الرئيس الأمريكي القادم .. جدول أعمال لأمن الخليج وسوريا والعراق

السبت 28 مايو 2016 12:05 م

عيوب نهج الرئيس «أوباما» في التعامل مع منطقة الشرق الأوسط واضحة للجميع تقريبا، على الأقل كما يبدو من نتائجها. استخدم الرئيس النهج الخطابي بعيدا عن الثقة في دبلوماسيته. فشلت الإدارة في معالجة المشاكل في مرحلة مبكرة، قبل أن تتحول هذه المشاكل إلى أزمات لا يمكن السيطرة عليها وتتفاقم آثارها السلبية على مصالح الولايات المتحدة والأمن الإقليمي. وبدلا من الاعتراف بالأخطاء، فقد سمعنا عبارات غير مفهومة مثل القيادة من الخلف أو حتى إلقاء اللوم على الآخرين سوى الإدارة، بمجرد أن يتم كشف الفجوة بين الخطاب والقدرات.

ومع ذلك، فإن كل هذه الأخطاء تنبع من مصدر واحد وهو عدم وجود استراتيجية شاملة. وقد وصلت التكتيكات الفاشلة إلى مستويات سخيفة خلال السنوات القليلة الماضية. لقد شاهدنا رئيسا أنفق بضعة ملايين من الدولارات من أجل تدريب خمسين مقاتلا سوريا اختفوا جميعا في وقت لاحق. شهدنا الرئيس الذي يقارن بين «الدولة الإسلامية» وبين فريق رياضي مغمور ثم يقوم بإرسال جنوده إلى محاربتها. وجاءت كل تلك اللحظات الهزلية نتيجة عدم وجود وجهة نظر مفصلية عما ينبغي أن تكون عليه استراتيجية الولايات المتحدة.

قدم لنا هذا النهج قائمة من الاستجابات وردود الأفعال المتأخرة والدبلوماسية الفاشلة التي تسببت في تآكل المصالح الأمريكية وخاصة في منطقة الشرق الأوسط. لا تزال مشكلة الإرهاب تنمو بلا رادع بينما تواصل كل من روسيا وإيران دفع حدود النظام العالمي لاختبار عزم الولايات المتحدة في الوقت الذي لم يبد فيه الرئيس استجابة تذكر. انتشرت الدول الفاشلة أو الدول شبه فاشلة، في الوقت الذي تجري فيه محاولات لإعادة تشكيل العالم على حساب الاستقرار العالمي. حلفاء الولايات المتحدة صاروا لا يثقفون بها والشراكات صارت أضعف وحتى البلطجية مثل «بشار الأسد» أصبحوا يتحدون الولايات المتحدة بشكل علني. ومن المؤكد أن الولايات المتحدة تفقد مكانتها في المنطقة، كما صارت مهددة في بحر البلطيق وشرق آسيا في الوقت الذي يواجه فيه النظام اختبارات صعبة.

صحيح أن الولايات المتحدة لا تستطيع حل مشاكل الشرق الأوسط. ولكن أولئك الذين يرددون هذا الشعار يبدو أنهم لا يتحدثون إلا إلى أنفسهم. لم يقترح أحد في أي وقت مضى أن على الولايات المتحدة أن تقوم بإصلاح كل متاعب الحكم والمشكلات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية، والسياسية المتجذرة في التاريخ. لا أحد يرغب في أن تقوم الولايات المتحدة بحقن علاج مصنع في المعامل الأمريكية بالقوة في منطقة يرجع عمرها إلى عمر التاريخ نفسه.

بشكل عام، ما هو مطلوب هو أن تعمل الولايات المتحدة مع حلفائها لأجل الحفاظ على الاستقرار حين يكون فرض الاستقرار ممكنا. وينبغي أن يستند هذا الهدف على رؤية طويلة الأمد تبدأ مع إدارة وتشكيل التحولات بطريقة تحد من انتشار حالة عدم الاستقرار. يجب أن يصبح الاستقرار المبدأ التنظيمي للرئيس القادم، ويجب أن يكون تحركه في ذلك سريعا. الوقت والتردد هما أسوأ الحلفاء في التحولات والانعطافات السريعة والمتتالية في منطقة مبنية على الرمال المتحركة.

قبول شعار أن «الولايات المتحدة لا تستطيع حل مشاكل الشرق الأوسط» لا ينبغي أن يتحول إلى خدعة سحرية لقبول سياسة «لا تفعل شيئا». الأمر ليس في خانة إما كل شيء أو لا شيء. العالم ليس مثاليا ويجب على الولايات المتحدة ألا تنظر إلى مهمتها كمهمة تبشيرية لجعل العالم مثاليا.

المزاوجة بين الاستقرار والتغيير هي أمر صعب، وبالأخص في منطقة الشرق الأوسط. في حين يمكن للولايات المتحدة أن تلعب دورا في تعزيز الاستقرار، فإن كل محاولاتها السابقة للتغيير قد انتهت إلى حالة من عدم الاستقرار. ألا ينبغي لهذا الفشل المتكرر أن يجعل الإدارات تفكر في أوجه القصور في نهجها؟

التوازن بين الاستقرار والتغيير يجب أن يميل بقوة نحو الاستقرار في ظل الظروف الراهنة في الشرق الأوسط. هل يمكن أن يتطلب ذلك دعم بعض الأنظمة التي لا تتشارك سوى أقل القليل مع القيم الأمريكية؟ الجواب هو نعم من الممكن. التغيير هو مسؤولية شعوب المنطقة، وليس أي شخص آخر. إذا لم يقوموا بأنفسهم بإحداثه فلن يكون بمقدورهم الدفاع عنه.

ومع ذلك فإن التشبث بالمبادئ الجامدة المحفورة في الحجارة هي سمة الاستراتيجيات الميتة. وتحتاج الخطة إلى أن تكون مرنة، أو كما يقول الخبراء الاستراتيجيون العسكريون، فإن الخطط يتم إعدادها من أجل أن تتغير. في كثير من الحالات، يمكن للولايات المتحدة مد يد العون لقوى التغيير بمجرد إثبات مزايا وقدرات. أحد هذه المجالات التي تحتاج إلى تشجيع كبير هي المحاولات من قبل بعض علماء المسلمين تطوير مقاربة نقدية للنسخة الإسلامية التي يتم تبنيها من قبل المتطرفين.

ومع ذلك، فإن النظر إلى ما ينبغي القيام به في الشرق الأوسط في المستقبل القريب لا يزال عاجلا. ويمكننا في هذا الصدد أن نستعرض بعض الأفكار.

إيران

سوف يكون على طهران أن تصنع خيارها: إما أن تعيش مثل أي بلد عادي وتقوم بمعالجة مشاكلها داخل حدودها أو أن تواصل محاولاتها من أجل توسيع نفوذها في المنطقة.

من أجل إقناع آيات الله بوقف الاستمرار في اختبار الحدود القصوى وقياس ردود الأفعال، والتسبب في المزيد من التآكل في آفاق الاستقرار في المنطقة فإن الرئيس الأمريكي المقبل سوف يتعين عليه، بالشراكة مع حلفائه الإقليميين، أن يجعل هذه المساعي الإيرانية أكثر كلفة. جعل هذه الأساليب غير مثمرة أو على الأقل غير مربحة بما يكفي سوف يكون حجة عملية قوية توفر الدعم للمعتدلين في إطار الصراع الدائر على السلطة في البلاد.

هذا يتطلب تعزيز أمن دول الخليج العربية والتحرك بسرعة ضد حركات التمرد المدعومة من إيران. تدخل إيران في شؤون الدول الأخرى لا ينبغي أن تمر دون عقاب.

ينبغي أن يتم مكافأة إيران في حال قامت بإنهاء تدخلاتها ودعمها للإرهاب، كما ينبغي أن يتم عقابها إذا استمرت في هذه السياسة. فيصل الأمر هنا هو السلوك. ربما يكون الدفاع عن الاتفاق النووي من قبل مؤيديه أمرا مفهوما بوصفه تفاقا يمنع طهران من امتلاك أداة رئيسية من أدوات الابتزاز والتحريض على سباق نووي في المنطقة. ومع ذلك، فإن الصفقة ربما تسهم في تعزيز سلوك إيران العدواني. بينما كانت الصفقة تعرض بوصفها وسيلة للحد من المغامرة الإيرانية، فإن المشكلة الكامنة وراء سلوك طهران قد ثارت أكثر تعقيدا منذ توقيعها بسبب عدم معالجة الأسباب التي دفعت إيران بالأساس للسعي لامتلاك قنبلة نووية ومحاولة معالجة دورها الإقليمي. كان الاتفاق النووي بمثابة مكافأة لإيران على تحديها كما أعطاها المزيد من الوقت للاستمرار في هذه السياسة دون هوادة.

مجلس التعاون الخليجي

الثقة هي أساس الدبلوماسية. على الأصدقاء أن يثقوا في قدرتك على الوفاء بالتزاماتك وعلى خصومك أن يثقوا في جديتك بشأن خطوطك الحمراء. لمدة 16 عاما، تلقى هذا الأساس ضربة تلو الأخرى. يمكننا تذكر تفاصيل الاجتماعات العديدة التي عقدت خلال عامي 2012 و2013 بين مسؤولين أمريكيين وممثلين من دول الخليج، والمعارضة السورية والتي تم خلالها إعطاء الالتزامات فقط ليتم إهمالها في وقت لاحق.

حتى في عالم الالتزامات المباشرة المتعلقة بأمن دول مجلس التعاون الخليجي، فإنه لم يتم الوفاء بهذه العهود. لابد من إعادة تأسيس الثقة من خلال إجراءات سريعة تثبت لحلفاء الولايات المتحدة أن الإدارة الجديدة جادة في متابعة تنفيذ ما يتفق عليه عبر اتخاذ إجراءات ملموسة.

يجب أن ترى دول مجلس التعاون الخليجي أن الولايات المتحدة تدرك على محمل الجد التهديدات التي تتعرض لها. المناقشة الصريحة والصادقة مع قادة هذه الدول هي أمر بالغ الأهمية في وقت مبكر من فترة ولاية الرئيس الجديد الأولى. يجب اتخاذ خطوات سريعة لتنفيذ الالتزامات المتفق عليها بسرعة حتى يشعر زعماء دول الخليج العربية أن شيئا ما قد تغير في سياسة واشنطن.

الحوار من أجل الحوار لا معنى له. ينبغي أن يؤدي الحوار إلى شيء عملي وإلا فإنه سيصبح مجرد بروتوكول غير منتج. لا يجب على الولايات المتحدة أن تتفق مع جميع السياسات العربية، كما أنه ليس هناك حاجة للعرب لقبول جميع سياسات الولايات المتحدة. لكن الخلافات يجب أن تدار بطريقة تبقي على المصالح الجوهرية للفريقين.

مصر وتركيا

كل من مصر وتركيا يعدان من الحلفاء المقربين إلى الولايات المتحدة إلا أنهما يعدان أعداء بالنسبة إلى بعضهما البعض. المبدأ الرئيسي هنا هو أن استقرار كل منهما على حد سواء هو جزء من مصالح الولايات المتحدة في المنطقة. العديد من جوانب السياسات الداخلية للبلدين هي حاليا تحت النار، لأسباب مفهومة. ولكن المصريين والأتراك فقط هم من لديهم الحق في معالجة مشكلاتهم وتقرير مصائرهم.

فما يتعلق بالسياسات المحلية والشؤون الداخلية، ومن وجهة نظر الولايات المتحدة، فإن تلك السياسات تصبح غير مقبولة حين تعمل ضد مصالح الولايات المتحدة أو عندما تتعدى على نحو بشع على الاتفاقات والأعراف الدولية. ومع ذلك، تحتاج الولايات المتحدة إلى النظر في الكيفية التي تعبر عن تحفظاتها بشأن هذه السياسات ومدى تأثيرها على الاستقرار في كل بلد.

يجب مساعدة الرئيس «عبد الفتاح السيسي» في كفاحه الشاق لإعادة بناء اقتصاد بلاده في الوقت الذي يعبر فيه الجميع عن تحفظاتهم بشأن ما سوى ذلك. يجب أيضا مساعدة الرئيس «رجب طيب أردوغان» في مواجهة الإرهاب داخل حدوده. في هذين المجالين، من المهم أن توفر الولايات المتحدة أكبر قدر ممكن من المساعدة لأن ذلك من شأنه أن يخدم مصالحها الإقليمية.

العراق وسوريا

تتمثل الأهداف الرئيسية في كل من العراق وسوريا في الحفاظ على وحدة الدولة ثم الحفاظ على سلامة أراضيها.

ورغم ذلك، فإن الوصول إلى هذه الأهداف يواجه العديد من التقلبات صعودا وهبوطا. لا توجد فرصة للحفاظ على الدولة أو الوصول إلى أي درجة معقولة من الاستقرار المستدام دون حل سياسي يخلص البلاد من المافيا السياسي الحالي في دمشق. حتى أكثر المراقبين تفاؤلا لا يرون كيفية الجمع بين «الأسد» كرئيس وبين استقرار البلاد في المستقبل.

يعارض «الأسد» أي حل سياسي يؤدي للإطاحة به. ولكن ذلك لا يعني أن نتخلى تماما عن الحلول السياسية. ولكنه يعني أن أي حل سياسي معقول يهدف إلى خلق الاستقرار المستدام نسبيا في سوريا سوف يكون غير قابل للتحقق ضمن المقترحات الحالية والتكوين الآني للعملية. وهذا يستلزم تعديل ميزان القوى الحالي على الأرض لإجبار «الأسد» على الرضوخ.

يجب أن تبقى الطريق الدبلوماسية مفتوحة، ولكنها لا ينبغي أن تصبح الطريق الرئيسي في الوقت الراهن. لقد تم التحاكم للدبلوماسية في أكثر من مناسبة دون جدوى. من أجل تعمل هذه الحلول فإنها ينبغي أن تستند إلى أسباب معقولة وواقعية.

في العراق، انتقدنا مرارا وتكرارا قيام الرئيس «أوباما» بالتفريط في النفوذ الأمريكي في قلب البلاد. وقد تمددت «الدولة الإسلامية» في هذا الفراغ الذي ينبغي على الولايات المتحدة أن تستعيده ولكن على خلفية تجاهل امتد إلى 8 أعوام من رئاسة «أوباما».

هذا النفوذ الذي تم التخلي عنه يتمثل في القوات الأمريكية التي كانت متواجدة على الأرض والتي تخلى الرئيس عنها في الوقت الذي ظل فيه يحاضر الجميع حول المفاهيم الفارغة كالحد من أعباء الولايات المتحدة.

من أجل أن تملك الولايات المتحدة القدرة على التأثير في أي وضع فإنها ينبغي أن تملك النفوذ الملائم وإلا فإننا سوف نشاهد «جون كيري» آخر لا يستند إلى شيء يحاول إعادة اختراع عجلة السياسة الخارجية الأمريكية.

دور روسيا في الشرق الأوسط

تواصل كل من روسيا وإيران اختبار حدود استجابة الولايات المتحدة من أجل تحديد خطواتهما اللاحقة. إذا أقدمت الولايات المتحدة على عرض نيتها فعل شيء ما، كما فعلت في مسألة استخدام «الأسد» للأسلحة الكيميائية ثم تراجعت عن ذلك إن ذلك يعطي إشارة أن تهديدات الولايات المتحدة هي مجرد زوبعة. وقد استأنف «الأسد» استكمال ترسانته الكيميائية بعد قيام المجتمع الدولي بتفكيك ترسانته الأولية.

الرئيس القادم للولايات المتحدة لديه حمل ثقيل للتعامل معه. وهو يحتاج أولا إلى إصلاح الأضرار الناجمة عن 16 عاما من السياسات الفاشلة في الشرق الأوسط.

المصدر | سمير التقي وعصام عزيز - ميدل إيست بريفينغ

  كلمات مفتاحية

أوباما أمن الخليج سوريا العراق روسيا مصر تركيا الرئاسة الأمريكية إيران العلاقات الخليجية الأمريكية

كيف سينظر الرئيس الأمريكي القادم إلى السعودية؟

«و.س. جورنال»: ثلاثة أمور على الرئيس الأمريكي أن يدركها بخصوص السعودية

«كلينتون» أم «ترامب»: كيف ينظر السعوديون إلى الانتخابات الأمريكية؟

«فورين بوليسي»: كيف ينظر الرئيس الأمريكي إلى السعودية؟

ما الذي قد تعنيه رئاسة «ترامب» بالنسبة إلى دول الخليج؟

خيانة «أوباما» الكارثية: البيت الأبيض يهدي الانتصارات لـ«الأسد» وروسيا وإيران

التعاون الثنائي في مكافحة الإرهاب والتغيرات في القيادة السعودية

السعودية ستحصد ما تزرعه أميركا الآن في العراق وسوريا

لا حل يناسب إيران في سوريا موحدة