استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

أردوغان وبوتين والغرب.. الجريمة والعقاب!

الأحد 14 أغسطس 2016 05:08 ص

الجريمة هى بلا شك موقف الغرب من الانقلاب الفاشل فى 15/7 أما العقاب فهو التحالف مع العدو الاستراتيجى للناتو والغرب كله..روسيا..وللمفارقة الطريفة أن المدينة التى التقى فيها الغريمان السابقان يوم الثلاثاء الماضى 9 أغسطس الجاري هى نفس المدينة (سان بطرسبرغ) التى جرت فيها رواية فيودور ديستويفسكى الشهيرة "الجريمة والعقاب" والتى يعتبرها نقاد الرواية إحدى قمم الأعمال الإنسانية.

ولكى لا نذهب بعيدا فى التوقعات والاستنتاجات علينا أن نتذكر أن هذا اللقاء كان مفروضا  له أن يعقد فى ديسمبر 2015، وألغاه موضوع إسقاط الطائرة الروسية فى 24 نوفمبر 2015 والتى يدور بشأنها الأن نقاشا واسعا حول دور جنرالات الانقلاب الفاشل فى حدوثه رغم أنه كان بالإمكان تفادي حدوثه.

لكن هذا لا يمنع بكل تأكيد من النظر لهذا اللقاء نظرة فاحصة وفاحصة جدا..فأن يكون اللقاء بعد خروج "السلطان" من الانقلاب محاطا بكل هذه القوة وكل هذا الحضور.. يختلف بالتأكيد عن ما قبل حدوث الانقلاب.. تقول الحكاية أن الانقلابات الفاشلة عندما تسحق أو تفقد مصداقيتها تمنح (ضحاياها) قوة خارقة.. وعم رجب جاهز تماما الأن لحصد كل النقاط لصالحه.

الموقف الغربى من الانقلاب الفاشل بالفعل "جريمة" فى حق العلاقة التاريخية والاستراتيجية بين تركيا والغرب خاصة فى المرحلة الأردوغانية وترك جرحا لن يكون من السهل التئامه ولن يمر دون "عقاب".. ليس عقاب الانتقام والتلذذ  بل عقاب مراجعة الأولويات والمصالح. هكذا يتشكل التاريخ وتصنع تحولاته وانعطافاته. ولا تزال الحيرة قائمة من التقرير الذى نشرته مجلة فورين بوليسي الشهيرة وثيقة الصلة بدهاليز السياسة الخارجية الأمريكية  في مايو الماضى وعلى لسان جونول تول مديرة مركز الدراسات التركية بمعهد الشرق الأوسط بعنوان "الانقلاب العسكري القادم في تركيا" قالت فيه: "إن الجيش التركي لديه في الواقع أسبابه لحمل الضغينة تجاه أردوغان".

وأيضا ما نشرفى يونيو الماضى وعلى لسان جون حنا نائب مستشار الأمن القومي الأميركي السابق الذى قال صراحة: "ماذا يمكن أن تفعل مع حليف للناتو بات سيئا لهذه الدرجة؟" وقال أيضا: "هل يمكن السماح باستمرار تدهور الوضع في تركيا وجعل العلاقات تسوء مع الشركاء الغربيين التقليديين على سبيل المثال؟ ليس من المستبعد أن ينقلب الجيش على أردوغان في سبيل حماية تركيا من السير باتجاه "ديكتاتورية إسلامية" وفشلها كدولة".

الموقف الغربي كله كان مكشوفاً في الساعات الأولى للانقلاب ما يشير إلى علمهم به مسبقاً فضلاً عما قامت به السفارة الأمريكية في الساعات الأولى للانقلاب من تحذير رعاياها من أعمال عنف بتركيا وصفتها بــ"انتفاضة".. لن ينسى السلطان كل ذلك..

ستزيد الهوة بين تركيا الجديدة وبين الاتحاد الاوروبى وواشنطن وحلف الناتو خاصة مع ما نراه الآن من ترتيب كامل للبيت التركى القديم على مستوى أخطر وأهم مكوناته، الجيش والقضاء والتعليم والإعلام، ليعيد لتركيا روحها ما قبل مرحلة الكمالية مع ما يعنيه ذلك من تغيير لوجهها الكمالى الهجين، ولصالح وجهتها التاريخية الموصولة بذاتها وهويتها وعمقها الحضارى.

تركيا الآن تريد وبقوة أن تكون شريكا رئيسيا في قسمة النفوذ وتقاسم إرث سايكس بيكو أنه التاريخ لا يعيد نفسه ولكنه يعيد توزيع أدواره. تمتلك تركيا الكثير من أوراق الضغط لتحقيق ذلك  ليس فقط الحجم والقوة الاقتصادية والعسكرية والنفوذ السياسي بل وهذا هو الأهم  البعد الحضاري والتواصل التاريخى والمجال الحيوي، بما يجعلها حاضرة بقوة حين يكون هناك حديث عن إعادة تشكيل المنطقة.

أنت تمتلك أكبر اقتصاد وأكبر جيش في المنطقة وبالتالي يجب أن يكون لديك أكبر نفوذ وتأثير..هذه هى الحقيقة وما الإمبراطورية الأمريكية إلا جيوش قوية واقتصاديات قوية..وما كانت مصر الحديثة (محمد على )جيش قوى واقتصاد قوى طبعا مع ما يرافق ذلك من تعليم قوى وإنسان صحيح .

تملك تركيا المصالح المتشابكة مع الرياض في الملف السوري تحديدا وغيره من الملفات الإقليمية التى سيكون للسلطان كلمة مسموعة فيها. العلاقات المركبة مع إسرائيل والممتدة منذ خمسينيات القرن الماضى. وضبط وتحجيم الطمع والطائفية السياسية والتاريخية التى تزمجر بها إيران هنا وهناك .

لا شك أن بوتين يحتاج الى كل ذلك فما بالك إذا كان هناك توترا مع الناتو وما بالك أيضا إذا كان الفضاء المشرقى حافل بالثغرات والشقاقات والتصدعات. نحن أمام لحظة إقليمية حرجة.. هذه حقيقة وسيكون للقاء سان بطرسبرغ دورهام في تخطيط ملامح الشرق الأوسط القادم.

ستنكسر كل القيود التي منعت تركيا من استغلال كامل إمكاناتها في المنطقة. كانت سياسة تركيا في السنوات الأخيرة تكتيكية  تفتقد إلى الاستراتيجية الواسعة الى جانب الحذر المفرط فى التعرض للتهديدات. الأن ما عاد هذا مقبولا! فعدم القدرة على التنبؤ بالوضع جنوبا إلى جانب التهديدات المحتملة من كل اتجاه تجبر تركيا على زيادة سيطرتها على الوضع وفي هذا الإطار يجب أن يتم استبدال السياسة التكتيكية باستراتيجية وطنية. وهذا هو بالضبط المستهدف من تلك الإجراءات الموجعة التى نراها ونسمع عنها كل يوم فى تركيا.      

روسيا بدورها كانت متفهمة تماما لما يحدث فى تركيا ما بعد الانقلاب و أكثر كثيرا من الغرب أعور العين حين يريد أن يكون أعورا!

بطبيعة الحال، التناقضات الغربية التركية وإزعاج واشنطن وزعزعة الثقة بالشراكة الأطلسية مع تركيا رأس حربة الناتو في جناحه الجنوبي يتفق مع الأجندة الإستراتيجية لروسيا.

ذكر البعض أن التفاهم التركى مع روسيا بمواجهة أوروبا الغربية وأمريكا الأن هو بالضبط ما حدث عام 1833 عندما كاد محمد علي باشا والي مصر أن يحتل إسطنبول بعد احتلاله بالفعل بلاد الشام والأناضول وتأخر بريطانيا وفرنسا قليلا عن تحجيم طموحات الباشـا الاستراتيجية لترتيب مصالحهما معه، مما دفع السلطان العثمانى إلى روسيا ووقع معها اتفاقية "هنكار اسكلاسي" فى 8 يوليو 1833 وبموجب الاتفاقية تعهدت روسيا بالدفاع عن الدولة العثمانية. 

الموقف بالطبع مختلف ولن يتغير مجرى التاريخ فجأة من لقاء 9\8 الجاري فى سان بطرسبرغ ..على الأرجح ستستمر المناورات والتجاذبات والتفاهمات والتلاعبات والتماحكات، لكن الجغرافيا السياسية وحركة التاريخ ستفرضان قدرا من  التمهل والتريث على القيصر والسلطان بانتظار اكتمال الدائرة!

سيكون على تركيا إدارة مصالحها بنفسها بمستوى بالغ القوة والثقة خاصة بعد الاستقلال الثانى الذى تحدث عنه رئيس الوزراء بنعلى يلدريم أمام قبر أتاتورك. وسيتعين عليها، وهو ما بدأ بالفعل، مصاحبة روسيا من أجل إدارة مشتركة للمنطقة.

روسيا قريبة ومنافس اقليمى وتاريخي قوى، وينبغي لها أيضا فتح صفحة جديدة تماما مع الغرب، الغرب التاريخى الذى تحكمه بالجار المسلم علاقات تاريخية معقدة أو الغرب الاطلسى الذى تمثل فيه تركيا ثانى اكبر جيوشه أو الغرب الاستراتيجى الذى يعتبر الشرق الأوسط منطقة خالصة لنفوذه.

* * *

حكى ديستويفسكى على لسان راسكولنيكوف بطل رواية "الجريمة والعقاب" كثيرا من ألغاز النفس الإنسانية وتعقيداتها فى مجالات الخير والشر والحب والجريمة والجنون والأهواء والمنفعة وكيف أنها قد تحمل في  نفس الوقت أسمى المثل إلى جانب أحط الدناءات.. ليس على المستوى الفردى فحسب، بل أيضا، وبشكل أكثر حدة واشتعالا، على مستوى السياسة والتاريخ. 

* طبيب وكاتب مصري ومدير المركز الثقافي العربي باتحاد الأطباء العرب.

  كلمات مفتاحية

أردوغان تركيا بوتين الغرب الانقلاب العسكري الفاشل الناتو روسيا سان بطرسبرغ إسقاط الطائرة الروسية

أردوغان وبوتين والأسد بينهما

لقاء «بوتين» و«أردوغان»: هل تتغير خارطة تحالفات الشرق الأوسط؟

حلب بين أردوغان وبوتين

«أردوغان»: تركيا وروسيا مصممتان على إعادة العلاقات إلى سابق عهدها

«أردوغان» خلال لقائه «بوتين»: العلاقات الروسية التركية عادت إلى مسارها الإيجابي