إقطاعيات أمراء الحرب: ماذا تبقى حقا من النظام والدولة في سوريا؟

الأحد 4 سبتمبر 2016 08:09 ص

في مقابلة مع مجلة «فورين بوليسي»، عدد «روبرت مالي»، مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط، الأولويات المتشابكة للسياسة الأمريكية في سوريا، ما بين تحقيق التوازن الذي يحافظ على حياة المدنيين، والحفاظ على مؤسسات الدولة، وتجنب حدوث فراغ في السلطة قد يؤدي إلى فوضى عارمة.

وخلال السنوات الثلاث الأخيرة، برزت هذه الحجة، التي لا تتماشى فقط مع سياسة التدخل المحدود التي تتبعها الولايات المتحدة ولكن أيضًا في كتابات عدد من المدافعين عن دمشق بشكل صريح. والسؤال الذي طرحه أحد الكتاب يقول: ماذا تبقى حقًا من الدولة المركزية في سوريا؟

حالة من الحرمان

وبعد انهيار قواته في إدلب العام الماضي، خرج «بشار الأسد» في خطاب يعترف بمعاناة جيشه من النقص العددي ما أدى إلى الإنسحاب من جبهات عديدة، ثم ظهر في يوليو/ تموز منهارًا تحت وطأة الاستنزاف البطيء والانشقاقات، ما أدى إلى تدخل روسيا وإيران لتغيير ذلك الوضع، وهو ما نجحتا فيه وفقًا لمحللين داخليين وحكومات أجنبية.

لكن كباحث أمضى العديد من السنوات في البحث والتتبع لقوات النظام المسلحة، فإني لا أوافق على ذلك. فبقدر محاولات تقدير قوة النظام، فقد عانى المحللون والباحثون من أوجه قصور تحليلية حول أعداد الجيش السوري على الأرض أو المساحات المسيطر عليها من أي من الأطراف المتصارعة. لذا، فإن كنا تعلمنا شيئًا من أفغانستان والعراق، فينبغي ألا نعتمد على الأرقام والإحصاءات الخادعة. وكما أن الحرب الأهلية في جوهرها دائمًا ما تكون خلافًا على المبادئ الأساسية للمجتمع وهيكلته، فإن ديناميكية الحكومات الداخلية لا تقل أهمية عن النجاحات الميدانية في خط المواجهة.

وبعد 5 سنوات من الصراع، لا تختلف هيكلة جيش النظام السوري كثيرًا عن ميليشيات المعارضة، بينما تزودت المعارضة بكثير من الخبرة والحلفاء الأجانب وأمراء الحرب المحليين. وتلعب الاختلافات الطائفية والديموغرافية بالإضافة إلى التشرذم الناتج عن الضغوط الاقتصادية، دورًا في زعزعة مركزية الدولة، واكتسبت الأجزاء التي ابتعدت عن يد الدولة من الطائفيين أو المتشددين درجة كبيرة من الاستقلال السياسي والاقتصادي. وعلى عكس ما يدعيه الآخرون، فإن ضرب «نظام الأسد»، لم يعد بالنفع الكبير على السنة، وهم القطاع الأكبر من سكان سوريا، بل زادت قوة أكثر العناصر وحشية، وتضاعفت قوة القطاعات الطائفية وقطاع الطرق.

واليوم، بينما تغطي علامات الصليب الأحمر معظم الخريطة السورية، يتبين لنا أن هناك العشرات أو المئات من القرى الصغيرة التابعة للأسد بالاسم فقط.

الجريمة والعقاب: «قوات النمر» في حماة

ويدرك هؤلاء الذين تابعوا الحرب الأهلية السورية عن قرب أن هناك قوتان رئيسيتان تقومان باعمال النظام السوري، «قوات النمر»، و«صقور الصحراء»، والتي تعمل في حلب واللاذقية على التوالي. وتعمل هذه الوحدات على إخماد الهجمات المسلحة للمعارضة والانتشار في جميع أنحاء البلاد بشكل سريع، وتشبه في تكوينها ميلشيات المعارضة وتتكون من مجموعة من أمراء الحرب الأغراب وفلول النظام، بالإضافة إلى بعض عناصر الدعم الأجنبي.

ووفقًا لـ«روبرت فيسك»، فإن الجندي المفضل لدى «بشار الأسد» هو «سهيل الحسن» قائد قوات النمر. و«الحسن» هو ضابط كبير بالمخابرات الجوية، ويعتقد أنه أيضًا المخطط لعملية براميل الأسد المتفجرة والأرض المحروقة. ويتمتع «الحسن» بشعبية بين مؤيدي النظام تقارب بشار نفسه.

ويعود تشكيل «قوات النمر» إلى اشتراك «الحسن» مع مجموعة من البلطجية وضباط الجو وزعماء القبائل في قمع الاحتجاجات في حماة في أول أيام الإنتفاضة، وهذا ما جعله يفرض نفسه بديلًا عند «الأسد» لمؤسسات النظام المتداعية بالفعل. ولا تزال «قوات النمر» اليوم تتكون من شبكة واسعة من الميليشيات الموالية للنظام والمجرمين والمهربين تمتد عبر حماة. وأصبح مرؤوسيه المباشرين يتمتعون بسمعة سيئة نظًرا لنشاطهم الإجرامي بممارسة قطع الطرق والتهريب في غياب القانون. وبلغ الأمر ذروته إلى الدرجة التي أجبرت النظام على القبض على «علي شيلي» وهو أحد مساعدي «الحسن»، لكنه خلال أيام تم إطلاق سراحه، وعاد إلى الخطوط الأمامية. كما أنه من المعروف أن أمراء الحرب بقوات «النمر» يهربون الأسلحة والناس والنفط لتنظيم الدولة الإسلامية، وهو ما يقيد من جهود النظام في الحرب.

ورغم التأكد من عدة وقائع لمقتل جنود بالمخابرات ومحاولات لاغتيال «الحسن» نفسه، بسبب تهريبات ومساعدات من الوحدة التي تتبع «شيلي»، إلا أن النظام لا يجد أمامه خيارًا إلا غض الطرف عن ذلك، فلا يمكنه الإعتماد على مجموعات أخرى في حماة.

عامل النفط

بجانب ما تبقى من بعض الزراعة، أصبح الاتجار في النفط والسلاح والبشر، نشاطًا اقتصاديًا واسعًا في غالبية أنحاء سوريا. وتعمل المليشيات الموالية للحكومة في ذلك وتقبض الثمن، وقد تعلمت الاعتماد على نفسها بعيدًا عن الحكومة وخاصة فيما يتعلق بتجارة النفط. وفي حادثة في حماة، عثرت القوات العسكرية على شاحنات محملة بالنفط متوجهة لتنظيم الدولة الإسلامية، وخوفًا من انتقام «طلال الدقاق»، سلمت القوات العسكرية الشحنة إلى إدارة المخابرات الجوية، ثم كان مصير هذه الحافلات الاختفاء مرة أخرى.

وكانت الحكومة العسكرية تعتمد في 25% من مدخولها على النفط قبل الحرب، لكن ومع انهيار النظام الاقتصادي والتوتر على الأرض، انهارت جميع القطاعات ومنها الغاز والنفط، وبعد أن تمكن تنظيم الدولة من تفجير منشأة الغاز الرئيسية الأخيرة التي كانت لا تزال تعمل في يد النظام، فإن الوضع قد تفاقم إلى حد كبير. كل ذلك أدى إلى تقليص الأجور، والإلقاء بالملايين في براثن الفقر، وزيادة التضخم وانهيار العملة المحلية، ما أدى إلى ارتفاع تكاليف شراء السلع، وهو ما نشط من حركة التهريب بعيدًا عن أعين الحكومة.

«صقور الصحراء» هي المجموعة التالية في الأهمية للنظام السوري. وتأسست تلك المجموعة على يد الأخوين «أيمن» و«محمد جابر». وهما من أسسا لحصول المهربين على القوة والسلطة. وقد حصلا على مبالغ كبيرة من استغلال كارثة برنامج النفط مقابل الغذاء في التسعينات في العراق، واستثمرا هذه المبالغ في الممارسات الاحتكارية بطول الساحل السوري مع أول موجة من الانتفاضة ضد الرئيس «بشار الأسد». وتحت ضغط العقوبات الأجنبية، وقع «الأسد» مع رجال الأعمال عقدًا يتيح لهم تأسيس ميليشيات خاصة لحماية أملاكهم. وهكذا أنشأ الأخوان ميليشيا أصبحت هي الذراع العسكري على الأرض الثاني في الأهمية للنظام بعد «قوات النمر».

الاقتصاد وقت الحصار

بدأت الميليشيات بعد احتكارها للموارد في استغلال السكان الذين يعانون بشكل مباشر. وبفعل العقود التي وقعوها مع النظام، فإن هذه الميليشيات الصغيرة، قد سيطرت وتملكت مئات الآلاف من منازل النازحين من العاصمة وما حولها تحت وطأة الحصار الاقتصادي. وخارج ما تم الاتفاق عليه مع الحكومة، أصبحت تلك الميليشيات تنصب كمائن وتفرض إتاوات تبلغ 100 ليرة سورية للكيلوجرام الواحد من منتجات الأغذية. وأفادة مجموعة «مراقبة الحصار» أن أعداد المدنيين المحاصرين بقوات «الأسد» يبلغ ما يزيد عن 850 ألف سوري عبر سوريا. وفي هذه المناطق، تضاعفت تكاليف المعيشة بشكل خطير.

نحن لا نتحدث في هذه النقطة لنزيد من شيطنة النظام السوري، ولكن لنوضح دور هذه الميليشيات. ومذ لم يعد النظام قادرا حتى على إطعام مقاتليه أنفسهم، فإن هذه المليشيات لم تعد تعتمد على النظام في المأكل أو المعيشة أو المعدات أو التجنيد. وعلى الرغم من أن هذه الميليشيات هامة للأسد، إلا أن النظام السوري يفقد السيطرة عليها يومًا بعد يوم.

النظام في منعطف مسدود

وتظهر حادثة خطيرة حدثت في فبراير/ شباط الماضي ما وصل إليه النظام من منعطف خطير. فقط طلب قائد إحدى الميليشيات ويدعى «أحمد إسماعيل» الدعم من ميليشيا قريبة يقودها «فادي قربيش»، أثناء اشتباكه مع بعض المعارضة، لكنه رفض المساعدة. وفي اليوم التالي وبدافع الشعور بالخيانة، توجه «أحمد إسماعيل» بقواته لقتال «قربيش»، لكن «قربيش» تمكن من التغلب عليه والاستيلاء على الأراضي التي كان يسيطر عليها «إسماعيل».

وفي محاولة للسيطرة على رؤوس الميليشيات، حاول «الأسد» تقريبهم منه سياسيًا. فقد أظهرت الانتخابات البرلمانية الأخيرة أن نظام الدولة المركزي تحول ليصبح ثوبًا فضفاضًا من أمراء الحرب. وبالنظر إلى عائلة الرئيس «بشار الأسد» نفسه، نجد أن أبناء عمومته من عائلة «مخلوف»، قد أسسوا ميليشيات خاصة بهم أيضًا من خلال مؤسستهم البستان. وهي الأخرى تقع خارج سيطرة «الأسد» تمامًا. وحتى الحزب الاجتماعي القومي السوري، والذي يعدّ العدو اللدود لحزب البعث الاشتراكي الحاكم، فإنه قد عاد للظهور بميليشيات تتزايد أعدادها، وقد حقق نجاحات بالفعل بين المجتمع الأرثوذكسي والدرزي. وبالنظر للدور التاريخي الذي لعبته عائلة «مخلوف» في الحزب الاجتماعي القومي، فإن تصادم الحزبين ينبئ بتمزق أوصال العائلة.

ولا يقدم الرعاة الأجانب المساعدة الكافية للأسد أيضًا. إيران تبدو مدركة للوضع المشوش تمامًا على الأرض، وقد بدأت بالتأسيس لشبكة عملائها عبر البلاد. وروسيا، وهي الدولة الأكثر اهتمامًا باستقرار النظام، تبدو غافلة عن الوضع برمته. فقد تم تصوير جنودها يقاتلون جنبًا إلى جنب مع مجموعة كبيرة من الميليشيات القبلية والطائفية.

خاتمة

على مدى الثلاث سنوات الماضية، وبالرغم من المساعدة والدعم الخارجي، استمر النظام في الضمور والانهيار على نحو متزايد. وإذا استمر الوضع على ما هو عليه، فإن نهاية «الأسد» كآخر عمود في خيمة النظام سيكون وشيكًا، كما هي نهاية حربه الوحشية ضد مواطنيه.

ويقاتل الغالبية العظمى من السوريين الآن، ولاسيما الميليشيات الموالية للنظام، ليس من أجل سوريا ومصالحها، ولكن من أجل مصالحهم الخاصة الضيقة. وإذا ما تم سقوط «الأسد»، فإنّ قادة الحرب المتبقين سيتقاتلون على حماية الأراضي التي يسيطرون عليها، وهو ما سيمزق سوريا إربًا ويسقط الكثير والكثير من القتلى.

إذًا، فلم كانت تلك الخطابات في العواصم الغربية وفي موسكو؟ ولم كانت كل تلك المعاناة وللحفاظ على أي شيء بالضبط؟

إذا لم تكن هناك بيروقراطية قوية وجيش عسكري قوي مسيطر على الأرض لإنقاذ حياة المدنيين وإحياء الدولة، فليس هناك معنى لما يفترضه قادة الغرب.

إنها مجرد فكرة خيالية وتوهم لدى النظام المؤيد للأسد الذي ارتكب أسوأ انتهاكات الحرب ضد شعبه، وأجبر الأطفال العلويين على القتال، ومزق البلاد إلى إقطاعيات صغيرة خارجة عن سيطرة الدولة. ويجب على الولايات المتحدة ألا تكون متواطئة مع هذا الادّعاء. فرحيل رأس الدولة السورية يصب في الصالح العام، وربما يكون قطع الرأس سريعًا في هذا الوقت خير من انتظار الانفجار.

عندما انتفض السوريون في أول الأمر، لم ينادوا فقط بإسقاط «بشار الأسد»، ولكن بإسقاط النظام. فقد عانى الشعب السوري طويلًا من انتهاكات حقوق الإنسان وفشل الدولة. نعم هناك إرهاب في سوريا، لكن لابد من موازنة ذلك، فهي أعراض لمرض مؤقت، وهو الحكم الخاطئ لـ«بشار الأسد» وعملائه والمقربين منه وصغار المجرمين الذين رفعهم للسلطة.

المصدر | وور أون ذا روكس

  كلمات مفتاحية

بشار الأسد حلب أمراء الحرب قوات النمر صقور الصحراء

«أردوغان»: ممارسات النظام السوري الإرهابية تجاوزت ما يفعله «الدولة الإسلامية»

إصلاح ما لا يمكن إصلاحه في دولة أمراء الحرب العراقية

سيطرة الثوار في سوريا على «جسر الشغور» تفتح الطريق إلى معقل «نظام الأسد»

تراجع سيطرة «نظام الأسد» إلى أقل من ثلث سوريا .. و«الدولة الإسلامية» يسيطر على ثلث آخر

سوريا.. إلى أين وصلنا؟

واشنطن تؤكد عدم التوصل لتسوية بخصوص سوريا