الفشل الأمريكي: «سي آي ايه» تخوض الحرب ضد البنتاجون في سوريا

الأحد 4 سبتمبر 2016 12:09 م

ترسم تركيا في الواقع طريقا جديدا لنهجها تجاه سوريا. استعادت المعارضة السورية التي تدعمها تركيا جرابلس من تنظيم الدولة في 9 ساعات. لم يخض التنظيم قتالا حقيقيا ولكنه قام بسحب قواته في هدوء إلى الباب، والرقة المجاورة قبل يوم من هجوم وحدات المعارضة المدعومة من القوات التركية.

عندما هزم مقاتلو تنظيم الدولة في منبج، بعد معركة دامية جدا استمرت لأسابيع، انسحبوا إلى جرابلس ولكن لا أحد يعرف لماذا لم يقاتلوا في جرابلس. ربما يفهم أن تنظيم الدولة كان ينبغي أن يخوض هذه المعركة بالذات، لكي يعطي الأتراك مساحة لمحاربة عدوهم المشترك: وحدات حماية الشعب لإنهاء تواجدها غرب الفرات وإضعاف زخمها شرق النهر.

تقدم المعركة المحتملة بين قوات المعارضة السورية والقوات الكردية فرصة لتنظيم الدولة حيث يمكن للجانبين أن ينزفا في المعركة. ويبدو أن التنظيم لا يضيع الوقت حيث إنه يسعى بالفعل إلى استعادة منبج.

لقد كان واضحا خلال الأشهر الطويلة الماضية أن القوات الكردية كانت ترتكب خطئا كبيرا عندما بدأت بالذهاب إلى الأراضي العربية التقليدية، وهي التي أغرت الفيل التركي بالدخول إلى متجر للخزف الصيني في شمال سوريا.

الآن يقول الأكراد إن الولايات المتحدة خانتهم. حسنا، لم تفعل واشنطن ذلك. واشنطن لم تبع الأكراد. إنهم لم يحصلوا أبدا على أي التزام من الولايات المتحدة بضمان السيطرة على أي منطقة خارج أراضيهم التقليدية. وقالت الولايات المتحدة فيما يتعلق بوجود قوات الأكراد غرب الفرات أن أي وجود لمقاتليها هناك هو وجود مؤقت. ومع ذلك، غضت الولايات المتحدة طرفها عندما كان الأكراد يتوسعون غرب الفرات. وكان عذر الأمريكين أن وجودهم غرب الفرات سيكون لفترة مؤقتة فقط.

لكن هذا العذر كان ساذجا جدا. ما هي الضمانات التي حصلت عليها الولايات المتحدة من الأكراد؟ وكيف سيتم سحب قواتهم بالفعل من تلك المنطقة؟ الأكراد دائما كانوا يريدون وصل أراضيهم في الشرق بمنطقتهم في عفرين. ألم يكن أي شخص في واشنطن على علم بهذه الحقيقة، التي يعرفها الجميع في المنطقة؟

كانت المباراة الحقيقية تكمن في استخدام الأكراد لقتال تنظيم الدولة من خلال تمكينهم من عبور النهر إلى الضفة الغربية، والمضي نحو عفرين. وعندما كانت هناك حاجة للأتراك، سمح لهم بدخول نفس المنطقة لتحويل حلم الأكراد إلى كابوس.

وكانت مسألة دخول القوات التركية شمال سوريا (في منطقة غرب الفرات وشرق عفرين) قد أثيرت في لقاء بين الرئيسين «أردوغان» و«بوتين» الذي عقد على هامش قمة مجموعة الـ20 في أنطاليا في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، قبل وقت قصير من حادث إسقاط الطائرة الروسية على الحدود السورية التركية.

ومع ذلك، فإن حادثة الطائرة عطلت أي تفاهم بينهما حتى أوائل أغسطس/ آب. وخلال اجتماعهما الأخير، أثيرت المسألة مرة أخرى، وأعيد تنشيط التفاهم السابق.

لم يكن لدى الولايات المتحدة أي خيار أفضل وقررت قبول التوغل التركي شريطة عدم قصف الأكراد. رفض الأكراد عدم مواجهة الأتراك ورفض الأتراك عمليا الامتناع عن قصف الأكراد. لذلك، رأينا بعد فصلا آخر من الأفلام الكوميدية السوداء لإدارة «أوباما» في سوريا: توغل تركي مدعوم من الولايات المتحدة إلى سوريا وقصف للوحدات الكردية التي تدعمها الولايات المتحدة. و كل هذا بسبب سياسة الإدارة التي قبلت توسع الأكراد إلى الغرب، وحوصرت بعد المصالحة بين «أردوغان» و«بوتين»، واضطرت إلى مساعدة الأتراك في شمال سوريا. ولكن لماذا لم يقم الأكراد ولا الأتراك باحترام التزاماتهم تجاه الولايات المتحدة؟ الجواب واضح. سيقوم الرئيس «أوباما» بلقاء «أردوغان» في وقت قريب. ولكن الحقائق لا تتغير من خلال كلمات لطيفة أو حتى عبر توجيه التهديدات.

السماح للأتراك بالتوغل في سوريا كان مجرد جزء من نهج أوسع، منظم بطريقة خاطئة، من أجل صفقة سياسية في سوريا. ويذكر أن «بوتين» طلب من نظيره التركي إسقاط مطلبه القديم بعدم وجود «الأسد» في أي حل سياسي. وقد تم تعريف الحد الجغرافي للعملية التركية أيضا بطريقة دقيقة جدا. وعلاوة على ذلك، ألزمت تركيا نفسها بمساعدة الجهود الروسية الرامية إلى تطهير شمال سوريا من «جميع أنواع الإرهابيين».

لذلك، في حين تم توصيف العملية العسكرية التركية في جرابلس على أنها معركة ضد تنظيم الدولة، ركز الأتراك على طرف ثالث، وهم الأكراد من حزب الاتحاد الديمقراطي. ينظر الأتراك إلى الأمر من منظور يركز على الأمن القومي، في حين يرى الروس الأمر في إطار مكافحة تنظيم الدولة وإعطاء «أردوغان» ما رفضت الولايات المتحدة إعطاءه، وهو مطلق الحرية في محاربة الأكراد على هذه الرقعة من الأرض، وهذا يعني الكثير من منظور الأمن القومي التركي.

هل يمكن تصحيح نهج الولايات المتحدة؟

يقوم البنتاجون بتدريب وتسليح وحدات الحماية الكردية، في حين تقوم وكالة المخابرات المركزية بتسليح وتدريب بعض الجماعات في المعسكر الذي يحارب الأكراد. وقد أشار نائب الرئيس الأميركي «جو بايدن» إلى أن الولايات المتحدة يمكن أن تستوعب إصرار «أردوغان» على قتال الأكراد غرب الفرات. وبعبارة أخرى، فإن «بايدن» اعترف أن الولايات المتحدة ارتكبت خطئا بعدم إظهار حساسية مناسبة تجاه مخاوف الأمنية الملحة لتركيا. لكن الأتراك فهموا أن الولايات المتحدة لديها خيارات محدودة بعد مصالحة «أردوغان» و«بوتين».

ضوء «بايدن» الأخضر لعملية «أردوغان» في شمال سوريا أقل بكثير من اتخاذ أي خطوة على الأرض بخلاف إعطاء الأتراك الترخيص في وقت متأخر لبناء «منطقة عازلة» بين الفرات وعفرين.

يأتي ذلك بينما قام الوزير جون كيري بالتوجه إلى جنيف للمحادثات مع نظيره الروسي «سيرجي لافروف» يوم 26 أغسطس/آب. هنا، يبدو أن الإدارة، في محاولة لتصحيح أخطائها، بدلا من أن تركز حصرا على تنظيم الدولة، فإنها تركز الآن وتأخذ على محمل الجد العمل على حل سياسي. للأسف، هذا صحيح فقط في الظاهر. الإدارة هي على وشك أن تحزم حقائبها وتترك منصبها. ربما يمكن ذلك للإدارة المقبلة شريطة ألا تركز المحادثات على تنظيم الدولة وحده ولا تتجاهل الديناميات التي تنتج هذا النوع من السرطان في المستقبل، وألا تستمر نفس الأسلوب الذي دفع الولايات المتحدة إلى الهامش واكتسب احتقار جميع الأطراف دون استثناء.

وبعبارة أخرى، كان خطأ وزارة الدفاع واضحا عندما جعل الجيش مفهوم توازن القوى تقنيا وعسكريا حصرا. وقام بدعم الأكراد وصم آذانه عن مشاعر تركيا والعرب السوريين، وهذا كان انعكاسا لقصر وجهة نظر هذه الإدارة بأكملها.

من ناحية أخرى، أخطأ «كيري» لأنه لا يستند إلى نفوذ حقيقي على أرض الواقع. في جنيف، كان «كيري» يتحرك مع نفس الأدوات المحدودة والقديمة إذا لم ينجح وقف إطلاق النار. ولكن لا أحد يأخذ ذلك بعد الآن على محمل الجد.

حسنا، ليس هناك وقف لإطلاق النار. في الواقع، كان القتل أكثر نشاطا كما نرى في داريا وحلب وحمص وإدلب. ونحن جميعا نعرف من يكسر وقف إطلاق النار.

كان ملحوظا أن وزير الخارجية «كيري» لم ينص على ضرورة مغادرة «الأسد» خلال مؤتمره الصحفي المشترك مع «لافروف» في جنيف في 26 أغسطس/آب، فإنه مع إسقاط تركيا إسقاط لشرط رحيل «الأسد»، ثم قيام الأميركيين بالشيء نفسه، يكون الرئيس «بوتين» قد حقق المرحلة الأولى من الاستراتيجية السورية له.

الضجيج حول حل سياسي مقبول من قبل كل من روسيا والولايات المتحدة، لا معنى له عندما نرى الوضع على الأرض.

«هنا هو دورك وهنا لنا».. يجب أن يكون هذا هو مبدأ تنظيم ماراثون جنيف للمحادثات بين «كيري» و«لافروف». ولكن كل الأدوار العسكرية والألعاب النارية السياسية تسير على النحو المعتاد. كانت الولايات المتحدة أول من فرز ما يجب القيام به عندما كانت قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من البنتاغون تتألف في معظمها من الأكراد الذين يقاتلون حاليا الجيش السوري الحر المدعوم من وكالة المخابرات المركزية.

وتشارك جبهة النصرة الآن في محادثات نشطة للغاية مع مجموعات أخرى من المعارضة في شمال سوريا. وأبلغ زعيمها «أبو محمد الجولاني» جماعات أخرى أنه مستعد لترك أي دور القيادة في مقابل «توحيد جميع جماعات المعارضة في الشمال». ومن المرجح أن هذا التوحيد لن يتحقق في الواقع خلال الأشهر المقبلة.

في أي حال، تشير الصورة العامة أن «بوتين» يحصل على ما يريد في يوم واحد: روسيا والولايات المتحدة وتركيا في تحالف غير رسمي «لمكافحة الإرهاب»، وهو تحالف يقاد من الكرملين . وهذه الخطوة هي المرحلة الثانية من خطة روسية لاستخدام سوريا لتحقيق أهدافها الجيواستراتيجية الأوسع.

هزم الرئيس «أوباما» في سوريا و الخطط الروسية اعتمدت الآن من قبل تركيا. حتى بعد أن قالت الأمم المتحدة إن الرئيس السوري استخدم مرارا وتكرارا الأسلحة لا يزال الرئيس الأميركي يتحدث عن الإنجاز الذي حققه في إجبار «الأسد» على التخلي عن الأسلحة الكيميائية. وقد كان الإنجاز الوحيد للرئيس «أوباما» في سوريا في الحقيقة هو الفشل.

المصدر | سمير التقي وعصام عزيز - ميدل إيست بريفينج

  كلمات مفتاحية

سوريا روسيا تركيا درع الفرات الدولة الإسلامية جرابلس الأكراد بايدن

الجيش التركي يفتح جبهة برية جديدة في عمق الأراضي السورية تمهيدا لاستعادة (الباب)

تركيا ترسل المزيد من التعزيزات العسكرية لدعم عملية «درع الفرات»

«أردوغان»: عملية «درع الفرات» في جرابلس تستهدف «الدولة الإسلامية» والأكراد

خيانة «أوباما» الكارثية: البيت الأبيض يهدي الانتصارات لـ«الأسد» وروسيا وإيران

خدعة «بوتين»: كيف تم استخدام جنيف كغطاء سياسي للحل العسكري الروسي في سوريا؟

واشنطن تؤكد عدم التوصل لتسوية بخصوص سوريا

التسوية السورية المستحيلة

البنتاغون يواجه موقفا غير مسبوق بتعاونه مع روسيا في سوريا