«ستراتفور»: لماذا لا يمكن أن تحل مشاكل اللاجئين عبر إغلاق الحدود؟

الخميس 10 مارس 2016 02:03 ص

بعد سبعة وعشرين عاما على سقوط جدار برلين، وبعد 25 عاما على اعتماد اتفاقية شنغن، وبعد 26 عاما من نشر «كينيتشي أومي» لكتابه عالم بلا حدود، فإن أزمات الحدود تعود من جديد.

هذا صحيح ليس في أوروبا فقط، حيث يعتقد أن الأزمة الحادة في سوريا مسؤولة عن هذا التطور، ولكن أيضا في الولايات المتحدة حيث بدأ الصعود السياسي لـ«دونالد ترامب» مع وعوده ببناء جدار لوقف الهجرة إلى الولايات المتحدة.

لماذا يظن كثيرون أن الحدود سوف تنتهي؟ ولماذا ينبغي علينا أن نندهش أنا لم تعد موجودة؟ الجواب له علاقة بطريقة تفكيرنا التي تجعلنا غالبا ما نسيء فهم عواقب العولمة. هذه الكلمة المخيفة غالبا ما تكون مصدرا لظهور فكرتين متعارضتين.

عالم أكثر اتصالا أم مزيد من التقسيم

الفكرة الأولى تقول بأن التكنولوجيا سوف تساعدنا في التغلب على المسافات. كثير من الناس، سواء المدافعين المتحمسين عن العولمة أو حتى خصومها القليلين يعتقدون أن الثورات في مجال الاتصالات وسهولة نشر المعلومات والحصول عليها قد ساهمت بشكل كبير في تقليل تكلفة التفاعل وبالتالي فإنها قد ساعدت على تقليص المسافات بشكل كبير.

هناك بعض الخلاف حول ما إذا كان هذا التطور عاملا إيجابيا أو سلبيا في الشؤون الدولية. يعتقد بعض المعلقين أنه من خلال طمس الحدود القديمة من خلال التدفقات العابرة للحدود لرأس المال والسلع والأشخاص والمعلومات فإن العولمة سوف تدمج أيضا بين ما هو وطني وما هو دولي مما سيؤدي إلى إضعاف سيطرة الدول. وكما كتب يوما قيادي بريطاني سابق في مجال الدفاع فإن: «العالم اليوم ليس مكانا أكثر أمنا لأن التمايز التقليدي بين الداخل والخارج قد صار من إرث الماضي».

لكن معلقين آخرين رأوا، على سبيل المثال، أن ثورات الربيع العربي التي اندلعت في عام 2010 قد وفرت إمكانات جديدة من أجل التحرر. وكما كتب أحد كتاب صحيفة «نيويورك تايمز» : «في أحد الناحيتين تقف الحكومات التي تطلق الرصاص، وعلى الجانب الآخر هناك الشباب الذين يمارسون الاحتجاج من خلال التغريدات». وقد خلص البعض إلى أن النفور الذي تحمله المجموعات الوطنية تجاه بعضها البعض سوف يتبخر في الوقت الذي تنتهي فيه عزلة الأمم عن بعضها البعض وتتقلص الجدران الجمركية المرتفعة وتتطور شبكات الاتصالات.

المعسكر الآخر، على النقيض، يرى العولمة بشكل مختلف. وهم يشيرون غالبا إلى سخرية «جورج أوريل» من «الطريقة التقليدية التي يكرر بها الناس بعض العبارات». وهم يرون أن هناك عبارتين كبيرتين مفضلتين هما «إلغاء المسافات» و«اختفاء الحدود» في الوقت الذي تعيد فيه الدول تحصين حدودها وتقوم بالسيطرة على الإعلام وبث الدعايا وتضع قيود كبيرة على السفر والهجرة بطريقة لم تكن معهودة من قبل. بالنسبة لهؤلاء، فإن العالم ليس متصلا بالطريقة التي نود أن نراه بها. في الواقع فإن معظم الأنشطة الاقتصادية تجري داخل الحدود. وفي حين أنه يمكن أن نقول بأن «الاستثمار لا يعرف حدودا» إلا أن أكثر من 90% من الاستثمارات في العالم هي استثمارات محلية. في الواقع، فإن العائدات الناتجة عن الهجرة عبر الحدود، والمكالمات الهاتفية، والتعليم، والبحوث، وخلق براءات الاختراع والتجارة العابرة للحدود لا تتعدى 10% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

وعلاوة على ذلك، ومن الناحية السياسية، فإننا لا نعيش بعد في هذا العالم حيث الحدود الوطنية ليست ذات صلة وحيث يرى المواطنون حول العالم أنفسهم أعضاء في مجتمع سياسي أوسع. كما جادل أحد النقاد في مجلة «فورين بوليسي»:

«الحدود الجغرافية لا تزال متغلغلة جدا لدرجة أنها تمتد إلى الفضاء الإلكتروني، وإذا كان هناك واحد عالم فيه ينبغي أن تكون فيه الحدود حقا بلا معنى إن هذا العالم سوف يكون بالتأكيد هو شبكة الإنترنت. ولكن حركة المرور على الشبكة داخل البلدان هي أسرع بكثير من حركة المرور بينها. كما هو الحال في العالم الحقيقي، فإن وصلات الإنترنت قد قلصت المسافات وجعلت فرص الارتباط بين الناس مرتفعة، ولكنهم لا يزالون يحجمون عن الاتصال ببعضهم البعض».

حسنا: إلى أين نتجه في واقع الأمر؟ هل نتجه إلى تكامل لا رجعة فيه أم أن أسس التقسيم الصلبة سوف تظل عصية على تجاوزها؟ الإجابة التي صرت أكثر ميلا لها الآن هي أن العولمة تزيد بالفعل من تمكين المكان عبر زيادة الحاجة إلى حماية المكان. وبعبارة أخرى، سيكون لدينا المزيد من الحدود، وليس أقل، والمزيد من الجدران، لأننا نقوم ببناء المزيد من الجسور.

يجادل البعض أن دول السوق التي توقعنا أن تنشأ نتيجة للعولمة من بين أمور أخرى، قد تمت محاصرتها نتيجة ارتفاع النزعة القومية التي نشهدها في كل مكان. وفي واقع الأمر فإن دول السوق تعد أكثر ترحابا بتعدد النزعات القومية من الدول الإمبريالية في القرن التاسع عشر أو ورثتها من الدول الصناعية في القرن العشرين.

حاجة متزايدة للتعاون

هذا يقودني إلى النقطة التي بدأت بها مقالي والتي تتعلق بالتغيير التغيير في طبيعة الدولة التي نشهده وبالأخص زيادة تمجيد الحدود الذي يجعلها أكثر عرضة للخطر. يجب أن يدرك صناع القرار أنهم بحاجة إلى ترك الفرصة إلى المزيد من التعاون العابر للحدود وليس إلى تقليله.

يمكنك أن تنظر على سبيل المثال إلى مشكلة الهجرة، وهي الأزمة الحادة الناجمة عن الصراع السوري، ودعونا ننظر إلى الأمر من زاوية الموقف الذي تجد الولايات المتحدة نفسها في مواجهته.

مع وجود أكثر من 500 عملية عبور للحدود الأمريكية سنويا، ومع امتلاك أكثر من ربع الأمريكيين لجوازات سفر، تواجه حكومة الولايات المتحدة تحديا كبيرا في حماية الولايات المتحدة من طغيان المهاجرين ومنع استغلال نظام السفر والهجرة من قبل الإرهابيين. للأسف، اتجهت المناقشات العامة لدمج هذين الهدفين، وهذا في الواقع نهج خاطئ لجملة من الأسباب أهمها ما سبق أن أشرت إليه وهو أن علاج نقاط الضعف التي أفرزتها العولمة ينبغي أن يكون عبر المزيد من التعاون وليس عبر تقليصه واسمحوا لي أن أشرح ذلك بتفاصيل أكثر.

تم ارتكاب هجمات 11 سبتمبر/أيلول من قبل رعايا أجانب نجحوا في الحصول على تأشيرات دخول. من خلال تقديم معلومات كاذبة في طلبات الحصول على التأشيرة أو تقديم جوازات سفر غير قانونية فقد نجحوا في الحصول على 22 تأشيرة من إجمالي 23 تأشيرة تقدموا للحصول عليها كما تمكنوا من دخول الولايات المتحدة 33 مرة على مدار 21 شهرا.

يعطي استراتيجية تطبيق قوانين الهجرة لإدارة «أوباما» الحق في القبض على الأشخاص الخطرين الذين يمثلون تهديدا للأمن القومي. يتم تحقيق ذلك بشكل أفضل من خلال اعتماد آليات الفرز قبل الوصول والتي تتطلب بشكل كبير تعميق وتوسيع التعاون الدولي عن طريق جمع وتقاسم ومعالجة بيانات المسافرين بما يتضمن سجلات سفرهم السابقة. وجود مثل هذه المعلومات قبل وقوع أحداث سبتمبر/أيلول ربما كان ليمنع وقوع مثل هذه المأساة.

الآن لننظر إلى الأهداف الأخرى التي تدفع الولايات المتحدة للسيطرة بإحكام على حدودها. خلال الثمانينيات، كان يجري ردع الرجال المكسيكيين عن الدخول إلى البلاد للبحث عن عمل ثم العودة لأجل إنفاق مدخراتهم. خلال الفترة من 1965 إلى عام 1986، على سبيل المثال، تشير التقديرات إلى أن 86% من المهاجرين غير الشرعيين كانوا يعودون إلى بلادهم، وبالتالي فإن أعداد المهاجرين كانت تشهد ارتفاعا بطيئا، حيث ارتفع عدد السكن غير الشرعيين بنسبة 1% فقط خلال عقدين. في عام 1986، ومع اعتماد قانون مراقبة الهجرة بدعم من الرئيس الأمريكي «رونالد ريجان» فقد كانت النتيجة أن المهاجرين غير الشرعيين الذين باتوا يواجهون حدودا أكثر صرامة صاروا يحجمون عن العودة إلى بلدانهم الأصلية. وكانت النتيجة واحدة هي الانضمام المتزايد لزوجاتهم وأسرهم ومن ثم تزايد عدد الأجانب غير الشرعيين، فضلا عن الزيادة الهائلة في عدد أبناء المهاجرين غير الشرعيين و80% منهم من مواطني الولايات المتحدة. وهكذا ارتفع عدد الأجانب الذين لا يحملون وثائق من أقل من 3 ملايين في عام 1986 إلى ما بين 11 مليون شخص و 12 مليون شخص اليوم مع كل ما ترتب على ذلك من مشاكل الانقسام الداخلي التي نعاني منها اليوم.

من الواضح أن تجاوز الحدود بفعل حركة السوق وغيرها يرتد ليجعل هذه الحدود، بما في ذلك الحدود الثقافية أكثر بروزا من ذي قبل. وسوف يكون علاج نقاط الضعف التي أفرزتها هذه التطورات من خلال إدخال المزيد من التعاون وليس تقليل ذلك.

المصدر | ستراتفور

  كلمات مفتاحية

سوريا أوروبا الولايات المتحدة أزمة اللاجئين العولمة انهيار الحدود اللاجئين

اتفاق «مبدئي» بين تركيا والاتحاد الأوروبي لتخفيف حدة أزمة اللاجئين

«أوباما» يلوح بالفيتو لعرقلة قانون في الكونغرس ضد دخول اللاجئين السوريين

«أردوغان» يحذر من الخلط بين أزمة اللاجئين وهجمات «الارهاب»

نظام الكفالة وأزمة الهجرة: لماذا لا تستضيف دول الخليج اللاجئين؟

«أردوغان»: لن نسمح للإرهاب بفرض أمر واقع على حدودنا

«ترامب» يتعهد بترحيل اللاجئين السورين حال انتخابه رئيسا للولايات المتحدة

«اليونيسيف»: 8.4 ملايين طفل سوري يعانون آثار الحرب

ناشط أمريكي يشتري 4 أطفال سوريين في لبنان بـ600 دولار

الأسواق بانتظار التهدئة: الانتعاش العربي رهينة الإعمار وعودة اللاجئين

توقعات «ستراتفور»: تقارب مصري تركي وإصلاحات اقتصادية جديدة في الخليج

«الأمم المتحدة» تسعى لتوطين 450 ألف لاجئ سوري في دول الجوار

وصول زورق يقل لاجئين من اليونان إلى تركيا

جدران تفضح العولمة

أنقرة: لن نلتزم باتفاق اللاجئين مع الاتحاد الأوروبي ما لم يلغ التأشيرة عن الأتراك

بابا الفاتيكان: اللاجئون منحة وليسوا مشكلة

«أردوغان»: استضفنا 3 ملايين سوري وعراقي بشكل ليس له مثيل في العالم

تزايد إقبال اللاجئين المسلمين في ألمانيا على اعتناق المسيحية للحصول على الجنسية

تحقيق يكشف بيع 18 ألف سوري لأعضائهم خلال 4 سنوات

الإمارات تنشئ مخيما للاجئين السوريين في اليونان