كيف يمكن للتقارب الروسي التركي أن يؤثر على الأزمة في سوريا؟

السبت 20 أغسطس 2016 04:08 ص

هذا هو موسم إعادة الضبط إذا نظرنا إليه من زاوية المناخ العاصف في سوريا. يبدو أن الولايات المتحدة تتراجع عن هدفها غير الواقعي بالتمسك بتفعيل وقف إطلاق النار بعيد المنال على حساب منح الروس مساحة أكبر للقيادة. أدرك الروس أيضا أنهم إذا لم ينتقلوا سريعا إلى المسار السياسي، فإنهم قد يكونوا في طريقهم إلى مستنقع عسكري كما ظهرت بوادره في حلب. «الأسد» بدوره أفاق من سكرة تقدمه في حلب بعد أن استشعر خطر الهجمات المضادة الناجحة للمعارضة. السعوديون كذلك في طريقهم لقبول تجميد إنتاج النفط لمعالجة آلام المنتجين، بما في ذلك بلادهم. على جانب آخر، فإن «بوتين» والأتراك يقومون بتغيير مواقعهم بسرعة وسلاسة.

ومن الواضح أن معظم هذه الأطراف قد بدأت تدرك أنه لا أحد بإمكانه أن يحقق نصرا، كاملا أو أن يقارب الموقف باعتباره صراعا صفريا. كشفت حلب حدود جميع الأطراف بشكل واضح. سوف يكون كسر زخم «الأسد» وحلفائه بداية لماراثون طويل باتجاه نوع مختلف من المفاوضات السياسية. ولكن من بين كل تلك التطورات المتسارعة، فإن إعادة ضبط العلاقات الروسية التركية يبقى الحدث الأهم في المشهد السوري.

وبعد الاجتماع مع «بوتين» في سان بطرسبرج يوم 9 أغسطس/آب، أكد «أردوغان» أنهما سوف يعملان معا من أجل إنهاء النزاع السوري. وأضاف:«آمل أن تستطيع روسيا وتركيا حل الأمر عبر اتخاذ خطوة مشتركة».

وسرعان ما تبع ذلك بعض التعديلات الملحوظة في سياسة أنقرة في سوريا. «تعتقد الحكومة التركية أن القيادة السورية الحالية من المحتمل أن تشارك في المحادثات الرامية إلى حل الأزمة السورية. نريد أن تشارك القيادة السياسية الحالية للبلاد في عملية التفاوض»، وفق ما نقلته أحد وكالات الأنباء عن سفير تركيا في روسيا خلال مؤتمر صحفي في 11 أغسطس/آب.

على النقيض، صرح وزير الخارجية التركي «مولود جاويش أوغلو» في مقابلة تلفزيونية أن الانتقال السياسي في سوريا ليس ممكنا في ظل وجود الرئيس السوري «بشار الأسد».

«بوتين» يبيع سياسته

قد يبدو من المفارقات أن موسكو، وليس واشنطن الحليف التقليدي، كانت السبب في إقناع قادة تركيا باعتماد الطريق لذي تتبناه كل من واشنطن وموسكو لإيجاد حل سياسي في سوريا. ولكن في واقع الأمر لم يكن ما باعه «بوتين» إلى الأتراك سياسة مشتركة تم الاتفاق عليها بين روسيا والولايات المتحدة، ولكن ما قام بيعه ببساطة هو سياسة موسكو الخاصة، بنفس الطريقة التي دفع بها وزير الخارجية الأمريكي «جون كيري» إلى تبني سياسته.

يصبح قيام روسيا بتسويق مواقفها الخاصة واضحا بالنظر إلى تصريح نائب رئيس لجنة مجلس الشيوخ الروسي لشؤون الدفاع حيث قال: «بعد الاتفاق على وضعها القانوني سوف تصبح حميميم قاعدة عسكرية روسية، وسيتم بناء البنية التحتية المناسبة، وسوف يعيش جنودنا في أوضاع مناسبة». وأضاف: «الاستطلاع والدعم القتالي من وحدات سلاح الجو الروسي تسمح للجيش السوري بإنجاح مهامه. تدرك روسيا أنها إذا لم تتخذ هذه التدابير فإن التهديدات الإرهابية سوق تصل إليها أيضا». وتشير هذه الخطوة أن موسكو تسعى لإقامة وجود عسكري دائم آخر في سوريا بالإضافة إلى قاعدتها البحرية في طرطوس. وقد طلب «بوتين»، قبل وصول «أردوغان» إلى الكريملين، أن يصدق البرلمان على اتفاق وقع مع دمشق العام الماضي لإنشاء قاعدة جديدة.

وبينما كان الروس يشرعون في استخدام قاعدة جوية في إيران من أجل شن هجمات ضد روسيا، كانت الطائرات الحربية التركية تشارك بنشاط في عمليات ضد الدولة الإسلامية بعد أن بدأت تركيا وروسيا في استعادة علاقاتهما المتوترة منذ حادثة إسقاط الطائرة. ووفقا لوزير الخارجية التركي «مولود جاويش أوغلو»: «إذا لم ننه تواجد المنظمة بشكل مبكر فإن خلايا سوف تنتشر مثل الوباء. لذا فإننا في هذه المرحلة سوف ننضم بنشاط مرة أخرى للعمليات الجوية ضد الدولة الإسلامية».

من الواضح الآن تماما أن «الدولة الإسلامية أولا» قد تحولت إلى سياسة عالمية. هذا الأمر، بالإضافة إلى ضرورة وجود تحالف إقليمي لمكافحة الدولة الإسلامية، كان هو الموقف الروسي منذ اليوم الأول. ويبدو أن خطة «بوتين» كانت تطويع الولايات المتحدة قبل أن يقوم بتعويم استراتيجيته «الدولة الإسلامية أولا». وقد ساعدته الظروف لاحقا في الحصول على دعم الأكراد كذلك. مع هذا الشعار، فإن «بوتين» لم ينجح فقط في تعزيز مصالح روسيا في محاربة الإسلاميين، ولكن أيضا في توسيع نطاق الوجود العسكري المباشر لبلاده في الشرق الأوسط. تستخدم هذه الخطة باعتبارها معبرا لتحقيق الأهداف الاستراتيجية بعيدة المدى: وهي تحويل روسيا إلى زعيم تحالف إقليمي وعالمي لمكافحة الإرهاب.

ولكن كيف سينعكس ذلك على الوضع في سوريا؟

حقيقة أن القتال ضد الدولة الإسلامية يأتي أولا، تتطلب أن هناك شيئا ما سوف يأتي ثانيا. عندما ندرس عن كثب مواقف الولايات المتحدة وروسيا وكيف تطورت، فسوق نرى أن الفارق الضمني بين البلدين ليس على البداية ولكن على ما سوف يأتي في المرحلة الثانية. على الرغم من هذه الاختلافات قد تبدو طفيفة لبعض المراقبين في الوقت الحاضر حيث لا نزال في المرحلة الأولى، فإن الخلافات الصغيرة بين القوى الفاعلة في أعقاب التحولات قد تنمو خارج حدود المتصور متسببة في الإطاحة بجميع المساعي. ومن الجدير أن ننظر أن روسيا لا تملك رفاهية الوقت على الإطلاق، وأن الضبابية هي وحدها التي سمحت لروسيا بالتحرك وتحقيق المكاسب من سياستها الأولى بالتركيز على الدولة الإسلامية.

واحدة من التفاصيل التي ستختبر العلاقات بين الجهات الفاعلة الإقليمية منها والعالمية هي جبهة النصرة. من خلال التوصل إلى اتفاق مع روسيا لقصف كل من الدولة الإسلامية وجبهة النصرة، فإن الولايات المتحدة قد وافقت على قصف معظم الفصائل المعارضة بما في ذلك تلك الفصائل التي تدعمها أنقرة وحتى بعض الفصائل التي تلقت تدريبا أمريكيا. لا يزال هناك بعض المتمردين غير الإسلاميين يحاربون «الأسد» ضمن صفوف الجيش السوري الحر، ولكن معظم فصائل الجيش السوري الحر قد أجبرت على الانضمام إلى جبهة النصرة في تحالف غير متكافئ يعرف باسم جيش الإسلام. خلقت جبهة النصرة هذا التحالف خصيصا من أجل تفادي الضربات الأمريكية عبر إحاطة نفسها بمجموعة من الفصائل غير الإسلامية.

استراتيجية تركيا

من الناحية النظرية، سوف تكون تركيا بحاجة إلى التخلي عن حلفائها الإسلاميين في شمال سوريا ولكن من الصعب تصور حدوث ذلك فعليا. وعلاوة على ذلك، فإن تركيا تخبر المعارضة السورية أن إعادة علاقاتها مع موسكو وطهران جاء نتيجة خيبة أملها من حلفائها الغربيين، وحتى تتمكن من لعب دور وساطة فاعلة. من الناحية العملية فإنه يمكننا أن نختزل هذا الموقع إلى سياسة محكومة باعتبارين:

(1) ليس لدى تركيا أي مصلحة في استمرار الحرب الأهلية في سوريا، بالنظر إلى أنها لم تتسبب لها إلا في صداع مزمن على مدار 5 سنوات.

(2) ترغب تركيا في العودة إلى لعب دورها التقليدي كجسر بين مختلف الأجندات الجيواستراتيجية، وهو الموقع الذي تستفيد منه بشكل جيد.

ولكن القضية ليست في التنبؤ بالكيفية التي سيحول بها «أردوغان» استراتيجياته لأن ذلك واضح بالفعل. القضية الحقيقية هي إلى أي مدى سوف يؤثر هذا التوجه الجديد على الوضع الإقليمي ولاسيما في سوريا. لذلك سيكون من المهم بالنسبة لأنقرة أن تثبت لحلفائها، القدامى والجدد، أن بإمكانها حقا صناعة الفارق.

لن يقوم «أردوغان» بإلقاء صورته القيادية بين جزء كبير من الإسلاميين خارج النافذة. لا طبيعته ولا مصالحه يرجحان ذلك. وبدلا من ذلك، فإنه سوف يقوم بإعادة تقويم وتعديل موقفه بشكل بطيء ومتدرج ليس بأن يصبح عدوا للإسلاميين، ولكن عبر التحول إلى «جسر».

ثم هناك مسألة «الأسد». ما مدى ثقة بوتين أن «الأسد» سوف يرحل بعد إنجاز هذه المرحلة الأولى الذي تحول من «الدولة الإسلامية أولا» إلى «الدولة الإسلامية وجبهة النصرة أولا»؟ هل سيؤدي هذا النهج، المقبول حتى الآن من قبل تركيا وواشنطن، إلى مرحلة «الأسد ثانيا»؟ وما هي فرص إحلال السلام في سوريا في ختام المرحلتين؟

أولا: ليس من المؤكد أن بوتين حقا يريد الإطاحة بـ«الأسد» بغض النظر عما سيقوله خلال المرحلة الأولى. ثانيا، فإن «بوتين» ربما ينتظر ليرى تحولات ميزان القوى على الأرض خلال مكافحة الدولة الإسلامية وجبهة النصرة. ثالثا، يدرك «بوتين»، كما يدرك الجميع، أنه حقق مكاسب كبيرة من استثمارات محدودة. واشنطن غيرت مواقفها وفعلت تركيا الأمر نفسه والعرب يفكرون في التغيير. ولا أحد يفكر بجدية في الخلاص من «الأسد» سوى الشعب السوري.

معضلة «الأسد».. مرة أخرى

النقطة المركزية في أي محاولة للإجابة على مسألة السلام في سوريا بدون الدولة الإسلامية وجبهة النصرة وفي وجود «الأسد» وإيران وحزب الله بسيطة للغاية: وهي أن المرحلة الأولى لا يمكن أن تتحقق واقعيا دون إعلان نوايا الأطراف ذات الصلة فيما يتعلق بالمرحلة الثانية. وبعبارة أخرى، فإنه من الصعب أن نتصور وحدة بين جميع السوريين في معركة مشتركة ضد الجهاديين دون إبلاغهم مسبقا بما سيتم القيام به مع الدكتاتور الذي ثاروا ضده في المقام الأول. من ناحية أخرى، من الصعب تصور هزيمة الجهاديين من قبل الطائرات الروسية حتى لو انضمت إليها الولايات المتحدة وتركيا. حلب تخبرنا ذلك بشكل واضح.

على العكس من ذلك، يقول بعض الخبراء أنه إذا تم الإعلان أن «الأسد» سوف يرحل في معركة لاحقة، فإن النظام في دمشق قد تنهار في اليوم التالي. كثير من السوريين يعتقدون أن هذا افتراض مبالغ فيه، وأن انسحاب «الأسد» من الساحة ينبغي أن يتم بجهود منظمة. لكن مجرد افتراض وجود انهيار، حتى لو كان غير محتمل، يشكل خطرا جديا.

بطريقة أو بأخرى، من أجل الخروج. هناك العديد من السيناريوهات الإبداعية على الطاولة ويمكن تخفيض المخاطر إلى الحد الأدنى. فقط عندما يعتقد كل سوري أن الديكتاتور سوف يغادر، فإنهم سوف يكونون على استعداد للتحرك معا لمواجهة الجهاديين الذين سيفقدون الحجة الرئيسية التي تبرر وجودهم. هذه الحجة هي محاربة الرئيس الجزار. إذا كانوا يقولون أنهم يريدون أن يحكموا وفق فهمهم الجامد للدين، فإن السوريين سوف يقاومون ذلك. ولقد شهدنا بالفعل صور الاحتفالات في منبج بعد تحريرها من الدولة الإسلامية.

كثيرون في الشرق الأوسط يعتقدون أن «أردوغان» حصل على التزام من بوتين خلال اجتماع سان بطرسبرج أن روسيا لن تدعم قيام أي كيان كردي مستقل على الحدود بين تركيا وسوريا. ويعتقد أيضا أن الحملة الروسية التركية المشتركة لمحاربة الدولة الإسلامية لن تتضمن دورا سوريا تركيا نشطا فوق الأراضي السورية، على الأقل في الوقت الراهن.

الفرق الحقيقي أن الأتراك سوف يلعبون الآن دور «الجسر» في الأزمات الإقليمية وبخاصة السورية. إذا قامت أنقرة بمعايرة خطوات في الأشهر القليلة المقبلة فإنها سوف تعلب دورا بناء. من المبالغ فيه أن نفترض أن «أردوغان» سوف يصعد توتراته مع الغرب. أولا، هذا لا يتناسب مع دور الجسر الذي يتراجع الآن إليه. ثانيا، هناك جذور عميقة بالفعل للعلاقات بين الجانبين سوف تسهم في كبح جماح أي سياسة متهورة. ثالثا، فإن التوتر مع الغرب لا يخدم الموقف التفاوضي لـ«أردوغان» مع روسيا وإيران.

فرص رسم طريق أكثر وضوحا وعملية لحل الأزمة السورية صارت، للمفارقة، أعلى مما كانت عليه سابقا. هذا لا يعني أن العقبات صارت أقل صعوبة، ولكنه يعني أن أحد أهم اللاعبين الأزمة السورية يحرك موقفه إلى حيث يمكن أن يلعب دورا بناء سواء على الأرض، أو في القنوات الدبلوماسية.

وقال رئيس الوزراء التركي إن بلاده وروسيا «تتفقان على حل الأزمة السورية». ولكن «حل» الأزمة السورية هو أكثر مما يمكن توقعه. تهيئة الظروف لنزع الصراع بما يؤدي، خلال عقد أو عقدين، إلى حل الأزمة السورية هي الصياغة الأكثر دقة للهدف. على افتراض أن هذا الهدف يشمل أيضا مكافحة «التطرف».

«الطريق» التي تحددها خريطة الطريق المؤدية إلى الحل ينبغي أن تبدأ بثلاثة عناصر: هزيمة الدولة الإسلامية عسكريا، ثم رحيل« الأسد» ثم موافقة جميع الأطراف ذات الصلة على ما ينبغي القيام به لتطهير سوريا من التطرف العنيف، وكيفية بناء هذا البلد العريق.
 

المصدر | سمير التقي وعصام عزيز - ميدل إيست بريفينج

  كلمات مفتاحية

تركيا روسيا سوريا بشار الأسد الدولة الإسلامية أوباما

«فورين بوليسي»: الصراع الروسي التركي حول سوريا مستمر خلف الأبواب المغلقة

حمى الدبلوماسية بين تركيا وروسيا وإيران وصلتها بسوريا

«أردوغان»: تركيا وروسيا مصممتان على إعادة العلاقات إلى سابق عهدها

«حرييت ديلي نيوز»: تفاصيل الدبلوماسية السرية التي أنهت الأزمة بين تركيا وروسيا

روسيا أم الولايات المتحدة: أين تتجه بوصلة تركيا بعد الانقلاب الفاشل؟

روسيا وتركيا وتبدل التحالفات

عن الغياب العربي

«البيت الأبيض»: زيارة «بايدن» إلى تركيا تأكيد لدعم واشنطن للحكومة الديمقراطية