رغم الدروس المستقاة من الماضي يعول الرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي» على الطائرات المقاتلة والاعتقالات الجماعية وأحكام الإعدام في التصدي للإسلاميين في حملة قد تطيل أمد الاضطرابات.
وعلى النقيض من الرئيس الأسبق «حسني مبارك» الذي انتهج أسلوبا أكثر هدوءا أغرى حتى أشد معارضيه على الميل للمهادنة في التسعينات، يتسم رد فعل «السيسي» بالمواجهة الكاملة.
وينفذ مسلحو تنظيم «ولاية سيناء» الذين بايعوا تنظيم «الدولة الإسلامية» هجمات تتسم بالجرأة على قوات الأمن فتحت صفحة جديدة خطيرة في الصراع القائم منذ عقود بين الدولة المصرية والإسلاميين.
وتوجد مؤشرات متنامية على أن ضغوط «السيسي» المستمرة على جماعة الإخوان المسلمين شجعت بعض العناصر الشابة في الجماعة على حمل السلاح في مواجهة الدولة مما يعقد الجهود الرامية لتحسين الأمن في البلاد.
ويقول منتقدو «السيسي» إنه يخاطر باستعداء المزيد في مصر حيث قُتل مئات من أفراد الجيش والشرطة منذ الانقلاب العسكري.
وكان مبارك يعتمد في الأساس على الشرطة في التصدي لتهديدات الجماعة الإسلامية، خصمه الرئيسي، غير أن «السيسي» أطلق يد الجيش مخولا له استخدام أقصى قوة لكن هذا لم يحرز نجاحا كبيرا فيما يبدو في شبه جزيرة سيناء.
هـجـــمات جـــريئة
تمثل شبه جزيرة سيناء منذ فترة طويلة مبعث قلق أمني بالنسبة لمصر وجيرانها إلا أن الانقلاب العسكري أطلق العنان لموجة عنف جديدة دخلت في قالب تمرد إسلامي.
ونفذ المتمردون عدة عمليات كبرى في الشهور الأخيرة مما كشف عن ثغرات في أكبر جيوش العالم العربي. وهو جيش تزيد خبرته في الحروب التقليدية عن الخبرة في التصدي لحركات تمرد.
وصلات هذه الجماعة بالتنظيم العنيف الذي وسع رقعة أراضيه من العراق وسوريا إلى ليبيا الواقعة على أعتاب مصر قد تعني مزيدا من التمويل والدعم اللوجيستي والتدريب.
ورغم أن «الدولة الإسلامية» لا تشكل خطرا على حكم «السيسي» فإن تغلغلها في بقية أنحاء مصر أو حتى شن هجمات على سياح أجانب على غرار الهجوم على فندق بمنتجع سياحي في تونس قد يسبب أثرا مدمرا على قطاع السياحة.
ومن شأن هذا أن يقوض الجهود الرامية لإعادة بناء الاقتصاد المصري الهش بعد الاضطرابات التي أعقبت الانتفاضة التي أطاحت بمبارك عام 2011.
لا هـــوادة
ما تبقى من جماعة الإخوان المسلمين يثير أسئلة أمنية جديدة.
كانت الجماعة محظورة رسميا لكن كانت السلطات تغض الطرف عن نشاطها في عهد مبارك. وحين سمح مبارك لمسؤوليها بشغل مقاعد في مجلس الشعب كمستقلين تمكن من احتواء الجماعة.
وأتاح له هذا مزيدا من الوقت والجهد للتعامل مع المتشددين الضالعين في أحداث عنف والذين استهدفوا سياحا أجانب ومسؤولين حكوميين كبارا.
لكن قوات الأمن في عهد السيسي قتلت مئات من أنصار مرسي في موقعي اعتصام رابعة العدوية والنهضة وألقت القبض على آلاف آخرين وصدرت أحكام على قياديين بالإخوان بالسجن لفترات طويلة أو بالإعدام في محاكمات جماعية.
وهناك مخاوف متزايدة إزاء إقدام شباب الإخوان على الرد بزرع قنابل صغيرة في المدن.
قال أحد فريق الدفاع عن قياديي الإخوان «تسمعون شباب الإخوان يقولون إن هذه السلمية انتهت. سأدافع عن نفسي. ستتفجر موجة عنف. هذا ما أخشاه».
وأضاف «كان مبارك يستهدف الجماعات المسلحة ولم يتحرك كثيرا لما هو أبعد من هذا. أما الآن فهناك عقاب جماعي والمجتمع قد ينفجر. وإذا انفجرت مصر.. فلننس العراق ولننس سوريا».
وقالت «وفاء حفني» الأستاذة الجامعية والعضو البارز بالإخوان المسلمين إن الجماعة مازالت ملتزمة بالسلمية لكنها ترى أن منهج «السيسي» ينطوي على مخاطر.
وأضافت «في عهد مبارك كان كل شيء يحدث بهدوء وكأن شخصا يرتق شيئا ولا يمكنك أن ترى الرتق».
وقالت إن قياديي الإخوان الجدد الذين حلوا محل المخضرمين السجناء من أمثال «مرسي» يعكفون على نزع المركزية عن هيكل الجماعة.
ومن شأن هذا أن يصعب على الحكومة تتبع الجماعة في وقت تنخرط فيه قوات الأمن في حرب استنزاف مع ولاية سيناء التي غيرت اسمها من جماعة أنصار بيت المقدس.
أما تنظيم «ولاية سيناء» فيبدو أكثر ثقة كما يظهر من التسجيلات المصورة التي نشرها على الإنترنت خلال الأشهر القليلة الماضية.
وظهر في أحد هذه التسجيلات صف طويل من المقاتلين وهو يستعرض قدراته في جزء من سيناء مستخدما البنادق الآلية والقذائف الصاروخية.
وقال مسؤول مصري «في التسعينات كانوا يخوضون معركة من أجل البقاء. أما الآن فيتوسعون ليحتلوا أراضي ويشكلوا إمارات الدولة الإسلامية».