«انفصال» .. حينما تبيع السينما الإيرانية «القضية» لصالح الجوائز الغربية

السبت 16 أبريل 2016 07:04 ص

«فيلم مهرجانات» تعبير دارج على المستويين الشعبي والنخبوي للتعبير عن نوعية افلام تصنع خصيصاً لنيل الجوائز، وغالباً لا تحوز على إقبال جماهيري، والفيلم الإيراني «انفصال»، أو«انفصال نادرعن سيمين»، لمخرجه «أصغر فرهادي»، يذهب أبعد من هذا كثيراً.

الفيلم الذي نال جائزة أوسكار أفضل فيلم مترجم عام 2012م، وجائزة الدُّب الذهبي لأفضل في فيلم في «مهرجان برلين» لنفس العام، كما حاز جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان أبو ظبي 2011م، وهو أول فيلم إيراني يلقى مثل هذه الجوائز مجتمعة، بل نال 30 جائزة عالمية، في سابقة نادرة في تاريخ السينما الإيرانية كلها. وبدأت الجوائز تفد عليه بعد أسابيع من طرحه في يوليو 2011م.

سينما «المقص»

سينما المقص: تعبير عن نوع من الأفلام السينمائية لغته ناعمة، مشاهده مترابطة، لا تبدو المشكلات في كل منها على حدة فقط، وإنما تتكامل مشاهد الفيلم لإبراز المجتمع كله وكأنه يتعايش مع «حالة خطيئة». أغلب الأفراد ملوثون، الأمل صعب جداً، وتتكامل في هذا المشاهد: في الشقق، كما الشوارع، والمصالح العامة، بخاصة المحاكم وأقسام الشرطة القاسم المشترك في مثل هذه الأفلام، والأبطال متوترون طوال الوقت، لا يستطيعون اتخاذ قرار، وهم ضحايا للذين فوقهم وجلادون للذين هم أسفلهم.

 و«المقص» هنا تعبير عن قضايا المجتمع الإيراني الملحة، بحسب الفيلم من ناحية، وجهل المشاهد في العالم بالواقع الحقيقي لبلد منذ «إيران» فرض على العزلة بسياساته، والرابط بين طرفيّ المقص «هذين الحادين» هو الفيلم نفسه، ومثل هذه النوعية من الافلام ومن الأعمال التي تنسب إلى الأبداع في الأدب غالباً ما تنال رضا الغرب ومباركته وتقديره..فيما هي تضيف مزيداً من الزيت إلى النار للبلد الذي خرجت منه، ولا تقدم حلاً لمجتمعها إلا السخرية منه عبر فضحه وإخراج «أحشاؤوه» إلى العلن والعالم.

سوء فهم

تعاني «سيمين»، «ليلى حاتمي»، الزوجة الشابة المغرقة في حب الهدوء، من خلاف حاد مع زوجها «نادر»، «بيمان معادي» الصاخب الذي يتحدى الحياة والمجتمع الإيراني، ويتعايش معه بنفس أسلوبه الاجتماعي أياً ما كان هذا الاسلوب.

في مشهد الفيلم الأول يجلس الزوجان أمام القاضي، وهو صاحب سلطة مطلقة في إيران في تحديد الزواج من الطلاق، إعلاناً عن سلطة الدولة الرسمية في التدخل في البيوت وما بين الأزواج، ولكن لكي يستمر الفيلم طوال 122 دقيقة من الميلودراما، والمأساوية المكثفة، يرفض القاضي الذي لا تبدو له صورة في المشهد الطلاق تعبيرا عن القوة ممثلة في الدولة التي تجري في مسام البشر وتفاصيل الهواء ولا تحتاج لكي تحضر بجسدها، يكفي صوتها.

وعلى ضوء «سوء الفهم» بين الزوجين تبدو الحياة في العاصمة «طهران» كلها مبنية على عدم التجاوب أو الراحة والتفاهم بين الجميع، الزوجة تريد الهجرة وترك هذا المجتمع الذي لا أمل فيه برأيها، والزوج لديه الأب الذي يمثل الماضي في بلده، وهو لا يستطيع تركه ولو كان مصاباً ب«الزهايمر» لا يعرف ابنه نفسه.

والزوجة «سيمين» تأتي بـ«خادمة» راضية، «سارة بيات»، بطفلتها لتخدم الزوج وابنتها الوحيدة، «تيرمين»، «سارينا فرهادي» ابنة المخرج في الواقع، والخادمة في ظروف اجتماعية طاحنة فزوجها ينتمي لطائفة الفقراء فقراً شديداً، ولا يجد قوت يومه، ولذلك تقبل الخدمة، ولكنها بدلاً من الاهتمام بوالد مخدومها..توثقه وتقيده إلى السرير وتذهب إلى الطبيبة فهي «حامل» في الشهر الخامس والجنين لا يتحرك، ولما يعلم مخدومها «نادر» بالأمر يضربها ويطردها لتتهمه بإسقاط الجنين.

مجتمع مهلهل

أمام قاضٍ في حجرة صغيرة لا تتناسب مع اتساع مدينة كـ«طهران» كما رأيناها في الفيلم على الأقل، عبر الشوارع النظيفة المزدحمة بالسيارات دائماً، والطرق المتسعة التي لا تحمل إلا آناساً يعانون من قسوة المجتمع، ويضطرون للكذب ليعيشون، ويبقى الحجاب والمصحف والقسم بالإمام «علي» وابنه «الحسين»، رضي الله عنهما، مجرد هامش يلجأ إليه الصادقون، وما أقلهم، لإثبات طهرهم في مجتمع يراه الفيلم ليس كذلك.

«نادر» الزوج يكذب ويقول إنه لم يضرب «الخادمة» راضية، لاحظ دلالة الاسم، والأخيرة تكذب لإنها تعلم إنه ليس قاتل جنينها بل الارهاق في السعي على الرزق، والزوجة «سيمين» تكذب لما تعرف إن زوجها «كاذب» وتساعده، ومعلمة ابنتهما كاذبة تشهد بإن «نادر» لم يكن يعلم بحمل الخادمة وهي تعلم إنه يعلم، وتقسم كاذبة على المصحف بذلك، والذنب على «التشادور» أو العباءة الإيرانية الشهيرة التي تغطي جسد المرأة هناك، في جزء يُقبحُ الزي الإسلامي، كما إن المصحف لا يبدو إلا ساعة طلب الحلف ليبدو كذب الحالف ويتعقد الامر أكثر، وزوج الخادمة مخدوع يظن إنه يدافع عن كرامته وابنه المقتول.

الأبرياء الوحيدون في الفيلم «تيرمين» ابنة «نادر وسيمين» 11 عاما، و«سمية» ابنة الخادمة 5 سنوات، في إشارة إلى المستقبل والأمل فيه وحده للنجاة من دائرة المجتمع العفن المرتبط بالخطايا الذائب فيها، وإن أدعى الطهر.

فيلم أم مقال

مثل هذه الأفلام التي تخفي كونها «مؤدلجة» أو تحمل إيدلوجية معادية في جوهرها تلامس المقال كثيراً في مشاهدها، إذ يضيق المخرج غالبا بتحويل الفكرة إلى مشهد وترك المشاهد يفهمه ..فيتسرع بتقديمها مباشرة معلنا كرهه للتفاصيل المهمة في حياة العرب والمسلمين التي يحب الغرب التخلي عنها، ويربت على كتف من يدعو لذلك:

ـ أليس للاطفال الذين يعيشون على هذا الوطن حقوق أيضاً؟!

جملة القاضي في أول الفيلم، يكررها الزوجان طوال الفيلم، ويقصد المخرج منها أن هذا الجيل الذي يحيا الآن في إيران ليس له حقوق او آمال في ظل حكم يتخذ من الدين مرجعية واضحة!

«راضية» الخادمة لما يتبول «والد نادر» في الفيلم على نفسه، ولا تعرف ماذا تفعل وهي بمفردها ومعها ابنتها، تتصل بقسم الفتوى النسائية لترفض المفتيّة إعطائها فتوى إلا لما تذكرها الخادمة إنها حالة إنسانية، وإن الرجل جالس على هذا الحال منذ نصف الساعة!

جارة الزوجين، ولا اسم لها في الفيلم، أو «شيرين يزدان بخش» في الواقع، تذهب إلى «نادر» في المحكمة لتطمئن عليه وتقول عن «الجنين» المتهم في قتله:

ـ يقولان ابنهما .. وكأنه بلغ من العمر 17 عاما وقتل طعنا حتى الموت .. العام القادم لهما أن يحاولا ثانية!

تقولها أمام الابنة «تيرمين» المراهقة، في استخاف واضح بالروح، الجنين تعدى 4 شهور أي تم نفخ الروح فيه، وسؤال الجارة المسنة عن جارها لا يمرره المخرج بل يقبحه بما يكفي.. ومن أمثال هذه المشاهد ما يضيق المقام به!

بلا حل

ترفض الخادمة قبول مال الدية بشكل ودي، وتنفصل هي الأخرى عن زوجها، ونظل طوال الفيلم نراقب نظرات «ترمين» ابنة المخدوم و«سمية» الحادة لبعضهمان وهما صغار في البيت كما المحكمة.

وفي النهاية يرفض «نادر» إعلان حبه للمجتمع الذي يعيش فيه أو حتى لزوجته، كما يرفض الطلاق أو الهجرة، وهو الذي أعد أوراقها بنفسه له ولأسرته، مثلما يبقى أبوه رمز الماضي خرفاً متنقلاً من سيارة إلى دورة المياه أو غرفته..

وتظل ابنته مشتتة بينهما، وتشاهد ابنة الخادمة في المحكمة منتظرة دورها مثلها .. أي لا حل مع هذا المجتمع ولا أمل!

لا موسيقى تصويرية في الفيلم، فيما عدا التتر أو الخاتمة، وغلبت المشاهد بكثافتها، وازدحامها في ذهن المخرج على تركيز المشاهد في مونتاج الفيلم، وإن كان في مجمله جيداً، اما التصوير فجاءت جودته متلاحمة مع المعاني المباشرة للفيلم في محاولة للامساك بعقل المشاهد لكيلا يرى إلا ما يراه المخرج!

 

  كلمات مفتاحية

فيلم إيراني جوائز عالمية مرجعية دينية السينما الإيرانية

فيلم «معسكر أشعة إكس» .. الحضارة المادية الغربية تحاصر البراءة

حكايات طائشة: 6 أفلام سوداء تكثف ضياع الإنسان الغربي

«سينما الصندوق الأسود» تعرض 18 فيلما بمعرض أبوظبي للكتاب

فيلم «قصتنا» التركي: فن يقدم علاجا للأزمات والانقلابات!

فيلم الأوسكار 2016 «العائد»: العدالة الأمريكية «المُنحازة» والمتوحشة

فيلم «غرفة»: هل يعيد «الطفل» الغرب اليوم إلى أحضان «الإنسانية»؟

«المتدرب» .. فيلم أمريكي «ينصحك» بإكمال المتاهة للبحث عن حل «حضاري» لحياتك!