استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

العراق: الطائفة تعلن الحرب على الطائفية!

الأربعاء 11 مايو 2016 01:05 ص

ما شهدته بغداد خلال أسبوعها الطويل الفائت لم يكن أزمة كما يحلو للمسؤولين وصفها. كان العراق على حافة حرب أهلية اختلفت عن حافة الحرب التي وصل إليها عام 2006 في أنها ليست بين الشيعة والسنّة هذه المرّة، بل بين زعامات شيعية تسعى كل منها إلى فرض هيمنتها على الطائفة، وهو ما يعني هيمنتها على مقدّرات البلد بشيعته وسنّته وبقية أطيافه باستثناء الكرد بالطبع الذين أحسن نائب رئيس البرلمان العراقي، وهو كردي، في وصف حالهم بأنهم «ضيوف» على بغداد. والضيوف، بالطبع، يمكن أن يغادروا متى شاؤوا ومتى لم ترقَ لهم الضيافة.

البيت الشيعي الذي بدأت ركائزه بالتصدّع ما إن استقام بناؤه قبل عقد، أخذ بالانهيار قبل عامين. لكن أحداث الأسبوع الفائت كانت المسمار الأخير في نعشه. وتعبير «البيت الشيعي» الذي بدأ استخدامه مواربة وفي شكل شبه سرّي أيام مجلس الحكم الذي أقامته سلطة الاحتلال الأميركي الموقتة، بات مصطلحاً مألوفاً وشائعاً مع مرور الوقت. صار مألوفاً أن نسمع ونقرأ تصريحات تقول إن السيد السيستاني يحذّر من الانقسامات داخل هذا البيت. وصار مألوفاً الحديث عشيّة الانتخابات عن ترتيب «البيت الشيعي» لننصرف في ما بعد إلى البيت الأكبر. وهو قول ترجمته: لنشكّل الغالبية البرلمانية ولنتّخذ القرارات الكبرى ولنبحث في ما بعد عن طرف سنّي يلتحق بنا.

بيت ظل أبناؤه يتفاخرون علناً بتضامنهم تحت رعاية أب عجوز يسعون إلى نيل رضاه طمعاً في الحصول على حصة تفوق ما لإخوتهم من ثروته، متستّرين على أحقادهم المتبادلة وساعين خفية إلى التملّص من وصاية الأب وسلطته.

بناء البيت الشيعي كان منذ البدء خطيئة ارتكبها الأب عن عمد ولم يكن دور الأميركيين الذين بات مألوفاً توجيه الاتهام إليهم بفرض المحاصصة الطائفية على النظام السياسي، غير الإقرار بوجوده. الأميركيون، وكدنا ننسى الأمر، رموا بثقلهم وراء حركتين علمانيتين هما المؤتمر الوطني العراقي الذي تزعّمه الراحل أحمد الجلبي وحركة الوفاق الوطني بقيادة أياد علاّوي. فلنبرّئهم من هذه الخطيئة على الأقل ولنوجه الإتهام إلى السيد علي السيستاني وأتباعه من قادة الإسلام السياسي الشيعي والجمهرة الغالبة من الشيعة التي صوّتت لهم في ثلاث دورات انتخابية متتالية.

ولست واثقاً من أن الوضع الراهن سيكون كافياً لإقناع جمهرة الشيعة بأن عليهم لطم صدورهم تكفيراً عن ذنب ترسيخهم للمحاصصة الطائفية، عوض لطمها غضباً على الأميركيين، إلا إذا اقتنعوا بأن عليهم لطم صدورهم تكفيراً عن ذنب ترك الحسين يقاتل وحده بعد أن وعدوه بجيش جرّار يؤازره عوض لطمها استنكاراً لما فعله أعداؤه به.

ذروة الحنكة السياسية هي أن يسوّق السيستاني نفسه كمستنكف عن شؤون السياسة وهو يدير النظام السياسي. السيستاني هو الذي دفع بمئات الألوف للمطالبة بإجراء انتخابات بعد سقوط البعث بأشهر قليلة حين لم تكن ثمة دولة ولا جهاز قضاء أو شرطة أو جيش، بل ميليشيات لا عدّ لها ولا حصر تمتلك إلى جانب السلاح أموالاً طائلة تلوّح بها لشعب أنهكه جوع ثلاث عشرة سنة من الحصار.

كان يعرف سلفاً أن الانتخابات ستقود إلى استبداد غالبية تعي نفسها كطائفة تشعر بنشوة مبرّرة إذ نزلت تمارس طقوسها بحرّية بعد سنوات من التهديد والقمع. فما كان تحيّزاً بعثياً غير مبرمج ضد الشيعة حتى بدء الحرب مع إيران تصاعد ليغدو عداء صارخاً، وما كان شعوراً شعبياً بالقهر من جانب نظام البعث تصاعد ليغدو عداء شيعياً لنظام بات يسهُل تصويره سنّياً. هكذا حوّل الإسلام السياسي الشيعي الانتصار على نظام البعث إلى انتصار دولة الشيعة على دولة السنّة.

أراد السيستاني أن يكون بيته هو القصر الذي تحيط به بيوت أكثر تواضعاً، وقد نجح في ذلك حين صار زعماء السنّة يتوافدون عليه لنيل بركاته بأمل التظلّل ببيته.

كان السيستاني قادراً على ضبط الصراعات بين الأبناء إذا أحسّ بأنّها قد تؤدي إلى تسلّل الغرباء إليه. في 2010 أعلنت المرجعية، كما هي العادة، أنها لن تنحاز إلى طرف محدد في الانتخابات. لكن حين حصل أياد علاّوي على أعلى الأصوات كان الحفاظ على وحدة هذا البيت هو الذي دفع الإخوة المتصارعين إلى التكاتف لتشكيل كتلة ما بعد انتخابية تحجب تكليفه بتشكيل الحكومة.

ولكن مهما بلغت حنكة الأب فسيظل عاجزاً عن ضبط تنافس الأبناء المرير، لا سيّما حين تكون الغنيمة شديدة الكبر. ولم يلتفت الإخوة الكبار إلى الصدر الصغير الذي تمرّد على الأب منذ الصغر إذ لم يروا فيه إلا طفلاً مشاكساً يمكن تأديبه متى دعت الحاجة. صفة الشاب المشاكس، بل حتى الأرعن، الذي لا يعرف مصلحة العائلة.

أشك أن مقتدى الصدر يستنكر هذه النعوت الرائجة حوله، بل لعلّه يرحّب بها. فهو الشاب المغامر الذي لا يراعي حسابات الكبار وأطماعهم. هو الفتى المندفع وراء مُثُل حالمة فيما الآخرون منكفئون يتصارعون على المغانم. يرحّب مقتدى بهذا التصوير لشخصه متمرّداً على البيت. فما يراه أخوته عيباً هو في عينه وعين الجمهور مزيّة.

يرى الجمهور فيه متمرّداً على الطائفة كلّها وبانياً لتيّار يتجاوزها ليشمل العراق فيما مشروعه يقوم على هدّ البيت الشيعي المتهرّئ وإعادة بنائه بما يضمن له قيادته، ومن ثم جرّ جيران هذا البيت إلى القبول به مالكاً له مانحاً إيّاهم حقوقاً أكبر.

ليس مقتدى الصدر عابراً للطوائف. هو كاره للمحاصصة الحزبية التي أطلق مدفعيته النارية عليها. محاصصة لم تمنحه أكثر من عشرة في المئة من مقاعد البرلمان، لكنه لم يهاجم المحاصصة الطائفية التي هي في جوهر فساد نظام العراق السياسي. هو يريد كتلة عابرة للطوائف تخضع لشيعيته السياسية كما يريد لشيعة حزب الدعوة والمجلس الإسلامي أن يخضعوا لشيعيته السياسية.

لم نشهد جمهرة سنّية، لا شكّ في أنها كانت ستتحمّس للنزول إلى الشوارع، تساهم في اعتصامات ساحة التحرير والمنطقة الخضراء ولم يكن الصدر معنيّاً بإشراكهم في تلك الاحتجاجات. أراد لهم أن يكونوا مصفّقين له وهاتفين باسمه على قنوات التلفزيون السنّية ليكون بطلهم ومنقذهم من التهميش. هو حامي السنّة يرسل شحنات الإغاثة إلى السنّة المحاصرين في الأنبار لكن سرايا سلامه ستحافظ على نقائها الشيعي.

قفز الصدر من مركب البيت الشيعي الغارق في الوقت المناسب لكنه ظل وفيّاً للطائفة. قطع الطريق أمام الحراك المدني الذي لم يعد بوسعه اتّخاذ موقف مستقل إن أراد البقاء جمعاً منظّماً، ولم يعد في وسع السنّة سوى الإذعان لتركيبة قد يخرج بها لكتلته العابرة للطوائف مثلما يريد من الآخرين الإذعان لحكومة لا يرى غيرها أداة للإصلاح ومحاربة الفساد.

مقتدى يدرس خطواته بعناية. فبعد أن همّش حيدر العبادي وضمن أنه لن يكون ندّاً له، أخذ يوجد له الأعذار ويعلن أن حشده الجماهيري يهدف إلى دعمه في وجه الضغوط التي يتعرض لها من خصومه.

ولكن مثلما لم يستطع السيستاني ضبط نزاعات الأبناء، لم يدرك الصدر، وقد غالى في تقديره لقوته، أن كارثة اقتحام أنصاره للبرلمان قدّمت للكبار الفرصة التي كانوا يحلمون بها. أيّ قائد لا يشعر بالنشوة وزعيم ميليشياه ونائبه يعلن أن موقف الجمهرة هو «سمعاً وطاعة للسيد القائد»؟ إذا أمرنا بالاعتصام سنقول له «سمعاً وطاعة»، وإذا أمرنا بالعودة إلى بيوتنا فسنقول له «سمعاً وطاعة». كانت تلك فرصة لميليشيا بدر وآخرين لإعلان دفعهم قواتهم إلى حزام بغداد «تحسّباً لاستغلال داعش للموقف».

ردّ ممثل الصدر محذّراً بأن على قوات بدر وحلفائها سماع صوت الشعب. وردت قوّات بدر بالقول: «نحن صوت الشعب».

كل من الطرفين يحظى بجماهيرية كبيرة. فما هي الحرب الأهلية في تعريفها الكلاسيكي؟ أليست هي وجود طرفين مسلّحين يدّعي كل منهما تمثيل الشعب؟

فماذا فعل الصدر وقد أوصل البلد إلى حافة الحرب الأهلية؟ لن يبدع أكثر الأدباء السورياليين مشهداً كهذا. ترك جمهرته تائهة وأعلن اعتكافه لمدة شهرين!

* عصام الخفاجي كاتب عراقي. 

  كلمات مفتاحية

العراق الطائفة الطائفية حرب أهلية الشيعة السنة الكرد البيت الشيعي مقتدى الصدر حيدر العبادي السيستاني

«مقتدى الصدر» يغادر النجف متوجها إلى إيران

«الصدر» يدعو للإطاحة «بحكومة الفساد» ويهدد باقتحام «المنطقة الخضراء»

«مقتدى الصدر» يتقدم مظاهرة عراقية تطالب بـ«إصلاح الحكومة»

مطالب بحماية السنة في منطقة الحصوة العراقية

الطبقة السياسية الرثّة في العراق!

دولة العراق أم دولة داعش؟

الإصرار على التفسير الطائفي للصراعات

العراق بين التحرير والتدمير

الجزائر.. مزاح رئيس وزراء سابق يلهم طائفة «الكركرية» الجديدة