إيران وليست «التهديدات الإرهابية» هي المحرك الأول للإنفاق العسكري الخليجي

الخميس 11 أغسطس 2016 10:08 ص

يلقي الدكتور «ياروسلاف يارزابك» في دراسة نشرها معهد الشرق الأوسط الضوء على زيادة الإنفاق العسكري من قبل دول مجلس التعاون الخليجي في سياق التطورات الإقليمية والعالمية، وما يشير إليه نوعية السلاح الذي تقتنيه دول الخليج من أنها لا تتهيأ فقط لمحاربة الإرهاب، بل ولمواجهة التهديدات الخارجية أيضًا وفي مقدمتها إيران.

النقاط الرئيسية

تسبب الغزو الأمريكي للعراق في 2003 في تصاعد متسارع ولم يسبق له مثيل في الإنفاق العسكري من قبل دول مجلس التعاون الخليجي. لا تبدو الاضطرابات الداخلية وتهديد الإرهاب السبب الرئيسي في الزيادة الكبيرة في الإنفاق العسكري في الآونة الأخيرة، حيث كانت غالبية العمليات الشرائية للسلاح الثقيل، مثل الطائرات المقاتلة والمدرعات وأنظمة الصواريخ.

يبدو أن مجلس التعاون الخليجي يسلح نفسه في مقابل التهديدات الإيرانية، وكذلك بسبب التخوف من سياسات الولايات المتحدة الجديدة تجاه المنطقة. كما عكس ارتفاع الإنفاق العسكري الخليجي ارتفاع أسعار النفط في وقت ما، ولكن على الرغم من انخفاض أسعار النفط الآن، فإن الإنفاق العسكري لم ينخفض.

وتخلص الدراسة إلى أن الحد من التوترات بين إيران ودول المجلس يتطلب تنازلات من كلا الجانبين، حيث ستكون تكلفة التنازلات أقل بكثير من تكلفة المسار الحالي من تسليح للجيش والحروب بالوكالة في المنطقة.

مقدمة

يعود ارتفاع النفقات العسكرية من قبل الدول الستة الأعضاء بمجلس التعاون الخليجي في العقود الأخيرة إلى عدة عوامل مرتبطة. أحد هذه العوامل بالطبع التهديدات التي تواجه أمن هذه الدول من اضطرابات داخلية أو تصاعد القوة العسكرية لدول معادية في المنطقة. إلا أنه، وفي الغالب، فإنّ هذه التهديدات تكون من منظور حكام هذه البلاد، والتي من الممكن أن تكون مجرد توجسات عند الحاكم ليس لها ما يعكسها على أرض الواقع، وربما كانت أيضًا في سبيل التلاعب من أجل أغراض سياسية أخرى. وكدول أخرى في منطقة الشرق الأوسط، ربما كان حجم التسليح وأرقامه لتزيين صورة الحاكم وتلبية طموحاته أكثر من الحاجة للدفاع عن الدولة نفسها، وتتيح الثروة النفطية في النهاية دعم هذه الرغبات.

بدأ اشتعال سباق التسلح وزيادة الإنفاق العسكري بين دول الخليج العربي في منتصف الثمانينات، كما أدت أحداث مثل غزو العراق للكويت في دفع الكويت ومعها السعودية والإمارات لدخول سباق الإنفاق العسكري. إلا أن ذلك السباق قد خفت وطأته بعد عام 1992 حين ضعف «صدام حسين» وتواجدت القوات الأمريكية بالمنطقة.

على الرغم من ذلك، عاد سباق الإنفاق العسكري ليشتعل من جديد بدءًا من عام 1997، ولنا أن نتخيل حجم الإنفاق حين نعلم أن إنفاق السعودية العسكري قد ارتفع من 26.5 مليار دولار في عام 1997 ليصل إلى 32 مليار في 2001، كما زاد إنفاق الإمارات من 6 مليار إلى 10 مليار في نفس الفترة. وفي نفس الفترة تضاعف حجم الإنفاق العسكري للبحرين، وظل على نفس المستوى بالنسبة للكويت وعمان، بينما قللت قطر من حجم إنفاقها العسكري.

الاتجاه الصاعد للإنفاق العسكري

لم تتسبب هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول وما تبعها من حرب على الإرهاب في زيادة الإنفاق العسكري لدول الخليج، حيث أننا لو تتبعنا الفترة بين عامي 2001 و 2003 نجد أن الإنفاق قد انخفض لكل من السعودية والإمارات، وارتفع بشكل طفيف عند باقي دول مجلس التعاون. وعلى النقيض من ذلك، أدى غزو التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة للعراق في عام 2003 والإطاحة بنظام «صدام حسين» إلى تصاعد سريع وغير مسبوق في الإنفاق العسكري لدول مجلس التعاون الخليجي. ارتفعت ميزانية الإنفاق العسكري للسعودية بعد الإطاحة بنظام «صدام» من 31 مليار دولار إلى 52 مليار دولار وذلك بين عامي 2004 و2010، وارتفعت بالنسبة للإمارات من 10.5 مليار إلى 18.5 مليار، ومن 4.3 مليار بالنسبة لعمان إلى 5.3 مليار، ورفت قطر ميزانية إنفاقها العسكري من 1.3 مليار إلى 2.1 مليار، بينما ارتفعت ميزانية الإنفاق العسكري في البحرين من 677 مليون دولار إلى 915 مليون، وفقط انخفض الإنفاق العسكري في تلك الفترة في الكويت من 5.5 مليار إلى 5 مليار دولار.

 بينما لم تتسبب أحداث الربيع العربي وما تبعته من أحداث في العراق وسوريا واليمن وليبيا، سوى في تسريع الاتجاه الصاعد للإنفاق العسكري. حيث زودت السعودية من حجم إنفاقها العسكري ليرتفع من 53 مليار دولار في 2011 إلى 85 مليار دولار في 2015، بينما رفعت الإمارات إنفاقها من 18.5 مليار إلى 23 مليار، بينما كانت الزيادات في الإنفاق العسكري لباقي دول المجلس في نفس الفترة كبيرة أيضًا، فالبحرين زودت إنفاقها العسكري من 1.1 مليار إلى 1.4 مليار وعمان من 7 مليار إلى 10 مليار وقطر من 3.5 مليار إلى 5 مليار، بينما وصل الإنفاق في الكويت إلى نحو 6 مليارات دولار.

ولا تبدو الاضطرابات الداخلية أو التهديدات الإرهابية دافعًا رئيسيًا لتزايد الإنفاق العسكري، حيث تظهر الإحصاءات أن المشتريات كانت عبارة عن تسليح ثقيل من طائرات مقاتلة ومدرعات وأنظمة صواريخ، والتي لا تشكل نفعًا في المعركة ضد الإرهاب والجماعات المتمردة.

ربما لا ترى دول الخليج، ولاسيما السعودية، أي تهديد سوى القوة العسكرية والسياسية الصاعدة والطموحة للجار اللدود إيران. يتجلى ذلك إذا ما نظرنا إلى مقارنة بين الإنفاق العسكري لدول مجلس التعاون الخليجي والإنفاق العسكري لإيران. حيث نجد أن الإمارات مع الفارق الشاسع في عدد السكان وعدد جنود جيشها في الخدمة مع مقارنةً بإيران تنفق أقل قليلًا منها عسكريًا، فبينما يصل عد سكان الإمارات إلى 6 مليون نسمة منهم 62 ألف جندي، يصل عد سكان إيران إلى 80 مليون نسمة، بتعداد 523 ألف جندي.

العلاقة بين الإنفاق العسكري وأسعار النفط

يشكل حجم الإنفاق العسكري في غالبية دول مجلس التعاون الخليجي نسبة مرتفعة من الناتج المحلي في تلك الدول مقارنة بالمعدلات العالمية والتي بلغت 2.3% كمعدل عالمي في 2014. حيث أنفقت البحرين 4.4% من ناتجها المحلي في الإنفاق العسكري، وأنفقت عمان نسبة 13.9%، و3.4% في الكويت، وقطر 2.5%، والإمارات 5.7% والسعودية 10.7%.

يأتي هذا بسبب ارتفاع معدلات نمو الناتج المحلي لهذه الدول، والذي يعتمد على تصدير النفط، بشكل كبير ومتسارع خلال تلك الفترة، وهذا ما سهل من تلك الإنفاقات حيث لم تتطلب اقتطاع أموال إضافية من الميزانية أو أية تضحيات.

وتظهر بوضوح العلاقة بين أسعار النفط والإنفاق العسكري في دول مجلس التعاون الخليجي. فمع ارتفاع أسعار النفط والغاز، فإن بلادًا مثل السعودية والإمارات وعمان وقطر قد زادوا من حجم نفقاتهم العسكرية بغض النظر عن حاجتهم الأمنية الحقيقية لهذه الارتفاعات أم لا. أما البحرين فقد اعتادت رفع نفقاتها العسكرية سنويًا بشكل تدريجي ومعقول دون تغيرات جذرية وكبيرة، في الوقت الذي ظل فيه إنفاق الكويت العسكري سنويًا بين 4 إلى 6 مليار دولار.

الحكومة والإنفاق من أجل الحفاظ على الميزانية العسكرية

زادت هذه النفقات وقت سنوات الازدهار، ولكنها تشكل عبئًا كبيرًا على حكومات الخليج وقت الركود. وهذا ما يطرح تساؤلًا حول ما إذا كانت تلك الحكومات ستضحي بأوجه أخرى من الإنفاق العام من أجل الحفاظ على ميزانية الإنفاق العسكري المرتفعة، أم أنها ستضطر لخفض الميزانية العسكرية في قادم السنوات. ومع الحل الأول، ستقوم الحكومة بزيادة الضرائب، وتخفيض الدعم، والحد من النفقات الحكومية العامة وبرامج الإنفاق الحكومي الأخرى، وهو ما يواجه خطورة الغضب الشعبي، والتعرض لاهتزاز في الوضع الداخلي. فالشعوب التي تعودت الحصول على المنتجات والخدمات مجانًا أو بأسعار زهيدة، لن تقبل بسهولة من السلطات أن تتغير هذه الأسعار. وقد دقت أحداث البحرين والكويت والمخاوف مؤخرًا في القطاع الخاص العماني ناقوس الخطر من مثل تلك المحاولات.

ولكن على الرغم من تلك التحذيرات، فإن الحكومات الخليجية تبدو عازمة على التنويع الاقتصادي، مع عدم وجود أي إشارة من قريب أو بعيد لتخفيض النفقات العسكرية أو وضعها من ضمن برنامج تخفيض الإنفاق الحكومي. وقبل كل شيء، فالصراع في العراق وسوريا وليبيا واليمن، بالإضافة إلى تراجع الدور الأمريكي في فرض الأمن في المنطقة يضع العبء على كاهل دول التعاون الخليجي ما يدفعها للحفاظ على ميزانيات إنفاقها العسكري المرتفعة. ويأتي التهديد الذي تشكله إيران لدول الخليج ولاسيما السعودية، كخط أحمر لا يمكن التراجع عن مواجهته بمعدلات الإنفاق العسكري العالية، حتى وإن كان هذا التهديد غير واقعي أو مبالغ فيه. كما أن الصفقات العسكرية بين دول الخليج والدول مصدرة السلاح هي عقود طويلة الأجل، والتراجع عنها أو إعادة المفاوضات بشأنها من المؤكد أنه سيتسبب بدفع شروط جزائية كبيرة.

إذًا فالعلاقة بين الإنفاق العسكري من قبل دول مجلس التعاون الخليجي وأسعار النفط مرتبطة للغاية، لكنها تبدو كطريق خطر باتجاه واحد. ومع أن ارتفاع الإنفاق يتناسب طرديًا مع ارتفاع أسعار النفط، فلا يبدو أنه سينخفض بشكل كبير بالرغم من انخفاض الأسعار. ولكن من المحتمل أن يستقر دون معدلات زيادة كبيرة.

تعزيز القدرات.. أم خفض التوترات

يعد الحفاظ على معدلات الإنفاق العسكري بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي عند مستوياتها الحالية تحديًا كبيرًا يواجه الحكومات الخليجية، وإن كانت قد بدأت بالفعل في عملية إصلاح إقتصادي لمعالجة اعتماد الاقتصاد الكلي على النفط. ولكن بالنظر إلى الفائدة العائدة من هذا الإنفاق العسكري الضخم، نجد أنه وبالرغم من أن السعودية قد سجلت المركز الثاني بين أكبر مستوردي السلاح في العالم بنسبة 7% من حصة سوق السلاح عالميًا، والإمارات رابعًا بنسبة 4.6%، نجد أن إيران لازالت تتفوق بالقوة البشرية، كعدد وتدريب وخبرة عسكرية لأفرادها وحنكة عسكرية لقادتها، كما أنه ومع تفاخر الحكومات الخليجية بنوعية وجودة تسليحها الحديث، تظل إيران تملك الصواريخ الباليستية التي تكشف أغلب المدن الخليجية وتعرضها لخطر كبير في حالة حدوث مواجهات مباشرة.

وطالما ظلت إيران مبعث القلق الأول لدى دول الخليج، فلن تقبل تلك الدول أن تفقد تفوقها النوعي في الأسلحة. وسيتعين على دول الخليج أن ترفع أكثر من نفقاتها العسكرية لمواجهة دخول إيران سباق التسلح الحديث وخاصة مع علاقتها القريبة بروسيا والتي سلمتها مؤخرًا أنظمة الدفاع الجوي الحديثة «إس-300»، وبدأت إيران بالفعل في غلق فجوة التسليح بينها وبين دول الخليج.

أما الحل البديل لسباق التسلح مع إيران والذي سيضغط أكثر على كاهل الحكومات الخليجية، هو إقامة حوار لتخفيف التوترات مع طهران. وهذا بطبيعة الحال كلامًا سهلًا، إذا ما نظرنا لتعقيدات العلاقة وتشبيكاتها. لكن ومع بدء الولايات المتحدة وأوروبا إصلاح العلاقات مع إيران، يمكن لقوى عظمى مثل روسيا والصين أن يلعبوا دورًا وسيطًا كمسهلين لذلك الحوار وضامنين لنتائجه. يتطلب تخفيف التوترات تنازلات من الطرفين، ولكن ستكون تكلفة التنازلات أقل بكثير من تكلفة المسار الحالي من تسليح للجيش والحروب بالوكالة في المنطقة.

 

المصدر | معهد الشرق الأوسط

  كلمات مفتاحية

السعودية إيران الإنفاق العسكري دول الخليج سباق التسلح

«ذي أتلانتيك»: هكذا ترى الشعوب العربية تداعيات الاتفاق النووي مع إيران

سباق التسلح في الخليج .. من المستفيد؟

سباق التسلح في العالم العربي .. لماذا؟

سباق التسلح بين دول الشرق الأوسط يهدد بتكريس مشاكله الأمنية

سباق التسليح في الشرق الأوسط: السعودية الأكثر إنفاقا تليها تركيا والإمارات

المدفعية الإيرانية تقصف منطقة حدودية في أربيل العراقية

«رفسنجاني»: أدعياء خدمة الحرم ينفقون ثروات الإسلام الكبيرة لقتل المسلمين