حكايات طائشة: 6 أفلام سوداء تكثف ضياع الإنسان الغربي

السبت 9 أبريل 2016 01:04 ص

ماذا يفيد الإنسان إذا توافرت له كل المُنجزات الحضارية بداية من المنزل المجهز بجميع سُبّل الراحة، مرورا بالسيارة الفخمة، وحتى الطائرة؟ والعمل في أرقى وأميز مؤسسات الدولة فيما هو، الإنسان، يعاني في قرارة نفسه قمة القهر والانسحاق والهزيمة النفسية؟

هذه الأسئلة المريرة يناقشها فيلم «Wild Tales» أي «حكايات بريّة»، بحسب الترجمة الحرفية، أو «حكايات طائشة» بحسب الاسم التجاري غير البعيد عن مضمون الفيلم.

الفيلم إنتاج أرجنتيني ـ أسترالي 2014م، وبدأ عرضه في 21 من أغسطس/آب من نفس عام إنتاجه، ثم تم عرضه بدور العرض بالولايات المتحدة وبريطانيا عام 2015م، وهو مرشح لجائزة مهرجان دبي في دورته لهذا العام في ديسمبر/كانون الأول المقبل.

الفيلم أخرجه «داميان سزيفرون»، وحظي بمشاركة عدد من نجوم سينما الأرجنتين، مثل: «ريكاردو ديرن» أفضل ممثل هناك، و«إيريكا ريفاس»، و«أوسكار مارتينيز» وآخرين. وجاء الفيلم مميزا فترشح لجائزة أوسكار أفضل فيلم مترجم لعام 2015م، فيما نال جائزة جويا لأفضل فيلم أجنبي باللغة الإسبانية، وجائزة الأكاديمية البريطانية للأفلام لأفضل فيلم أجنبي.

ستة أفلام في واحد

انتمى الفيلم للدراما السوداء المكثفة الناقلة لعيوب الواقع والمجتمعات الغربية بقسوة، مع مسحة كوميديا واضحة، وهو ما أثرى الفيلم وجعله مميزاً مضمونا. أما التناول الشكلي للفيلم فجاء مميزا بتقسيمه إلى 6 أفلام منفصلة تراوحت بين 7 دقائق حتى نصف الساعة تقريبا. القصص الستة المنتهية بنهاية مخجلة، فيما عدا القصة الرابعة، تنوعت في أجواء مختلفة القاسم والتيمة المشتركة فيها جميعاً هي الغربة في الشكل والمضمون، فمن الطائرة، ومطعم الطريق السريع، لمشاكل السيارات، نهاية بقاعة الأفراح، الكل في الفيلم يعاني معاناة لا حدود لها، والإنسان بداخله قلق متعب لا يجد الراحة، وإنما يعاني بقسوة من غش وخداع المحيطين به، وفي النهاية فإن المواقف البسيطة التي كان من الممكن أن تمر بهدوء بقليل من التحمل تدفعه إلى الانفجار والسجن والفضيحة المدوية بل فقدان الحياة أحياناً!

يصرخ الفيلم طوال 122 دقيقة، هي مدة عرضه، على لسان أبطاله: إننا هاهنا متعبون لدينا من تكنولوجيا الراحة المزيفة ما يكفي ويفيض، ولكنها جميعا تقتل الإنسان بداخلنا قتلا لا يراعي رحمة أو شفقة .. فلماذا لا نموت في الواقع إذا؟

الطائرة

لا اسم في الفيلم للقصة الأولى. لا اسم وإنما شاشة سوداء تكثف من ظلمة الواقع، والأكثر إدهاشاً في القصة الأولى عدم التركيز سوى على اسم واحد لفرد لا نراه طوال مقدمة الفيلم التي تسبق تتره، «غابريل باسترناك»، لا نراه، ولكن الجميع في الطائرة من عارضة أزياء وناقد موسيقي، ومدرسة، وطالب فاشل سابق الجميع فجاءة يكتشفون أنهم يعرفونه، مما يجعلهم يشكون في الأمر إذ إنهم جميعاً بالغو في ظلمه وسحق الإنسان الطيب بداخله، بداية من الأصدقاء وحتى الطبيب النفسي الذي رفض الاستمرار في علاجه لأنه لا يملك المزيد من المال، وتركه للجريمة تقتله، فدبر جمع كل ظالميه على مدار حياته في طائرة وقادها بهم إلى الموت رغم توسلاتهم التي لم تكن تصله.

المطعم

على الطريق السريع الذي لا نعرف أين، ولا نعرف حتى أسماء العاملين بالمطعم الواقع عليه، تدور القصة الثانية. العاملة في المطعم تفاجأ في أمسية باردة بدخول السياسي الذي أفسد حياته باستيلائه على بيتهم بحيلة قانونية ما، مما جعل أبوها ينتحر، ثم ضرب أمها حتى هاجرت بها إلى اللاعنوان حيث المطعم، وهي ترتجف تخبر المرأة المسنة التي تقوم على إعداد الطعام فتقول جملة واحدة:

ـ كيف ينصلح حال العالم وهؤلاء الفسدة يحكمونه ..؟

وتضع «سم الفئران» للسياسي الذي يرشح نفسه للبرلمان، دون أن تخبر الفتاة، والأخيرة لما تعلم تحتار فتخبرها المرأة:

ـ السجن ليس أفضل من الخارج ستجدين طعاما ولعبا ويكفي ألا فواتير تنتظرك هناك ..!

لكن الأمور تتطور ويفقد الجميع أعصابهم فتقتل المسنة السياسي بالسكين مباشرة .. وتذهب إلى السجن حيث ترتاح من فساد الواقع وقسوته!

الطريق

على الطريق السريع يمر بسيارته الفارهة بعد الفجر بسيارة قديمة متهالكة تترنح، إنه يملك الراحة المتناهية فلماذا لا يسب سائق السيارة العفنة برأيه؟ بل يشير إلى قائدها ببذائة ويتخطاه. لكن السيارة تتعطل منه بعد قليل، ويلحق به صاحب السيارة العتيقة فيشبعه إهانة كما فعل معه، وفي لحظة الانفجار يتخلى الاثنان عن حضارة واهية تمسك بنفسيهما عن الجريمة، فيتشابكان ويشعلان النار في السيارة الحديثة الجديدة أقصى منجزات الحضارة لديهما على طريق سريع في وقت لا يراهما أحد ليموتا محترقين في النهاية ويعلق الشرطي:

ـ قتلتهما شهوة الغضب!

المُفجر

القصة الرابعة أروع قصص الفيلم برأيي، وكان لمشاركة الممثل «ريكاردو ديرن» فضل كبير في تجسيد معانٍ راقية لضياع الإنسان ومعالجته الشر بمثله مع محاولة التعايش في النهاية بسمو أخلاقي، على النقيض تماماً من بقية أبطال الفيلم، وبالمناسبة فإن كل قصة من القصص الستة تحوي ابطالاً مختلفين عن سابقيهم، فلكأنك وأنت تعبر الشاشة السوداء من قصة لأخرى تعبر من فيلم لآخر..

«سيمون فينشر»، هذه المرة هناك اسم للبطل، يعمل مُفجراً للمباني التي تستغني الدولة عنها، وينال إعجاب الجميع وتصفيقهم كل مرة، إلى أن يكتشف أن الدولة استغنتْ عنه هو..أمام الموقف الصعب ماذا يمكن للإنسان الغربي، النقي الوحيد في الفيلم وقصصه كلها أن يفعل؟

كلما أراد الذهاب إلى مكان فوجىء بأن المال لا يكفيه، وفي النهاية يُحال إلى المعاش المبكر بسبب قوله للحق دائماً، وتعايره زوجته بعدم قدرته التأقلم مع المجتمع من حوله مثل الجميع، بل ترفع عليه قضية لحضانة «كاميللا» ابنته الوحيدة ويهتف بالقاضية:

ـ أنفقت عليها وعلى أمها سنوات طويلة أو لإنني فشلت في ذلك شهراً واحداً يذهبان عني!

وفي النهاية يجد نفسه كلما وضع سيارته في مكان ينال غرامة مع عدم وضع علامة على المكان تفيد بإنه ممنوع «ركن السيارة» به، إنه الفساد الحكومي يحيط به إذاً، وليس الحل لديه تفجير نفسه بل مكان «اختطاف» السيارات ودفع الغرامات، لتقول الصحف إنه إرهابي، فيما تمجد شبكات التواصل الاجتماعي والإعلام الخاص به ويدعوانه لتفجير مرافق أكثر حيوية، وفي السجن يجد نفسه، وابنته وزوجته ويستطيع إقامة عيد ميلاد لـ«كاميللا» لم يستطع حضوره خارجه .. فلقد تحرر الإنسان بداخله من فساد النظم الإلكترونية الظالمة وعفن الواقع برأيه!

الحادث

مراهق متهور يقتل سيدة حاملاً على وشك الولادة، وتصير قضية رأي عام، لكن أباه يقنع «الجنايني» في قصره بأخذ مبلغ مالي واتهام نفسه، ويساعده المحامي على ذلك والمدعي العام، بمنزلة وكيل النيابة، بل يحاولان ابتزازه جميعاً، وبدلاً من إقرار «سانتياغو» الابن بالقتل وتسليم نفسه، وإعطاء المليون دولار محصلة عملية «إلباس» التهمة الجنايني يستمر الجميع في الكذب وخداع الرأي العام .. ويتهم البرىء نفسه ويختفي الجاني، فيما المصورون والكاميرات تصور إشارة إلى غياب الحقيقة عن حياتنا مرات كثيرة دون أن ندري بها!

الزفاف

في حفل الزفاف تكتشف العروس خيانة زوجها فيجن جنونها، فتضربه وتخونه بعد مفارقتها القاعة، وتتطاول عليه، وبعد أن تقتل الإنسان بداخله تماماً تكمل الحفل ويوافق من أجل مصلحته ليضيع الإنسان منهما تماماً ويتغلب الجانب الشهواني غير الآدمي.

نهاية الفيلم

لا نهاية معلنة للفيلم، وإنما انسحاق «آريل» العريس وفقدانه نفسه وبحثه عن الحيوان بداخله بفعل فاضح هي النهاية .. في إشارة إلى كون جميع أبطال الفيلم خاسرين، حتى الرجل والمرأة اللذين كانا في مزرعتيهما في القصة الأولى فقتلهما الطائرة دون ذنب.

كلمة النهاية في الفيلم لا تكتب ولا تقال وإنما يتم فهمها من خلال «تيمته» وقصصه .. طالما استمرتْ الحضارة الغربية بجناح المادية دون مبدأ او ضمير أو جانب روحي فهي ذاهبة إلى الهلاك، وخير حال للإنسان فيها السجن إن لم يكن الموت.. فهو غير مرتاح على كل الأحوال..لذلك فالقلة في الفيلم قبلوا الحياة على ذل بعيداً عن الجريمة والعقاب.

جاءت الموسيقى التصويرية في الفيلم لـ«غوستافو سانتوللا» رائعة ومعبرة عن القلق والتوتر وأحياناً السخرية، فيما جاء التصوير جيداً بخاصة اللقطات التي جمعتْ بين الجاني والضحية وقد راعى «خافيير جوليا» مؤلف الموسيقى تكرارها بذكاء، فيما جاءت لقطات الفيلم معبرة فيما عدا الإطالة في آخر قصتين إذ ظهر الترهل في المشاهد واضحاً.

  كلمات مفتاحية

فيلم الحضارة الغربية حكايات طائشة

فيلم «معسكر أشعة إكس» .. الحضارة المادية الغربية تحاصر البراءة

«انفصال» .. حينما تبيع السينما الإيرانية «القضية» لصالح الجوائز الغربية

فيلم «قصتنا» التركي: فن يقدم علاجا للأزمات والانقلابات!

فيلم الأوسكار 2016 «العائد»: العدالة الأمريكية «المُنحازة» والمتوحشة

فيلم «غرفة»: هل يعيد «الطفل» الغرب اليوم إلى أحضان «الإنسانية»؟

«المتدرب» .. فيلم أمريكي «ينصحك» بإكمال المتاهة للبحث عن حل «حضاري» لحياتك!

فيلم «السر في عيونهم»: العدالة الأمريكية .. اقتل واتهم المسلمين بأثر «رجعي»!