التصعيد السعودي الإيراني يعقّد محادثات السلام السورية ويجعل مغامرة «بوتين» أكثر خطورة

السبت 16 يناير 2016 10:01 ص

حين النظر في الصورة العامة للمغامرة الروسية في سوريا، يمكننا أن نلمس ثلاثة عوامل هامة تؤثر على المشهد الآن. الأول هو تصاعد الصراع الإقليمي بين السعودية وإيران، والثاني هو المنطق الداخلي لحدث بحجم المواجهة العسكرية في سوريا والذي لا يخضع لأي تنبؤات ويبدو اختبارا حقيقيا لجميع الخطط. والثالث هو العناصر الداخلية التي تسهم في تشكيل التصورات بين عموم السوريين وجماعات المعارضة على وجه الخصوص فيما يتعلق بدور روسيا. هذه العوامل الثلاثة تتفاعل في بينها لرسم صورة من المفترض أن تجعل الاستراتيجيين في موسكو غير مرتاحين.

كانت خطة السيد «بوتين» تكمن في التحرك بسرعة نحو إنهاء عمليته العسكرية ولكن فقط بعد تحسين الآفاق المستقبلية للدولة السورية، وإضعاف المعارضة الإسلامية والتوصل إلى اتفاق بشأن نقطة توازن لسوريا المستقبل. هذا التوازن تأمل موسكو أنه سوف يحافظ على الدولة يكفل توجيه السلاح لمحاربة (الإرهابيين)، كما يضمن مصالح روسيا ويحافظ على الوحدة والنظام.

فيما يتعلق بالموارد الروسية، فمن الأسلم أن نفترض أن الرئيس «بوتين» لم يكن يخطط لعملية عسكرية مفتوحة في سوريا، وأنه كان يخطط للانعطاف عند نقطة ما، كان يأمل أنها ستأتي بعد أشهر قليلة، يقوم عندها بتقليص جهده العسكري المرهق، ولكن فقط بعد تأمين أهدافه في سوريا.

ولكن كما هو الحال دائما (ولدينا حرب العراق عام 2003 كمثال)، فإن الأمور تسير وفقا لمنطق الواقع وليس وفقا للجداول زمنية التي أعدت مسبقا.

تعميق الاستقطاب الإقليمي يجعل مغامرة السيد «بوتين» في سوريا أكثر خطورة من أي وقت مضى. بحكم الدور العسكري الجريء الذي اختار أن يلعبه، يبدو أن الرئيس الروسي لم يدرك تماما أنه قد يكون، ربما تدريجيا وعن غير قصد، يغلق الباب في وجه أي محاولة للتراجع أو تقليص تدخله العسكري. سوريا ليست غروزني. وليس في إمكان «بوتين» أن يقوم بإفناء جميع المتمردين السوريين. ولا حتى سيكون في إمكانه قتل ما يكفي منهم لضمان تقدمه وإنجاز مهمته خلال إطار زمني مناسب.

فرص نجاح أقل

بالتأكيد فإن زيادة التوتر الإقليمي يلقي بظلاله على ميادين القتال في سوريا والمحادثات الانتقالية المزمعة. في الواقع، فإن هذه الزيادة في معدلات الاستقطاب الإقليمي قد جعلت ديناميات الأزمة السورية أكثر سوءا. في حين أن المحادثات الانتقالية قد تبدأ في الواقع، فإن ما نلمسه خلف الواجهة من الاستعدادات الدبلوماسية الجارية أن مواقف الأطراف ذات الصلة تميل إلى التصلب بسرعة. وهذا يجعل فرص النجاح أقل مما كان يعتقد سابقا. وعلاوة على ذلك، فإن بطاقات لعب جميع الأطراف قد صارت واضحة ومقروءة بوضوح من جميع الأطراف الأخرى. وهو ما ينعكس على المحادثات بالشكل الذي سنوضحه بعد قليل.

وعلاوة على ذلك، فإن الحملة الجوية العمياء الروسية في سوريا تقتل الكثير من المدنيين إلى درجة تجعلنا نتوقع مدى المعارضة التي ستتشكل ضد موسكو في سوريا ما بعد «الأسد».

التصريحات الرسمية من واشنطن تشير إلى أن 70٪ من الغارات الجوية الروسية في سوريا استهدفت قوات المعارضة والمدنيين، وليس «الدولة الإسلامية». الندوب التي يخلفها التدخل العسكري الروسي العنيف عميقة جدا بحيث لا يمكن نسيانها. القوة الوحشية تولد الطرف. وبالفعل، هناك تحول تدريجي داخل جسم المعارضة تحت القصف الروسي الثقيل. قد لا يكون الأمر واضحا في تصريحات قادة المعارضة أو كفلائهم مراعاة للحساسية الدبلوماسية، ولكن وسائل الإعلام الاجتماعية تكشف ذلك بوضوح. وهذا بالتأكيد سينعكس على طاولة المفاوضات.

من ناحية أخرى، فإن قوات «الأسد» لم تنجح في تحقيق أي تقدم استراتيجي في مناطق المعارضة. هذه القوى تأخذ قرية أو اثنتين، وتفقد قرية أو اثنتين. ولكن ليس هناك أي نتائج توافق التقييمات الأولوية للمخططين الروس قبل الحملة أن مشاركتهم سوف تستغرق ما بين ثلاثة إلى أربعة أشهر.

تركيز «الأسد» والقوات الروسية يبدو الآن منصبا على المناطق القريبة من «سوريا الأسد» في الجزء الغربي من البلاد. وقد قلنا سلفا إن هذا الطريق مسدود على أية حال.

التطورات المجهولة

وهناك أيضا تلك التطورات المجهولة وغير المحسوبة على غرار قيام تركيا بإسقاط الطائرة الروسية. حاليا، تتقدم القوات الكردية بسرعة في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم «الدولة الإسلامية»، وبعض هذه المناطق متاخم للحدود التركية. هذا قد يستثير القوات التركية ويدفعها إلى عبور الحدود، وهو أمر قد يستثير بدوره ردا عسكريا روسيا. ينبغي أن ننصح أنقرة بتجنب الدخول إلى سوريا في السياق الحالي.

ولكن مثل هذه الأمور المجهولة تظل صعبة التنبؤ بحكم طبيعتها الأبدية. ولكن القاعدة العامة هي أنه في الحالات السائلة للغاية مثل الحروب الأهلية، فإنه لا أحد بإمكانه أن يرى أكثر من الخطوط العامة للتكوينات اللحظية، والتوجهات التي تحملها بين طياتها. في هذه الحالات، فإن الحيز الذي تشغله الأحداث غير المتوقعة يكتسب أهمية خاصة.

في محاولة للحفاظ على طريقه مفتوحا نحو تقليص التدخل العسكري، فقد أعطى «بوتين» الضوء الأخضر الأولي لقبول وفد المعارضة التي شكلت في المملكة العربية السعودية في الأسابيع القليلة الماضية، في حين يتفاوض مع واشنطن في جنيف على بعض التعديلات المحدودة. مبعوث الأمم المتحدة «ستيفان دي ميستورا» رفض استقبال ممثلي المجموعات التي وصفت من قبل نظام الأسد بـ«المعارضة الشرعية». تتكون هذه المعارضة الشرعية أساسا من المنظمات التي بناها ضباط أمن «الأسد» لتحل محل جماعات المعارضة الحقيقية في المفاوضات. لم تبدو روسيا مصرة على إدراج هذه المعارضة الشرعية، في حين رفض «دي ميستورا» مقابلتهم.

الدور المركزي للتصورات

عبر وضع التفاصيل جنبا إلى جنب، فإنه يمكننا أن نرى بسهولة أن المسار المستقبلي لروسيا وإيران في سوريا، حال استمرت الحرب الأهلية، لا يمكن أن يستمر وفق معطيات التوازن الواقعي للقوى.

هل يمكن تمديده عن طريق المفاوضات؟ أو بعبارة أخرى، هل يمكن تحقيق ما ثبت أنه من المستحيل تحقيقه عسكريا من خلال المحادثات والدبلوماسية؟ أوضح الدكتور «هنري كيسنجر»، رائد المفاوضات في العصر الحديث، الدور المركزي للتصورات في هذا النوع من المحادثات. في الواقع، من الناحية الموضوعية، فإن روسيا والأسد وإيران لا يملكون فرصة جيدة للفوز في ساحة الحرب، لذلك، فإنهم سوف يسعون إلى تحقيق الفوز من خلال عملية السلام التي وشك البدء. في الواقع فإن الحصول على حل يضمن مصالح روسيا ثم الانسحاب سريعا كان المبرر للتدخل الروسي في المقام الأول، هذا إذا لم يتم التوصل إلى انتصار عسكري حاسم وسريع بما فيه الكفاية.

إلى الآن، فإن التوازن الحقيقي والموضوعي للقوى يبدو مختلفا بشكل كبير عن التصورات التي تشكلت في أذهان الأطراف المعنية. ميزان القوى الفعلي، على المستوى الإقليمي، قد تم اختباره هنا وهناك لبعض الوقت. ومع ذلك، فإن طاقة الصراع تطغى بشكل كبير على التحليل السليم للواقع. هذا ما يجعل التفاوض في سوريا أمرا صعبا للغاية.

الفكرة العامة للتحالف الثلاثي (روسيا والأسد وإيران) تتمحور حول استخدام أقصى قدر من الزخم الذي تشكله الغارات الجوية الروسية، بالإضافة إلى الضغوط الدولية، في محاولة للتوصل إلى اتفاق لا يعكس أوجه القصور الموضوعية في عملياتهم العسكرية على المدى الطويل. وبعبارة أخرى، فإن قوات التحالف الثلاثي تعلم أن الغد لن يكون أفضل بالنسبة لها من اليوم، و بالتالي فإنها تسعى للتوصل إلى أفضل صفقة ممكنة استنادا إلى الوضع اليوم. هنا فإن التصورات تلعب دورا هاما.

هذا هو السبب في أن موسكو، التي تفهم الطبيعة الحقيقية للمعضلة، قد أخذت في التخلي بهدوء عن اعتراضاتها بشأن ممثلي بعض الجماعات المسلحة. يأتي ذلك بالتوازي مع سلسلة من الاغتيالات لزعماء المعارضة البارزين وهي طريقة أقل تكلفة لتشكيل المعارضين. على الأرجح إنه قد تم إجراء هذه الاغتيالات من قبل أجهزة «الأسد» الاستخباراتية، وقد كانت محاولة لـ«تقليم» تمثيل المعارضة والتخلص من بعض وجوهها الأكثر شهرة.

لذلك، لدينا الآن التصعيد الإقليمي، وهو أحد سلاسل المعطيات المجهولة التي تواصل الظهور. لدينا أيضا واقع موضوعي يشجع على استمرار الصراع طالما يعتقد جانب واحد أنه سوف يفوز كل شيء، ولدينا أيضا محاولة دبلوماسية جريئة لإنهاء الصراع. ولدينا الأطراف المتفاوضة التي يبدو أن تقرأ الوضع إما مضخما أو مخفضا عن طبيعته الحقيقية.

العنصر الوحيد المؤثر في هذه المعادلة هو التصورات (وهو ما يحاول بوتين القيام به من قبل قواته في سوريا). ويمكن أن تكون الطريقة المناسبة لتغيير التصورات عبر تقديم أحد العوامل القادمة من المستقبل عوضا عن الخوض في لعبة محصلتها صفر تقوم على قراءة دقيقة للوضع على الأرض. بعبارة أخرى عبر اللعب على العواقب الغامضة وغير المؤكدة للفشل. هذا هو السبيل الوحيد للتعويض عن غياب القيادة العالمية القادرة على تشكيل ائتلاف دولي لتهدئة سوريا دبلوماسيا.

اللعبة المكشوفة

ومع التطورات التي حدثت مؤخرا، فسوف تدخل جميع الأطراف إلى هذه الجولة من المحادثات ببطاقات لعب مكشوفة. هذا يعني أن الغموض الخلاق لن يكون مقبولا. ربما يكون هناك حاجة إلى مثل هذا الغموض في المستقبل. من الناحية النظرية، يجب أن تبقى بعض عناصر المعادلة مجهولة أو غامضة من أجل ترك الأطراف المعنية في محاولة لحساب تأثير هذه الأمور على الإجراءات المستقبلية. بدون هذه المجهولات، فإن القاعدة المنطقية للمحادثات سوف تكون هشة في أفضل الأحوال. خلاف ذلك فإننا سنكون أمام توازن للقوى لا يمكن أن يؤهل إلى اتفاق.

قد يكون هذا غير كاف للوصول بالمحادثات إلى نهاية ناجحة. وإذا كان المسار المستقبلي للأحداث واضح جدا ويمكن التنبؤ به بسهولة، فإنه قد لا يوجد شيء يجعل الأطراف حريصة على إبقاء المحادثات.

هذه العواقب غير المحددة أو الغامضة للفشل في العملية الانتقالية ينبغي أن توضع أمام جميع الأطراف المعنية للتأثير على تصوراتها لما سوف يتبع هذا الفشل. ويتمثل النصف الآخر من الكوب في محاولة رسم نتائج النجاح وكيف ستسهم في تحقيق الأهداف في سوريا. من المهم أن يظهر، في اليوم الأول من المحادثات، أن الشعب السوري يؤيد مبدأ السلام، وأن نتائج المباحثات سوف يتم إعلانها لجميع السوريين وأنه سوف يتم الكشف علنا عن أولئك الذين ساهموا في إنجاح أو إفشال مفاوضات السلام. إذا كان «الأسد» هو من سيجلب المحادثات إلى الفشل، وهو غير مهتم بأن تتم إدانته عالميا، فإن العواقب الوخيمة على الروس ينبغي أن يتم توضيحها بدقة.

قدر الإمكان، فإنه يجب احتواء تأثير الاستقطاب الإقليمي بشأن المحادثات. ويجب أن يتم تقديم المستقبل المشرق والسلمي لجميع السوريين كنتيجة لنجاح المحادثات الانتقالية.

عموما، فإنه من وجهة نظر العديد من الأطراف فإن المحادثات السورية سوف تبدأ في أسوأ توقيت ممكن. ومع ذلك، جب أن يكون واضحا لجميع الأطراف أن معاناة المدنيين في سوريا لن يتم التسامح معها لفترة أطول. هؤلاء الذين التفوا حول طاولة المفاوضات لا ينبغي أن يعطوا الفرصة للإفلات دون اتفاق. ينبغي للأطراف العالمية الكبرى المشاركة في المحادثات أن تشير إلى جاهزيتها للعمل بشتى الطرق، حتى لو كانت عسكرية، من أجل وقف المأساة السورية إذا فشلت المحادثات في التوصل إلى حل معقول. لم يعد من المقبول اختزال الأدوار في محاربة «الدولة الإسلامية». ينبغي أن يكون الهدف هو السلام والحرية لجميع السوريين.

حرمان السوريين من حريتهم وسلامهم هو السبب في وجود «الدولة الإسلامية» في المقام الأول.

المصدر | سمير التقي وعصام عزيز - ميدل إيست بريفينج

  كلمات مفتاحية

السعودية إيران روسيا سوريا التدخل الروسي العسكري

«ستراتفور»: هجمات «الدولة الإسلامية» قد تدفع تركيا نحو توغل عسكري في سوريا

«فورين أفيرز»: الحسابات المعقدة للسعودية في حربها الباردة ضد إيران

التداعيات المحتملة للقطيعة الدبلوماسية بين السعودية وإيران

الائتلاف السوري يؤيد قرار السعودية قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران

«ستراتفور»: قمة فيينا والقضايا الكبرى في الأزمة السورية

أفق الأزمة السعودية الإيرانية

النص الكامل لاتفاق «بوتين - الأسد» الذي يتيح بقاء روسيا في سوريا إلى الأبد

واشنطن: تأخر محادثات السلام السورية ليس نهاية العالم

«داود أوغلو»: روسيا تحاول تقويض مفاوضات سوريا

حرب «بوتين» في سوريا تكرار لحربه في الشيشان