من سيدفع الثمن؟ أسئلة بلا إجابات حول الاتفاق الأمريكي الروسي في سوريا

السبت 23 يوليو 2016 08:07 ص

تطرح المسودة المسربة للاتفاق بين الولايات المتحدة وروسيا حول سوريا العديد من التساؤلات، بل وعلامات التعجب أيضا. ولكن علينا أولا أن نجد الطريقة الصحيحة لقراءة نص الاتفاق. ومثل كل النصوص المماثلة في مثل تلك الظروف، فإنه فلا يمكن قراءتها إلا من خلال الفهم الجيد للأوضاع على الأرض.

بشكل عام، يمكننا قراءة نص الاتفاقية في سياق اعتبار سوريا مقسمة إلى ثلاثة أقسام:، المنقطة أ والتي يسيطر عليها «نظام الأسد»، والمنطقة ب التي يسيطر عليها أحزاب وجماعات المعارضة سوى «الدولة الإسلامية»، والمنطقة ج التي تسيطر عليها «تنظيم الدولة». لا توجد مشاكل كبرى تتعلق بالمنطقة أ أو المنطقة ج، ولكن المشكلة تكمن في المنطقة ب التي يتصارع عليها الجميع، وتشمل مناطق الصراع في حلب والواجهة الجنوبية لدمشق وحمص وحماة. ولكن أكثرها أهمية هي حلب والمناطق الجنوبية من دمشق.

وكأي اتفاقية أخرى، تلخص المسودة أهداف الموقعين عليها بالعمل معًا على هزيمة جبهة النصرة و«تنظيم الدولة»، في سياق تعزيز وقف الأعمال العدائية، ودعم عملية التحول الديمقراطي المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن رقم 2254. والسؤال الذي يقفز للعقل هنا: أين بيان جنيف الصادر في 2012، والذي وقعت عليه الدولتان من هذا السياق؟ ويبدو أن الولايات المتحدة قد تراجعت عن الالتزام بالعديد من نقاط هذا البيان، حيث يعد الالتزام بقرار الأمم المتحدة وحده تراجعاً عن مبدأ «الدولة الإسلامية» أولا كهدف للقوى الغربية.

وكما هو موضح بالأعلى، فإن شروط الاتفاق تستهدف التعامل ضد جبهة النصرة، حيث نصت الاتفاقية على الآتي:

استهداف جبهة النصرة: يلتزم المشتركون بدعم استهداف جبهة النصرة. وفور إقرار ممثلي الاتفاقية بتوافر المعلومات اللازمة يتم التعاون في استهداف الجبهة. ويطور الطرفان سلسلة الأهداف المستهدفة تبعاً لعملية الاستهداف لكل طرف. ويلتزم المشتركون في الاتفاقية بالتعاون في استهداف الأهداف الجديدة. ويتم التعاون والتنسيق في تعقب الأهداف وتحديد المكان والزمان.

أسئلة مشروعة

هناك العديد من الأسئلة في هذا الشأن:

أولا: كيف سيتعاون الطرفان في تحديد مواقع جبهة النصرة بدقة في الوقت الذي تختلط مواقعها مع الجماعات الأخرى في تشابك عجيب، مثلما في حلب أو إدلب؟ فالمواقع تتغير يوميًا، وفي بعض الأحيان كل ساعة.

ثانيا: هل تلزم الاتفاقية روسيا بعدم إلقاء القنابل على الأهداف الأخرى غير المنصوص عليها في الاتفاقية؟

من الممكن أن تقر الولايات المتحدة أن أحرار الشام ليست هدفًا، على سبيل المثال، بينما تراها روسيا هدفًا. ماذا سيحدث في تلك الحالة؟ فقد قصفت روسيا عدة مواقع بدعوى أنها مقار للإرهابيين، قبل أن نكتشف بعد وقت قصير أنها مجرد مستشفيات ومدارس. فهل سيعمل الروس بشكل فردي في مناطق وبشكل مشترك مع الولايات المتحدة في مناطق أخرى؟ كيف سيفرق السوريون إذا بين هؤلاء الذين يتصرفون بشكل فردي، والآخرين الذين يعملون بشكل مشترك؟

ثالثا: دعونا نتخيل هذا السيناريو: قوة حليفة للأسد تتعرض للهجوم من الجيش السوري الحر. ويقرر «الأسد» أنه يتوجب عليه دعم قواته بالقوة الجوية. يسأل الروس لمساعدته في ذلك. إذا لم يستجيبوا له، يقوم بإرسال قواته الجوية على أي حال وإلقاء البراميل المتفجرة. ماذا ستفعل كلًا من الولايات المتحدة وروسيا حيال ذلك؟

الشرط الوحيد وفقاً للاتفاقية هو «أن يتم توفير معلومة مسبقة حول العمليات الجوية التابعة للنظام وتوفير تقرير يومي عن تغير أماكن طائرات النظام. فيما يقوم المشاركون بوضع تدابير للمساعدة في تأكيد الالتزام العسكري لطائرات النظام السوري بأماكن العمليات». وعلى الرغم من ذلك، تنص الاتفاقية على أن «النظام ممنوع من التحليق فوق أماكن محددة تشمل المناطق التي تشهد تركيزا مكثفًا لجبهة النصرة، وأخرى تشهد سيطرة من المعارضة».

رابعا: حسناً، هل هذه المناطق محددة بشكل عام؟ هل تشمل حلب أو إدلب أو درعا أو الغوطة؟ وهل لدى الروس الحق في قصف هذه المناطق بالوكالة عن النظام؟ وماذا لو قام النظام بقصفها؟ ما هي ردة فعل طرفي الاتفاقية في هذا الوقت؟

كل العمليات المذكورة أعلاه كأمثلة ليست محض خيال أو سيناريوهات غير واقعية. فهي تحدث في كل وقت، ولا يبدو أن الاتفاقية قد أتت على ذكر كيفية التعامل معها على أرض الواقع. فهي تشير فقط إلى أن القوتين «يمكنهما العمل معًا». لكنها لم تحدد العمل معًا من أجل فعل ماذا بالضبط؟

خامسا: هل تملك الولايات المتحدة حق الفيتو لرفض شن غارات روسية على الجماعات غير الإرهابية؟ ابحث في الاتفاقية كما تشاء ولن تجد ذلك. ما نجده فقط في هذه الاتفاقية أن الولايات المتحدة ستكون بمثابة ديكور لتجميل شكل روسيا. هل يخدم ذلك صورة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط؟

إذا تم تطبيق هذه الاتفاقية، فإن نتائجها ستكون خسارة صافية للولايات المتحدة في سوريا. وستشترك الولايات المتحدة في حمل وزر الاستخدام الوحشي الروسي للقوة العسكرية، الحقيقي أو المتصور.

والأبعد من ذلك، فإن فرص الوصول إلى وقف إطلاق نار حقيقي تتضاءل في ظل هذه الاتفاقية. فوقف إطلاق النار يعتمد على توازن القوى. ومع هذه الاتفاقية تميل الكفة ناحية «الأسد» الذي قاتل لكسر وقف إطلاق النار من قبل، ولا شيء الآن يجعله يوافق على وقف إطلاق نار جديد.

في مواقف عديدة، لم تمنع روسيا «الأسد» من اختراق وقف إطلاق النار، بل وساعدته في ذلك في بعض الأوقات، فلم توافق الولايات المتحدة أن تصبح شريكة لقتلة من هذا النوع؟

ربما تكون أفضل إجابات المبررين لذلك أن المعارضة لديها بعض العناصر الخطرة التي تتعاون مع جبهة النصرة. وكل ما نحاول فعله هو حماية المدنيين من خلال وقف إطلاق النار. ونريد أيضا توسيع المسافة بين «الأسد» وروسيا مما قد ينتج عنه أن تقوم روسيا بإجبار «نظام الأسد» على عدم قصف المناطق المحددة المتفق عليها.

لكن الجماعات التي تتعاون مع جبهة النصرة تقع أيضا تحت ضغط القوة الوحشية للأسد وحلفائه من الروس والإيرانيين. وهو موقف مشابه لموقف الولايات المتحدة في العراق. ويشبه هذا التنسيق مع الذين يقاتلون في نفس معسكر حزب الله الذي قتل المئات من جنود المارينز الأمريكيين.

والأكثر من ذلك، فإن الفجوة بين «الأسد» وروسيا لن تتسع بهذه الطريقة الساذجة بأي حال من الأحوال. حيث صرح «الأسد»، وهو محق في الواقع، أن روسيا هنا من أجل أهدافها الاستراتيجية.

أما إذا كان الهدف من هذه الاتفاقية بالنسبة للولايات المتحدة هو قطع الطريق أمام «الصقور» الذين يعملون على عودة أشباح الحرب الباردة، فسيكون هذا شأنا آخر. ويبقى السؤال: لماذا يتعين على الشعب السوري دفع الثمن في هذه القضية التي لا تتعلق بقتاله من أجل الحرية؟

المصدر | سمير التقي وعصام عزيز - ميدل إيست بريفينج

  كلمات مفتاحية

سوريا بشار الأسد الولايات المتحدة روسيا أوباما جبهة النصرة الدولة الإسلامية

الخيانة الأمريكية في سوريا: كيف تعزز الولايات المتحدة بقاء «الأسد»؟

الدولة البوليسية: كيف نجح «الأسد» في البقاء بعد 5 سنوات من الحرب؟

خيانة «أوباما» الكارثية: البيت الأبيض يهدي الانتصارات لـ«الأسد» وروسيا وإيران

خدعة «بوتين»: كيف تم استخدام جنيف كغطاء سياسي للحل العسكري الروسي في سوريا؟

كيف تبنى «أوباما» خطة «بوتين» في سوريا وأعطى «الأسد» نصرا دبلوماسيا؟

«بروكنغز»: كيف ترتكب كل من روسيا والولايات المتحدة نفس الأخطاء في سوريا؟

النظام السوري يقصف مستشفيات بحلب ويقول إنه مستعد لمواصلة محادثات السلام

«كيري»: نأمل في إعلان خطة للتعاون مع روسيا بشأن سوريا في أغسطس

النظام السوري يهدد بمصادرة استثمارات دول الخليج بحجة دعمها للمعارضة

مدير الاستخبارات الأمريكية: قد لا تعود سوريا موحدة مرة أخرى

البنتاغون يواجه موقفا غير مسبوق بتعاونه مع روسيا في سوريا