فيلم «معسكر أشعة إكس» .. الحضارة المادية الغربية تحاصر البراءة

الأربعاء 13 أبريل 2016 02:04 ص

واحد من أهم الأفلام الأمريكية بل العالمية عن فترة ما بعد أحداث 11 من أيلول/سبتمبر، الفيلم الذي تحاول به الولايات المتحدة  «التكفير» عن بعض أخطائها في حق «الإنسانية»، لا يدين فترة الانفلات الأخلاقي الزائد التي تعامل بها «جورج دبليو بوش» مع العرب والمسلمين عموماً عقب الأحداث، ولكن الفيلم يقدم ما هو أبعد وبحرفية وتمكن نادرين.

إننا أمام  118 دقيقة من الإدانة المستمرة للحضارة الغربية، ممثلة في الفعل الأمريكي المتهور بإنشاء معسكر غوانتانمو في كوبا، والصمت الأوربي والدولي على فظائع يندى لها تاريخ البشرية، بحجة الإدانة لأشخاص لهم أصول إسلامية.

الأمريكي «بيتر سات» مؤلف ومخرج الفيلم، قدم عملا آثار جدلا هائلا في وطنه منذ بدأ عرضه في 17 من ديسمبر/كانون الأول 2014م، وواكب عرضه هناك العرض في دول من مثل الكويت، مصر، وآثار ردود فعل مختلفة هنا وهناك.

العالم مجرد سجن

«إننا عالقون هنا حراسا ومسجونين، ولولا أن رئيسي أمرني بالمجىء إلى غوانتانمو لما فكرت في الفعل، إنني أكره هذا المكان حتى الثمالة».

العالم لدى أشخاص الفيلم مجرد سجن لحضارة طائشة تحتضر لكن على مهل، وأوان احتضارها يطول بالنسبة لكل الضحايا في «معسكر إكس»، أي المعسكر الشديد الخطورة، الجمل الماضية لا يقولها المسجونون المغلبون على أمرهم، بل يقولها قائد المعسكر مرة، والضباط من الجنسين مرات، كما يقولها أبرز المساجين بصوت هادىء مرة، فيما يصرخ المسجنون الآخرون بها طوال الفيلم، بسب أمريكا وجنودها والظلم الواقع عليهم .

«بيمان معادي»، الإيراني الحاصل على جائزة الأوسكار، أو «علي» في الفيلم، لا نعرف له اسم أب، فهو مجرد مسلم ألماني من أصول باكستانية، عاد إلى بيته وحيدا في 12 من أيلول/سبتمبر 2001م، معه عدد من الهواتف المتحركة «المحمول»، ليجد الجنود الأمريكيين يعتقلونه فيما يصلي الفجر منفرداً، لا تهمة إذاً، بل إن تاريخ حياة «علي» لا يهم المخرج ولا الفيلم في شىء، وهناك يجد نفسه يُعامل معاملة غير آدمية، لكنه يتمسك بالحياة عبر الصلاة وقراءة القرآن الكريم وكتب «هاري بوتر» الأمريكية التي تبخل عليه إدارة السجن بأحدث نسخها.

حالة حرب

أما «إيمي كول» أو الممثلة «كريستن ستيوارت»، فمسيحية معتدلة من قرية «مورو هافين» بـ«فلوريدا» صدقت كلمات «بوش الابن» حول الحرب التوراتية في العراق وغيرها، وأرادت أن تجعل لحياتها هدفا، فألتحقت بالجيش الأمريكي لتجدم نفسها ضابطة في «غوانتانمو» كل دورها حراسة عدد من المسجونين على مدار نصف اليوم لئلا ينتحر أحدهم.

كرهتْ المسجونين في البداية، ولكنها اكتشفت ألا حقوق لهم، وأنهم معتقلون لا يخضعون لاتفاقية جنيف، وإن لديهم مبدأ عن زملائها الذين رأوها، وفي مقدمتهم «رانزديل» رئيسها المباشر جسداً فقط.

وبحس الإنسان ثم الأنثى الشغوفة بالحقيقة يقرأ المخرج والمؤلف المشهد بغرابة، وفي لقطات صامتة متلاحقة، إن المعتقلين يصلون في نظام، واقدام ثابتة، فيما الجنود، الأقوى في المكان مضطربون، أقدامهم على وشك السقوط، يموت الضمير منهم شيئاً فشيئاً، لإنهم ما يزالون صغاراً في السن، في مقتبل الحياة، يؤدون التحية بآلية قائلين:«ألتزم الشرف والدفاع عن الحرية»، للذين يأمرونهم بسحق الحرية بأقدامهم بمعاملتهم السيئة لإخوة لهم في البشرية كمعاملة «الحشرات».

«علي» المسلم غير المتعصب، و«كول» المسيحية الوسطية، هو مسجون وهي السجانة، ولكنها تجد نفسها معلقة لديه، حرصه على القراءة، عدوانيته الشديدة معها في البداية، شكواه لها بأنه لا يجد وقتاً لمجرد أن يشعر بكونه إنسانا:

ـ «آكل متى أردتم، ولا املك حتى حق الجوع، أو عدم رؤيتكم لي حينما استحم .. كيف اعترف بكم كبشر وأنا مسجون هنا بلا تهمة منذ ثمانية سنوات وأنتم تعرفون؟».

الصدام

تقترب «كول» منه أكثر، عبر كلماتها«مفتاح الحياة» له في السجن، فيلومها لما يفعله «ناسها» معه، على حد تعبيره، فتصمت مرات لا تجد رداً، مدققة في محاولاته الحياة، ويلاحظ رؤساؤها أنها من خلال «شراعة» أو فتحة «زنزانته» العلوية تطيل الكلام معه، فيما تتهرب من عالم زملائها المفعم بالراحة والإباحية، وحينما يتم نقلها لمناوبة الليل للحد من ظاهرة حديثهما، يصحو من النوم، مستخدماً الحاسة السادسة، لمجرد أنها مرت بالزنزانة منادياً إياها باسمها الذي يعرفه «الشقراء» ليفاجئها بالقول:

«ـ أنت وأنا هنا في حالة حرب.. ألا ترين هذا؟ إذاً فأنت لا ترين؟!».

تقف مذهولة، إنه يشدها نحو عالم الروح التي فشلت حضارتها في محوها منه، وتشده إلى عالم المادة التي لم تريحها في حضارتها، وفي النهاية لا يجد بداً من مصارحتها بل اتهامها بالعمى.

ضياع الإنسانية

يبقى مشهد محاولة «علي» الانتحار أروع ما في الفيلم، وربما واحداً من أروع السينما العالمية، يعرف أنه تم تحويلها إلى التحقيق بسببه، ويراها منفذ الحياة الوحيد، ولإنها غربية أمريكية يكره نفسه التي مالت إليها، فيستل موساً خبأه بعناية ويحاول ذبح نفسه!

حينها تتوقف «كول» طويلاً غير قادرة على الكلام، مُبرزة مثالاً للجانب الحضاري الفاشل في إدارة العالم الذي تتحكم فيه، فلقد منعته، كسجانة، من حق الحياة كله، وهي قادرة على رؤيته في أشد حالاته خصوصية كإنسان، لكنها لا تستطيع منعه من الموت الآن، بل ستحاسب على موت السجين « 471» أو هكذا يتم تعريفه لها، كما إنها الشقراء لديه، عندها تسأله:

«ـ هل هناك حديقة حيوان في «ميامين بألمانيا.. بلدك؟».

ولما يسألها عن سبب السؤال تقول:

«ـ لإنني لم أكن أحب أن أرى الأسد حبيساً في فلوريدا ووجدته كذلك هنا!».

ضغطتْ بكلماتها على جانب الإنسانية فيه، وحلم التحرر، وأعادت له نفسه لما أكدت إنه «أسد» لديها، وإن كان محبوساً تملك إذلاله عبر استدعاء أفراد «قوة الردع»، ولكنها باحت بالحقيقة:

«ـ لم نستطع هزيمتكم .. أنتم المسلمين المعتدلين .. بل هزمنا أنفسنا بطيشنا!».

وهي تأخذ الموسى الحاد منه عبر فتحة الزنزانة القابلة للفتح .. تنهار فيما يستطيع مسح دموعه والوقوف من جديد!

سينما التمثل

الفيلم ينتمي إلى ما يعرف ب: «سينما التمثل»، أو تقمص الآخر، بمعنى أن الأمريكيين من، صنّاع الفيلم، يتمثلون المسلمين الذين حاربوهم بعد 11 سبتمبر وظلموهم، ورغم محاولة المخرج عدم التجني إلا أن لقطات العنف المبالغ فيها كانت 5متوافرة بكثرة، وهي وإن كانت اقل مما حدث بغوانتانمو،إلا أن بعض المشاهد لم يكن موفقاً للغاية من مثل إخراج «علي» الموسى لينتحر من «المصحف»، وهو إحدى علامات عدم القدرة على التجرد من «بيتر سات»، المؤلف والمخرج معاً.

عاب الفيلم عدم التدرج في بيان نمو الارتباط الخفي الذي جمع البطل والبطلة، ولكنه تغلب على ذلك ببيان حساسية العلاقة بينهما.

الموسيقى التصويرية ل «جيس استروب» جاءت متوسطة الجودة ولكن الأغنية الأخيرة التي تمثل انسحاب إيمي إلى أمريكا وبكائها، وهي تعترف بالفضل ل «علي» وحضارته التي قستْ في الحكم عليهما.. الأغنية بحد ذاتها كانت أكثر من موفقة.

أما التصوير لـ«جيمس لاكستون»، فأبرز شغفاً شديداً وحساسية للتفاصيل الصغيرة من بوابة السجن للسلك الشائك، للعلم الأمريكي للصلاة.

عاب الفيلم التطويل أحياناً في بعض المشاهد، والتجني على المسلمين في بعضها بتصوير أحدهم وهو يصرخ طوال الوقت، وبحرص البطل المسلم على قراءة سلسلة هاري بوتر الأمريكية، وإن كان هذا هو المتوقع من مخرج ومؤلف أمريكي أنصف العرب والمسلمين إلا قليلاً فيما بلده تبالغ في ظلمهم، وتظن أن ذلك يحفظ عليها بقاءها فيما هو أحد دلائل انهيارها.

  كلمات مفتاحية

السينما الأمريكية الغرب العرب المسلمون خليج بنما كوبا ظلم غوانتانامو فيلم

حكايات طائشة: 6 أفلام سوداء تكثف ضياع الإنسان الغربي

الفيلم الإماراتي «حجاب» في الترشيحات «الأولية» لجائزة الأوسكار

فيلم القادسية العراقي في افتتاح المهرجان القومي للسينما المصرية

«انفصال» .. حينما تبيع السينما الإيرانية «القضية» لصالح الجوائز الغربية

فيلم «قصتنا» التركي: فن يقدم علاجا للأزمات والانقلابات!

فيلم الأوسكار 2016 «العائد»: العدالة الأمريكية «المُنحازة» والمتوحشة

فيلم «سويسايد سكواد» الأسوأ لهذا العام ..يحطم الأرقام القياسية الأمريكية