العراقية «زها حديد» أسطورة الهندسة المعمارية في فيلم عالمي

الخميس 9 يونيو 2016 01:06 ص

رمقت العراقية «زها حديد» الحضارات الهندسية بنظرة تغيير، من وجهة نظر نقاد وأكاديميين، يرونها أهدت الحجر منحة النطق فصار إبداعها المعماري صاحب لغة خاصة ازدهرت معها هندسة مرهفة وغير تقليدية، وتشكل انقلابا على السائد.

وطوعت «زها حديد» الحديد فجاء على أوراق تصميمها لينا وبحساسية عالية حتى سطع اسمها في سماء الهندسة المعمارية.

سيرة فنية

سيرة المهندسة العراقية الشهيرة جرى تناولها في فيلم وثائقي عرض في بيروت تحت عنوان (تخيّل... زها حديد: من يجرؤ يكسب) من إنتاج محطة بي.بي.سي.

وجاء عرض الفيلم بمبادرة من «مهرجان بيروت للفيلم الوثائقي» الذي كان يستعد لعرضه في الخريف، لكن بعد رحيل «زها» فجأة في مارس/ آذار الماضي وهي في أوج عطائها فضلت إدارة المهرجان إطلاقه تكريما لنجاح أسطوري لامرأة استثنائية.

يعرض الفيلم جوانب من حياتها في «لفتة حب لكل ما هو جميل ومبدع ورائد في الثقافة العربية» كما جاء في منشور للمهرجان وزع قبيل عرض الفيلم.

ويبرز الفيلم كيف جابت بنت حضارات العراق المدن مزودة بخرائط عابرة للتقليد فبنت مملكتها المميزة وتمكنت من نشر ذوقها ونثره على شوارع وجامعات وعواصم تحكي اليوم لغتها.

الفيلم يتناول حياتها عبر  زيارة ابنيتها التي صممتها من النمسا إلى أذربيجان، ومن المقرر إطلاقه في بيروت في افتتاح النسخة الثانية من «مهرجان بيروت للفيلم الوثائقي» في الفترة من الثامن إلى الثالث عشر من نوفمبر/تشرين الثاني.

وتظهر «زها» طفلة في الفيلم عبر صور فوتوغرافية، ابنة لأحد قيادات الحزب الوطني الديمقراطي العراقي ووزير المالية الأسبق «محمد حديد» الذي اشتهر بتسيير اقتصاد العراق خلال الفترة من عام 1958 حتى 1963.

وتنقلت من طالبة للعلم في «لندن» إلى واحدة من أبرز المهندسين المعماريين الذين غيروا نظرة الناس للعالم من خلال الأبنية.

وقالت «زها حديد» في الفيلم الوثائقي الذي أنتج قبل وفاتها بأشهر: «كنتُ طفلة فضولية جدًا.. العراق كان آنذاك مكانا رائعا والناس فيه رائعون والمجتمع منفتح».

وأضافت: «تعلمت في مدرسة للراهبات، كنت فتاة مسلمة في مدرسة للراهبات.. كان وقتا مثيرا للاهتمام في بغداد آنذاك.. كانت الحرية حاضرة بشكل جميل.. صغيرة أردتُ أن أصبح مهندسة.. كان لأهلي عقل منفتح.. وأنا في الثامنة من عمري كنت أختار ثيابي.. عام 1972 سافرت إلى لندن».

وفي عام 1975 أسست «حديد» عملها الخاص.. كانت ترسم حتى ساعة متأخرة من الليل، وفي 1983 فازت بمسابقتها الأولى.

بعض الذين جرت مقابلتهم في الفيلم قالوا إن كونها امرأة زاد من صعوبة عملها في مهنة كان يهيمن عليها الرجال في العالم العربي.

وقال أحد أساتذتها الجامعيين: «كان واضحا أنها ستصبح اسما محوريا في تاريخ الهندسة.. كان من المستحيل إيقاف مسارها»، وأوضح الأستاذ «إلياس زنجاليس»: «كانت مصدر إلهام...كانت زها ريادية».

ويصور الفيلم جوانب أخرى من حياتها حيث أنها لم تكتف بالتصاميم المعمارية فحسب بل صممت أيضا أشياء أخرى بدءا من الأثاث ووصولا إلى الأحذية.

من جانبها قالت «أليس مغبغب»، مديرة مهرجان بيروت للفيلم الوثائقي: «الفيلم ممتاز لامرأة ممتازة.. الشغل الذي قاموا به لتصميم الفيلم بديع جدا ويصب في خدمتها منذ طفولتها إلى حين وفاتها».

وأضافت لوكالة «رويترز» بعد نهاية العرض: «لا شك أنها ساهمت في تطور الإنسان وتغيير نظرته إلى العالم.. عندما شاهدنا وسمعنا كيف تصمم وكيف تفكر فإن هذا غير من نظرتنا إلى الأمور.. صرنا نفهم أكثر ما هو معنى المباني والتصاميم التي تقوم بها».

وتابعت: «لقد ساهمت بتغيير مدن بأكملها كما هو الحال في المباني التي أنشأتها في أذربيجان مثلا.. لقد غيرت كل المدينة».

فيما قالت «ميرنا خوري»، مديرة العلاقات العامة للمهرجان: «هذا الفيلم يجعلنا نكتشف ما هي معاناتها وماذا حلمت وكيف صممت.. اليوم هذا الفيلم يجعلنا ننظر إلى زها حديد بطريقة مغايرة».

وولدت «زها حديد» في بغداد عام 1950 واستقرت في لندن حتى أصبحت المرأة الأكثر نجاحًا في الهندسة المعمارية، وهي واحدة من مجموعة من النجوم العالميين لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة غيروا نظرة الناس إلى العالم من خلال الأبنية.

التزمت «زها» بالمدرسة التفكيكية التي تهتم بالنمط والأسلوب الحديث في التصميم ونفذت 950 مشروعًا في 44 دولة، وتميزت أعمالها بالخيال حيث كانت تضع تصميماتها في خطوط حرة سائبة لا تحددها خطوط أفقية أو رأسية، كما تميزت أيضا بالمتانة حيث كانت تستخدم الحديد في تصاميمها.

ومن أبرز المشاريع التي قامت بها محطة إطفاء الحريق في ألمانيا ومبنى متحف الفن الإيطالي في روما وجسر أبوظبي ومركز لندن للرياضات البحرية، والذي تم تخصصيه للألعاب الأوليمبية التي أقيمت عام 2012 ومحطة الأنفاق في ستراسبورج، والمركز الثقافي في أذربيجان والمركز العلمي في ولسبورج بألمانيا، ومركز حيدر علييف الثقافي في باكو.

نالت العديد من الجوائز الرفيعة والميداليات والألقاب الشرفية في فنون العمارة وكانت من أوائل النساء اللواتي نلن جائزة بريتزكر في الهندسة المعمارية عام 2004 وهي تعادل في قيمتها جائزة نوبل.

وحازت وسام الإمبراطورية البريطانية والوسام الإمبراطوري الياباني عام 2012، كما حازت على الميدالية الذهبية الملكية ضمن جائزة ريبا للفنون الهندسية عام 2016 لتصبح أول امرأة تحظى بها.

سيرة ذاتية

وفارقت «زها حديد» الحياة يوم 31 مارس/آذار الماضي، عن عمر يناهز 65 عاما إثر نوبة قلبية في مستشفى في مدينة ميامي الأمريكية.

درست «زها» المستوى الثانوي في بغداد ثم حازت على شهادة الليسانس في الرياضيات من الجامعة الأمريكية في بيروت سنة 1971، كما تلقت تعليمها في تخصص العمارة في الجمعية المعمارية في لندن وحصلت على شهادتها في سنة 1977.

عرف والدها بتسيير الاقتصاد العراقي في الفترة بين 1958 و1963، وتخرجت سنة 1977 في الجمعية المعمارية في لندن.

اشتهرت «زها» في الأوساط الأوروبية عموما وفي الوسط البريطاني بشكل خاص، حيث عملت كمعيدة في كلية العمارة سنة 1987 وعملت كأستاذة زائرة أو ما يسمى أستاذة كرسي في العديد من الجامعات في أوروبا وأمريكا من بينها جامعات هارفرد و شيكاغو و هامبورغ وأوهايو وكولومبيا ونيويورك وييل.

عرفت «زها» بكونها نشيطة أكاديميًا منذ بداية مسيرتها المهنية عندما بدأت التدريس في الجمعية المعمارية، وكان أول نشاط لها في مجال المعمار في مكتب «ريم كولاس» و«إليا زنجليس» مالكي مكتب OMA ثم أسست مكتبها الخاص سنة 1978.

وفي سنة 1994 تم تعيينها كأستاذة في منصب «كينزو» تاجيه في قسم التصميم في جامعة هارفارد وفي منصب سوليفان في جامعة شيكاغو في مدرسة العمارة كأستاذة زائرة و بقيت إلى غاية وفاتها أستاذة زائرة في بعض الجامعات كجامعة ييل.

ألقت «زها» العديد من المحاضرات في أماكن كثيرة في دول العالم وكانت عضو شرف في الأكاديمية الأمريكية للفنون والأدب والمعهد الأمريكي للعمارة.

ونظمت العديد من المعارض الدولية لعرض أعمالها الفنية التي تشم التصاميم المعمارية والرسومات واللوحات الفنية.

المصدر | الخليج الجديد+وكالات

  كلمات مفتاحية

زها حديد هندسة معمارية لندن العراق فيلم مهرجان بيروت

وفاة العراقية «زها حديد» أهم مهندسة معمارية في العالم عن 65 عاما

قطر تشيد فندقا على شكل زهرة الخزامى من تصميم «زها حديد»