اتهمت «هيومن رايتس ووتش» دولة الإمارات العربية المتحدة باعتقال نحو 10 ليبيين، لافتة إلى قيام السلطات بإخفاء اثنين منهم قسرا، بالإضافة إلى 6 إماراتيين آخرين.
تساؤلات عديدة تقفز للذهن عندما تتصدر الإمارات الدول العربية والآسيوية المنتهكة لحقوق الإنسان بتبنيها فلسفة الإخفاء القسري المجرّم بموجب القانون الدولي لانتهاكه حقوق الإنسان بما في ذلك الحق في أمن الشخص وكرامته والحق في عدم التعرض للتعذيب أو غيره من صنوف المعاملة أو العقوبة القاسية والحق في الشخصية القانونية والحق في محاكمة عادلة..الخ.
من هذه التساؤلات:
أولا: ماذا يعني الإخفاء القسري وفقا لمواثيق حقوق الإنسان؟
ثانيا: وما الفرق بينه وبين غيره من وسائل الإخفاء الأخرى؟
ثالثا: ولماذا جرمته كل المواثيق والمعاهدات التي وقعت عليها الدول بما فيها الإمارات؟
رابعا: ولماذا الإمارات تركت بقعا سوداء على ثيابها البيضاء في هذا المجال؟
خامسا: ولماذا تحرص على عدم تنظيف ثيابها منها بل وتستكبر متجاهلة أن بقعا سوداء أخرى تكلست واندمجت مع أخرى لتزيد ثيابها تشوها بعدد حالات الإخفاء القسري الذي تمارسه ضد أبناءها من دعاة الإصلاح والتغيير والمقيمين على أرضها من الجاليات العربية ممن قد يختلفون مع سياستها الخارجية وحشر أنفها في كل ما تفرزه إرادة الشعوب الأخرى تجاه قضاياها؟
سادسا: وهل للإمارات من تاريخ أسود في مجال الإخفاء القسري يجعل المنظمات الحقوقية وأهالي الموقوفين «المعتقلين» دائما قلقين على أرواح ذويهم؟
سابعا: ولماذا لا تعبأ الإمارات وتضرب بعرض الحائط كل الدعوات المطالبة بالتزامها بتطبيق مواثيق ومعاهدات حقوق الإنسان التي وقعتها؟
ثامنا: وما سر هذا التعالي ومن يقف وراءه وأين دور أعضاء المجلس الأعلى حكام الإمارات في الوقوف والاصطفاف لحماية منجزات «زايد» من عبث وتخريب عياله وأحفاده؟
تاسعا: بل أين الشرفاء والأحرار الرافضين والصامتين لهذا الواقع من القبائل والعوائل التي كانت تفتخر بأن سياسة الأبواب المفتوحة بينها وبين صناع القرار أهم ما يميز دولة «زايد»؟
عاشرا: لماذا لا يكشف النقاب عن منظمات تلوثت يدها بالرشى والفساد المالي من جراء الزيارات المكوكية لـ«قرقاش» الإمارات، و«حنيف» زمانه بجنيف.
تساؤلات مشروعة نسعى لنفض غبار التعتيم الإعلامي والأمني والسياسي.
بحسب منظمة العفو الدولية «أمنستي» الإخفاء القسري يعني أنه إذا ما قُبض على شخص أو احتُجز أو اختُطف على أيدي عناصر تابعة للدولة أو تعمل لحساب الدولة، ثم تنفي الدولة بعد ذلك أن الشخص محتجز لديها أو لا تفصح عن مكانه، مما يجعله خارج نطاق الحماية التي يوفرها القانون، وكثيراً ما يختفي أشخاص ولا يُطلق سراحهم على الإطلاق، ومن ثم يظل مصيرهم في طي المجهول، وقد لا يعرف الأقارب والأصدقاء ما حدث لهؤلاء الأشخاص، إلا إن الأشخاص المختفين لا يتلاشون تماماً، فهناك بالتأكيد في مكان ما من يعرف حقيقة ما حدث لهم، وهناك بالتالي من يتحمل المسؤولية ، ويُعد الإخفاء القسري جريمةً بموجب القانون الدولي، إلا إن الجناة لا يُقدمون إلى ساحة العدالة في كثير من الأحيان.
المقربون من حالات محددة، قالوا أنه توجد أجهزة أمنية، تعمل ليس فقط خارج إطار القانون، ولكن أيضا خارج إطار وزارة الداخلية الإماراتية. وثمة إشارات مكتومة إلى متنفذين في إمارة أبوظبي يديرون هذه العمليات... تحديدا الشيخ «خالد بن محمد بن زايد»، نجل ولي عهد أبوظبي ورجل الإمارات القوي «محمد بن زايد آل نهيان».
ولدينا حالة شهيرة سجلتها المنظمات الحقوقية عن المواطن المصري «أحمد المعداوي» الذي اعتقل من مطار «أبوظبي» مطلع العام وجرى إخفائه قسريا عن أهله وذويه قرابة سبعة أشهر رغم مطالبات أهله وذويه ومنظمات حقوقية السلطات المختصة بالكشف عن مصيره حيا كان أو ميتا دون استجابة حتى فوجئوا بقيام سلطات الأمن بأبوظبي بتسليمه إلى الأجهزة الأمنية المصرية سرا ودون الإشارة إلى قيام الإمارات بإخفائه طيلة هذه المدة .
ويُعتبر الإخفاء القسري انتهاكاً قاسياً لحقوق الإنسان على وجه الخصوص، إذ لا يقتصر أثره على الشخص المختفي بل يمتد ليطال أفراد عائلته، وفي كثير من الأحيان يتعرض الشخص المختفي للتعذيب ويظل في خوف دائم على حياته، ويُستبعد من نطاق حماية القانون، ويُحرم من كل الحقوق ويصبح تحت رحمة سجانيه.
وإذا قُدر للشخص المختفي أن يظل على قيد الحياة وأن يُطلق سراحه في نهاية المطاف، فقد يظل يعاني بقية حياته من العواقب الجسدية والنفسية والأمنية لهذا الشكل من أشكال التجرد من الإنسانية وكذلك مما يصاحبه في أحيان كثيرة من وحشية وتعذيب.
وقد حكى لي شخصا كان قابعا في أحد السجون السرية التابعة لجهاز الأمن في الإمارات أن سجينا بعدما تعرض لشتى أنواع التعذيب أصيب بلوثة في عقله وكان يجري محاكمة «للرب» عند منتصف الليل من هول ما رأي ويرى من تعسف وانتهاكات وصعق بالكهرباء وضرب بالعصيان الغليظة والكرابيج الجلد بواسطة السجانين النيباليين والإماراتيين من عسكر السجن صباحا ومساء بزنزانته الفردية، وكان السجين يوجه تساؤلات «للرب» تعبر عن حالة الفتنة التي تعرض لها داخل محبسه ثم يدخل في موجة صراخ هستيري وضرب على أبواب الزنزانة القابع فيها بيده ورأسه حتى يأتي السجان ومعه طبيب وممرض السجن لحقنه بحقنة تدخله نوما عميقا حتى مساء اليوم التالي.
وكان السجناء يذكرونه دائما بالله والصبر فيبكي وهو يرد عليهم قائلا: ما عاد عندي صبر .. ليش يسوون معي هذا التعذيب كله؟!
أما أهل الشخص المختفي، الذين لا يدرون شيئاً عن مصيره، فيظلون في انتظار أية أخبار عنه، وقد لا تأتي هذه الأخبار على الإطلاق، وقد يستمر انتظارهم شهورا وسنوات وسنوات، ولا يعرف هؤلاء الأهل إن كان قريبهم المختفي سوف يعود يوماً، ومن ثم لا يمكنهم أن يتأكدوا من موته فينعونه ويواصلون حياتهم استناداً إلى هذه الحقيقة المرة.
وكثيراً ما تتفاقم محنتهم ومعاناتهم من جراء الحرمان المادي، إذا كان الشخص المفقود هو العائل الأساسي للأسرة، وفي بعض الأحيان لا يستطيع الأهل أن يحصلوا على معاش أو أي شكل آخر من أشكال الدعم نظراً لعدم وجود شهادة وفاة للشخص المختفي.
ولا ينفع مع هذا الواقع ما تردده أبواق محسوبة على النظام الأمني ومقربة للسلطات الإماراتية عبر هشتجاتها الترويجية لأنظمة السجون بالإدعاء بقيام السلطات بصرف إعانة شهرية لأسرة السجين لا تتجاوز الألف دولار لأنه الواقع يفيد بغير ذلك إذا أن المسجون على خلفية أمنية لا ينطبق عليه هذا البند الذي قد يتمتع به السجناء الجنائيين الذين أحالت السلطات هذه الميزة مؤخرا لهيئة الهلال الأحمر للقيام بها ورفعت يدها تماما عن مسؤولية إدارتها.
بهذه الحلقة نكون أجبنا على التساؤلات الثلاث الأولى مصحوبة بأمثلة وشواهد موثقة من داخل سجون الإمارات.