تقدم قوات «حفتر» في «الهلال النفطي» غير موازين القوى وقد ينسف اتفاق الصخيرات

الجمعة 16 سبتمبر 2016 01:09 ص

أدت سيطرة القوات القادمة من الشرق الليبي بقيادة «خليفة حفتر»، على منطقة الهلال النفطي، إلى تغيير الخريطة السياسية والعسكرية للبلاد، بعد أن أخرجت «إبراهيم الجضران»، قائد حرس المنشآت النفطية، من لعبة التوازنات المناطقية بين الشرق والغرب، وفجرت الخلافات داخل المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، مما يهدد بنسف الاتفاق السياسي الموقع عليه في الصخيرات المغربية نهاية 2015.

وقد تُشعل سيطرة القوات المنبثقة عن «مجلس النواب» المنعقد في طبرق (شرق) على المصدر الرئيسي للثروة في ليبيا، حربا أوسع، ولأول مرة بين كتائب مدينة مصراته (200 كلم شرق طرابلس)، التي تعد أكبر قوة عسكرية في الغرب، والقوات الموالية لـ«حفتر» (أكبر قوة عسكرية في الشرق)، بعد أن كانت معظم حروبهم السابقة بالوكالة سواء في مدينة بنغازي (1000 كلم شرق طرابلس)، أو في جبهة السدرة (600 كلم شرق طرابلس)، أو مناوشات في «زلة» (حقل نفطي في محافظة الجفرة، وسط البلاد) بعد أن زال الحاجز العسكري والجغرافي الفاصل بين القوتين البارزتين في ليبيا.

وبدأت القصة، فجر الأحد الماضي، بعد أن شنت القوات المنبثقة عن «برلمان طبرق» هجوما على منطقة الهلال النفطي، التي تقع تحت سيطرة «الجضران»، قائد حرس المنشآت النفطية، وتمكنت من وضع يدها على مينائي «راس لانوف» و«السدرة» (شرق الهلال النفطي) في نفس اليوم (يوم الوقوف بعرفة)، لكنها لم تعلن سيطرتها على ميناء الزويتينة (غرب الهلال النفطي، وشمال مدينة أجدابيا) بشكل رسمي إلا الإثنين (أول أيام العيد)، بينما تمت السيطرة على مرسى البريقة (وسط الهلال النفطي)، الثلاثاء، حيث أنهت سيطرتها على جميع موانئ الهلال النفطي الأربعة خلال الأيام الثلاثة.

وفاجأت السيطرة السريعة على الموانئ النفطية، والتي جاءت خلال عملية أطلق عليها «البرق الخاطف»، الجميع، وأثارت جدلا بشأن خلفياتها، لا سيما وأن «قوات الجضران» تنتشر في المنطقة، وتتوقع الهجوم في أي لحظة منذ شهرين، بعد تقدم قوات البرلمان في اتجاه ميناء الزويتينة، ووقوع مناوشات على أطرافها.

العقيد «أحمد المسماري» المتحدث الرسمي باسم القيادة العامة لقوات مجلس النواب، يوضح ذلك قائلا في تصريح للأناضول: «الهجوم اعتمد على عنصري التوقيت والسرعة»، مضيفا «شمل الهجوم أربع محاور؛ تقدم العميد مفتاح شقلوف، من محور منطقة الزويتينة، فيما قاد العقيد محمد بن نايل، محور منطقة راس لانوف، إضافة لقيادة العميد امقرض الفرجاني، محور منطقة السدرة، والعميد نور الدين الهمالي، محور بن جواد».

وتجدر الإشارة إلى أن «بن جواد» لا يوجد بها ميناء، إلا أنها قريبة من ميناء «السدرة» النفطي، وتمكن «حرس المنشآت النفطية» من تحريرها من يد تنظيم «الدولة الإسلامية»، إلى جانب منطقة «النوفلية»، خلال مشاركتهم في عملية «البنيان المرصوص»، التي أطلقها المجلس الرئاسي في طرابلس في 05 مايو/ أيار 2016، للقضاء على «الدولة الإسلامية» في مدينة «سرت» (450 كلم شرق طرابلس) والمناطق المحيطة بها.

«التوقيت كان قاتلا»، يقول «المسماري»، إن قواتهم «هاجمت في فجر الأحد؛ وهو يوم وقفة عرفة، إلا أن قوات الجضران لم تتوقع التوقيت، ولا أماكن الهجوم، إضافة إلى أنهم هاجموا تمركزات تلك القوات في أجدابيا القريبة من الهلال النفطي، الأمر الذي شل حركة القوات المناهضة».

وهذا ما فسر سرعة السيطرة على منطقة سبق وأن هاجمها «الدولة الإسلامية»، لأزيد من ثلاث أشهر، بدون جدوى، كما شنت قوات (الشروق) التابعة للمؤتمر الوطني في طرابلس، هجمات أخرى على نفس المنطقة نهاية 2014، ولم تنسحب من خطوط المواجهة إلا بعد أن سيطر «الدولة الإسلامية» على «سرت» في منتصف 2015، وقطع عليها خطوط الإمداد.

المتحدث العسكري نوه أيضا إلى ثالث عناصر نجاح العملية العسكرية الخاطفة، والمتمثل في: «امتثال جزء من قوات الجضران، لدعوات كبير قبيلة المغاربة، التي ينحدر منها معظم عناصر هذه القوات، لدعم قوات حفتر».

وتتمركز قبيلة «المغاربة» في مدينة أجدابيا (160 كلم جنوبي بنغازي) التي تتقاسمها مع قبيلة «الزوي»، ويمثل «المغاربة» معظم السكان الذين يقطنون في محيط الموانئ النفطية على الشريط الساحلي، بينما ينتشر «الزوي» جنوب الموانئ، أين توجد أشهر الحقول النفطية.

«الدور القبلي مهم في ليبيا»، يقول «فتحي المغربي، أحد أعيان قبيلة المغاربة، الذي تحدث للأناضول عن دور الشيخ باشا صالح الأطيوش»، كبير القبيلة، وذلك «خلال اجتماعات عقدها مع أهالي المسلحين المنضوين تحت إمرة الجضران».

وتابع «المغربي»: «للدور القبلي في ليبيا، بشكل عام وشرقها خاصة، أهمية كبيرة، وليس من المعقول أن يترك شباب المغاربة، أوامر شيخهم الأطيوش، وينصاعون لكلام شاب متهور مثل الجضران».

بينما بررت قوات حرس المنشأت النفطية المؤيدة لـ«الجضران»، اندحارها السريع دون إصابة جريح واحد من القوات الموالية لحفتر، باتهام هذا الأخير بالاستعانة بمرتزقة أفارقة من «حركة العدل والمساواة» السودانية، لا يتحدثون العربية، للقتال معهم، بحسب ما صرح به علي الحاسي، المتحدث باسم «الجضران» للأناضول، وقت الهجوم.

لكن العقيد «مرعي بزامة»، الذي شارك في الهجوم على الهلال النفطي، فند هذه الاتهامات، وقال للأناضول إن «من اتهمهم الجضران بأنهم مرتزقة من إفريقيا هم عسكريون من قبيلة التبو الليبية» وتابع «للتبو لغتهم غير العربية فعلا، ولكنهم ليبييون».

وقبيلة «التبو»؛ تنتشر في جنوب ليبيا، وتعود أصولها إلى «تشاد»، حيث توجد امتدادات لهذه القبيلة في «تشاد» المجاورة.

وتابع العقيد «بزامة»: «ليس من المعقول أن نستعين بمرتزقة في عملية عسكرية سيشهدها العالم كله، نحن لسنا بهذا الغباء ورجالنا كثر، وشارك في عملية "البرق الخاطف» غرفات العمليات العسكرية؛ «الكرامة»، و«أجدابيا»، و«سرت الكبرى»، و«الجنوب»، وهي كافية جدا وهذا ما تم إثباته».

وبعيدا عن العملية العسكرية، يظل السؤال الأهم المطروح حاليا هو: مستقبل تصدير النفط في ظل سيطرة القوات التابعة لحفتر على الموانئ النفطية، وهو ما أجاب عليه «فهمي اللولكي»، الخبير الاقتصادي الليبي، الذي أكد أن «أي سيناريو يأتي بعد سيطرة جيش البرلمان على موانئ النفط لن يكون أكثر سوءً من فترة سيطرة الجضران عليها، والذي كلف الدولة الليبية 100 مليار دولار خسائر، وأدخل البلاد في أزمة خانقة».

«اللولكي»، أوضح للأناضول أن «سيناريو ورقة الضغط من قبل سلطات الشرق (البرلمان وحفتر والحكومة المؤقتة) غير مستبعد، فموانئ النفط ورقة رابحة جعلت من الجضران، الشاب الصغير، شخصا مهما، جاء العالم لمفاوضته، وتحصل على مكاسب أقلها مالية».

وتابع «قوات حفتر، تسيطر حاليا على منطقة الهلال النفطي، التي تضم أكبر موانئ التصدير، إضافة إلى حقول النفط في منطقة زلة، التي سيطرت عليها في مايو 2016، وبالتالي سلطات الشرق الأقوى على الأرض حاليا».

لكن الخبير الاقتصادي استبعد أن يتم تصدير النفط من تلك الموانئ خارج سلطة حكومة الوفاق الوطني، مذكرا بمحاولة «الجضران، بيع ناقلة نفط في وقت سابق، لكن المجتمع الدولي أوقف تلك الناقلة في عرض البحر وصادرها».

على المستوى الدولي والإقليمي أصدرت كل من؛ الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا، بيانا ضد تقدم القوات الموالية لحفتر وسيطرتها على الموانئ النفطية، قائلة إنها سوف تطبق قرارا لمجلس الأمن الدولي ضد الصادرات "غير القانونية" خارج سلطة حكومة الوفاق الوطني في طرابلس.

من جهته، قال المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى ليبيا مارتن كوبلر، أمام مجلس الأمن، الثلاثاء الماضي، إن السلام الهش في المنطقة تلقَى «ضربة عنيفة» بعد الخطوة التي قام بها حفتر، وقد يعيق هذا التطور الصادرات النفطية، ويحرم ليبيا من المصدر الوحيد للدخل ويزيد من تقسيم البلاد، مضيفا أنه "سعى العديد في من المرات للتواصل مع «حفتر»، من أجل تشجيعه على تبني الحوار، ولكن محاولاته لم تلق نجاحا».

بينما أيدت مصر بشكل تام، اليوم الجمعة، على لسان وزير خارجيتها «سامح شكري»، من العاصمة الأمريكية واشنطن، سيطرة قوات حفتر على الموانئ النفطية، ووصفت انتقاد الدول الغربية الرئيسية لسيطرة «حفتر»، على الموانئ النفطية بـ«المتسرع».

الباحثة في الجامعة الأوروبية للعلوم السياسية المختصة في الشأن الليبي «فيرجيني كولومبيي»، في حديثها للأناضول، قالت إن «ما تشهده ليبيا الآن، هو مواجهة جديدة بين القوى الموجودة في الشرق والقوى الأخرى في غرب البلاد».

وأضافت «كولومبيي»: «هناك إعادة ترتيب للأوراق من جديد، وتغيير في موازين القوة، وهذا يعني عمليا نهاية الاتفاق السياسي الذي تم توقيعه في الصخيرات تحت رعاية الأمم المتحدة».

وأكدت أن «كل الآليات والمؤسسات التي من المفروض أن يعتمد عليها اتفاق الصخيرات الآن، أصبحت صورية لا أكثر، لأن موازين القوى على الأرض تغيرت».

وتابعت: «مصراتة التي تعتبر أهم قوة في غرب ليبيا، أصبحت اليوم أقوى في الغرب، بعد انتصارها على الدولة الإسلامية، في سرت، بينما أصبح كذلك حفتر، أقوى في الشرق، خاصة بعد التقدم الأخير الذي أنجزه في منطقة الهلال النفطي».

من جانبه يرى المحلل بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية «ماتيو توالدو»، أن مسألة النفط في غاية الأهمية في ليبيا، وأن المعركة من أجل السيطرة على آبار وموانئ النفط، قد تؤدي إلى حرب أهلية واسعة النطاق».

وأوضح في حديثه مع الأناضول أن حفتر، «قد يأمر قواته بالتقدم نحو سرت للاستيلاء عليها، فيما قد تعمل القوات الموالية لرئيس حكومة الوفاق الوطني، والتي يقودها الجضران، في منطقة الهلال النفطي على استعادة السيطرة على محطات النفط (الموانئ النفطية) في برقة، حيث يتم تخزين معظم الذهب الأسود الموجه للتصدير.

ويضيف «توالدو»، «إن هذا التطور كان منتظرا وتم التنبؤ به، خصوصا وأن الجهود كانت مركزة على الحرب ضد الدولة الإسلامية في سرت، ومع تراجع التنظيم وهزيمته، عادت الخلافات إلى الظهور».

وأشار إلى أن «هناك خطر حقيقي لاندلاع مواجهة عسكرية واسعة النطاق، لافتا إلى أن هناك فرضية بتقدم قوات مصراتة، الموالية لحكومة السراج، نحو الشرق لاستعادة آبار النفط، إضافة إلى أن حفتر، الذي ينحدر من قبيلة الفرجان، ثاني أهم قبيلة في سرت (القذاذفة؛ التي ينحدر منها معمر القذافي، القبيلة الأهم في المدينة)، وفي صفوف قواته هناك العديد من القذافييين السابقين: بالنسبة لهم العودة إلى سرت، يعني العودة إلى ديارهم وموطنهم».

المصدر | الأناضول

  كلمات مفتاحية

الهلال النفطي برلمان طبرق مجلس النواب