«ستراتفور»: أبوظبي تفقد هيمنتها الاقتصادية لصالح دبي .. والسعودية قد تتجاوزهما

السبت 2 يوليو 2016 11:07 ص

مثلها مثل سائر جيرانها من دول مجلس التعاون الخليجي، أمضت أبوظبي، عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة، العامين الماضيين تنازع ضد انخفاض أسعار النفط. لتحمل آثار تراجع عائدات النفط، اتخذت الإمارة نهجا مشابها لدول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، وقامت بإدخال سلسلة من الإصلاحات لإعادة هيكلة الطاقة والقطاعات المالية وجذب الاستثمار والتنمية الخارجية. وعلى الرغم من أن خطط أبوظبي قد شهدت العديد من التعديلات والسياسات الجديدة التي من شأنها استقطاب المزيد من المواهب والكوادر الوافدة، إلا أنها على المستوى الاقتصادي تخسر المزيد والمزيد من الأرض لصالح منافستها إمارة دبي.

سوف يبقى المضي قدما أولوية سياسية لا مثيل لها في أبوظبي، مدعومة بتأثير عائلة آل نهيان المالكة التي أسست دولة الإمارات العربية المتحدة. ولكن ما لم تتمكن أبو ظبي من تحقيق التنويع الاقتصادي الذي تم تحقيقه في دبي، فإن قوتها في البلاد قد تضعف. وعلاوة على ذلك، في الوقت الذي تخوض فيه أبوظبي معركة الحفاظ على قوتها الاقتصادية في دولة الإمارات العربية المتحدة، فإنها تخوض ذات المعركة على مستوى مجلس التعاون الخليجي. في تلك الساحة، ستكون المملكة العربية السعودية أكبر منافس لها.

تحليل

كبلد منتج للنفط، فإن أبوظبي، الإمارة الأكبر في دولة الإمارات العربية المتحدة، تتفوق على سائر البلاد بهامش كبير. تنتج أبوظبي 3.08 مليون برميل من النفط يوميا في حين أن سائر البلاد تنتج ما بين 30-50 ألف برميل يوميا تأتي على وجه الحصر من دبي. قبل تحطم أسعار النفط في عام 2014، شكل النفط أكثر من 50% من الناتج المحلي الإجمالي للإمارة، وهي نسبة أعلى مما كان عليه الأمر في المملكة العربية السعودية. أعطت سنوات من أسعار النفط المرتفعة أبوظبي وسادة من الاحتياطيات المالية أكبر بكثير من الإمارات التابعة لها وجعلت منها الإمارة الأكبر اقتصاديا. وحتى مع ذلك، فقد أدركت العاصمة أنها بحاجة إلى تنويع اقتصادها من أجل البقاء واقفة على قدميها على المدى الطويل.

البداية مع البنوك

ترك التركيز على النفط في الإمارة باقي القطاعات مهملة نسبيا مقارنة بالحال في دبي. لكن هذا قد يتغير قريبا. أعلن أكبر بنكين في أبوظبي وهما بنك أبوظبي الوطني وبنك الخليج الأول في 19 يونيو/حزيران أنهما يستكشفان فرص اندماج من شأنه أن يخلق البنك الأكبر في الخليج. بعد أسبوعين، أعلنت أبوظبي عن اندماج اثنين من أكبر صناديقها السيادية وهما صندوق مبادلة للتنمية وشركة الاستثمارات البترولية الدولية «إيبيك».

كواحدة من الشركات الاستثمارية الأكثر احتراما في أبو ظبي، فإن «مبادلة» يتم قيادتها من قبل تكنوقراط تلقوا تعليما غربيا تتحكم الكفاءة في ترقياتهم بأكثر مما تفعل الصلات الشخصية. وكثير منهم منذ ذلك الحين انتقلوا إلى مواقع أكثر أهمية في قيادة الإمارة. على سبيل المثال، تم تعيين الرئيس التنفيذي السابق للشركة لشؤون الطاقة رئيسا لشركة أبوظبي الوطنية للنفط في فبراير/شباط. أحد مسؤولي «مبادلة»  الآخرين يجلس الآن في المجلس التنفيذي للإمارة مسؤولا عن قسم المالية. على النقيض من ذلك، فإن «إيبيك» تعاني من سوء الإدارة، وقد شغلت في سلسلة من التغييرات القيادية على مدار السنوات الماضية. وعلاوة على ذلك، فقد كان العائد على استثماراتها في عدة أصول للطاقة في الخارج، مثل مصافي النفط، باهتا.

عبر دمج «إيبيك» مع مبادلة، فإن أبوظبي تأمل ربما في استعادة سمعة الصندوق المتخبط قبل أن تصير أسوأ من ذلك. وفي الوقت نفسه، فإن الاندماج يساعد الشركة الأكثر نجاحا على توسيع استثماراتها في مجال الطاقة وراء «مبادلة»  للبترول. وعلاوة على ذلك، فإن «مبادلة» تعمل مع المبادرات الرئيسية الأخرى في أبوظبي لإنشاء مركز الاستثمار الدولي المعروف باسم سوق أبوظبي العالمية. بدأ المركز عمله رسميا في أكتوبر/تشرين الأول عام 2015 مع ملاحظة بسيطة: فعل ما فعلته دبي قبل 10 سنوات.

صعود دبي

على مدار العقد الماضي، ازدهر القطاع المالي في دبي بشكل ملحوظ. منذ عام 2007، منذ تم إدراجها لأول مرة في ترتيب مؤشر المراكز المالية العالمية، ارتفعت دبي 12 مركزا محققة المركز الـ13 عالميا في مارس/أذار الماضي. تدين الإمارة في جزء كبير من نجاحها إلى الانفتاح المالي وكذلك لنمو مركز دبي المالي العالمي. تم إنشاء المركز في عام 2004 كوسيلة لتنويع الاقتصاد بعيدا عن الاعتماد على النفط في أعقاب انحسار طفرة النفط في التسعينيات. ويبدو أن الأمر قد عمل بشكل جيد حيث تشير حسابات اليوم أن النفط والغاز يشكلان نسبة ضئيلة جدا من الناتج المحلي الإجمالي في دبي. من أجل جذب الاهتمام، فقد تم تصميم مركز دبي المالي مع عدد من الحوافز للقطاع المالي، بما في ذلك عدم وجود ضرائب مباشرة على أرباح الشركات، إضافة إلى قوانين عمل مرنة ونظام تقاضي قوي مستقل.

بفضل مركز دبي المالي العالمي وغيرها من المناطق الاستثمارية المستقلة نسبيا، التي تستضيف العديد من شركات التكنولوجيا ووسائل الإعلام الرائدة في العالم، فقد ساعدت دبي في بناء سمعة دولة الإمارات العربية المتحدة كموقع رئيس للعمالة الوافدة. كانت مساهمة أبوظبي أقل وضوحا في هذا الصدد ويرجع ذلك إلى الفارق في سياسة الإمارتين.

تدير دبي مركز دبي المالي العالمي وفقا لديناميات السوق بالمقارنة بالرقابة المشددة التي تفرضها أبوظبي على شركات القطاع العام التي تكثر هناك. خلال عامي 2009 و 2010، استجاب مركز دبي المالي العالمي للأزمة المالية العالمية عن طريق خفض نسبة كبيرة من فرص العمل لتحقيق التوازن وهو أمر لا يمكن تصور حدوثه في شركات القطاع العام في أبوظبي. وقد مكنت قوانين أخرى دبي لتصبح مركزا رئيسيا للطيران محافظة على اقتصاد الإمارة منوعا أفضل من أي منطقة أخرى في الشرق الأوسط. إضافة إلى الحفاظ على غناها بطبيعة الحال.

ويبدو أن أبوظبي قد لاحظت الأمر. مثل مركز دبي المالي العالمي، فإن سوق أبوظبي العالمية تحوي نظاما مستقلا للمحاكم. وهي وكالة تنظيمية مالية مستقلة ولا تفرض ضرائب على دخول الشركات أو الأفراد. كما أنها تسمح بتحويل الأرباح ورؤوس الأموال. لتمييز نفسها من دبي، فإن أبوظبي تقوم باستخدام التكنولوجيا بشكل مكثف في سوق أبوظبي. «مبادلة» تخطو خطوات كبيرة في هذا المسعى، على سبيل المثال، من خلال إنشاء مجمع نبراس العين للطيران والذي يهدف إلى جذب الاستثمارات وتعزيز صناعة الطيران الإقليمية. نجحت مبادلة للرعاية الصحية مؤخرا أيضا في استقدام عيادة كليفلاند الشهيرة إلى أبوظبي. وعلى الرغم من أن نجاحها سوف يتم الشعور به بشكل تدريجي، فإنها سوف تساعد على المدى الطويل في استعادة أبوظبي لمكانتها في قطاع الرعاية الصحية وزيادة المنافسة مع دول مجلس التعاون الخليجي.

وعلى الرغم من اعتماد العديد من السياسات في مركز دبي المالي العالمي، فإن سوق أبوظبي يواجه معركة صعبة لجذب الانتباه. بعد كل شيء، فإن دبي قد صارت مركزا ماليا عالميا راسخا وهي تتمتع ببنية تحتية للمواني تعزز من جاذبيتها المالية وذلك بفضل قرار العائلة المالكة بتشييد ميناء منذ الخمسينيات. الأهم من ذلك، إذا كانت أبوظبي تريد تكرار تجربة دبي، فإنها سوف تضطر إلى تغيير ممارسات مواطنيها لتصبح أكثر تلاؤما مع السوق. ويبدو أن استثمارات مبادلة تلعب دورا جيدا في ذلك.

المنافسة الأوسع

ولكن دبي ليست هي المنافس الوحيد لأبوظبي. هدف أبو ظبي في نهاية المطاف هو أن تصبح مركزا استثماريا متميزا في دول مجلس التعاون الخليجي، ولكن المملكة العربية السعودية على وجه الخصوص تنافس أيضا على هذا الموقع. في الواقع، فإن كل منهما تشرعان في خطة إصلاحية تحمل نفس الاسم، خطة 2030، مستعينة بنفس الأسس الثلاثة: إعادة هيكلة الاقتصاد لزيادة الشفافية والكفاءة، وتنويع القاعدة الصناعية بعيدا عن التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي، وتحرير مراكزها المالية لجذب الاستثمارات. وفي حين أن القاعدتين الأوليين لا تمثلان بالضرورة مجالا للمنافسة بين دول الخليج فإن الأخيرة سوف تصبح مثارا للجدل بشكل متزايد في الوقت الذي يتنافس فيه معظم منتجو النفط في دول مجلس التعاون الخليجي لإنشاء المراكز المالية لقيادة تكتلات اقتصادية.

على الرغم من تشابه خططها مع المملكة العربية السعودية، فإن أبوظبي قد بدأت جهودها قل سنوات. تم إعلان مبادرة الإصلاح  في أبوظبي قبل 8 سنوات من المملكة العربية السعودية، واستفادت الإمارة من علاقتها الودية مع الغرب في جذب الموارد والكوادر الوافدة. في الواقع، فإن قطاع الاستثمار في المملكة العربية السعودية ربما يكون الأبطأ نموا بين دول مجلس التعاون الخليجي. ومع ذلك فإن المملكة العربية السعودية هي موطن لأكبر سوق للأسهم في المنطقة، «تداول»، والذي تخطط لفتحه أمام المستثمرين الماليين. إذا تم فتح هذا السوق بالكامل أمام المستثمرين الدوليين فإنه سيكون بمثابة سوق ذا حجم  غير مسبوق في الشرق الأوسط. تأمل السعودية أيضا في أن يدعم صندوق الاستثمارات العامة الجديد الذي تتجه لإنشائه جهودها الجريئة في تنويع الاقتصاد. كل ذلك في حال نجاحه من شأنه أن يجعل المملكة العربية السعودية مركز استثمار حقيقي في دول مجلس التعاون الخليجي حتى بعيدا عن التدفقات الهائلة المحتملة للاكتتاب الأولي في شركة أرامكو.

إذا نجحت المملكة العربية السعودية في جهودها الإصلاحية فإن مركزها المالي يمكن أن يتجاوز كل من دبي وأبوظبي. ضمن تركيبة دول مجلس التعاون الخليجي، كانت دولة الإمارات العربية المتحدة الأكثر جرأة في تطبيق الإصلاحات المالية والاقتصادية. ترغب البلاد في الحفاظ على مكانتها كمركز مالي في مجلس التعاون الخليجي. ولكن التطور السعودي المحتمل من المرجح أن يدفع إلى تقارب بين المراكز المالية في دبي وأبوظبي بدوافع وطنية.

لا يوجد بوادر لمثل هذه الجهود في الوقت الراهن، حيث تنخرط الإمارتان في تنافس محموم. تدرك أبوظبي أن عائدات النفط لم تعد توفر لها ذات الضمان المالي كما كان في السابق. على الرغم من أن عائلة آل نهيان ستحافظ على حكمها، فإنه قد لا يكون كافيا للحفاظ على صدارة أبو ظبي في دولة الإمارات العربية المتحدة في الوقت الذي يتزايد فيه تأثير دبي. إذا لم تستطع أبوظبي محاكاة جهود التنويع في دبي فإنها سوف تفقد مكانتها باعتبارها المحرك الاقتصادي لدولة الإمارات العربية المتحدة عاجلا وليس آجلا.

  كلمات مفتاحية

أبوظبي دبي الرياض مركز مالي تنويع اقتصادي

أيبيك بأبوظبي تسجل خسائر 2.6 مليار دولار في 2015 مع هبوط أسعار النفط

خبراء: التقشف خيار أبوظبي لمواجهة انخفاض النفط

«بن راشد» يطلق استراتيجية دبي الصناعية 2030

«ستراتفور»: الإصلاح السعودي قادم وقادة المملكة جادون في تحقيقه

اتفاقية تنقيب عن النفط بين «البترول الوطنية الصينية» و«مبادلة» الإماراتية