة التعذيب، أن وتيرة التعذيب داخل السجون المصرية زادت بشكل غير مسبوق عقب الانقلاب العسكري ضد الرئيس «محمد مرسي» في يوليو/ تموز 2013.

هذا التزايد يؤكد أن التعذيب لم يكن تجاوزات فردية بل هو أحد الأساليب الرئيسية لدى منظومة الأمن المصري من أجل انتزاع معلومات واعترافات بشكل غير قانوني، وهو من جانب آخر ذراع لمواجهة أي تحرك احتجاجي مجتمعي بدلاً من التوجه نحو الحلول السياسية، بحسب تقرير نشرته صحيفة السفير العربي.

واستندت الصحيفة إلى إحصاءات حديثة صادرة عن مركز «نديم» الحقوقي لمناهضة التعذيب ترصد أنه في شهر أبريل/ نيسان، حدثت 10 حالات وفاة داخل أماكن الاحتجاز الرسمية (أقسام الشرطة والسجون) بسبب التعذيب والإهمال الطبي، وهناك 68 حالة تعذيب جاء أغلبها في أماكن الاحتجاز غير الرسمية في مقار الأمن الوطني ومعسكرات الأمن المركزي، حيث يتم إنكار تواجد المعتقلين لفترة من الزمن فيخرج بعضهم جثة.

شهادات الشباب الذين تمّ اعتقالهم أثناء محاولة إنقاذ زملائهم ممن سقطوا قتلى في «ممر الموت» في ستاد الدفاع الجوي قبل عدة أشهر حملت الكثير من التفاصيل عن «ممر العذاب» الذين عبروه بأعجوبة حتى وصلوا الى ساحات المحاكم التي لا يشهد داخلها بالضرورة موقفاً مغايراً.. 

وحسب شهادة الحقوقية «عايدة سيف الدولة»، رئيسة مركز النديم، فإن موجة التعذيب عقب 3 تموز 2013 هي الأعلى في تاريخ مصر الحديث.

فخلال هذه الفترة تجلت بوضوح تلك الجدلية العبثية التي ترى أن هناك تضاداً بين الأمن الوطني وحقوق الإنسان.

وبالنسبة لها، فإن حالة الحرب او الطوارئ ليست مبرراً لوقوع التعذيب وفقًا للاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها مصر في 1986، وللإنسانية والمنطق.

أما عن جدوى التعذيب فقالت سيف الدولة: «كل شهادة لأهالي المعتقلين ونشرها إعلامياً تفسد فلسفة التعذيب التي يريدون من خلالها كسر المعتقلين وبث الخوف في نفوسهم، وستكون لطمة على وجه الداخلية والنظام باعتبارها الذراع الأقوى له».

لم تختلف تقارير المركزي الحقوقي عن التعذيب بشهري مايو/ أيار ويونيو/ حزيران عن الشهور الأولى من العام.

أما تقرير هيئة الطب الشرعي ـ التابعة للدولة ـ فتشير إلى 16 حالة وفاة إثر التعذيب في أماكن احتجاز رسمية وغير رسمية خلال عام واحد.

من التعذيب إلى التصفية 

ومن التصنيف الزمني الى المكاني، حيث سجل أحد أقسام الشرطة بمنطقة المطرية ـ ذائعة الصيت بسبب المواجهات الدائمة بين الشرطة ومتظاهري جماعة الإخوان المسلمين ـ 7 حالات وفاة نتيجة التعذيب، كان أشهرها لمحام شاب تمّ القبض عليه لانتزاع معلومات عن نشاط جماعة الإخوان بالمنطقة وخرج من القسم جثة مشوّهة بكسور في الفك والرأس وقطع باللسان.

ومع تزايد حالات القتل بالمظاهرات والتعذيب والموت داخل أماكن الاحتجاز، شهدت منطقة المطرية تلك تطوراً نوعياً شديد الخطورة، حيث بدأت مجموعات في تنفيذ عمليات اغتيال ضد ضباط شرطة يفترض أنهم متورطون ـ حسب شهادات المعتقلين والأهالي ـ في جرائم التعذيب.

وعلى الجانب الآخر، اتجهت الشرطة إلى مزيد من التورط في «الجريمة»، فانتقلت من ساحة «التعذيب» إلى «التصفية» وهو ما حدث وتم توثيقه مجتمعياً في حالة الشاب الجامعي «إسلام عطيتو».

ففي حين خرج المكتب الإعلامي لوزارة الداخلية ليؤكد «تصفية أحد العناصر الإرهابية المتهمة بقتل رئيس مباحث قسم شرطة المطرية أثناء مقاومته قوات الشرطة عند مهاجمته في مكان اختبائه بصحراء شرق القاهرة»، أصدر اتحاد طلاب جامعة عين شمس بياناً يؤكد ملاحقة أفراد أمن بزي مدني لزميلهم عقب خروجه من لجنة الامتحان، وأن كاميرات المراقبة كشفت ذلك قبل أن يختفي الطالب لمدة يوم وتظهر صورته في اليوم الثاني كجثة هامدة.

الأستاذ الجامعي لعب دوره هو أيضاً في توثيق الحادثة، بتقديم ورقة الامتحان الخاصة بالطالب إلى النيابة العامة ـ التي فتحت تحقيقاً بالواقعة ـ وتساءل إن كان إرهابياً فيهتم بالامتثال للامتحان الدراسي قبل أن يتوجه الى وكره.

سؤال آخر خرج بحرقة من صدر والدة الشاب أمام مشرحة الطب الشرعي وهي تصف الكسور في الذراع والساق والكدمات في الوجه والصدر التي طالت ابنها إضافة إلى خمس رصاصات؛ وقالت: «يعني مش كفاية يقتلوه، ليه يعذبوه قبل ما يموت ليه».

الاعتراف سيد الأدلة

«الاعتراف سيد الأدلة» جملة شهيرة بالقانون تحولت عبر أداء الشرطة الى أهم دلائل إثبات ممارسة «التعذيب». فمع كل فيديو تخرج به إدارة الإعلام في وزارة الداخلية المصرية ويشمل اعترافات لعدد من المواطنين، أغلبهم من الشباب، يقرّون بانضمامهم لجماعة الإخوان المسلمين ـ التي يصنفها النظام المصري الحالي كإرهابية ـ والضلوع في أعمال إرهاب وعنف، يتجلى سؤال بديهي حول لماذا يوافق هؤلاء على فعل ذلك حتى وإن كانوا متورطين؟ وتأتي الإجابة دائماً امام ساحات المحاكم: «أنكر هذا الاعترافات لأنها تم إجباري عليها تحت التعذيب».

«التعذيب أداة تحقيق رئيسية في مصر، ويتم الاعتماد عليها بنسبة 70 % لجمع المعلومات»، حقيقة يؤكدها «محمود قطري»، وهو عميد شرطة متقاعد وأحد المدافعين عن ضرورة تطبيق قواعد حقوق الإنسان في عمل وزارة الداخلية لضمان كفاءة عملها أولاً ومصداقيتها ثانياً، فيرى أن الافتقاد لأساليب البحث الجنائي العملية، وضغط العمل من دون وجود هيئات نقابية تحمي الشرطيين من رؤسائهم، أديا الى ترسيخ هذه العقيدة داخل أبنية الشرطة حتى وإن كان يتم نفيها بل وإدانتها ليل نهار من جانبهم عند الظهور على الشاشات وصفحات الجرائد.

كارثة أخرى يعيشها المجتمع المصري وهي «عمليات الإرهاب والعنف»، التي تواجه بـ«الضربات الاستباقية» كما يسمّيها وزير الداخلية الحالي، الذي جاء الى المنصب عبر رئاسته لجهاز «الأمن الوطني»، و«دائرة العنف» كما يسمّيها الحقوقي والمرشح الرئاسي السابق «خالد علي».. جميعها «مصطلحات» تحاصر تلك الظاهرة التي لا تتوقف حيث ترى السلطة أن انتشار الجماعات الإرهابية لا يسمح الا بنشاط محدود في جمع المعلومات.

بينما ترى أصوات أخرى حقوقية وسياسية أن استمرار هذا النهج من دون وجود محاكمات رادعة ـ أغلب حالات الموت تحت التعذيب لا تصل إلى المحاكم، وإذا حدث فيتم تسجيلها كجنحة قتل غير عمد ـ سيؤدي إلى اتساع دائرة العنف والرغبة في الانتقام، مما يغذّي مجموعات إرهابية جديدة يصعب التحري عنها، وفقا للصحيفة.

 

  كلمات مفتاحية

إرهاب الداخلية تعذيب حقوق الإنسان مجتمع مصر

تصاعد التعذيب في السجون العربية ومساع حثيثة للحد منه

«روبرت فيسك»: الشرطة البريطانية قد تلاحق مسؤولين مصريين بتهم التعذيب

«هيومن رايتس ووتش» تطالب مصر بالتحقيق في تعذيب الأكاديمي «عبدالله شحاتة»

«حصانة» وكلاء التعذيب!

صندوق مصر الأسود للتعذيب بالوكالة معروف قبل تقرير استخبارات الكونجرس بـ 7 أعوام

هيومن رايتس ووتش: ويظل التعذيب من دون علاج ..!

«هيومن رايتس» تطالب السلطات اللبنانية بإجراءات واسعة لمكافحة التعذيب

«العفو الدولية»: السلطات المصرية تسحق آمال جيل بتعمدها سجن النشطاء الشباب

منظمة حقوقية: «السيسي» اعترف بارتكاب مجازر «رابعة والنهضة» وسيرتكب المزيد

دبلوماسي قطري يوبخ مستشار «محمد بن زايد» بسبب أحداث مصر

في سجون مصر.. إهمال طبي وتعذيب وموت بطيء

252 قتيلا في السجون المصرية جراء «التعذيب والإهمال الطبي» منذ الانقلاب على «مرسي»

مكافحة الإرهاب أم تأجيجه؟

«الـداخـلــية» .. أسـاس الحــكم والحــداثـة في مـصــر

مقتل 356 معارضا على يد الشرطة المصرية في 2015

مصر: إفراج مرتقب عن ضابط أدين بتعذيب وقتل «سيد بلال»

مصر.. النيابة تأمر بتشريح جثة سجين سياسي قضى نتيجة «التعذيب»

الفصل والقتل والاعتقال.. مصير طلبة الجامعات في عهد «السيسي»

رئيس اتحاد طلاب جامعة مصرية يرفض الإفطار مع «السيسي»

مقتل مسن مصري بعد ساعات من اعتقاله

عالِم يرد على «ترامب»: لماذا لن أعذّب الإرهابيين حتى لو ربطوا طفلي بقنبلة موقوتة!

منظمة حقوقية: 290 واقعة قتل و830 حالة تعذيب في مصر خلال 2016